St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament  >   Father-Tadros-Yacoub-Malaty  >   26-Sefr-Yashoue-Ebn-Sirakh
 

شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب (والشماس بيشوي بشرى فايز)
سلسلة "من تفسير وتأملات الآباء الأولين"

يشوع ابن سيراخ 22 - تفسير سفر حكمة يشوع بن سيراخ
الاهتمام بقداسة الأبناء والأصدقاء

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب حكمه يشوع بن سيراخ:
تفسير سفر يشوع ابن سيراخ: مقدمة سفر يشوع ابن سيراخ | يشوع ابن سيراخ 1 | يشوع ابن سيراخ 2 | يشوع ابن سيراخ 3 | يشوع ابن سيراخ 4 | يشوع ابن سيراخ 5 | يشوع ابن سيراخ 6 | يشوع ابن سيراخ 7 | يشوع ابن سيراخ 8 | يشوع ابن سيراخ 9 | يشوع ابن سيراخ 10 | يشوع ابن سيراخ 11 | يشوع ابن سيراخ 12 | يشوع ابن سيراخ 13 | يشوع ابن سيراخ 14 | يشوع ابن سيراخ 15 | يشوع ابن سيراخ 16 | يشوع ابن سيراخ 17 | يشوع ابن سيراخ 18 | يشوع ابن سيراخ 19 | يشوع ابن سيراخ 20 | يشوع ابن سيراخ 21 | يشوع ابن سيراخ 22 | يشوع ابن سيراخ 23 | يشوع ابن سيراخ 24 | يشوع ابن سيراخ 25 | يشوع ابن سيراخ 26 | يشوع ابن سيراخ 27 | يشوع ابن سيراخ 28 | يشوع بن سيراخ 29 | يشوع بن سيراخ 30 | يشوع بن سيراخ 31 | يشوع بن سيراخ 32 | يشوع بن سيراخ 33 | يشوع بن سيراخ 34 | يشوع بن سيراخ 35 | يشوع بن سيراخ 36 | يشوع بن سيراخ 37 | يشوع بن سيراخ 38 | يشوع بن سيراخ 39 | يشوع بن سيراخ 40 | يشوع بن سيراخ 41 | يشوع بن سيراخ 42 | يشوع بن سيراخ 43 | يشوع بن سيراخ 44 | يشوع بن سيراخ 45 | يشوع بن سيراخ 46 | يشوع بن سيراخ 47 | يشوع بن سيراخ 48 | يشوع بن سيراخ 49 | يشوع بن سيراخ 50 | يشوع بن سيراخ 51

نص سفر يشوع ابن سيراخ: يشوع بن سيراخ 1 | يشوع بن سيراخ 2 | يشوع بن سيراخ 3 | يشوع بن سيراخ 4 | يشوع بن سيراخ 5 | يشوع بن سيراخ 6 | يشوع بن سيراخ 7 | يشوع بن سيراخ 8 | يشوع بن سيراخ 9 | يشوع بن سيراخ 10 | يشوع بن سيراخ 11 | يشوع بن سيراخ 12 | يشوع بن سيراخ 13 | يشوع بن سيراخ 14 | يشوع بن سيراخ 15 | يشوع بن سيراخ 16 | يشوع بن سيراخ 17 | يشوع بن سيراخ 18 | يشوع بن سيراخ 19 | يشوع بن سيراخ 20 | يشوع بن سيراخ 21 | يشوع بن سيراخ 22 | يشوع بن سيراخ 23 | يشوع بن سيراخ 24 | يشوع بن سيراخ 25 | يشوع بن سيراخ 26 | يشوع بن سيراخ 27 | يشوع بن سيراخ 28 | يشوع بن سيراخ 29 | يشوع بن سيراخ 30 | يشوع بن سيراخ 31 | يشوع بن سيراخ 32 | يشوع بن سيراخ 33 | يشوع بن سيراخ 34 | يشوع بن سيراخ 35 | يشوع بن سيراخ 36 | يشوع بن سيراخ 37 | يشوع بن سيراخ 38 | يشوع بن سيراخ 39 | يشوع بن سيراخ 40 | يشوع بن سيراخ 41 | يشوع بن سيراخ 42 | يشوع بن سيراخ 43 | يشوع بن سيراخ 44 | يشوع بن سيراخ 45 | يشوع بن سيراخ 46 | يشوع بن سيراخ 47 | يشوع بن سيراخ 48 | يشوع بن سيراخ 49 | يشوع بن سيراخ 50 | يشوع بن سيراخ 51 | يشوع ابن سيراخ كامل

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الأصحاح الثاني والعشرون

الاهتمام بقداسة الأبناء والأصدقاء

في الأصحاح السابق أبرز مصادر القداسة والفهم والحكمة كي يتمتَّع المؤمن بروح التمييز، ويلتهب قلبه شوقًا نحو التقديس في الداخل والخارج. كما يشتهي أن يتمتَّع كل البشر بالحياة المقدسة، خاصة أبناءه وأصدقاءه.

في هذا الأصحاح يتحدَّث عن قدسية الأبناء، فأبرز ضرورة بثّ روح الجديّة وعدم الكسل والتراخي فيهم، هذا من الجانب السلبي، أما من الجانب الإيجابي فيُهَيِّئ المؤمن لأبنائه التمتُّع بالحكمة الصادقة. كما يلتزم الأب بتأديب أبنائه بروح الحب واللطف مع الحزم. ويطلب منهم الهروب من الصديق الأحمق حتى لا تفسد نقاوة قلوبهم. أما بخصوص قدسية الأصدقاء، فأبرز الآتي:

  • مع انشغالنا بقدسية الأصدقاء يلزمنا أن نهتم بينبوع المياه الحيّة التي في داخلنا.

  • الحرص على قدسية اللسان، من الشتيمة أو إفشاء الأسرار لئلا تتحطَّم الصداقة وتفسد.

  • يعتبر دخول الصديق في متاعب فرصة أن نهتم به في شدته، فيشعر بصدق صداقتنا له.

  • يختم الحديث بطلب الحراسة المُشَدَّدة على اللسان وحفظه من الشر.

