St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament  >   Father-Tadros-Yacoub-Malaty  >   26-Sefr-Yashoue-Ebn-Sirakh
 

شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب (والشماس بيشوي بشرى فايز)
سلسلة "من تفسير وتأملات الآباء الأولين"

يشوع ابن سيراخ 37 - تفسير سفر حكمة يشوع بن سيراخ
اختيار الأصدقاء والمُشِير

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب حكمه يشوع بن سيراخ:
تفسير سفر يشوع ابن سيراخ: مقدمة سفر يشوع ابن سيراخ | يشوع ابن سيراخ 1 | يشوع ابن سيراخ 2 | يشوع ابن سيراخ 3 | يشوع ابن سيراخ 4 | يشوع ابن سيراخ 5 | يشوع ابن سيراخ 6 | يشوع ابن سيراخ 7 | يشوع ابن سيراخ 8 | يشوع ابن سيراخ 9 | يشوع ابن سيراخ 10 | يشوع ابن سيراخ 11 | يشوع ابن سيراخ 12 | يشوع ابن سيراخ 13 | يشوع ابن سيراخ 14 | يشوع ابن سيراخ 15 | يشوع ابن سيراخ 16 | يشوع ابن سيراخ 17 | يشوع ابن سيراخ 18 | يشوع ابن سيراخ 19 | يشوع ابن سيراخ 20 | يشوع ابن سيراخ 21 | يشوع ابن سيراخ 22 | يشوع ابن سيراخ 23 | يشوع ابن سيراخ 24 | يشوع ابن سيراخ 25 | يشوع ابن سيراخ 26 | يشوع ابن سيراخ 27 | يشوع ابن سيراخ 28 | يشوع بن سيراخ 29 | يشوع بن سيراخ 30 | يشوع بن سيراخ 31 | يشوع بن سيراخ 32 | يشوع بن سيراخ 33 | يشوع بن سيراخ 34 | يشوع بن سيراخ 35 | يشوع بن سيراخ 36 | يشوع بن سيراخ 37 | يشوع بن سيراخ 38 | يشوع بن سيراخ 39 | يشوع بن سيراخ 40 | يشوع بن سيراخ 41 | يشوع بن سيراخ 42 | يشوع بن سيراخ 43 | يشوع بن سيراخ 44 | يشوع بن سيراخ 45 | يشوع بن سيراخ 46 | يشوع بن سيراخ 47 | يشوع بن سيراخ 48 | يشوع بن سيراخ 49 | يشوع بن سيراخ 50 | يشوع بن سيراخ 51

نص سفر يشوع ابن سيراخ: يشوع بن سيراخ 1 | يشوع بن سيراخ 2 | يشوع بن سيراخ 3 | يشوع بن سيراخ 4 | يشوع بن سيراخ 5 | يشوع بن سيراخ 6 | يشوع بن سيراخ 7 | يشوع بن سيراخ 8 | يشوع بن سيراخ 9 | يشوع بن سيراخ 10 | يشوع بن سيراخ 11 | يشوع بن سيراخ 12 | يشوع بن سيراخ 13 | يشوع بن سيراخ 14 | يشوع بن سيراخ 15 | يشوع بن سيراخ 16 | يشوع بن سيراخ 17 | يشوع بن سيراخ 18 | يشوع بن سيراخ 19 | يشوع بن سيراخ 20 | يشوع بن سيراخ 21 | يشوع بن سيراخ 22 | يشوع بن سيراخ 23 | يشوع بن سيراخ 24 | يشوع بن سيراخ 25 | يشوع بن سيراخ 26 | يشوع بن سيراخ 27 | يشوع بن سيراخ 28 | يشوع بن سيراخ 29 | يشوع بن سيراخ 30 | يشوع بن سيراخ 31 | يشوع بن سيراخ 32 | يشوع بن سيراخ 33 | يشوع بن سيراخ 34 | يشوع بن سيراخ 35 | يشوع بن سيراخ 36 | يشوع بن سيراخ 37 | يشوع بن سيراخ 38 | يشوع بن سيراخ 39 | يشوع بن سيراخ 40 | يشوع بن سيراخ 41 | يشوع بن سيراخ 42 | يشوع بن سيراخ 43 | يشوع بن سيراخ 44 | يشوع بن سيراخ 45 | يشوع بن سيراخ 46 | يشوع بن سيراخ 47 | يشوع بن سيراخ 48 | يشوع بن سيراخ 49 | يشوع بن سيراخ 50 | يشوع بن سيراخ 51 | يشوع ابن سيراخ كامل

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الأصحاح السابع والثلاثون

اختيار الأصدقاء والمُشِير

يُحَدِّثنا في هذا الأصحاح عن:

1. تحاشي الأصدقاء غير الصادقين

     

[1 -6] (ت: 1-8)

2. اختيار المشير

     

[7 -15] (ت: 9-19)

3. الحكمة الحقيقية والحكمة الباطلة

     

[16 -28] (ت: 20-31)

4. ضبط النفس وخطية النهم

     

[29 -31] (ت: 32-34)

* من وحي سيراخ 37: اختر لي الأصدقاء والمشير يا فاحص القلوب!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

