St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   spiritual
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث

38- الإنسان الروحي بين الروح والنفس والجسد

 

الباب التاسع: الإنسان الروحي: بين الروح والنفس والجسد:

 

الإنسان الروحي يرتفع فوق مستوى الجسد والجسدانيات، ولا يسلك حسب الجسد.

وفى ذلك قال القديس بولس الرسول "لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح، (رو 8: 1) وقال أيضًا "إن عشتم حسب الجسد فستموتون ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون" (رو 8: 13). وشرح هذا الأمر بقوله "الذين هم حسب الجسد، فبما للجسد يهتمون. ولكن الذين حسب الروح، فبما للروح. لأن اهتمام الجسد هو موت. ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام. لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله" (رو 8: 5-7). وهنا يواجهنا سؤال.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

هل الجسد خطية؟ والجواب: كلا فلماذا؟

* إن الجسد ليس شرًا في ذاته، وإلا ما كان الله قد خلقه. لأن الله لا يخلق الشر. بل إن الله بعدما خلق الإنسان بهذا الجسد، "رأى الله كل ما عمله، فإذا هو حسن جدًا" (تك 1: 31).

* وأيضًا لأن الجسد يمكنه أن يشترك في العبادة ويخدم الله. يركع ويسجد، ويرفع نظره إلى فوق، يرفع يديه في الصلاة، ويصوم، ويتعب في الخدمة.

* وهكذا فعل كثير من القديسين. اشتركت أجسادهم مع أرواحهم في العمل الروحي، وعاشوا في الجسد حياة بارة. وكانت أجسادهم مقدسة.

* والجسد ليس شرًا، وإلا ما كان الله يقيمه، ويمنحه نوعًا من التجلي، فيصير جسدًا روحانيًا نورانيا سماويًا (1كو 15: 44، 49). يقام في مجد...

* ولو كان الجسد شرًا، ما كنا نكرم أجساد ورفات القديسين. وما كانت تحدث معجزات من أجسادهم، كما حدث مع عظام أليشع النبي (2مل 13: 21).

إننا نكرم أجساد القديسين، ونضع عظامهم في أديرتنا وكنائسنا، ونحتفي بها، ونفرح باقتنائها، ونبخر لها، وندهنها بالأطياب. وننال منها بركة.

* ولو كان الجسد شرًا، ما كان الرسول يقول: "مجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1كو 6: 20). إذن يمكن أن يكون الجسد أداة لتمجيد الله.

St-Takla.org         Image: The Holy Spirit, stained glass صورة: الروح القدس، زجاج معشق

St-Takla.org Image: The Holy Spirit, stained glass.

صورة في موقع الأنبا تكلا: الروح القدس، زجاج معشق.

* الجسد أيضًا ليس شرًا، لأن الكتاب يقول "ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح...؟ أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم" (1كو 6: 15، 19) "هيكل الله مقدس، الذي أنتم هو" (1كو 3: 16، 17).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الجسد إذن ليس خطية ولا شرًا. ولكن الخطية هي في السلوك حسب الجسد، في شهواته ورغباته الأرضية. الخطية هي في تغليب الجسد على الروح.

مادام الجسد إذن ليس شرًا، فلماذا الحديث عن الصراع بين الجسد والروح؟ ولماذا إذن قول الرسول "اسلكوا بالروح، فلا تكملوا شهوة الجسد. لأن الجسد يشتهي ضد الروح ضد الجسد" (غل 5: 16، 17).

هنا لا يتحدث الرسول عن الجسد كما خلقه الله.

فآدم وحواء -قبل الخطية- كان لكل منهما جسد. وكانا يعيشان في براءة كاملة "وكان كلاهما عريانين، وهما لا يخجلان" (تك 2: 25). والأطفال الصغار والرضعان، لهم أجساد وليست فيها شهوة للخطية... إنما يتحدث الرسول عن الجسد الخاطئ.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الجسد إذن في ذاته ليس شرًا، ولكن...

الجسد من تركيب مادي. وقد يميل إلى المادة وينفعل بها، وينفصل عن سيطرة الروح، ويقاومها.

وهنا يبدأ الصراع. وتبدأ الشهوة الخاطئة...