 

1. الأبناء وعدم الكسل

     

[1 -2] (ت: 1-2)

2. الأبناء الحكماء

     

[3 -5] (ت: 3-5)

3. تأديب الأبناء

     

[6 -7] (ت: 6)

4. الهروب من الأحمق

     

[8 -18] (ت: 7-23)

5. الحرص على حفظ الصداقة

     

[19 -27] (ت: 24-33)

* من وحي سيراخ 22: أيها القدوس، قَدِّس أبنائي وأصدقائي!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

1. الأبناء وعدم الكسل

1 الْكَسْلاَنُ أَشْبَهُ بِحَجَرٍ قَذِرٍ، كُلُّ أَحَدٍ يَصْفِرُ لِهَوَانِهِ. 2 الْكَسْلاَنُ أَشْبَهُ بِزِبْلِ الْدِّمَنِ، كُلُّ مَنْ قَبَضَهُ يَنْفُضُ يَدَهُ.

 

بدأ الأصحاح بأخطر عدوين ضد الحكمة وهما الكسل والانغماس في الملذَّات. يشتهي الوالدان أن يكون أبناؤهما أفضل منهما أدبًا وعلمًا ومعرفةً ونجاحًا في كل شيءٍ، لذلك بدأ الحديث عن الكسل حتى لا يُدَلِّل الوالدان أبناءهما كي ينشأوا جادين في حياتهم. ثم يتَّحدث بعد ذلك عن الحكمة، ليسلكوا بروح التعقُّل في الربّ. كما يؤكد تأديب الابن إن أخطأ. ويُطالِب الأبناء بالهروب من الصداقات الفاسدة والالتصاق بالأصدقاء الحكماء.

بالنسبة لابن سيراخ التراخي أو الكسل هو العلامة البارزة للأحمق. فالأحمق بكسله يُمَثِّل مشكلة لنفسه وللآخرين، للكسل أثاره على المجتمع. فليس من إنسانٍ يريد أن يلتصق بشخصٍ كسلان.

يتحدث ابن سيراخ عن الفتاة الصغيرة الكسلانة، إذ لا يريد أحد أن يتزوجها، وتقضي عمرها معتمدة على والديها [3-4]. والابنة الوقحة إذا تزوجت تجلب عارًا على والدها وزوجها [5].

الإنسان الكسلان أشبه بحجر مُلوَّث،

كل أحد يُصفِّر لخزيه [1].

يدفع الكسل الإنسان إلى الخزي (أم 24: 30-34). يشبه حجرًا ملوثًا بالقاذورات. من يتطلَّع إليه يستاء منه. قيل: "قال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا... ذكرًا وأنثى خلقهم" (تك 1: 16، 28). إنه الله العامل! ربما تعجب لهذه الصفة التي يندر أن يركز الإنسان بصيرته على الله بكونه العامل. في جسارة أقول يليق بالصورة أن تتشبَّه بالأصل وتلتصق به، وتطلب نعمته لتحمل الصورة الصادقة التي إحدى سماتها العمل!

بعد أن أوجد الفنان الأعظم هذا العالم الرائع في جماله لأجل الإنسان، وبعد أن خلق الإنسان كملكٍ في قصره "جنة عدن" صاحب سلطان، قيل: "ورأى الله كل ما عمله، فإذا هو حسن جدًا". لقد سُرّ الله بما عمله، لا عن احتياج إليه، وإنما لأن العمل يسكب سعادة وفرحًا على محبوبه الإنسان!

هكذا خلقنا وأوجدنا في جنة عدن، ولم نكن في حاجة إلى العمل لنأكل ونشرب ونتلذَّذ. لكنه أراد لنا أن نتشبَّه به، فنعمل ونحفظ الجنة. لو لم يخطئ أبوانا الأولان، لصرنا نعمل دون تعبٍ، ونجد مسرَّتنا في تقديم عمل المحبة لمن هم حولنا، ويفرح الكل بعمل الحُبِّ المشترك.

قيل عن الله: "فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل، وبارك الله اليوم السابع وقدسه" (تك 2: 1-2). راحة الله في اليوم السابع ليست خمولًا، فإنه دائم العمل: "أبي يعمل حتى الآن، وأنا أعمل" (يو 5: 17). أكمل الخليقة، وبقي يرعاها ويهتم بخلاص الإنسان الذي أفسد طبيعته.

ونحن من جانبنا راحتنا لا في الهروب من العمل، لكن إن كان لأجل راحة الجسد والفكر نتمتَّع بالأجازات، إنما نعمل حتى في نومنا وراحتنا خلال الحب. نعمل بحكمةٍ واتزانٍ في كل جوانب حياتنا الروحية والعقلية والنفسية والعلمية والاجتماعية والجسمية، فينعم الإنسان بالإبداع فيما وهبه الله، ليكمل عمل إخوته في الجوانب الأخرى.

يعتزّ الرسول بولس بأنه كان ينفق على نفسه ومن معه خلال عمله (أع 20: 34-36). وفي رسالته إلى أهل كورنثوس (1 كو 4: 8-13) أوضح أنه كان يعمل ويتعب. وهو بهذا يُوَبِّخهم، إذ في تراخيهم وكسلهم ظنوا في أنفسهم ملوكًا لا يمارسون أعمالًا.

v كن منشغلًا بما هو للربِّ، أو مشغولًا بعملك، ولكن لا تكن عاطلًا[1].

الدسقولية

v في البدء كان يمكن أن تعمل دون كدٍ... لأن الله نفسه أراد هذا، لكنك لم تسمح بذلك. فإن الله لم يمزج العمل بالكد. لو أن الإنسان اختبر الكد منذ البداية لما أُبتلي به كعقابٍ بعد ذلك. يمكنك أن تعمل وفي نفس الوقت لا تصل إلى مرحلة العمل الشاق، كما في حالة الملائكة[2].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

v الذين يدركون تمامًا أن عملهم كله يجب أن يهدف نحو بلوغ الحياة الصالحة، ومع ذلك يلهون بالبركات الزمنية؛ هؤلاء أُشَبِّههم بأناس يطلبون العلاج والدواء لكنهم لا يعرفون استخدامه، ولا يضطربون لأجل (جهلهم استخدامه). لذلك ليتنا لا نعتذر عن خطايانا التي نرتكبها بحجة ظروف البيئة أو بنسبها إلى إنسانٍ آخر، بل نلقي باللوم على أنفسنا. لأنه إن كانت نفوسنا تستسلم عن طيب خاطر للكسل، فإنها لا تقدر أن تهرب من الهزيمة[3].