1. تحاشي الأصدقاء غير الصادقين

1 كُلُّ صَدِيقٍ يَقُولُ: «لِي مَعَ فُلانٍ صَدَاقَةٌ»، لكِنْ رُبَّ صَدِيقٍ إِنَّمَا هُوَ صَدِيقٌ بِالاِسْمِ. أَلاَ يُورِثُ الْغَمَّ حَتَّى الْمَوْتِ، 2 كُلُّ صَاحِبٍ وَصَدِيقٍ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْعَدَاوَةِ! 3 أَيُّهَا الاِخْتِرَاعُ الْمُوبِقُ، مِنْ أَيْنَ هَبَطْتَ فَغَطَّيْتَ الْيَبَسَ خِيَانَةً؟ 4 رُبَّ صَاحِبٍ يَتَنَعَّمُ مَعَ صَدِيقِهِ فِي السَّرَّاءِ، وَعِنْدَ الضَّرَّاءِ يُضْحِي لَهُ عَدُوًّا. 5 رُبَّ صَاحِبٍ لأَجْلِ بَطْنِهِ يَجِدُّ مَعَ صَدِيقِهِ، وَيَحْمِلُ التُّرْسَ فِي الْحَرْبِ. 6 لاَ تَنْسَ صَدِيقَكَ فِي قَلْبِكَ، وَلاَ تَتَغَاضَ عَنْهُ وَأَنْتَ مُوسِرٌ. 7 لاَ تَسْتَشِرْ مَنْ يَرْصُدُكَ، وَاكْتُمْ مَشُورَتَكَ عَمَّنْ يَحْسُدُكَ. 8 كُلُّ مُشِيرٍ يُبْدِي مَشُورَةً، لكِنْ رُبَّ مُشِيرٍ إِنَّمَا يُشِيرُ لِنَفْسِهِ.

 

يعود سيراخ إلى الحديث عن الأصدقاء، الذين يلزم أن يكونوا مُخلِصين مختارين بروح التمييز، مُقَدِّمًا أمثلة لمن يلزم تحاشيهم:

‌أ. من هم أصدقاء اسمًا بلا عملٍ nominalism؛ أي صداقتهم غير أصيلة [1].

‌ب. الصديق الذي يمكن أن يتحوَّل إلى عدو، وهو أَشرّ من العدو الصريح منذ البداية [2]. المثل الرديء في الكتاب المقدس يهوذا الخائن. إنه مُخادِع [3]. مثل هذا الصديق يترك أثرًا رديئًا في حياة الكثيرين، إذ يُثِير الشك في بعض الأصدقاء. ظهور مثل هذا الشخص يدفع البعض إلى البحث بجدية في دوافع من سيرتبط به كصديقٍ.

‌ج. صديق غير ثابت في صداقته، يلتصق بصديقه في سرّائه، ويتجاهله في ضرّائه. وأحيانًا يأخذ منه موقف العداوة بلا سببٍ حقيقيٍ.

‌د. يوجد أصدقاء تقف صداقتهم عند حدود المجاملات، خاصة في إقامة ولائم وحفلات في المناسبات.

يُقَدِّم سيراخ نصيحة للإنسان كي يُمارِس الصداقة الأصيلة، حيث ينشغل بصديقه كمن هو قائم في أعماقه، يهتم به ويسنده حتى ماديًا.

كل صديق يقول: "أنا أيضًا صديقك"،

لكن أحيانًا يكون صديقا بالاسم فقط [1].

يبدأ ابن سيراخ قائمة المرفوضين من الصداقة بالذين يدَّعون الصداقة ولا يمارسونها عمليًا. البعض في عدم تمييز يشغلهم عدد الأصدقاء الذين حولهم لا نوعيتهم. أما قلب المؤمن فيلزم أن ينفتح بالحب إن أمكن للجميع، لكن ليس الكل أصدقاء له يعلن لهم أسراره، ففي وقت ما يسيئون إليه، وقد يُحَطِّموه.

ألا يبلغ الحزن حتى الموت عندما يتحوَّل رفيق وصديق إلى عدوٍّ؟ [2]

الفئة الثانية الشخصيات غير المُخْلِصَة التي لسببٍ خفي يتحوَّلون من الصداقة إلى العداوة. ومن أمثلة ذلك، يهوذا الذي قَدَّم له السيد المسيح الكثير من البركات، لكن لمحبته للفضة خان سيده، وأيضًا شاول الملك الذي أنقذه الصبي داود، وعندما أَحَبّ الشعب الصبي، وضع في قلبه أن يتخلَّص منه بكل وسيلة. على عكس هذا شخصية داود الذي قابل عداوة شاول بالحب، ولم يَقْبَل الانتقام منه، بل والتزم بالصداقة مع شاول ونسله حتى بعد موت شاول.

إنه لأمر مُحزِن للغاية حينما يتحوَّل صديق بالاسم يثق فيه صديقه، إلى عدوٍ له.

