St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament  >   H-G-Bishop-Makarious  >   00-Book-of-Maccabees-Introduction
 

شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - الأنبا مكاريوس الأسقف العام

مدخل إلى سفريّ المكابيين - الأنبا مكاريوس الأسقف العام

فلسطين والعصر اليوناني

 

بينما كان الفرس يجدون صعوبة في إخضاع إمبراطوريتهم الممتدة، كان النفوذ اليوناني في تزايد مستمر على الرغم من محاولات الفرس الدائبة للتفريق بين مدن اليونان وإثارة إحداها ضد الأخرى، غير أن فيلبس المقدوني وهو غير يوناني بالطبع، استطاع توحيد تلك المدن وأصبح الحلف اليوناني (فيما عدا إسبرطة) هو الأداة التي قضت على إمبراطورية فارس، غير أن فيلبس هذا قُتل في سنة 336ق.م. وذلك قبل أن يتم تنفيذ مخططاته، ومن ثمَ تولى ابنه الإسكندر مكانه، وكان ذا شخصية عظيمة مهيبة، يندر وجود قائد فاتح مثله على مدار التاريخ، فقد تدرب على يد أرسطوطاليس وتمتع بأخلاق عالية دمثة، وكانت أولى أمنياته هي توحيد البلاد تحت لواء الإمبراطورية اليونانية، بحيث تكون لها لغة واحدة وعقيدة واحدة، كذلك توزع الثروات بالتساوي بين رعاياها، ويقام فيها نظام قضائي عادل.

St-Takla.org Image: Sanctuary in the Great Temple of Karnak, by B. Strassberger - from the book: Egypt: Descriptive, Historical, and Picturesque - Vol. 2 - by Georg Ebers (tr. Clara Courtenay Poynter Bell), 1885. صورة في موقع الأنبا تكلا: حرم مقدس في معبد الكرنك، رسم الفنان ب. ستراسبيرجر - من صور كتاب: مصر: وصفيًّا، تاريخيًّا وتصويريًّا - جزء 2 - لـ جيورج إبيرس (ترجمة كلارا كورتناي بوينتر بيل)، 1885 م.

St-Takla.org Image: Sanctuary in the Great Temple of Karnak, by B. Strassberger - from the book: Egypt: Descriptive, Historical, and Picturesque - Vol. 2 - by Georg Ebers (tr. Clara Courtenay Poynter Bell), 1885.

صورة في موقع الأنبا تكلا: حرم مقدس في معبد الكرنك، رسم الفنان ب. ستراسبيرجر - من صور كتاب: مصر: وصفيًّا، تاريخيًّا وتصويريًّا - جزء 2 - لـ جيورج إبيرس (ترجمة كلارا كورتناي بوينتر بيل)، 1885 م.

بدأ الإسكندر بعمل تحالف ما بين المقدونيين (وهو منهم) واليونانيين والذين سيعمل لأجلهم ويسمى باسمهم، حتى أنه لما قتل أهل طيبة الحامية المقدونية، احرق الإسكندر مدينتهم وباع أهلها كعبيد، وكان ذلك بمثابة إنذار بأن التحالف بين المقدونيين واليونانيين يجب أن يُحترم. ثم بدأ زحفه بجيش صغير من المقدونيين يصحبهم بعض المؤرخين والجغرافيين وعلماء النبات، بعبور نهر الدردنيل وذلك بقارب صغير من نفس المكان الذي عبر منه أحشويرش الملك ولكن من أعلى كوبري مصنوع بإتقان، واحتل طروادة فقدّم ذبائح لآلهة اليونان وأبطالهم، وبذلك أعلن عن البدء في حرب جديدة.

غير أن داريوس الثالث ملك الفرس لم يأخذ هذه الحملة مأخذ الجدّ، بل أنه أمر باسر الإسكندر وحمله إلى شوشن مرسلًا في ذلك جيشًا مكونًا من فرسان من الفرس وبصحبتهم مرتزقة يونانيين وقوات محلية لاعتقال الإسكندر، وتلاحم الجيشان عند نهر جرانيكوس Cranicus وبينما توقّع الفرس نصرًا سهلًا، إذا بهم ولكن الفرس ينهزمون بعد قتال شديد، ولم يهتم الإسكندر بضمَهم إلى صفوفه بل أمر بقتل المرتزقة اليونانيين لخيانتهم، وبذلك صار الطريق ممهدًا أمام الإسكندر إلى أسيا الصغرى ففتح مدنها، بينما ظلت هاليكارناسيوس Halicarnasus موالية لبلاد فارس، ولكن الإسكندر أحرقها أثناء حصارها.