القديس أنطونيوس الكبير

الإنسان الكسلان يُمكن أن يُشبَّه بقذارة الزبل،

كل من يجمعه ينفض يده منه [2].

كثيرًا ما هاجم القدِّيس يوحنا الذهبي الفم الكسالى بلا عملٍ، وقد أوضح ذلك في عظته In inscriptionem altaris[4]. وعندما تحدث عن الفقراء كان يقصد العاملين الكادحين. فلا يمتدحهم على فقرهم، بل على كفاحهم في العمل، يتعبون لكي يعولوا عائلاتهم.

v إن أردتم أن تستأصلوا الفقر، فإنكم حتمًا تستأصلون كل هيكل الحياة، تحطمون حياتكم. لا تجدون ملاحًا ولا قائد مركب ولا مزارعًا ولا بنَّاءً، ولا نساجًا ولا صانع أحذية ولا نجارًا ولا حدادًا ولا صانع جلود ولا طحانًا؛ لن تجدوا أحدًا من هؤلاء العاملين ولا غيرهم... إن صار الكل أغنياء، يعيش الكل في خمولٍ، يهلك كل شيءٍ ويتبدَّد[5].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2. الأبناء الحكماء

3 الاِبْنُ الْفَاقِدُ الأَدَبِ عَارٌ لأَبِيهِ، وَالْبِنْتُ إِنَّمَا تُعْقِبُ الْخُسْرَانَ. 4 الْبِنْتُ الْفَطِينَةُ مِيرَاثٌ لِرَجُلِهَا، وَالْبِنْتُ الْمُخْزِيَةُ غَمٌّ لِوَالِدِهَا. 5 الْوَقِحَةُ تُخْزِي أَبَاهَا وَرَجُلَهَا، وَكِلاَهُمَا يُهِينَانِهَا.

 

الابن الفاقد الأدب خزي لأبيه،

وولادة الابنة الحمقى خسارة له [3].

الابن الحرون الفاقد الأدب يخزي والديه. أما ولادة البنت الحرونة، فتحسب خسارة في العائلة. البنت الفاقدة الأدب لا يحتملها زوجها فتُخزي والديها، فلا يكرمها زوجها ولا والداها.

البنت الفطينة تجلب ميراثًا لزوجها،

والبنت المُخزية فهي حزن لوالدها [4].

البنت الوقحة تخزي أباها وزوجها،

وتُهَان من كليهما [5].

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3. تأديب الأبناء

6 الْكَلاَمُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ كَالْغِنَاءِ فِي النَّوْحِ، أَمَّا السِّيَاطُ وَالتَّأْدِيبُ فَهُمَا فِي كُلِّ وَقْتٍ حِكْمَةٌ.

 

الكلام في غير وقته كموسيقى في الحزن،

أما التأديب وتعليم الحكمة، فمناسبان في كل وقتٍ [6].

يؤدِّب الربّ أبناءه خلال الحب، وبنفس الروح يؤدِّب الوالدان طفلهما (عب 12: 5-8). يبدو أن ابن سيراخ كان يئن من التدليل الزائد للأبناء، خاصة في الأوساط الأرستقراطية، كما كان حزينًا على العائلات التي تتجاهل تربية أطفالها. لاحَظ أن عدد الأطفال الذين أفسدتهم العائلات قد تزايد جدًا. ما كان يشغل العائلات العمل بكل طاقاتهم والصلاة لكي يهبهم الربّ أطفالًا، دون بذل جهدٍ لتربيتهم كما يليق بهم كأناس الله.

المسئول الأول عن تربية الطفل هو الأسرة، وإن فشلت الأسرة يليق بالمُعَلِّمين أن يحاولوا توجيه الأطفال، وإن فشل المُعَلِّمون، يتدخَّل رجال الشرطة لتأديب غير المُهذَّبين.

توجيه الأبناء وتأديبهم بطريقة لائقة أمر ضروري، حتى لا ينشأوا حمقى، ويفقدوا الحياة الكريمة.

v يؤدِّب الرب الكائنات البشرية ليس عن كراهية، لأنه تألم لأجلنا حين كان قادرًا أن يهلكنا بسبب أخطائنا. إنه المُعَلِّم الصالح الذي لديه القدرة الكاملة أن يُعنِّف بكلمات التوبيخ.

كلمات التوبيخ تُشْبِه سوطًا يجلد به عقل البشر الخامل. وإذ يجلدهم يتحرَّك كي ينصحهم. فإن أولئك الذين ينهضون بكلمات المديح يُنخَسون بإلقاء اللوم عليهم. والذين لا يستطيع اللوم أن يرفعهم للخلاص كما لو كانوا أمواتًا، يقومون للحق خلال اتهامهم. "أما الضرب والتأديب، فهما مناسبان في كل الظروف للحكمة"[6].

القديس إكليمنضس السكندري

من يُعلِّم الأحمق يشبه من يجبر كسر إناء خزفي،

وكمن يحاول أن يوقظ مُستغرِقًا في نومه [7].