يا له من فكر شرير! لماذا تورطتَ لتُغطّي الأرض بالخداع؟ [3]

يقف ابن سيراخ حزينًا على ما بلغت إليه طبيعة الإنسان التي خلقها اللّه صالحة وصاحبة سلطان، كيف انحدرت بالخطية فزحفت عليها الميول الشريرة، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. وتحوَّل الإنسان المخلوق على صورة اللّه من صديق لإخوته إلى عدوٍ؟! هذه الميول الشريرة لا تُسِيء إلى الشخص نفسه فحسب، بل إلى طبيعة الإنسان الساقطة. يقول الرسول: "إذ أخضعت الخليقة للبُطل، ليس طوعًا بل من أجل الذي أخضعها على الرجاء" (رو 8: 20). يرى القدِّيس يوحنا الذهبي الفم أن الفساد لم يحلّ فقط على طبيعة الإنسان، بل وعلى الخليقة. وعندما تُصلَح طبيعة الإنسان بعمل المُخَلِّص، يُعتَق العالم من عبودية الفساد (رو 8: 21)، إذ يقول:

[الآن، ما هي هذه الخليقة؟ إنها لا تعنيك أنت وحدك، وإنما معك أيضًا الخليقة الأدنى، التي لا تشترك معك في العقل أو الحس، هذه تشاركك بركاتك. يقول: "ستُعتَق من عبودية الفساد"، بمعنى أنها لا تعود تصير فاسدة، وإنما تتمشّى جنبًا إلى جنبٍ مع الجمال الذي يُوهب لجسدك. فكما أنه عندما صار جسدك فاسدًا فسدت هي أيضًا، هكذا الآن إذ صار جسدك غير فاسد تتبعه هي أيضًا. وإذ يعلن الرسول هذا يبلغ إلى النتيجة: "إلى حرية مجد أولاد الله"، فتتحقَّق حريتها.

إنه يشبه مربية تربي ابن ملك، عندما ينال الابن سلطان أبيه تتمتَّع هي معه بالخيرات، هكذا أيضًا بالنسبة للخليقة معنا. ها أنت ترى في كل الأمور أن الإنسان يحتل مركز القيادة، فمن أجله خُلِقَت كل الأشياء. انظر كيف يلطف (الرسول) المصارع، مظهرًا محبة الله غير المنطوق بها من نحو الإنسان، إذ يود أن يقول: لماذا أنت مرتبك عند تجاربك؟ فإن كنت تتألم من أجل نفسك، فحتى الخليقة تتألم بسببك. وليس فقط يلطف، وإنما يظهر أيضًا أن ما ينطق به أمر ذو أهمية. لأنه إن كانت الخليقة التي أوجدت بكاملها لأجلك هي "على رجاء" فكم بالأولى يليق بك أنت أن تكون على رجاء، يا من مِنْ خلالك ستتمتع الخليقة بتلك الخيرات؟ كما أن الآباء إذ يرون الأبناء في طريقهم لنوال كرامة يُلبسون الخدم ثيابًا بهية من أجل مجد الابن، هكذا يلبس الله الخليقة عدم الفساد من أجل مجد حرية الأبناء[1].]

أساء الإنسان العواطف التي وهبها الله له وأيضًا عطية التعقُّل والحكمة الصادقة، فسقط الإنسان في الغدر، ظهر بوضوحٍ في قايين الذي قتل أخاه هابيل لأنه أَبرّ منه.

يوجد رفيق يبتهج عند ابتهاج الصديق،

لكن في وقت البلاء يكون ضده [4].

الفئة الثالثة التي يلزم تجنبها الإنسان المستغل لأخيه، يُصادِقه حيث ينال منفعة شخصية، ويعاديه حين لا يجد منفعة شخصية له.

يوجد رفيق يجتهد في مساعدة صديق لأجل بطنه،

وفي وقت المعركة يرفع الدرع [5].

الفئة الرابعة، الأشخاص الذين تقتصر معاملاتهم على الحفلات واللهو، ولا يهتمون بخلاص أنفسهم ولا خلاص عائلاتهم وأصدقائهم.

لا تنسَ صديقك في داخل نفسك[2]،

ولا تتغاضى عنه عند توزيع ثروتك [6].

بعد أن حذَّرنا من الفئات الأربع السابقة، دعانا أن نكون نحن أنفسنا أصدقاء مُخْلِصين. أما علامة الصداقة الحقيقية فهي أن يكون لصديقنا موضع خاص في نفوسنا أي في قلوبنا وفكرنا ومشاعرنا، وأن نحسب ما لدينا من مقتنيات هي عطية إلهية نسند بها الآخرين.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2. اختيار المُشِير

9 الْحَذَرَ لِنَفْسِكَ مِنَ الْمُشِيرِ، وَاسْتَخْبِرْ أَوَّلًا عَنْ حَاجَتِهِ؛ فَإِنَّهُ يُشِيرُ بِمَا يَنْفَعُهُ، 10 لِئَلاَّ يُلْقِيَ الْقُرْعَةَ عَلَيْكَ، وَيَقُولَ لَكَ: 11 «سَبِيلُكَ حَسَنٌ»، ثُمَّ يَقِفَ تُجَاهَكَ يَنْظُرُ مَاذَا يَحِلُّ بِكَ. 12 لاَ تَسْتَشِرِ الْمُنَافِقَ فِي التَّقْوَى، وَلاَ الظَّالِمَ فِي الْعَدْلِ، وَلاَ الْمَرْأَةَ فِي ضَرَّتِهَا، وَلاَ الْجَبَانَ فِي الْحَرْبِ، وَلاَ التَّاجِرَ فِي التِّجَارَةِ، وَلاَ الْمُبْتَاعَ فِي الْبَيْعِ، وَلاَ الْحَاسِدَ فِي شُكْرِ الْمَعْرُوفِ، 13 وَلاَ الْجَافِيَ فِي الرِّقَّةِ، وَلاَ الْكَسْلاَنَ فِي شَيْءٍ مِنَ الشُّغْلِ، 14 وَلاَ الأَجِيرَ الْمُسَاكِنَ فِي إِنْجَازِ الشُّغْلِ، وَلاَ الْبَطَّالَ فِي كَثْرَةِ الْعَمَلِ. لاَ تَلْتَفِتْ إِلَى هؤُلاَءِ لِشَيْءٍ مِنَ الْمَشُورَةِ. 15 لكِنِ ائْلَفِ الرَّجُلَ الْتَّقِيّ؛ مِمَّنْ عَلِمْتَهُ يَحْفَظُ الْوَصَايَا، 16 وَنَفْسُهُ كَنَفْسِكَ، وَإِذَا سَقَطْتَ يَتَوَجَّعُ لَكَ. 17 وَاعْقِدِ الْمَشُورَةَ مَعَ الْقَلْبِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ مُشِيرٌ أَنْصَحُ مِنْهُ، 18 لأَنَّ نَفْسَ الرَّجُلِ قَدْ تُخْبِرُ بِالْحَقِّ، أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةِ رُقَبَاءَ يَرْقُبُونَ مِنْ مَوْضِعٍ عَالٍ. 19 وَفِي كُلِّ هذِهِ تَضَرَّعْ إِلَى الْعَلِيِّ، لِيَهْدِيَكَ بِالْحَقِّ فِي الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ.

