St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   jacob-joseph
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف: من رؤساء الآباء - البابا شنوده الثالث

17- يوسف الصديق مع يعقوب أبيه

 

محتويات

شوقه إلى أبيه

انتهت فترة التأديب الذي أدب بها يوسف أخوته. وأوصلهم إلي تذكرهم خطاياهم. والشعور بأنهم يستحقون كل ما صدر، لا عن خطية حالية، أنما عن خطايا سابقة (تك 37).

ولم يكن يوسف يريد أن يعاقبهم. إنما كانت حيله منه يصل بها رؤية أخيه وشقيقه بنيامين، وأيضًا لكي يري أباه يعقوب.

فلما رأي أخاه بنيامين، وأشبع عاطفته من هذه الناحية، وأكرمه أكثر من جميعهم، بقي أن يحقق الرغبة الأخرى، وهي أن يري أباه.. فلما عرفهم بنفيه، كانت أول عبارة قالها لهم "أحيّ أبي بعد؟".. سألهم هذا السؤال علي الرغم من أنهم قالوا له قبلًا إن لهم أبًا شيخًا، وأنهم يخافون عليه من الموت إن لم يرجع إليه ابنه الصغير بنيامين" (تك 44: 30، 31)..

ولكنها اللهفة في أن يري أباه، جعلته يسأل: أحي أبي بعد؟ وأيضًا لمزيد من التأكد.

St-Takla.org Image: Joseph meets his father Jacob (Israel) صورة في موقع الأنبا تكلا: لقاء يوسف بأبيه يعقوب (إسرائيل)

St-Takla.org Image: Joseph meets his father Jacob (Israel)

صورة في موقع الأنبا تكلا: لقاء يوسف بأبيه يعقوب (إسرائيل)

ولا شك أنه حينما تحدث يوسف مع أخوته، وكشف لهم ذاته قائلًا "أنا أخوكم يوسف الذي بعتموه" (تك 45: 3)، إنما كلمهم حينذاك بلغتهم العبرانية، لكي يتأكدوا من كلامه. وواضح ذلك لأنه لم يكن بينه وبينهم مترجم وقتذاك. لأنه قبل أن يكشف نفسه لهم، صرخ قائلًا: أخرجوا كل إنسان عني. "فلم يقف أحد عنده، حين عرف يوسف أخوته بنفسه" (تك 45: 1).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

كان قد تَغيَّر

كان يوسف قد تغير في الشكل والسن واللغة والمَلْبس.

لذلك في كل لقاءاته معهم لم يعرفوه. حينما باعوه كان عمره 17 سنة (تك 37: 1، 13،18). وحينما تقابل مع فرعون كان عمره 30 سنه (تك 41: 47). وبعد سنوات الشبع، أتت سنوات الجوع، في السنة الثانية منها جاء أخوته إليه يطلبون قمحًا. بدليل أنه قال لهم لما عرفهم بنفسه "يكون أيضًا خمس سنين جوعًا" (تك 45: 11).

إذن كان عمره يوسف وقتذاك 39 سنه. وقد مضت 22 سنه منذ ألقوه في البئر.

ملابسه كانت أيضًا ملابس فرعونية. شكله تبدو عليه الهيبة. الناس يركعون أمامه ويسجدون عند قدميه. لغته هيروغليفية، وهناك من يترجم بينه وبينهم. كلامه معهم كلام بسلطان. لذلك لم يعرفوه حتى كشف نفسه لهم. ولم يفعل ذلك إلا بعد أن تأكد من معلوماتهم التي قالوها له إنهم أخوته. كما فهم نفس الحقيقة من أحاديثهم بعضهم مع بعض. وما كانوا يدركون أنه يفهم ما يقولون.

فلما قال لهم: أنا يوسف.." أخوكم الذي بعتموه.. ارتاعوا.

