St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   man
 
St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   man

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث

63- الفكر ومحارباته

 

في العقل طبقتان: طبقة سطحية، وطبقة عميقة.

الأمور التي تأخذها بطريقة سطحية، إي لا تهتم بها اهتماما كبيرًا،هذه لا تتعمق في ذهنك، وسرعان ما تنساها. مثلها مثل كثير من الأخبار والأحاديث التافهة والعارضة في حياة الإنسان اليومية. هذه لا تثبت في الذاكرة، ولا في القلب والمشاعر. بل كبخار تظهر قليلًا ثم تضمحل...

أما الأمور التي تأخذها بعمق، سواء من الناحية الفكرية أو النفسية، وتظل تأخذ معها وتعطي في فكرك، ويستمر عقلك يفكر فيها فترة طويلة... فهذه تدخل إلى أعماقك، وتترسب في عقلك الباطن. وتلد لك أفكارًا أخرى، أو تظهر ثمارها في أحلام وظنون ومشاعر.

الأمر إذن يتوقف على طريقتك في التفكير. ليس فيما يحدث لك أو معك، إنما في تجاربك مع الفكر، أي في الـResponse.

خذ مثلًا الصلاة والسرحان فيها، وعلاقة ذلك بالطبقتين السطحية والعميقة في عقلك.

وهنا نسأل:

لماذا يسرح الإنسان أحيانًا في صلاته؟ وفي أي شيء يسرح؟ ولماذا؟ ومتى؟

أنه يسرح حينما يأخذ بعض الأمور في عمق، وتظل معه في فكره أثناء الصلاة. أو أنه يتذكر أمورًا أخذها من قبل بعمق، وتصاحبه في صلاته. وحينئذ يكون في عقله فكران يتمشيان معًا: فكر الصلاة وفكر السرحان. وقد يتبادلان الموضع. فيكون أحدهما في المنطقة السطحية، والآخر في المنطقة العميقة، حسب درجة جهاده وتركيزه في ألفاظ ومعاني الصلاة، أو استسلامه لفكر السرحان. فإن كان يصلي بغير فهم أو بغير عمق، حينئذ يدخل إلى أعماقه فكر السرحان. ويصبح وكأنه لا يصلي!!

أما الذي يصلي في عمق فكره ومن عمق قلبه: إن أتاه فكر سرحان، فإن هذا الفكر يمضي بسرعة إذ لا يجد له مكانًا فيه.

لذلك تقول للذين تحاربهم أفكار السرحان في صلواتهم:

St-Takla.org Image: What's inside your head? - A man thinking - lots of thoughts صورة في موقع الأنبا تكلا: ماذا بداخل رأسك؟- رجل يفكر - أفكار كثيرة داخل الرأس

St-Takla.org Image: What's inside your head? - A man thinking - lots of thoughts

صورة في موقع الأنبا تكلا: ماذا بداخل رأسك؟- رجل يفكر - أفكار كثيرة داخل الرأس

لا تأخذوا كل الأمور العالمية بعمق، ولا تشغلوا أفكاركم بكل ما تجمعه الحواس مما تسمعونه وترونه... ولا تجعلوا كل ذلك يرتبط بعقولكم ومشاعركم وأعصابكم. وإلا فإن العقل سوف يخزنه ثم يقدمه لكم أثناء الصلاة: أولًا في المنطقة السطحية. فإن وجد استجابة منكم، يدخله إلى المنطقة العميقة.

وحبذا لو رتبتم فترة روحية تمهيدية تسبق الصلاة.

ينتقل فيها الفكر من العالميات إلى الروحيات. لأنه صعب على العقل أن ينتقل فجأة من الانشغال المادي إلى الفكر الروحي الصافي...

وهكذا من الأفضل أن يسبق الصلاة وقت للترتيل أو القراءة الروحية، أو التأمل أو التعمق في فكرة روحية معينة

أو بعض المطانيات metanoia مصحوبة بابتهالات سريعة... ثم يقف الإنسان بعد ذلك ليصلي، وقد ابتعد فكره عن أمور العالم ومشغولياته. ويكون هذا التمهيد الروحي، مثل رفع البخور على المذبح قبل تقديم الذبيحة المقدسة عليه...