على أن احتياج الجسد المادة، بطريقة طبيعية غير شهوانية، ليس في ذلك خطأ فالجسد مثلًا يحتاج إلى أطعمة مادية وإلى ألوان من التغذية، وليس في ذلك خطأ. بل الرسول يقول إن الإنسان "يقيت جسده ويربيه" (أف 5: 29). وقد طوب الرب المهتمين بالجياع والعطاش والعرايا...

واعتبر اهتمامهم بهؤلاء، كأنه موجه إليه شخصيًا. فقال للذين عن يمينه في اليوم الأخير "تعالوا إلى مباركي أبي... لأني جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني... عريانًا فكسوتموني" (مت 25: 35-36)... وكلها أعمال موجهة إلى صالح الجسد...

هذا هو نصف الحقيقية. فما هو النصف الآخر؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الإنسان الروحي يردد قول الكتاب: أقمع جسدي وأستعبده (1كو 9: 27) أي أقمع شهوته.

أن يعطي الجسد احتياجه الطبيعي من المادة، وليس أكثر. فإن وصل الجسد إلى اشتهاء المادة والتعلق بها، مما يخرجه عن النطاق الروحي حينئذ فالإنسان الروحي يقمع الجسد ويستعبده، أي يجعله عبدًا للروح، لا يتمرد عليها، ولا يستقل عنها في تدبير ذاته.

ويصل الإنسان الروحي إلى ذلك عن طريق النسك والصوم وصلب الجسد.

وعن هذا الأمر يقول الرسول "ولكن الذين هم للمسيح يسوع، قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" (غل 5: 24)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى... هؤلاء يقاومون "شهوة الجسد، وشهوة العين" (1يو 15، 16) هذه التي قال عنها الرسول إنها من محبة العالم...

نحن لا نقتل الجسد، فقتل الجسد خطيئة، ولذلك لا نصلي على المُنْتَحِر، إلا لو كان في جنون لا يُحَاسَب فيها عن أفعاله... ولكننا نعمل على قتل شهوات الجسد الخاطئة. أي أننا نخضع شهوات الجسد، لرغبة الروح في الالتصاق بالله.

وغرض النسك عند الإنسان الروحي، هو منح فرصة للروح، لتعمل عملها منطلقة من ثقل الجسد.

الإنسان الروحي يهتم بجسده، ولكن بأسلوب روحي. ويمتنع عن الاهتمام الذي يغذى شهوات الجسد، الذي حذر منه الرسول (رو 8: 6، 7).

وحينما يقود الجسد في حياة النسك، لا يكتفي بهذا الوضع السلبي، إنما من الناحية الإيجابية يجعل نسك الجسد فرصة لغذاء الروح. ويشرك الروح مع الجسد في هذا النسك. فلا يكون مجرد زهد من الجسد، إنما أيضًا معه زهد النفس.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

والإنسان الروحي يقيم توازنًا في اهتمامه بكل من الجسد والروح.

ففيما يعطي الجسد غذاءه يعطي الروح أيضًا غذاءها، فكما يعطي الجسد طعامًا كل يوم، بوجبات متعددة، وعناصر غذائية منوعة، كذلك يعطي الروح غذاءها من القراءة الروحية والتأمل والصلاة والألحان والترانيم، والتناول أيضًا.

وكما يعالج الجسد إذا مرض، يعالج الروح أيضًا من أمراضها، بل يلجأ إلى الوقاية بالأكثر. وكما يمنح الجسد نصيبه من الرياضة، كذلك يستخدم الرياضة الروحية. وكما يهتم الإنسان العادي بزينة جسده وهندامه وحسن ملابسه، كذلك يهتم الإنسان الروحي بزينة الروح الوديع الهادئ. ويجعل روحه تتزين بالفضائل وثمار الروح (غل 5: 22، 23).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الإنسان الروحي يجعل اهتمامه الأول بروحه وبأرواح الغير أيضًا.

ويتحاشَى كل شيء يعطل طريق الروح، سواء من الخطأ بالنسبة إلى نفسه، أو العثرة بالنسبة إلى غيره... يهتم بسلامة روحه، وبالنمو في الروح. ذلك لأن روحه هي نفخه الله فيه (تك 2: 7)، بينما جسده من التراب... بالروح يصير مثل ملائكة الله في السماء، وتصير له صلة مع الله ومحبة، وصلة مع العالم الروحاني من الملائكة والقديسين.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

وباهتمامه بروحه يعود إلى الصورة الإلهية التي خلقه بها الله منذ البدء (تك 1: 27).