ثم تحرك تجاه الشرق مجتاحًا تلك النواحي حيث لم يواجه مقاومة حقيقية حتى وصل إلى بوابات كليكية في إيسوس Issus حيث تقدم داريوس بجيشه الفارسي متصدّيًا للإسكندر، غير أنه انهزم وأُخِذَت منه دمشق عُنوة، وأُسِرَت عائلة دريوس مع شرفاء من اسبرطة وأثينا وطيبة، إضافة إلى كمية هائلة من الغنائم، ويقال أن الإسكندر دخل خباء داريوس فوجد زوجته وابنتاه وابنه، فطمأنهم جميعًا وأوصى بهم خيرًا ومنع جنوده من المساس بهم، بل وأجزل لهم العطايا، بل إن المؤرخ بلوتارك يقول أن الإسكندر قد عاقب بعض جنوده بالموت لإساءتهم إلى نساء أعدائهم.

وخلال الفترة التي اخضع فيها الإسكندر جميع مدن فينيقية (عدا صور) عرض داريوس مرتين التفاوض مع الإسكندر، عارضًا عليه الهدايا والمقاطعات والمال الوفير والزواج من ابنته في مقابل عودة عائلته، غير أن الإسكندر لم يلتفت إلى هذا العرض، إذ قد سبق فأعدّ خطة لغزو العالم كله (في تأبين الإسكندر قال أحد الفلاسفة "بالأمس لم يسع العالم الإسكندر فكيف اليوم يسعه هذا الصندوق الضيق").

أما إخضاع صور فقد احتاج إلى سبعة أشهر في ملحمة بطولية ظهر فيها بأس الإسكندر وشجاعته ومثابرته وعدم يأسه، وهي وقعة كفيلة وحدها بتحديد معالم شخصية الإسكندر وعظمته، وتقدم مثلًا هامًا في المثابرة، ولعل أهم ما يميز هذه الحملة على صور: هو إقامته طريقًا في البحر يصل بين اليابسة والجزيرة المقامة المدينة عليها، وبسقوطها سقطت أهم مدينة بحرية لها الكثير من النفوذ على المنافذ البحرية والتجارية.

 تلا ذلك حصار غزة ولمدة شهرين جُرح فيها الإسكندر واستبسل واليها، غير أن الإسكندر قد مثَل به بعد فتح المدينة، فقد سحله في شوارع المدينة وهو مربوط بحبل من عرقوبه، في حين كان الوالي نفسه فخورًا بذلك لتشبهه في ذلك ببعض الأبطال المشاهير.!

ودخل الإسكندر إلى مصر والتي رحبت بمقدمه كمخلَص، ليس فقط بسبب كراهيتهم للفرس المحتلّين البلاد، وإنما بسبب ما صرَح به الكاهن المصري في معبد آمون في مصر، إذ أنه ما أن دخل الإسكندر كعادته إلى الهيكل لتقديم الذبائح حتى أعلن أن الإسكندر هو ابن آمون وأنه سوف يغزو العالم!! (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). هنا سُرَ الإسكندر بهذه النسبة (النسب) واعتبر نفسه فرعونًا شرعيًا له هيكله في معبد الكرنك، وبدأ في التركيز على نسبته (نسبه) إلى مصر، أكثر من نسبه إلى الإغريق. وابتعد عن الأيديولوجية اليونانية بعد أن كان مقتنعًا بطريقة الحياة اليونانية، ومن ثم أعاد التنظيم الإداري لمصر، معطيًا للمصريين النصيب الأكبر في حرية إدارة بلادهم، على أن يظل للمقدونيين النفوذ العسكري (أي أنهم يكونون مسئولين عن الجيش) وظلت مدينة الإسكندرية هي الأثر العظيم الباقي الذي يدلَ على علاقة الإسكندر بمصر، فقد حلّت المدينة التي بُنيت على اسم الإسكندر (الإسكندرية) كميناء مركزي للتجارة في حوض البحر المتوسط، بديلًا لصور التي دُمرت في فينيقية. وشجع الإسكندر اليهود على السكنى فيها، حيث أصبح لوجودهم التأثير الهام على تاريخ اليهودية المسيحية فيما بعد.

وفي أورشليم اتجه الإسكندر عقب فتحه إيّاها إلى الهيكل، هناك رحب به رئيس الكهنة وفتح له سفر دانيال وشرح له كيف أنه هو المقصود بالكبش ذي القرنين، وفسر له النبوة، فسُرَ لذلك كثيرًا ولما طلب أن يقام له تمثال من الذهب في الهيكل تذكارًا له يقوم هو بنفقاته، اعتذر رئيس الكهنة بعدم جواز ذلك، ونصحه في المقابل بتوجيه المال إلى إصلاح أحوال الكهنة والخدمة في الهيكل حيث سيكون له بذلك الذكر الأفضل فوافق مسرورا، وهكذا تُظهره التقاليد اليهودية كشخص ودود، فيما يتعلَق بالصراع القائم ما بين اليهودية الأرثوذكسية والحضارة اليونانية.

St-Takla.org Image: The four kingdoms map. صورة في موقع الأنبا تكلا: خريطة الأربع ممالك.

St-Takla.org Image: The four kingdoms map.

صورة في موقع الأنبا تكلا: خريطة الأربع ممالك.