ظنوا أن وقت انتقامه قد أتى. وبخاصة لأنه لم يقل لهم فقط "وأنا يوسف.." وإنما قال أيضًا "يوسف أخوكم الذي بعتموه..". وها هم في يديه يفعل بهم ما يشاء.. ولكن يوسف كان في خلقه أنبل من أن ينتقم.. كان يدرك أنهم في حاله ضعف وذعر، وليس لديهم ما يجيبونه به. كما قال الكتاب "فلم يستطع أخوته أن يجيبوه، لأنهم ارتاعوا منه" (تك 45: 3).. نعم ارتاعوا من هذا الصغير الذي كانوا يهزأون به من قبل..!

ولكن يوسف -في نبل خلقه- طمأنهم. وأراهم مشيئة الله في كل ما حدث..

نعم، الله الذي يحول الشر إلي خير. "ومن الجافي يخرج حلاوة" (قض 14: 14).. هو الله الذي وضع يوسف حياته في يديه. ورأي أن كل ما يصيبه، هو بسماح من الله لخيره ولذلك طمأن أخوته قائلًا لهم "والآن لستم أنتم أرسلتموني إلي هنا، بل الله"، "لا تتأسفوا ولا تغتاظوا لأنكم بعتموني إلي هنا. لأنه لاستبقاء حياة أرسلني الله قدامكم. لأن للجوع في الأرض سنتين. وخمس سنين أيضًا لا تكون فيها فلاحة ولا حصاد. فقد أرسلني الله قدامكم، ليجعل لكم بقية في الأرض" (تك 45: 5-8).

وهكذا ثلاث مرات كرر عبارة "أرسلني الله".

St-Takla.org Image: Gen. 49:1 Jacob prophesies to his twelve sons (the twelve tribes) - by Gerhard Hoet صورة في موقع الأنبا تكلا: نبوءات أبونا يعقوب لأبناءه الاثني عشر (أسباط إسرائيل الإثني عشر) - التكوين 49: 1 - رسم الفنان جيرهارد هويت

St-Takla.org Image: Gen. 49:1 Jacob prophesies to his twelve sons (the twelve tribes) - by Gerhard Hoet

صورة في موقع الأنبا تكلا: نبوءات أبونا يعقوب لأبناءه الاثني عشر (أسباط إسرائيل الإثني عشر) - التكوين 49: 1 - رسم الفنان جيرهارد هويت

يوسف لم يذكر ما في تجربته من ألم، أنما ذكر ما فيها من تدبير إلهي، وما فيها من خير له ولهم وللناس. فإنها "لاستبقاء حياة".. بالحكمة التي وهبها له الله لإنقاذ حياة الناس خلال سني المجاعة، سواء في مصر أو أهله في كنعان.. أما من جهته هو، فقال: الله جعلني أبًا لفرعون، وسيدًا لكل بيته، ومتسلطًا علي كل مصر" (تك 45: 8). وبعد أن طمأنهم، ونزع الخوف من قلوبهم، كلمهم من جهة أبيه وإحضاره إليه في مصر..؟ فقال لهم:

"أسرعوا واصعدوا إلي أبي.. وتستعجلون وتنزلون بأبي إلي هنا" (تك 45: 9، 13).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

وفاء يوسف لأبيه

حمل يوسف أخوته رسالة إلي أبيه قائلًا له: أنزل إلي لا تقف".

"تسكن في أرض جاسان، وتكون قريبًا مني أنت وبنوك وبنو بنيك". "أعولك هناك، لأنه يكون أيضًا خمس سنين جوعًا"، "لئلا تفتقر أنت وبيتك" (تك 45: 9-11).

إذن لم يأت بأبيه لمجرد اشتياقه إليه فقط، إنما أيضًا لكي يعوله وكل بيته.

ويعول أيضًا أخوته الذين باعوه، وكل بينهم.. ولم يجعل ذلك مجرد قرار فردي منه، عنه للدسائس والتغيير، وإنما أخبر فرعون بكل شيء وأخذ أمرًا من فرعون أن يذهب أخوته لإحضار أبيهم، فيعطيهم خيرات أرض مصر ويأكلون من دسم الأرض.. بل أيضًا أمر آخر لهم "خذوا لكم من أرض مصر عجلات لأولادكم ونسائكم، واحملوا أباكم وتعالوا.." (تك 45: 17- 19).