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

4. الهروب من الأحمق

7 الَّذِي يُعَلِّمُ الأَحْمَقَ، يَجْبُرُ إِنَاءً مِنْ خَزَفٍ، 8 وَيُنَبِّهُ مُسْتَغْرِقًا فِي نَوْمِهِ. 9 مَنْ كَلَّمَ الأَحْمَقَ، فَإِنَّمَا يُكَلِّمُ مُتَنَاعِسًا؛ فَإِذَا انْتَهَى قَالَ: «مَاذَا؟» 10 إِبْكِ عَلَى الْمَيْتِ، لأَنَّهُ فَقَدَ النُّورَ، وَابْكِ عَلَى الأَحْمَقِ، لأَنَّهُ فَقَدَ الْعَقْلَ. 11 أَقْلِلْ مِنَ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيْتِ فَإِنَّهُ فِي رَاحَةٍ، 12 أَمَّا الأَحْمَقُ فَحَيَاتُهُ أَشْقَى مِنْ مَوْتِهِ. 13 النَّوْحُ عَلَى الْمَيْتِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَالنَّوْحُ عَلَى الأَحْمَقِ وَالْمُنَافِقِ جَمِيعَ أَيَّامِ حَيَاتِهِ. 14 لاَ تُكْثِرِ الْكَلاَمَ مَعَ الْجَاهِلِ، وَلاَ تُخَالِطِ الْغَبِيَّ. 15 تَحَفَّظْ مِنْهُ، لِئَلاَّ يُعْنِتَكَ وَيُنَجِّسَكَ بِرِجْسِهِ. 16 أَعْرِضْ عَنْهُ فَتَجِدَ رَاحَةً، وَلاَ يَغُمَّكَ سَفَهُهُ. 17 أَيُّ شَيْءٍ أَثْقَلُ مِنَ الرَّصَاصِ؟ وَمَاذَا يُسَمَّى إِلاَّ أَحْمَقَ. 18 الرَّمْلُ وَالْمِلْحُ وَالْحَدِيدُ أَخَفُّ حِمْلًا مِنَ الإِنْسَانِ الْجَاهِلِ! 19 عَرَقُ الْخَشَبِ الْمَرْبُوطَةُ فِي الْبِنَاءِ، لاَ تَتَفَكَّكُ فِي الزَّلْزَلَةِ، كَذلِكَ الْقَلْبُ الْمُعْتَمِدُ عَلَى مَشُورَةٍ سَدِيدَةٍ، لاَ يَخَافُ أَصْلًا. 20 الْقَلْبُ الْمُسْتَنِدُ عَلَى رَأْيٍ عَاقِلٍ، كَزِينَةٍ مِنْ رَمْلٍ عَلَى حَائِطٍ مَصْقُولٍ. 21 كَمَا أَنَّ الأَوْتَادَ الْمَوْضُوعَةَ فِي مَكَانٍ عَالٍ، لاَ تَثْبُتُ أَمَامَ الرِّيحِ، 22 كَذلِكَ قَلْبُ الأَحْمَقِ الْخَائِفُ الأَفْكَارِ، لاَ يَثْبُتُ أَمَامَ هَوْلٍ مِنَ الأَهْوَالِ. 23 قَلْبُ الأَحْمَقِ يَخَافُ فِي أَفْكَارِهِ، أَمَّا الَّذِي يَسْتَمِرُّ عَلَى وَصَايَا اللهِ فِي كُلِّ حِينٍ؛ فَلاَ يَخَافُ أَبَدًا.

 

البكاء على الإنسان الأحمق أكثر مرارة من البكاء على ميت. لذلك يُطالِب ابن سيراخ بعزل الأبناء عن الخلطة مع الأحمق، للأسباب التالية:

‌أ. لأن حياة الأحمق أردأ من الموت.

‌ب. لا يَقْبَل التعليم، فالحديث معه إفساد للوقت، يُسَبِّب ضجرًا لمن يتحدَّث معه.

‌ج. التعامل معه يُحسَب ثقلًا على النفس، فهو أثقل من الرصاص والرمل والملح وكتلة الحديد.

‌د. الحكيم يأخذ قرارًا ثابتًا يتحدَّى به حدوث زلزلة من المتاعب (مز 112: 7؛ مت 7: 24-27)، أما الأحمق فمُتردد يُحَطِّمه مُجَرَّد الخوف من المتاعب.

من يحكي شيئًا لأحمق، يُكَلِّم إنسانًا نائمًا،

وفي النهاية يقول: "ما هذا"؟ [8]

إذا عاش الأبناء بأمانة، ومعهم الضروريات،

يُغَطُّون على انحطاط والديهم. [9]

لكنّ الأطفال المتكبرين فمن خلال الاحتقار ونقص القوت،

 يُلطّخون نُبل أقربائهم [10].

لا يليق بالمؤمن أن يستهين بالأطفال والرضع، فالطفل السيء السلوك يُسِيء إلى عائلته، والطفل السالك في طريق الحق بركة لها ويسندها، فقد قيل عن توبة أهل نينوى:

v آه، يا لانسجام التوبة! يا له من حزنٍ حكيمٍ وقويٍ! إنهم لم يتركوا الحيوانات خارجًا عن التدبير، إنما بِطُرقٍ بديعةٍ ألزموها أن تصرخ هي أيضًا. لقد عزلوا العجل من أُمِّه، وحَرَموا الحمل من الرضاعة.

أخذوا الأطفال الرُضَّع من أذرع أمهاتهم. وُضِع الأمهات في موضعٍ، والأطفال في موضعٍ آخر، يدعون بعضهم البعض، ويجيبون بأصواتٍ حزينة. يطلب الرُضَّع الجائعون مصدر لبنهم، بينما تُنخَس الأمهات بغريزة الأمومة، تصرخن نحو أطفالهن بأصوات مغمومة.

يصرخ الرُضَّع الجائعون، فقد أمسكت بهم صرخات استغاثة مُرَّة، أما قلوب الأمهات، فكانت مُعَذَّبة بآلام العاطفة الطبيعية. لهذا فإن الكلمة المُوحَى بها حفظت توبتهم نموذجًا جامعيًا عن كيفية الحياة.

حزن الشيوخ بسبب التأديب الذي هُدِّدوا به، كانوا في مرارة، وهم في شيبتهم.

ينوح الصبيان والصغار بأكثر حرقةٍ.

يتنهَّد الفقراء، بينما نسي الأغنياء راحتهم، وارتدوا المسوح التي تليق بالحزانى.

ترك ملك نينوى مجدَه وسموَّه مُتَّجِهًا نحو الخزي. ترك تاجه، ووضع ترابًا على رأسه، ونزع الثوب الملوكي واِلْتَحَفَ بالمسوح. ترك مجده العالي المجيد، وزحف على الأرض في مسكنةٍ. ترك الترف الخاص به كملكٍ، لكي يحزن مع الشعب. صار واحدًا منهم عندما رأى غضب سيد الكل[7].

القديس باسيليوس الكبير

ابكِ على الميت، لأنه ترك النور خلفه،

وابك على الأحمق، لأنه ترك العقل خلفه.

ابكِ بفرحٍ على الميت، لأنه في راحة،

لكن حياة الأحمق أسوأ من الموت [11].