في سنة 331ق.م. اتجه الإسكندر شمالًا من خلال سورية وفلسطين حيث شعر أنه بإمكانه مواجهة جيوش الفرس في أراضيهم، وهزم الإسكندر بالفعل الجيش الكبير لداريوس في معركة جوجاميلا Gugamela فيما بين النهرين، وبهزيمة داريوس لم يجد الإسكندر مانعًا أمامه فاستولى عندئذ على جميع مدن فارس وعواصمها مثل بابل وشوش وبرسابوليس وأكبتانا، وبالمثل فقد رحب به أهل البلاد وجاء كهنة "مردوخ" يقدمون الهدايا ومعهم أشراف المدينة ووعدوه بإعطائه جميع ثروات بابل، وصدر الأمر بتزيين الشوارع بالزهور وأن يأتوا بالإكليل ليرحبوا بـ"الملك العظيم" وأحرق البخور على المذابح، ورتل المجوس، ولقاء ذلك أمر الإسكندر ببناء الهياكل التي أهملت منذ أيام أحشويرش، وبنى هيكل الإله مردوخ Bel Mardukh، وهو أحد أمجاد بابل مرة أخرى.

وبعد عشرين يومًا من تركه لبابل اتجه الإسكندر إلى شوشن حيث كانت كنوز قصر الملك داريوس الأول في انتظاره، وبعد حصوله عليها اتجه نحو برسابوليس حيث كانت أغنى مدن العالم قاطبة، ولكنه -وعلى غير عادته- سلك هناك بوحشية، حيث ذبح جميع رجالها وسبى نساءها، وتصارع أتباعه على الغنائم. وفي سنة 330 ق.م. مات داريوس وأخذ الإسكندر لقب ملك الملوك أو الملك العظيم Basileus. وكان نهب برسابوليس هو علامة سيادته التامة على مملكة فارس، وقد ارتدى الإسكندر في فارس الزى الفارسي وعاش مثل حياتهم وكان يحكمهم كأمير شرقي وقامت هناك مؤامرة ضده حيث أراد ابن "برمنيون" (أحد قواده) قتله والاستيلاء على المُلك فقتل الاثنين.

وبعد بلاد فارس اتجه إلى المشرق حيث استغرقت الحرب ثلاثة سنوات مريرة ليستولى على بكتريا Bactria وسجديانا Sogdiana (تركستان الحالية) وكعلامة على التسوية تزوّج الإسكندر من الأميرة روكسانا Roxana من بكتريا، وقد كان إقليم بونجات Bunjat هو آخر الحدود التي وصل إليها الإسكندر حيث رفض الجيش التعمق أكثر من ذلك.

وكانت السنين الأخيرة للإسكندر مأساوية، فقد عاد نصف جيشه من الهند عن طريق البحر في أسطول حديث البناء، ونجح الأسطول في الرحيل من Indus Della وحتى الخليج الفارسي بينما رحل باقي الجيش عن طريق البر، فلمَا عاد هو إلى شوشن سنة 324 ق.م. وجد الفوضى تدب هناك، حيث تذمَر الحكام الذين تركهم، على حكمه، وثارت فضيحة عندما علموا أنه قتل المؤرخ كالسيتينوس Callistenos ابن أخيه نيفيو Nephew، كما تذمّر اليونانيون من الإسكندر وأوامره، لا سيما عندما شعروا أن الإسكندر يريدهم أن يعاملونه كإله، واختلطوا بالفرس واتخذوا لأنفسهم منهم زوجات، ولما رتب أن يقوم برحلة بحرية حول الجزيرة العربية سنة 323ق.م. مات في الطريق اثر حمى (ويقال أنه مات مسمومًا) وكان ذلك في 21 إبريل من نفس العام ولم يكن قد تجاوز عامه الثالث والثلاثين، بينما كانت روكسانا زوجته قد ولدت له ابنه الوحيد.

في هذا الزمن القصير والذي لم يتخطَى أحد عشر عامًا هي مدة ملكه، استولى الإسكندر على ما لم يستطيع أحد من قبله الاستيلاء عليه من البلاد والحصون، ولم يجد متسعًا من الوقت لتحقيق أمنيته في خلق إمبراطورية متماسكة، ولكن هذه السنوات منذ عبوره الدردنيل وحتى موته، قد غيرت مجرى التاريخ وخلقت الحضارة الإغريقية، ويقال أن فليمون وزيره أخفى خبر موته عن الناس ووضعه في تابوت من الذهب وغطَّاه بالعسل (حسب رواية يوسيفوس) وعند مجيئه إلى الإسكندرية كشف للناس الخبر، ووضع التابوت أمامهم ثم أشار إلى الحكماء والفلاسفة وأصدقاء الإسكندر، لكي يقول كل منهم كلمة في رثائه وتأبينه1 (لمطالعة أروع ما يمكن أن يقال في مناسبة مثل تلك: راجع تاريخ يوسيفوس، بيروت 1873م.)، ويقال أن وصوله إلى الإسكندرية كان بعد سنتين من موته، وذلك بسبب الخلافات بين القادة وترتيب جنازته.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/H-G-Bishop-Makarious/00-Book-of-Maccabees-Introduction/Makabayan-intro-004-Palestine-1.html

تقصير الرابط:
tak.la/3qcqpb9