وكان يوسف كريمًا جدًا مع أخوته وأبيه:

أرسل معهم مركبات تحملهم. وأعطاهم زادًا للطريق، وحلل ثياب حتى يكون مظهرهم لائقًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وأرسل دوابًا تحمل لأبيه تحمل لأبيه حنطة وخبزًا، وتحمل من خيرات مصر وقال لأخوته "لا تتغاضبوا في الطريق (تك 45: 21- 24).. كان يعرف هذا الطبع فيهم فلقدم لهم نصيحة روحية إلي جوار ما قدمه لهم من خيرات مادية.

لم يكن يوسف مثل الذين يتجاهلون أهلهم الفقراء، إذ صار لهم منصب كبير.

 في كل ما وصل إليه من عظمة، لم ينس أباه الراعي، الذي كان شبه ضرير وقد ثقلت عيناه من الشيخوخة (تك 48: 10). أراد أن يفرح أباه في شيخوخته، ويعوضه عن سني التعب والألم التي مر بها... وما كان أبهج الخبر الذي نقله إليه أولاده، حينما رجعوا بالمركبات من مصر، قائلين له:

"يوسف حي بعد، وهو متسلط علي كل أرض مصر" (تك 45: 26).

يوسف الذي رأي يعقوب قميصه الملون ملطخًا بالدم، وبكي عليه، ورفض أن يتعزي. وقال: أني أنزل إلي أبني نائحًا إلي الهاوية (تك 37: 33- 35). ثم يأتيه الخبر أنه لا يزال حيًا، بعد 22 عامًا من الحزن عليه. فكان تأثير هذا الخبر عليه لأول وهلة، أنه "جمد قلبه ولم يصدقهم" (تك 45: 26). ثم عاد وتقبل الخبر، لما رأي العجلات الفرعونية التي أرسلها يوسف إليه. فردت روحه إليه وقال "يوسف أبني حي. كفي أذهب وأراه قبل أن أموت"..

St-Takla.org Image: The brothers spoke among themselves. ‘We are being punished because of what we did to Joseph long ago. We saw his anguish when he pleaded for his life, but we wouldn’t listen. That’s why we’re in this trouble.’‘Didn’t I tell you not to sin against the boy?’ Reuben asked. ‘But you wouldn’t listen. Now we have to answer for his blood!’ (Genesis 42: 21-22) - "Joseph's brothers visit Egypt" images set (Genesis 42:1-38): image (7) - Genesis, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "وقالوا بعضهم لبعض: «حقا إننا مذنبون إلى أخينا الذي رأينا ضيقة نفسه لما استرحمنا ولم نسمع. لذلك جاءت علينا هذه الضيقة». فأجابهم رأوبين قائلا: «ألم أكلمكم قائلا: لا تأثموا بالولد، وأنتم لم تسمعوا؟ فهوذا دمه يطلب»" (التكوين 42: 21-22) - مجموعة "أخوة يوسف يسافرون إلى مصر" (التكوين 42: 1-38) - صورة (7) - صور سفر التكوين، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: The brothers spoke among themselves. ‘We are being punished because of what we did to Joseph long ago. We saw his anguish when he pleaded for his life, but we wouldn’t listen. That’s why we’re in this trouble.’‘Didn’t I tell you not to sin against the boy?’ Reuben asked. ‘But you wouldn’t listen. Now we have to answer for his blood!’ (Genesis 42: 21-22) - "Joseph's brothers visit Egypt" images set (Genesis 42:1-38): image (7) - Genesis, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "وقالوا بعضهم لبعض: «حقا إننا مذنبون إلى أخينا الذي رأينا ضيقة نفسه لما استرحمنا ولم نسمع. لذلك جاءت علينا هذه الضيقة». فأجابهم رأوبين قائلا: «ألم أكلمكم قائلا: لا تأثموا بالولد، وأنتم لم تسمعوا؟ فهوذا دمه يطلب»" (التكوين 42: 21-22) - مجموعة "أخوة يوسف يسافرون إلى مصر" (التكوين 42: 1-38) - صورة (7) - صور سفر التكوين، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الله يطمئن يعقوب