بقوله: "ابكِ بفرح على الميت، لأنه في راحة"، يكشف عن وجود حياة مُطوَّبة بعد الموت، وليس عن توقُّف الحياة.

v التعقُّل الحقيقي هو معرفة ما تفعله وما لا تفعله. من يقتنيه لا يتوقَّف عن الأعمال الفاضلة، ولن يُطعَن بسهم الرذيلة القاتل. هكذا من يفهم كلمات التعقُّل يعرف الفرق بين ما هو مغري ومبني على الخداع، وما يذكرنا بهدوءٍ بالطريق الحقيقي لممارسة الحياة... أعطِ مثل هذا التعقُّل لمن يبني بيته، حتى يلقي الأساس على صخرة، أي يمدها بالإيمان بالمسيح، فلا يتزعزع عندما تهب الرياح وتسقط الأمطار وتهاجم العواصف (مت 7: 25)[8].

القديس باسيليوس الكبير

v كما أن الجسد بدون النفس ميت، هكذا النفس بدون العقل خاملة (عقيمة) وتعجز عن أن ترث الله[9].

v يوجد في النفس عقل يعمل، أما الجسد فتوجد فيه الغريزة. ويجعل العقل النفس إلهية، وتفسد الغريزة الجسد (أي إذا أشبعنا غرائزنا وشهواتنا الطبيعية).

تعمل الغريزة في كل جسدٍ، لكن ليس كل نفسٍ يعمل فيها العقل. لهذا ليس كل نفس تخلص[10].

القديس أنطونيوس الكبير

النوح على الميت يستمر سبعة أيام،

لكن النوح على الأحمق يستمر جميع أيام حياته [12].

v إن كان إرميا قد رأى الذين جُرِحوا في الحرب يستحقُّون النحيب الدائم، فماذا نقول بالأكثر من أجل تلك الكوارث التي تلحق بالنفوس؟! لقد قال (إشعياء): "قتلاكِ ليس هم قتلى السيف، ولا موتى الحرب" (إش 22: 2). إنني أندب لدغة الموت الحقيقي، وخطورة الخطية، وسهام الشرير المُتَّقِدة، تلك التي تلهب النيران بقسوة لأجل الأرواح كما الأجساد أيضًا.

حقًا إن الوصية الإلهية تتأوَّه بصوتٍ عالٍ عندما ترى نجاسة كهذه تدب على الأرض، فتعلن في القديم "لا تشتهِ امرأة قريبك" (خر 20: 17؛ تث 5: 21). وفي الإنجيل المقدس أيضًا تقول: "إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه" (مت 5: 28). وها هي الآن ترى عروس الرب ذاتها، تلك التي رأسها السيد المسيح، ترتكب بجسارة خطية الزنا.

إنه حتى جماعات القديسين يئنون عليها![11]

القديس باسيليوس الكبير

v لتحسب كل شخصٍ أفضل منك (في 2: 3). ابكِ على ميتك (راجع سي 22: 11؛ يو 11: 31). أولًا اخرج الخشبة من عينك (مت 7: 5). أَعِد بناء بيتك الذي دُمِّر. لتصرخ: ارحمني يا ابن داود لكي أبصر مرة أخرى (مر 10: 47-51؛ لو 18: 38-41). تعلَّم أنت حتى يصمت كل لسانٍ (رو 3: 19)، ولا تتكلم بتشامخ. اجعل مزلاجًا لبابك (فمك)[12].

القديسان برصنوفيوس ويوحنا

لا تطل الحوار مع الأحمق، ولا تفتقد غبي؛

تحفَّظ منه لتتجنَّب التعب، ولا تتلوث منه إذا اتصلت به.

أعرض عنه فتجد راحة، ولا تُرهَق من حماقته [13].

يدعونا ابن سيراخ ألاَّ ندخل في حوارٍ مع أحمق، حتى لا نتلوَّث ونُصَاب بحالٍ من الاضطراب.

v عندما تلتقي بإنسان محب للجدال، ويبدأ يجادل معك فيما هو بديهي وحق، اقطع الحديث وانسحب سريعًا، إذ تَحوَّل ذهنه إلى حجرٍ. فكما أن الماء يُفسِد أجود أنواع الخمور، هكذا المناقشات الغبية تُفسِد الفضلاء في السيرة وفي طباعهم[13].

القديس أنطونيوس الكبير

أي شيء أثقل من الرصاص؟

وماذا يكون اسمه سوى الأحمق؟ [14].

الرمل والملح وقطعة من الحديد

أسهل في الحمل من الرجل الأحمق [15].

الدعامة الخشبية الموصولة في بناء لا تفكَّك في الزلزلة،

كذلك العقل الثابت المُحَصَّن بالمشورة العقلانية لا يخاف من أزمة [16].

العقل المؤسس على تفكير حكيم

كزينة من الجبس على حائط مصقول [17].

يُقارِن ابن سيراخ بين استقرار الحكيم وتقلقل الأحمق. هذا الاستقرار أو التقلقل يمسّ حياة الشخص وسط الجماعة.

كما أن السياج الموضوعة في مكانٍ عالٍ لا تثبت أمام الريح،

كذلك القلب الجبان في فكر الأحمق لا يثبت أمام أيّ نوع من الخوف [18].

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

5. الحرص على حفظ الصداقة

24 مَنْ نَخَسَ الْعَيْنَ أَسَالَ الدُّمُوعَ، وَمَنْ نَخَسَ الْقَلْبَ أَبْرَزَ الْحِسَّ. 25 مَنْ رَمَى الطُّيُورَ بِالْحَجَرِ نَفَّرَهَا، وَمَنْ عَيَّرَ صَدِيقَهُ قَطَعَ الصَّدَاقَةَ. 26 إِنْ جَرَّدْتَ السَّيْفَ عَلَى صَدِيقِكَ؛ فَلاَ تَيْأَسْ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ. 27 إِنْ فَتَحْتَ فَمَكَ عَلَى صَدِيقِكَ، فَلاَ تَخَفْ فَإِنَّهُ يُصَالِحُ، إِلاَّ فِي التَّعْيِيرِ وَالتَّكَبُّرِ وَإِفْشَاءِ السِّرِّ وَالْجُرْحِ بَالْمَكْرِ؛ فَإِنَّهُ فِي هذِهِ يَفِرُّ كُلُّ صَدِيقٍ. 28 إِبْقَ أَمِينًا لِلْقَرِيبِ فِي فَقْرِهِ، لِكَيْ تَشْبَعَ مَعَهُ مِنْ خَيْرَاتِهِ. 29 اُثْبُتْ مَعَهُ فِي وَقْتِ ضِيقِهِ، لِكَيْ تَشْتَرِكَ فِي مِيرَاثِهِ. 30 قَبْلَ النَّارِ بُخَارُ الأَتُونِ وَالدُّخَانُ، وَكَذلِكَ قَبْلَ الدِّمَاءِ التَّقْرِيعَاتُ. 31 لاَ أَسْتَحْيِي أَنْ أَدْفَعَ عَنْ صَدِيقِي، وَلاَ أَتَوَارَى عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ إِنْ أَصَابَنِي مِنْهُ شَرٌّ، 32 فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ بِذلِكَ يَتَحَفَّظُ مِنْهُ. 33 مَنْ يَجْعَلُ حَارِسًا لِفَمِي، وَخَاتَمًا وَثِيقًا عَلَى شَفَتَيَّ، لِئَلاَّ أَسْقُطَ بِسَبَبِهِمَا وَيُهْلِكَنِي لِسَانِي؟