 

المشير أخطر من الصديق، لأن ما يطلبه الإنسان من الصديق أن يشاركه آلامه وأفراحه وعدم إفشاء أسراره. أما المشير، فبجانب ما يخص الصديق الأمين من هذه السمات، يكون حكيمًا يتَّسِم بروح التمييز، فيمكن للشخص أن يطلب منه المشورة، خاصة في أخذ قرار مصيري في حياته.

من الجانب الإيجابي يلزم أن يختار الصديق أو المشير التقي الحافظ الوصايا، والمهتم بخلاص نفسه وخلاص من يصادقه أو يكون مشيرًا له [12].

يُرَكِّز سيراخ على عنصر هام في كل الأمور خاصة في اختيار الصديق والمشير، وهو الصلاة إلى اللّه فاحص القلوب والعارف أعماق كل إنسانٍ.

كل مشير يشيد بمشورته،

والبعض يُقَدِّمون مشورة لمنفعتهم الشخصية [7].

يوجه ابن سيراخ نظرنا إلى من يدَّعِي الحكمة والخبرة في تدبير الأمور وتوجيه من يستشيره إلى الاختيار السليم. بينما هو أناني يتظاهر بالاهتمام والحب، بينما ما يشغله في القرار الذي يشير به على من يستشيره أن يكون نافعًا له هو شخصيًا سواء ماديًا أو نفسيًا أو اجتماعيًا، دون مبالاة بما يجنيه الذي طلب استشارته من خسائر.

احفظ نفسك من المشير، ولتعرف مُقدَّمًا اهتمامه.

لأنه سيُفكِّر في نفسه، لئلا يقترع ضدّك [8].

قبل أن يختار الشخص صديقه، يلزم أن يلاحظ ويدرس ما هي اهتماماته، هل له القلب المُتَّسِع بالحُبّ لمن يتعامل معهم، لئلا يفاجأ الشخص يومًا ما أنه يشير عليه بما هو لضرره.

إلقاء القُرعَةَ هنا يقصد به إضمار الشر بحيث تقع المضرّة على الصديق.

ويقول لك: "طريقك حسن"، ثم يقف جانبًا لينظر ماذا يحلّ بك [9].

لا تقيم من كان مرتابًا فيك مشيرًا لك، وفي نفس الوقت يليق أن تكتم أسرارك عمن يحسدك. بهذا يكون قد حذَّرنا بوجهٍ عام ممن يتَّسِمون بالآتي: الذين يهتمون بصالحهم الخاص، ولا يبالون بمصلحة الآخرين، والمُتَّسِمين بالشماتة، والذين يرتاب الشخص فيهم، والذين يحسدونه على ما هو لديه.

الآن يُقَدِّم لنا فئات مُعَيَّنة يجب تجنبها عند اختيار المشير:

لا تستشر إنسانًا يتطلع إليك في ريبةٍ،

واكتم مشورتك عمن يحسدونك [10].

لا تستشر المرأة بخصوص ضُرّتها، ولا الجبان بخصوص المعركة،

ولا التاجر عن المقايضة، ولا المشتري عن البيع،

ولا المفتري عن الامتنان، ولا غير الرحيم عن السخاء،

ولا العاطل عن أيّ عمل، ولا الأجير الموسمي عن إنجاز عمله.

ولا العبد الكسلان عن عمل ضخم، فلا تستمع إلى هؤلاء في أية مشورة [11].

هنا تُحَذِّرنا الحكمة من اختيار المشير من إحدى الفئات السابقة.

‌أ. لا تستشر الزوجة ضرّتها [11]، لأن رأيها فيها معروف مسبقًا، فهي لن تتعاطف معها، بل تُكِيل لها التهم والنقائص.

‌ب. لا يستشر جندي في معركة من عُرِف عنه أنه جبان [11]، لأنه يُضعِف القلوب ويثّبط العزائم، إذ لا قدرة له على المواجهة.

‌ج. لا يطلب مشورة تاجر جشع وهو يريد أن يقايض آخر [11]، ولا يطلب بائع ما مشورة من يشتري منه [11]. لأن ما يشغلهما أن تؤول الصفقة إليهما فكلاهما مغرض، ولن يكون محايدًا في نصيحته.