في نزول أبينا يعقوب إلي مصر أثناء المجاعة، اختلف عن جده إبراهيم الذي قال الكتاب عنه "وحدث جوع في ارض. فأنحدر إبرآم إلي مصر ليتغرب هناك، لأن الجوع في الأرض كان شديدًا" (تك 12: 10). إنها نفس الظروف التي دعت يعقوب أيضًا للنزول إلي مصر. ولكن وجه الخلاف أن جده إبرآم نزل بمشيئته الخاصة ليس بمشيئة الله الذي سبق أن قال له "أذهب من أرضك.. إلي الأرض التي أريك" (تك 12: 1).. لذلك وجد متاعب كثيرة في مصر نجاه الله منها (تك 12: 14- 19)..

أما يعقوب فظهر له الله في رؤيا. وقال له لا تخف من النزول إلي مصر.. أنا أنزل معك إلي مصر.." (تك 46: 2).

يعقوب لم ينزل، دون الاتصال بالله أولًا. "فلما أتي إلي بئر سبع، ذبح ذبائح لإله أبيه إسحق" (تك 46: 1).. إنه لا يريد أن يتلقَّى الدعوة إلي السفر من يوسف فقط. وإنما من المذبح أيضًا. فأتاه الرد إذ "كلمه الله في رؤى الليل "وقال له "أنا الله إله أبيك. لا تخف من النزول إلي مصر، لأني أجعلك أمة عظيمة هناك. أنا انزل معك إلي مصر".

عجيبة هي علاقة الله بيعقوب..

يعقوب الذي خدعه من قبل خاله لابان. بل خدعه أبناؤه من جهة قميص يوسف الذي غمسوه في الدم. وما كان يحتمل أن يقع في خديعة أخري منهم. فطمأنه الله أن يوسف سيضع يده علي عينيك (تك 46: 4).

حسنًا قيل أن "الله أحب يعقوب" (رو 9: 13).

نعم، أحب هذا الضعيف الذي لم تكن له القوة أن يقاوم الشر.. الذي لم يستطيع أن يقاوم عيسو، بل هرب منه. في رجوعه إلي بيت أبيه صلي إلي الله قائلًا للرب "نجني من يد أخي، من يد عيسو، لأني خائف منه أن يأتي ليضربني الأم مع البنين" (تك 32: 11). نعم يعقوب هذا الضعيف الذي لم يستطع أن يقاوم خاله لابان لما خدعه وزوجه ليئة بدلًا من راحيل (تك 29: 5).. كذلك لم يستطع أن يقاوم أولاده في موقفهم مع يوسف أخيهم (تك 37). ولا استطاع أن يقاومهم في غدرهم بشكيم وكل قبيلته، فقتلوهم جميعًا بسبب دينة أختهم (تك 34). كما لم استطع أن يقاوم ابنه البكر رأوبين، لما صعد علي فراشه وزني مع بلهة سرية أبية (تك 35: 22). وسمع يعقوب ولم يفعل شيئًا!!

لذلك كان ملاك الرب مع هذا الضعيف باستمرار.

St-Takla.org Image: Moses took the bones of Joseph with him (Exodus 13:17-19) صورة في موقع الأنبا تكلا: موسى يأخذ عظام يوسف معه (خروج 13: 17-19)

St-Takla.org Image: Moses took the bones of Joseph with him (Exodus 13:17-19)

صورة في موقع الأنبا تكلا: موسى يأخذ عظام يوسف معه (خروج 13: 17-19)

هذا قال عنه في مباركة أفرايم "الملاك الذي خلصني من كل شر، يبارك الغلامين" (تك 48: 16). وقال في عرفانه بعمل الله معه "الله الذي يرعاني منذ وجودي إلي هذا اليوم" (تك 48: 15). الله أيضًا طمأنه في رؤيا الليل. لينزل إلي مصر محاطًا برعاية الله له. فنزل إلي هناك مع كل أسرته. وكانت جميع نفوس بيت يعقوب التي جاءت إلي مصر سبعين نفسًا (تك 46: 27).