 

كان موضوع الصداقة قريبًا للغاية لقلب ابن سيراخ، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. إذ يشتهي أن يرى المجتمع، إن لم يكن العالم كله، يسوده الوحدة والحب والحنو والتكامل. فالحكمة في ذهنه لا تقف عند تدبير الإنسان حياته الخاصة أو تمتعه بالخلاص الأبدي، إنما تمسّ حياة الجماعة إن لم يكن البشرية ككلٍ!

القسم الأول من هذا الأصحاح يتحدث عن الحكمة التي عدوها الخطير هو الكسل، فغاية الحكمة والاجتهاد أو المثابرة الدائمة أن تتفاعل البشرية كلها معًا بروح الصداقة الأصيلة. فالإنسان الأحمق المتقلب يرتد شرّه على حياة الجماعة. مثل هذا الشخص لا يمكن الاعتماد عليه. إنه غير ثابت في ولائه وإخلاصه للغير، لذلك يُصَاب الراغبون في تكوين صداقة معه بحالة من الإحباط. ليس من أحد يود أن يُبقِي على صداقة شخصٍ غضوبٍ أو شتَّامٍ [20].

هذا لا يعني أنه لا يوجد غضب بين صديقين مخلصين، إنما بروح الإخلاص سرعان ما يزول الغضب، وقد ينتج عن ذلك محبة أفضل وثقة وتفاهم.

من ينخس عينه يسيل الدموع،

ومن ينخس القلب يبرز مشاعره [19].

يدعونا العلامة أوريجينوس[14] أن نضرب العين والقلب بالصلاة بإيمان؛ نطلب عمل الله فينا، كما نطلب المزيد من عطاياه. وكما جاء في المزامير: "افتح فاك وأنا أملأه" (مز 81: 11).

جاءت العبارة في كتاباته: "من ينخس عينه تسيل الدموع، ومن ينخس القلب يبرز المشاعر"، يعني بالعين والقلب هنا الحياة الداخلية. يليق بالمؤمن أن يشرب من ينابيعه الداخلية، أي من بصيرته وعواطفه. إن كان كلمة الله بتجسده حلّ في وسطنا، ليُقِيم ملكوته فينا (لو 17: 21)، فقد وجَّه أنظارنا إلى أعماقنا، لنراه عاملًا فينا. جاء لا مستخفًّا بنا، بل مكرّمًا إيَّانا باتحادنا، وتمتعنا بأعماله الفائقة.

في حديث العلامة أوريجينوس عن عمل الروح القدس في الإنسان، يسألنا أن نشرب المياه الحية من ينابيعنا وآبارنا الداخلية كما جاء في سفر الأمثال (5: 15، 18). يليق بنا أن نحفر في أرضنا الداخلية، لننعم بهذه المياه الحية.

v دعونا نعمل حسب نصيحة الحكمة لنا القائلة: "اشرب مياهًا من جبَّك، ومياهًا جارية من بئرك. ولتكن لك..." (أم 5: 15، 17). تأكد أيها القارئ أن لك بئرك وينبوعك، حتى إذ تمسك الكتاب المقدس، تبدأ تعبِّر خلال تعليمك النص، وذلك بانسجام مع ما تعلَّمته من الكنيسة، وأيضًا تحاول أن تشرب من مصدرك الداخلي الروحي.

في داخلك ينبوع مياه حيّة (تك 26: 19)، شرايين دائمة، وفيض غزير جارٍ، مع فهم عقلي ما دام لا يصطدم بالأرض ومخلفات الصخور. لتستمر عاملًا لحفر أرضك وتنقيتها من الدنس، فتزيل الكسل عن نفسك، وتطرد الخمول من قلبك. اسمع ماذا يقول الكتاب المقدس: "اضرب العين فتسيل الدموع، واضرب القلب فينتج فهمًا" [19]. يلزمك أيضًا أن تُطَهِّر روحك، فتشرب من ينابيعك الحيّة. بالحقيقة إن قبلت كلمة الله في داخلك، يصير فيك ينبوع مياه يفيض حياة أبدية[15].

v لديكم طبيعة المياه الحية داخلكم (تك 26: 19). يوجد فيكم شرايين دائمة ومجاري تفيض بالفهم المُتَعَقِّل، متى كانت فقط غير مملوءة بالتراب والنفايات.

لتهتموا أن تحفروا أرضكم وتزيلوا القاذورات، أي تنزعوا بطالة قدرتكم الطبيعية، وتطردوا خمول قلوبكم. اسمعوا ما يقوله الكتاب: "من ينخس العين يسيل الدموع، ومن ينخس القلب يبرز الفهم" (راجع سي 22: 19)[16].

v استمر في حفر أرضك وتنظيفها من القذارة، أي انزع عنها الخمول الذي لقدرتك الطبيعية، واطرد منها خمول قلبك. يقول الكتاب: اضرب العين فتسيل الدموع، واضرب القلب فيبرز الفهم[17].

العلامة أوريجينوس

v لتصونوا يا أبنائي تلك الصداقة التي بدأتم بها مع إخوتكم، فإنه ليس شيء في العالم أجمل من هذا. إنه لأمر مُعَزٍّ في هذه الحياة أن يكون لك واحد يمكنك أن تفتح له قلبك، وتُشارِكه الثقة، وتأتمنه على أسرار قلبك. إنه لأمر مُعَزٍّ أن يكون بجانبك إنسان موضع ثقة، يفرح معك في سعتك، ويتعاطف معك في متاعبك، ويُشَجِّعك في الاضطهاد.