يذكرنا هذا بقصة القديس يوحنا القصير، الذي رآه تلميذه يلف حول قلايته ثلاث مرات قبل أن يدخلها. فسأله عن سبب ذلك، فأجابه القديس: كنت وسط مجموعة من الأخوة. وقد أخذوا يتناقشون، فتركتهم وجئت. ولكن صوت المناقشة كان لا يزال في أذني، فرأيت أن أدور حول قلايتي، لأطرد صوت المناقشة من أذني قبل أن أدخل القلاية... إلى هذا الحد كان القديس محترسًا من جهة نقاوة فكره.

يتعب الإنسان أيضًا، إذا أخذ كل الأمور بحساسية.

أي أنه يتأثر بكل شيء، وفي عمق: هذه الحساسية تجعل كل ما يتأثر به، يترسب في داخله، ويجلب له أفكارًا تضغط عليه وتتعبه.

وهنا يختلف طبع كل شخص عن الآخر، ويختلف فكره.

فإن صادفتك مشكلة، حاول أن تحلها وتنتهي منها وإن وجدت أنها صعبة الحل، أتركها إلى حين، ولا تنشغل بها. أعطها مدى زمنيًا تحل فبه، تاركًا الأمر إلى الله حلال المشاكل.

ولكن سيطرة الأفكار، تأتي لإنسان يفكر بعمق وبغير حل، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. أو أنه بفكر في متاعب المشكلة، دون أن يفكر في حل المشكلة.

وهذا هو السبب الذي يجعل البعض -إن صادفته مشكلة- تسيطر على عقله ومشاعره وأحاسيسه وانفعالاته. فلا يفكر إلا فيها، ولا يتكلم إلا عنها. هي معه في صحوه وفي نومه، في تفكيره، وفي أحاديثه. أدخلها إلى أعماقه. ولم يعد قادرًا على الخروج من مجالها، عقله يسلم المشكلة إلى قلبه. وقلبه يسلمها إلى فكره. وفكره وقلبه يسلمانها إلى أعصابه. وأعصابه تسلمها إلى انفعالاته وإلى لسانه أيضًا، فيظل يتحدث بها مع كل من يتحدث يقابله... وقد يستمر معه التفكير في المشكلة أيامًا أو أسابيعًا. ينشغل بها نهارًا، وقد يحلم بها ليلًا.

وربما يجلب له هذا التفكير ألوانًا من الأمراض الجسدية: من ضغط دم، وسكر، وقرحة في المعدة، وتعب في الأعصاب. إلى جوار التعب النفسي... كل ذلك، لأنه تعامل مع الفكر بحساسية زائدة، فسيطر الفكر عليه...

أما الإنسان الروحي فإنه يسيطر على الفكر. ولا يجعل الفكر يسيطر عليه.

على أن هناك نوعان من الناس، لا يحب أن تسيطر عليه الأفكار. فيقول: الأفضل أن أصرف الفكر. ولكنه للأسف يصرفه بطريقة خاطئة!!

فان أساء إليه إنسان وغضب، يقول لا أكبت الغضب في قلبي، وإنما لا بُد أن أصرفه. أنا سأرد على هذا الشخص، الكلمة بكلمتين. وأصفي حسابي معه. أقول له... وإن قال أقول... وهكذا يظل الفكر منشغلًا... ولا يكون قد تخلص من الفكر، بل زادت سيطرة الفكر عليه...

حسن أن تصرف الفكر. ولكن بطريقة روحية وعملية، وبلا كبت...

وإن اشتعَلَ الفكر داخلك،لا تلقى عليه كل حين وقودًا.

وتصفية الأفكار تأتي أولًا من الداخل، من طريقة تعامل القلب معها. بالإضافة إلى التخلص من الأسباب التي تجلبها من الخارج، كما ينبغي عدم التساهل مع الفكر، وعدم إعطائه فرصة يأخذ فيها سلطانًا على العقل.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/man/battle.html

تقصير الرابط:
tak.la/p9q49sc