ووصل يعقوب إلي مصر في موكب كمواكب الملوك.

وصل راكبًا في عجلات فرعون التي أرسلها إليه ابنه يوسف.. إنها أول مرة في حياته مثل هذه العجلات الملكية، كأب لمن قيل عنه إن الله جعله أبًا لفرعون.. وربما أول مرة في حياته وحياة أولاده يلبسون الحلل الفخمة التي أرسلها معهم يوسف.

وكان من إكرام يوسف لأبيه، أنه ذهب لاستقباله في الطريق.

شد يوسف مركبته، وصعد لاستقبال أبيه إلي جاسان (تك (46: 29). ولو عرفنا أن أرض جاسان في مكان محافظة الشرقية، نعرف مقدار المسافة التي قطعها يوسف من العاصمة، حتى

وصل بمركبته إلي جاسان لاستقبال أبيه.. هذا الثاني في المملكة، لم ينتظر حتى يصل أبوه ويستقبله في مجيئه. إنما هو الذي يذهب إليه، ويقابله في الطريق. لكي يعرف الجميع عظمة هذا الراعي الذي يذهب إليه المتسلط علي أرض مصر.

 ولما ظهر له وقع علي عنقه، وبكي علي عنقه زمانًا" (تك 46: 29).

إنها العاطفة المخزونة مدي 22 عامًا، تنفجر الآن في عناق وفي دموع.. هنا اللسان يعجز عن الكلام. إنما الحب هو الذي يعبر عما في القلب من مشاعر. حب الابن لأبيه الذي قضي كل فترة شبابه محرومًا من حنان أبيه الذي أحبه وفضله علي كل أخوته. وحب الأب لأبنه الذي ظن أنه مات. وناح عليه أكثر من عشرين سنة. وأخبر يوسف فرعون بمجيء أبيه وأخوته، وقدمهم إليه يوسف نائب فرعون، لم يخجل من أن أباه وأخوته رعاة.

St-Takla.org Image: Joseph insisting on taking Benjamin (Genesis 44) - Genesis, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: يوسف يصر على أن يأخذ بنيامين (التكوين 44) - صور سفر التكوين، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: Joseph insisting on taking Benjamin (Genesis 44) - Genesis, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: يوسف يصر على أن يأخذ بنيامين (التكوين 44) - صور سفر التكوين، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

لم يستح منهم ولا من غنمهم وبقرهم.. هناك أشخاص يستحون من فقر أقربائهم. أما يوسف فلم يكن هكذا. قد يحدث أن بوَّابًا بالإنفاق علي ابنه في التعليم حتى يصير طبيبًا. وإذا بهذا الابن الطبيب يستحي من الانتساب إلي أب بواب.. محبته لنفسه ولسمعته تطغي علي محبته لأبيه..

أما يوسف فأدخل أباه الراعي إلي فرعون، وأوقفه أمامه.

فاحترمه فرعون، لأجل ابنه، ولأجل سنه ونعمه الله عليه. وسأله عن سني حياته فأجاب يعقوب "أيام سني غربتي مائه وثلاثون سنه، قليلة وردية، ولم تبلغ إلي أيام سني حياة آبائي في أيام غربتهم" (تك 47: 9). قال هذا لأن أبًا الآباء إبراهيم مات وعمره 175 سنة (تك 25: 28).

وحسنًا أن يعقوب اعتبر حياته أيام غربة.

كذلك قال عن حياة آبائه "أيام غربتهم". ولعل ذلك كان درسًا لفرعون. وفي هذا اللقاء بين يعقوب وفرعون قال الكتاب مرتين "وبارَك يعقوب فرعون" (تك 47: 7،10). هنا القداسة أعلي من الملك. فيمكن أن رجل الله يبارك رجل الله يبرك رجل العرش والحكم والدولة كما بارك يعقوب فرعون..