‌د. لا يستشير نمامًا لا يأتمنه على سرّه. لأن المشير نفسه غير أمين على أسرار الغير. هذا ما حدث مع هامان الشرير عندما استشاره الملك أحشويرش في أمر مردخاي، وكيف يكافئه على الخير الذي صنعه به، فحقد هامان على مردخاي، لكن شره ارتدّ على رأسه.

‌ه. لا يستشير الإنسان شخصًا في أمرٍ هو عاجز عن تنفيذه، فلا يسأله العطاء إن كان المشير غير رحيم، ولا يسأل الكسلان في أي عمل يود أن يُتَمِّمَه، ولا من يطلب الأجرة في عمل موسمي يسأله عن إنجاز عمله.

عِوَض ذلك، ثابر مع الإنسان التقي، الذي تعرف أنه يحفظ الوصايا،

وتتَّفق نفسه مع نفسك، وإذا سقطت يُشارِكك آلامك [12].

بعد أن قَدَّم ابن سيراخ نصائح عن تحاشي اختيار الأصدقاء من غير اللائقين بتقديم المشورة الصالحة اللائقة، يُقَدِّم نصائح إيجابية في اختيار الصديق. أولها أن يكون هو نفسه تقيًا حافظًا للوصية الإلهية، ويختار صديقًا يتَّفِق معه في التقوى وحفظ الوصايا. ثانيًا: أن يكون محبًا باذلًا يشاركه آلامه. فلا يكون مشيره ممن يُحِبُّون اللهو في غير جدية، وألاَّ يكون سكيرًا.

v يستحيل عليك أن تصير صالحًا أو حكيمًا في لحظة، إنما تحتاج إلى الدراسة والحرص والتمرُّن والتدرُّب والجهاد الطويل (وفوق الكل) الرغبة القوية نحو الخير.

الإنسان الصالح المُحِب لله والذي يعرف الله بحقٍ، لا يهدأ قط عن أن يصنع، بدون استثناء، كل الأمور التي ترضي الله. ولكن مثل هؤلاء يندر أن نلتقي بهم[3].

القديس أنطونيوس الكبير

v لنبتعد، لنبتعد جدًا عن المزاح، فإنه بداية استخدام الشتائم، خلاله تنشب معارك خطيرة وعداوات متطورة. في رأينا أن الغطرسة تُلازِم السُكر. يُدَان الإنسان ليس فقط على أفعاله بل وأيضًا على كلماته. يقول الكتاب: "في مجلس الخمر لا توبخ جارك... ولا تخاطبه بكلام توبيخ" [31]. بالتأكيد نُصحنا بقوة أن نلازم الإنسان التقي [12]، لهذا من يلهو بإنسانٍ قديس فهذا خطية[4].

القديس إكليمنضس السكندري

وتمسَّك بمشورة قلبك،

فإنه ما من أحد مُخْلِص لك أكثر منه [13].

يود ابن سيراخ أن يُوَجِّه تلاميذه إلى أعماقهم، فتكون قلوبهم مُقَدَّسة في الربّ، فتُخلص لهم أكثر من الأصدقاء والمشيرين. من الخطورة أن نظن في التواضع وطلب المشورة أن يسلك الإنسان بروح الضعف وعدم الثقة في النفس. فقد خلق الله الإنسان ليكون قائدًا في الربّ.

عندما صار السيد المسيح صبيًا في الثانية عشر من عمره، أكد دوره القيادي بقوله للقديسة مريم: "ينبغي لي أن أكون فيما لأبي" (لو 2: 49). لقد قضى ثلاثة أيام في الهيكل وكان جالسًا في وسط المُعَلِّمين يسمعهم ويسألهم، وكل الذين سمعوه بُهِتوا من فهمه وأجوبته. يُحسَب هذا التصرُّف ثورة في عالم الصبيان، فلا نستخفّ بهم، بل نحترم رسالتهم وشخصياتهم وإمكانياتهم ودورهم.

لأن نفس الإنسان تُخبِره أحيانًا أكثر من سبعة حُرَّاس يجلسون عاليًا على برج مراقبة [14].

يقف سليمان الحكيم في دهشة أمام حكمة الخالق التي تتجلَّى في أن يُقِيم من الإنسان قائدًا يسود على العالم. إذ يقول: "ومكوِّن الإنسان بحكمتك، لكي يسود الخلائق التي صنَعتَها. ويسوسَ العالم بالقداسة والبرّ، ويجري الحكم باستقامة النفْس" (حك 9: 2-3). قبل أن نطلب مساندة أي إنسانٍ أيًا كانت قدراته وحكمته ومحبته، يلزم أن نثق فيما وهبه الله لنا من نعمة وقدرة على الالتصاق به، ونطلب قيادته لنا، ولكن ليس في تشامخ وعجرفة، وإنما في تواضع وإيمان حيّ.

وفي كل الحالات صلِّ إلى العليّ،

ليهدي طريقك في الحق [15].

إن كان الله يدعونا أن يكون لنا آباء قادة ومُشيرِين حكماء، فليكن الله أولًا في كل قراراتنا.