يا لهم من أصدقاء صالحين هؤلاء الشبان العبرانيون الذين لم يفصلهم لهيب نيران الأتون عن محبتهم لبعضهم البعض (دا 3: 16 إلخ)! نقول عنهم ما قيل: "شاول ويوناثان المحبوبان والحلوان في حياتهما لم يفترقا في موتهما" (2 صم 1: 23)[18].

v لا يقدر أن يكون صديقًا لإنسانٍ من لا يكون مُخْلِصًا لله. الصداقة هي حارسة التقوى ومُعَلِّمة المساواة، لتجعل من الأعظم مساويًا للأقل، والأقل للأعظم[19].

v لا يمكن أن توجد صداقة حيث يوجد المداهنة الكاذبة[20].

القديس أمبروسيوس

رمي الطيور بحجر، يجعلها تفزع هاربة،

وإهانة الصديق تقطع الصداقة [20].

يُحَذِّرنا سيراخ لئلا نفقد الصداقة بتصرُّفٍ تافهٍ نمارسه. فالأصدقاء يفارقون الشخص بسرعة متى شعروا بخطرٍ يلحق بهم، وذلك كالطيور التي تهرب لو ألقى شخص حجرًا نحوهم.

يليق بالشخص أن يسرع بالاعتذار عن تصرُّفِه الخاطئ دون تبرير نفسه، فإن نطق بكلمة قاسية أو جرَّد سيفًا نحو صديقه فلا ييأس من استرداد الصداقة إن كان جادًا في ذلك.

من يقترب من قريبه في وقت ضيقته، غالبًا ما ينسى الصديق ذلك حينما يصير في يُسْرٍ.

يليق بالإنسان ألا يستحي في الدفاع عن صديقه وقت فقره أو ضيقه، ولا يحاول الهروب منه.

إن أَصابك شرّ من صديقك احرص ألاَّ تُخطِيء بكلمة ضده.

إن جرّدت السيف على صديقك فلا تيأس،

فإن تجديد الصداقة مُمكِن [21].

v لنتبع المحبة، فإنها صمام أمان لا تسمح لنا أن نعاني من أي شر. لنربط أنفسنا بعضنا ببعضٍ. ليته لا يوجد خداع بيننا ولا كذب. فحيث توجد الصداقة لا يوجد شيء من هذا القبيل. يخبرنا أيضًا الحكيم "إن جرّدت السيف على صديقك، فلا تيأس فإنه يُمكن تجديد الصداقة". إن فتحت فمك ضد صديقك فلا تخف، فقد تتم المصالحة، إلاَّ في حالة السب والتشامخ وإفشاء السرّ والضربة الماكرة. فإنه في هذه الحالات يفرّ كل صديق"... أي سرّ لديك؟ هل تريد أن يصنع شرًا بأخيك؟ أو هل تريد أن تحرمه من أن يشاركك بعض المنافع، لهذا وجب إبطال السرّ![21]

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

إن فتحت فمك ضد صديقٍ لا تخف، فالمصالحة مُمكِنة،

إلا عند السب والتشامخ وإفشاء السرّ وضربة الخيانة،

فأي صديقٍ يفر من سلوك مثل هذا [22].

حينما يفشي أحد سرّ صديقه، ما يشغل الصديق ليس خسائره المادية أو المعنوية بسبب إفشاء السرّ، وإنما بالأكثر فقدان الثقة وعدم الإخلاص.

v ليس شيء صالح بدون صداقة... ليكن لدى شخص ربوة من المواهب، وآخر لديه مئة صديق؛ الأخير أغنى في مصادره من الأول.

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

اربح ثقة قريبك في فقره، فقد تشبع معه في يُسْرِه.

قف معه في وقت الضيق، فقد تُشارِكه في ميراثه [23].

يُعرَف الصديق الحقيقي المُخْلِص بثباته في الصداقة العملية واهتمامه إن أصاب الصديق فقرًا أو عوزًا أو ضيقًا. تتجلَّى الصداقة الحقيقية عندما يعمل الصديق كل ما في وسعه أن يحميه من عدوه [25].

كما أن دخان الأتون وبخاره يسبقان النار،

هكذا الإهانة تسبق الدماء [24].

لا أستحي من أن أحمي صديقًا،

ولا أتوارى عن وجهه [25].

وإن أصابني شرّ بسببه،

فكلّ من يسمع بذلك يتحفَّظ منه [26].

v إن صدرت الصداقة عن ينبوع الإرادة الصالحة، فلا تتردَّد عن احتمال المخاطر العظيمة في الحياة من أجل الصديق. يُقَال: إن أصابتني منه شرور فسأحتملها[22].

v بالتأكيد، إن كانت توجد ضرورة أن تُقَدِّم شهادة، فيجب أن من يعرف خطأ في صديقٍ له أن ينتهره سرًا، وإن لم يصغِ يلزم أن يفعل ذلك علنًا. فإن الانتهار صالح، وغالبًا ما يكون أفضل من الصداقة الصامتة. حتى إن كان الصديق يظن أنه قد تأذَّى، يلزم أن تنتهره. وإن كانت مرارة جراحات عقله لإصلاحه، فلا تكف عن انتهاره، لا تخف!

"أمينة هي جروح المحب، وغاشة هي قبلات العدو" (أم 27: 6). لتنتهر إذن صديقك المُخطِئ، ولا تتخلَّى عن البريء. فإنه يجب أن تكون الصداقة مُخْلِصة ومستقرة في عاطفة حقيقية. يليق بنا ألا نستبدل أصدقاءنا بطريقة طفولية بهوى تافه[23].

v عند الضرورة نحتمل حتى المتاعب من أجل الصديق. حتى العداوة يمكن احتمالها من أجل براءة الصديق. نحتمل حتى الشتائم إن كان أحد يدافع ويجيب من أجل صديق يخطئ في حقه ويتهمه باتهامات (باطلة). لا تخف من مثل هذه المتاعب، فإن صوت البار، يقول: "وإن أصابني شر منه أحتملها من أجل الصديق" (راجع سي 22: 6).

في وقت الشدة أيضًا يظهر الصديق، لأنه في وقت السعة يبدو الكل أصدقاء. وكما أنه في وقت المحنة يكون الصبر والاحتمال مطلوبين، هكذا في وقت السعة التأثير القوي (للأصدقاء) مطلوب لفحص ودحض غطرسة الصديق المستبد[24].