على شبه الله ومثاله (تك 1: 26) ما أروع هذا!

وباهتمامه بروحه، إنما يهتم أيضًا بأبديته، تلك الأبدية التي لا يقاس بها أبدًا هذا العمر المادي على الأرض... وباهتمامه بروحه أيضًا، إنما يدخل في شركة الروح القدس ويعمل مع الله...

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

وهنا نسأل سؤالًا أساسيًا: ما هي الحياة الروحية: ونلخص هذه الحياة في أمرين اثنين:

1- أن يخضع الجسد للروح.

2- أن تخضع روح الإنسان لروح الله.

في هذين الأمرين الأساسيين تتلخص كل حياة الإنسان الروحي.

يخضع الجسد للروح، فلا يقاومها، ولا يشتهي ضد ما تشتهي الروح، ولا يدخلها في صراع معه، كما يحدث مع المبتدئين وغير الكاملين. هذا كله من الناحية السلبية. أما من الناحية الإيجابية، فيشترك الجسد مع الروح في عملها الروحي. وبهذا يكافأ الجسد مع الروح في الحياة الأبدية، لأنه اشترك مع الروح في عمل البر. وسلك في حياة الروح، فيستحق لذلك أن يصير جسدًا روحانيًا (1كو 15).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

كذلك نقول إن روح الإنسان تخضع لروح الله، لأن الروح البشرية وحدها لها أخطاؤها.

فليست كل أخطاء الإنسان سببها الجسد، بل هناك أخطاء للروح. والكتاب يقول "قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم 16: 18). ونحن نصلي من الساعة الثالثة ونقول "طهرنا من دنس الجسد والروح..." ونقول في القداس الإلهي طهر نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا.

والشيطان، وهو روح ليس له جسد مادي، له سقطاته وخطاياه المستمرة. فقد وقع في الكبرياء (اش 14: 14). وقد صار المقاوم المتمرد، وسماه الرب "الكذاب وأبو الكذاب" (يو 8: 44). ونقول في القداس الإلهي "والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس". إذن وقع وهو روح في خطية الحسد وطبعًا وقع في إعثار الآخرين وتضليلهم... كل ذلك وهو روح. لذلك هو وشياطينه يسميهم الكتاب الأرواح الشريرة، والأرواح النجسة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الروح إذن يمكن أن تخطئ، إذا انفصلت عن الله. تحتاج الروح إذن إلى شركة الروح القدس.

لذلك منحنا الله المسحة المقدسة (1 يو 2: 20، 27)، التي بها يسكن روح الله فينا، ويكون معنا إلى الأبد، ويرشدنا إلى كل الحق (يو 16: 3). ويعلمنا كل شيء (يو 14: 26) ويبكتنا على الخطية (يو 16: 8). وباختصار فإن حياتنا الروحية كلها تتوقف على عمل الروح القدس فينا، واستجابتنا لعمله، واشتراكنا معه في العمل...

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الإنسان الروحي لا يعمل وحده، إنما روح الله يعمل فيه، ويعمل معه ويعمل به.

إنه أداة في يد الله، وأداة طيعة. هو غصن في الكرمة (يو 15: 1) تسرى فيه عصارة الكرمة، ويأخذ منها حياة. والله يعمل فيه، وبدون الله لا يستطيع أن يعمل شيئًا (يو 15: 5).

سلوكه بالروح، لا يعني بروحه البشرية وحدها، وإنما باشتراك روحه مع روح الله في العمل. وعلى هذا الأساس وحده، يسمَّى أنسانًا روحيًا.

روح الله هو الذي يوجهه ويرشده، وهو الذي يمنحه الحرارة الروحية، وهو الذي يمنحه المواهب والإمكانيات التي يعمل بها، ويهبه أيضًا القوة والقدرة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

والإنسان الروحي له الروح المطيعة، لا يحزن روح الله، ولا يقاومه، ولا يطفئ الروح.

إنه لا يدعى لنفسه أنه أعمل عملًا من ذاته. إنما يسجد أمام الله قائلًا: لتكن يا رب مشيئتك. أنا من ذاتي لم أعمل شيئًا "فكل شيء بك كان. وبغيرك لم يكن شيء مما كان" (يو1: 3).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/spiritual/between.html

تقصير الرابط:
tak.la/vzj698b