يُقَدِّم الرسول بولس نفسه مثالًا لا للأساقفة والكهنة فحسب، بل ولكل مؤمنٍ حقيقي، إذ يقول: "نحن جهال من أجل المسيح، وأما أنتم فحكماء في المسيح، نحن ضعفاء وأما أنتم فأقوياء، أنتم مُكَرَّمون أما نحن فبلا كرامة" (1 كو 4: 10). يجد الرسول مسرّته في أن يُحسَب جاهلًا من أجل المسيح مُحِبّ البشر، ويحسب مخدوميه حكماء في المسيح.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3. الحكمة الحقيقية والحكمة الباطلة

20 الْكَلاَمُ مَبْدَأُ كُلِّ عَمَلٍ، وَالْمَشُورَةُ قَبْلَ الْفِعْلِ. 21 الْوَجْهُ يَدُلُّ عَلَى تَغَيُّرِ الْقَلْبِ. أَرْبَعَةٌ تَصْدُرُ مِنَ الْقَلْبِ: الْخَيْرُ وَالشَّرُّ وَالْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ، وَالْمُتَسَلِّطُ عَلَى هذِهِ فِي كُلِّ حِينٍ هُوَ اللِّسَانُ. 22 مِنَ النَّاسِ مَنْ هُوَ ذُو دَهَاءٍ، مُؤَدِّبٌ لِكَثِيرِينَ، لكِنَّهُ لاَ يَنْفَعُ نَفْسَهُ شَيْئًا. 23 وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي الْحِكْمَةَ، وَكَلاَمُهُ مَكْرُوهٌ. فَمِثْلُ هذَا يُحْرَمُ كُلَّ قُوتٍ، 24 لأَنَّهُ لَمْ يُؤْتَ الْحُظْوَةَ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، إِذْ لَيْسَ مِنَ الْحِكْمَةِ عَلَى شَيْءٍ. 25 وَمِنْهُمْ مَنْ حِكْمَتُهُ لِنَفْسِهِ، وَثِمَارُ عَقْلِهِ صَالِحَةٌ فِي الْفَمِ. 26 الرَّجُلُ الْحَكِيمُ يُعَلِّمُ شَعْبَهُ، وَثِمَارُ عَقْلِهِ صَالِحَةٌ. 27 الرَّجُلُ الْحَكِيمُ يَمْتَلِئُ بَرَكَةً وَيُغَبِّطُهُ كُلُّ مَنْ يَرَاهُ. 28 حَيَاةُ الرَّجُلِ أَيَّامٌ مَعْدُودَةٌ، أَمَّا أَيَّامُ إِسْرَائِيلَ فَلاَ عَدَدَ لَهَا. 29 الْحَكِيمُ يَرِثُ ثِقَةَ شَعْبِهِ، وَاسْمُهُ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. 30 يَا بُنَيَّ، جَرِّبْ نَفْسَكَ فِي حَيَاتِكَ، وَانْظُرْ مَاذَا يَضُرُّهَا، وَامْنَعْهَا عَنْهُ. 31 فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْفَعُ كُلَّ أَحَدٍ، وَلاَ كُلُّ نَفْسٍ تَرْضَى بِكُلِّ أَمْرٍ.

 

الكلمة هي بدء كل عملٍ،

والمشورة تسبق كلّ فعلٍ [16].

يُقصَد بالكلمة هنا ليست المنطوق بها باللسان، إنما التي يتبنَّاها العقل والقلب. فالتفكير يسبق العمل والتعبير عنه يقرر مصير الإنسان، حياة الإنسان أو موته. " بكلامك تتبرر، وبكلامك تُدان" (مت 12: 37). فحياة الإنسان وموته في كلامه. "الْموْت والْحياة في يد اللّسان" (أم 18: 21). والمشورة أيضًا يجب أن تسبق العمل.

v أيها الأخ، يقول الكتاب المقدس: "افعل كل الأمور بمشورة" (أم 24: 72 حسب النص)، و"بدون مشورة لا تفعل شيئًا". عندما كنتَ تفعل بدون مشورة بل بمشيئتك الخاصة، لم تكن تجاهد مع ذهنك. لأنه لا يوجد مَنْ لا يحتاج إلى مشورة إلاّ الله وحده الذي خلق الحكمة، ولكنك عندما طلبت أن تقطع هواك بحسب الله وتبلغ إلى التواضع، وأن تتخذني أنا أخاك الصغير جدًا كمُوَجِّهٍ؛ فقد أثرتَ حسد الشيطان عدو الخير الذي يحسد جميع الناس على الدوام[5].

v إن كنتَ ميتًا عن الجسد، فكيف تكون الأهواء الطبيعية حية فيك؟ ولكنك إن لم تكن قد بلغتَ بعد إلى الكمال الروحي بل الجسدي، وإن كنتَ لا زلتَ طفلًا صغيرًا في الروح؛ فضع ذاتك (أي أذلّ نفسك) بالروح وأخضِع نفسك لمُعَلِّمٍ لكي ما يؤدِّبك بالرحمة. "لا تعمل شيئًا بدون مشورة" (راجع سي 32: 19) حتى لو بدت لك الأمور أنها جيدة، لأنّ نور الشياطين يصير أخيرًا ظلمات. فإن كنتَ تسمع أو تُفَكِّر أو ترى أي شيءٍ يُبقي ولو القليل من الاضطراب في قلبك؛ فاعلم أنه من الشياطين[6].

القديس برصنوفيوس

أربعة أنواع من الأشياء تظهر كدليلٍ على تغيير القلب [17].

الخير والشر؛ الحياة والموت.

واللسان هو المتسلِّط على هذه في كل حين [18].

يليق بالفكر أن يأخذ قراره المصيري من أربعة اختيارات الخير والشرّ والحياة والموت.