 القديس أمبروسيوس

من الذي يقيم حارسًا لفمي، وخاتم التعقُّل على شفتي،

فلا أسقط بسببهما، ولا يهلكني لساني؟

v لا يليق بالإنسان أن يفتح فاه بما هو غير لائق، بل يفتحه في كلام يرزق كنوزًا من خيرات الله.

الأب أنسيمُس الأورشليمي

v لنضع في أذهاننا بخصوص الفم واللسان أن نُقَدِّم صلاتنا ونحن حافظين لهما متحررين من الشر. إن كان لكم إناء ذهبي أو مصنوع من معدنٍ ثمين، فإنكم لا تختارونه لاستخدامه في أمر شائنٍ، كم بالأكثر أولئك الذين أفواههم أثمن من الذهب واللآلئ، كيف يُلَوِّثونها بقبحٍ مشينٍ وفسادٍ وسخريةٍ. إنكم لا تُقَدِّمون بخورًا على مذبح من النحاس أو حتى من الذهب، بل ما هو أثمن من هذا في هيكلٍ روحي، فمادة الأول بلا حياة، بينما يجعل الله مسكنه فيكم، أنتم أعضاء جسد المسيح... لنحرس أفواهنا على الدوام، نُقِيم عقلًا عليها ليغلقها، فلا تبقى مُغلقَة على الدوام، إنما يفتحها في الوقت المناسب.

يوجد وقت يكون فيه الصمت أثمن من الكلام، وأيضًا يوجد وقت يكون فيه الكلام أثمن من الصمت... من الضروري كما ترون ليس فقط أن نحفظ الصمت والكلام في الوقت المناسب، وإنما يلزم أن يكون ذلك بمحبة عظيمة. لهذا يقول أيضًا بولس: "ليكن كلامكم كل حين بنعمةٍ مصلحًا بملح، لتعلموا كيف تجابوا كل واحدٍ" (كو 4: 6).

ضعوا في اعتباركم أن هذا هو العضو الذي به تدخلون في حوارٍ مع الله، وبه نُقَدِّم التسبحة. هذا هو العضو الذي به نتقبَّل الذبيحة المهوبة، فإن المؤمنين يعرفون ماذا أقول[25].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

من وحي سيراخ 22

أيها القدوس، قَدِّس أبنائي وأصدقائي!

v نزولك إلى أرضنا حوَّل قلبي إلى مقدسٍ لك،

تُقِيم منه هيكلًا يسكنه روحك القدوس.

أزلت التراب عنه، فتفجَّرت ينابيع مياه حيَّة في داخلي!

اِلتهب قلبي بنيران حُبِّك،

فأرى في الصغار أبناء لي،

وفي الكبار أصدقاء وأَحِبَّاء.

كم تشتهي أعماقي أن يتقدَّس كل الجيل الجديد (الأبناء)،

ومعه الجيل الحاضر (الأصدقاء).

v أعترف لك بكسلي وتراخيّ، فأَعثرتُ أبنائي.

انزع عنهم العثرة، وعوض الكسل يعملون بك يا أيها القدير.

من أجلهم لم تكف عن العمل لخلاصهم.

أَحببتهم وصُلِبت من أجلهم،

وها أنت تُعِد لهم منازل مجيدة في سماواتك.

املأهم بروح الحكمة،

فيسلكون بالطهارة والعفة والحب وطول الأناة.

يصيرون أيقونة حيَّة لك فيندهش السمائيون لعملك فيهم.

v أَشرِق بنور معرفتك في قلوبهم،

فيرفضوا الحماقة والجهالة.

يَقْبَلون منك التوبيخ والتأديب من أجل بنيانهم على مستوى سماوي.

لك المجد يا باسط يديك على الصليب،

ها أنت تحتضن كل الأجيال.

v وماذا أقول عن إخوتي، إنهم أصدقائي وأحبّائي.

فَجِّر في قلوبهم ينابيع مياه روحية،

تُحَوِّل ترابهم إلى جنّات روحية مقدسة ومثمرة.

v قَدِّس لساني وألسنتهم، فتصير آلات برّ تشهد لخلاصك.

عوض الثرثرة والكلمات القاسية وإفشاء أسرار الآخرين،

هب لي ولهم اللسان المقدس، والكلمات العذبة، والابتسامة الدائمة.

لن نأتمن حارسًا لألسنتنا قادرًا على ترويض أفواهنا سوى روحك القدوس.

ما أسهل ترويض الحيوانات المفترسة وتعليم الطيور،

أما تروِّيض ألسنتنا فهو عملك أنت وحدك!

v هب لنا روح الأمانة والإخلاص،

فنجد في شدة أصدقائنا فرصة لخدمتهم بفرحٍ،

لنُعَبِّر بها عن حُبِّنا الطاهر والصادق لهم.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[1] Didascalia apostolorum, P. 129 (Connolly).

[2] Homilies on John, 36:3.

[3] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 28.

[4] In inscr. Altaris, 2 PG 51: 69.

[5] De Anna 5: 3 PG 54: 673.

[6] Paedagogus 1:8:66:1-2.

[7] In the Time of Famine and Drought, 3.

[8] Homily on the Beginning of Proverbs 6.

[9] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 131.

[10] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 135.

[11] رسالة 46: رسالة إلى عذراء ساقطة.

[12] Letters, FOTC, vol. 113, p. 63-64.

[13] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 44.

[14] Cf. Homilies on Exodus 4:5.

[15] Cf. Homilies on Genesis 12:5.

[16] Homilies on Genesis 12:5.

[17] Homilies on Genesis and Exodus, FOTC, vol. 7, p. 183-184.

[18] Duties Of The Clergy, Book 1, Ch. 22:131

[19] Duties Of The Clergy, Book 1, Ch. 22:132

[20] Duties Of The Clergy, Book 1, Ch. 22:134

[21] Homilies on Ephesians, 9.

[22] Duties Of The Clergy, Book 1, Ch. 33: 172

[23] Duties Of The Clergy, Book 1, Ch. 22:127

[24] Duties Of The Clergy, Book 1, Ch. 22:129

[25] On Psalms 141.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات سيراخ: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/26-Sefr-Yashoue-Ebn-Sirakh/Tafseer-Sefr-Yasho3-Ibn-Sira5__01-Chapter-22.html

تقصير الرابط:
tak.la/k9dzzqf