يوجد رجل ذكي يكون مُعلِّمًا لكثيرين،

لكنه لا ينفع نفسه his own soul [19].

يوجد بين الناس من هم أذكياء، قادرون على التعليم بالكلام، لكن حياتهم تُبطل ما يقولونه.

v لكي تكون كلمات الإنسان مُقنِعة، فإن حياة المتكلم لها أثرها الكبير أكثر من أي سمو في البلاغة، بغض النظر عن مدى البلاغة[7].

القديس أغسطينوس

v القدوة الحسنة تعطي صوتًا أحلى وأعذب من أصوات العزف وجميع آلات الطرب، لأن الناس لا يعتبرون ما نقوله بمقدار ما نفعله.

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

الإنسان الذي يبتدع كلمات ماكرة يكون مكروهًا،

هذا الإنسان يذهب جائعًا [20].

يترجمها القديس أغسطينوس: "من يتكلم بطريقة سوفسطائية مكروه" ويعلق عليها قائلًا: [على أي الأحوال، قد لا يكون (الشخص) مخادعًا، لكنه يهتم بتزيين الكلام بطريقة حرفية في نوعٍ من المبالغة وليس في جدية، فيُحسَب حديثه سوفسطائيًا[8].]

v ينبغي على الإنسان أن يتنقَّى قبل أن يُطَهِّر الآخرين، ويصير حكيمًا حتى يجعلهم حكماء، ونورًا ليضيء لهم، ويقترب من الله ليجذبهم إلى الله، ويتقدَّس لأجل تقديسهم، ويكون له من يقوده ليقودهم هو بحكمة.

القدِّيس غريغوريوس النزينزي

إن النعمة لم تُعطَ له من عند الربّ،

لأنه محروم من كل حكمة [21].

إن لم نهتم بالتمتُّع بحكمة الله، لن نختبر نعمته في حياتنا.

ويوجد إنسان حكيم في نفسه،

وثمار فهمه موثوق بها عندما يتكلم [22].

جيد أن تكون حياة الشخص درسًا عمليًا، لكن توجد حاجة إلى الكلمة ليُعَبِّر بها عن حياته.

الإنسان الحكيم يُعلِّم شعبه،

وثمار فهمه موثوق بها [23].

يليق بالحكيم أن يُعَلِّم، فحياته تثبت ما ينادي به، حيث يثق الناس فيه.

الإنسان الحكيم مملوء بالبركة،

وجميع الذين يرونه يحسبونه مُباركًا [24].

ما يلمسه البشر في حياة الحكيم ليس فقط سلوكه الحكيم وتقواه بل وبركة الرب الملموسة فيه.

حياة الإنسان تُعَد بالأيام،

أما أيام إسرائيل فلا عدد لها [25].

الحكيم يرث الثقة في وسط شعبه،

واسمه يحيا للأبد [26].

يا ابني، امتحن نفسك ما دمتَ حيًا،

وانظر ماذا يضرّها، ولا تستسلم لها [27].

فإنه ليس كل شيءٍ نافع لكل أحدٍ،

ولا كل نفسٍ تتمتَّع بكل شيءٍ [28].

قال الأب غريغوريوس (الكبير) [قد سبق غريغوريوس النزينزي الموقر فعلَّمنا أن الراعي لا يقدِّم نصيحة واحدة للجميع. إذ لا تصلح مشورة واحدة للكل، طالما ليس للكل نفس الشخصيَّة. فالنصيحة التي تفيد البعض قد تضر الغير. كالمراعي التي تقتات فيها بعض الحيوانات بينما لا تصلح لغيرها. والصفير الهادئ الذي يهدِّئ الحصان قد يُهَيِّج الجرو. والدواء الذي يشفي شخصًا يزيد أمراض آخر. والطعام الذي يقوت الرجل القوي يهلك الطفل الصغير.]

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

4. ضبط النفس وخطية النهم

32 لاَ تَشْرَهْ إِلَى كُلِّ لَذَّةٍ، وَلاَ تَنْصَبَّ عَلَى الأَطْعِمَةِ. 33 فَإِنَّ كَثْرَةَ الأَكْلِ تَهِيضُ الآكِلَ، وَالشَّرَهَ يَبْلُغُ إِلَى الْمَغْصِ. 34 كَثِيرُونَ هَلَكُوا مِنَ الشَّرَهِ، أَمَّا الْقَنُوعُ فَيَزْدَادُ حَيَاةً.

 

حقًا إن جميع المؤمنين مدعوون إلى تجنُّب الشرّ، فكم بالأكثر يليق بنا اختيار الصديق أو المشير الذي لا ينقصه ضبط النفس، حتى في الطعام.

لا تكن شرهًا إلى كل طعامٍ لذيذٍ،

ولا تُسَلِّم نفسك للأطعمة [29].

v ليس الأحرار، هم الأحرار بحسب مركزهم، بل الذين هم بحق أحرار في حياتهم وطباعهم. فمثلًا لا يجوز لنا أن ندعو المشهورين والأغنياء أحرارًا متى كانوا أشرارًا وشرسين، لأن مثل هؤلاء عبيد الشهوات الجسدية. حرية النفس وطوباويتها، هما ثمرة النقاء الحقيقي والازدراء بالزمنيات[9].

القديس أنطونيوس الكبير

v يلزمنا أن نضبط البطن، ونحفظها تحت توجيه السماء. فإن الله في النهاية سيُحَطِّم كل ما هو للبطن كما يقول الرسول[10].

القديس إكليمنضس السكندري

v كيف ترى هيئة ذوات الأربع؟ إن رأسها مُنحنٍ صوب الأرض، وهي تنظر إلى بطنها مفتشة عن الأشياء التي تلذ لها. أما أنت أيها الإنسان فرأسك مرتفع نحو السماء، وعيناك تنظران إلى العُلي. فإذا كنت تتلطخ بشهوات الجسد، وتتعبد للذَّات الجوف، وللَّذَّات السفلية، فأنت بهذا "تقترب من الحيوانات التي لا تعقل، وتتشبه بها" (راجع مز 58: 13).

إني أعرض عليك الاهتمام بأمرٍ آخر يليق بك: "اطلب الأشياء السامية، حيث المسيح" (راجع كو 3: 1). وارتفع فوق أعراض الدنيا الفانية، وتعلم من تكوينك الجسدي، واجعله قانونًا لحياتك: فمدينتك هي السماء؛ ووطنك الحقيقي هو أورشليم العليا، ومواطنوك هم الأبكار، الذين كُتبت أسماؤهم في السماوات[11].

القديس باسيليوس الكبير

v حينما تصير البطن سيِّدة الجسد تأمره وتخضعه لإرادتها، وعوض الطريق المؤدي إلى السماء تريه الطريق الآخر الذي يهبط به إلى الهاوية...

شهوة محبة البطن هي أكثر الشهوات سوءًا. والإنسان الذي يصبح خاضعًا لها، متى حمل نيرها الثقيل على كتفيه لا يقبل أن يأخذ هدنة خلال خدمته لها. فإن هذه الشهوة تعمل فيه نهارًا وليلًا. ترسله حيثما تشاء كخادمٍ بائسٍ، ليس في طرق سهلة وممهدة، بل في طرق مملوءة بالحجارة المعثرة، وفي المواقع التي توجد فيها خسائر فادحة. لأن صديق الشهوات ليس له عيون يرى بها النور...

الجسد ثقيل بطبعه، إلاَّ أن الشراهة تضيف إليه ثقلًا أخر... الحيوان إذا ملأ بطنه يترك بقية الطعام ولا يقوم بتخزينه... أما الإنسان فلا يفعل ذلك، لأن شهوته لا تمتلئ مع امتلاء بطنه.

الأكل بدافع الشهوة شيء، والأكل بدافع الاحتياج شيء آخر. فمن يأكل بدافع الامتلاء يأكل من أجل النفس لا من أجل الجسد. يغذي جسده لكي يكون في كل وقت مستعدًا لخدمة النفس....

يليق بتلميذ المسيح أن يهرب من هذه الشهوة الحمقاء، ولا يصير عبدًا لبطنه... لقد قال بولس الرسـول عن البطن: "الذين إلههم بطنهم، ومجدهم في خزيهم" (في 3: 19)... الإنسان الذي ينحني تحت تلك الشهوة الأثيمة لا يقدر أن يحمل نير التلمذة للمسيح[12].

القدِّيس مار فيلوكسينوس

فإن كثرة الأكل تجلب المرض،

والنهم يقود إلى المرض[13] [30].

كثيرون ماتوا من النهم،

أما الإنسان المُحترِس فيُطيل حياته [31].

النهم ليس خطية فقط تؤذي النفس، وإنما تُمَثِّل خطرًا حتى على صحة جسده.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

من وحي سيراخ 37

اختر لي الأصدقاء والمشير يا فاحص القلوب!

v هب لي الأصدقاء والمشير الذين أراك متجليًا فيهم.

أنت فاحص القلوب، والعارف من هم يسندونني في خلاص نفسي.

إنني لست أفضل من إخوتي،

إني محتاج إلى من يسندني فيك!

هب لضعفي أن أكون صديقًا تقيًا بنعمتك.

لتعمل نعمتك فيّ وفيهم،

فنشترك معًا في العشرة معك.

v ليعمل روحك القدوس فيّ،

فألمس ملكوتك في داخلي.

هب لي الثقة والرجاء في تقديس أفكاري وكلماتي،

فأسلك بالحق تحت رعايتك.

أحسبني مع أصدقائي ومشيري أداة برّ لحساب ملكوتك.

لتَقُد فكري وقلبي وأيضًا بطني،

فلا تُحَطِّمني شهوات الجسد،

ولا تستعبدني معدتي،

بل أَتَمَتَّع بحرية مجد أولاد الله.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[1] In Rom. hom 14.

[2] Soul.

[3] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 40.

[4] Paedagogus, FOTC, vol. 23, p 140.

[5] فردوس الآباء، ج 3، سؤال 67، ص 328.

[6] فردوس الآباء، ج 3، سؤال 125، ص 367-368.

[7] Christian Instruction, FOTC, vol. 2, p. 229-230.

[8] Christian Instruction, FOTC, vol. 2, p.102-103.

[9] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة، 18.

[10] Paedagogus 2:5.

[11] راجع الأب الياس كويتر المخلصي: القدِّيس باسيليوس الكبير، منشورات المكتبة البولسية، بيروت، 1989، ص 311. عظة 3:3.

[12] Memra 10.

[13] الكلمة اليونانية: الكوليرا χολέρα.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات سيراخ: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/26-Sefr-Yashoue-Ebn-Sirakh/Tafseer-Sefr-Yasho3-Ibn-Sira5__01-Chapter-37.html

تقصير الرابط:
tak.la/kwy7cc4