إن إخلاص يوسف لفرعون، جعله يكرم أباه وأخوته.

حكمة يوسف وأمانته في عمله، وإنقاذه لمصر في أيام المجاعة.. كل ذلك جعل فرعون يحترمه، ويحترم أباه، ويستقل أخوته، ويكرم هذه الأسرة كلها.. ويقول ليوسف "أرض مصر قدامك، في أفضل الأرض اسكن أباك وأخوتك. ليسكنوا في أرض جاسان. وإن علمت أنه يوجد بينهم ذوو قدرة، فاجعلهم رؤساء مواش علي التي لي" (تك 47: 5، 6).

وعال سوف أباه وأخوته وكل بيت أبيه.

"وسكنوا في أرض جاسان، وتملكوا فيها، وأثمروا وكثروا" (تك 47: 27) وهناك ملاحظة نقولها عن حياة يعقوب. لما رأي يعقوب ابنه يوسف بعد طول نواحه عليه. قال له -بعد أن بكي علي عنقه- "أموت الآن بعد أن رأيت وجهك أنك حي". ولكنه لم يمت بعد أن رآه، بل عاش 17 سنة مع يوسف في أرض مصر (تك 47: 28). حينما رأي يوسف وفرعون كان عمره 130 سنة (تك 47: 9). إذن كانت كل أيام عمره 147 عامًا.

St-Takla.org Image: The cave of Machpelah (Abraham at the Cave of the Patriarchs). (Genesis 23) صورة في موقع الأنبا تكلا: مغارة المكفيلة (إبراهيم يقف عند مغارة البطاركة) (تكوين 23)

St-Takla.org Image: The cave of Machpelah (Abraham at the Cave of the Patriarchs). (Genesis 23)

صورة في موقع الأنبا تكلا: مغارة المكفيلة (إبراهيم يقف عند مغارة البطاركة) (تكوين 23)

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أيام يعقوب الأخيرة

لما أحس أن أيامه قد قربت، أخذ عهدًا من يوسف أن يدفنه في مغارة المكفيلة.

هناك حيث دفن إبراهيم جده (تك 25: 9). وكانت قد دفنت هناك جدته سارة (تك 23: 19) "وفي مغارة المكفيلة أمام ممرا التي هي حبرون في أر كنعان". وهناك أيضًا دفن أبوه إسحق (تك 35: 27-29). وأمه رفقة وزوجته ليئة (تك 49: 31).

إنه أمر مؤثر أن يطلب إنسان أن ترقد عظامه إلي جوار عظام آبائه.

وهكذا استدعي يعقوب ابنه يوسف، ابنه الذي يأتمنه علي وصيته. وقال له: "اصنع معي معروفًا وأمانه. فلا تدفني في مصر. بل اضطجع مع آبائي. فتحملني من مصر. وتدفني في مقبرتهم "فحلف له يوسف، وسجد يعقوب علي رأس عصاه" (تك 47: 26-31).. لعل في ذلك درسًا للذين يسألون عن شريعة حرق جثث آبائهم وأقربائهم. ليست فقط الأرواح تتجاور، وإنما العظام أيضًا. وهكذا فعل أبنه يوسف أيضًا فيما بعد فأوصي من جهة عظامه (عب 11: 22).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

بركة ونبوءة

علي أن يعقوب قبل أن يموت بارك أولاده، وابني يوسف (أفرايم ومنسي).

أفرايم ومنسي: أحضرهما يوسف أمام أبيه لكي يباركهما. ففرح بهما يعقوب واحتضنهما وقال ليوسف "لم أكن أظن أني أري وجهك. وهوذا الله قد أراني نسلك أيضًا" (تك 48: 11). ومنحهما يعقوب نصيبًا كابنين من أبنائه، كرأوبين وشمعون. أي صار ليوسف بابنيه سبطان من الأسباط الاثني عشر، أي نصيب البكر وسط أولاد يعقوب. لذلك حينما نذكر أسماء الأسباط، نذكر بينهما سبطي أفرايم وسبط منسي، بدلًا من قولنا سبط يوسف..

St-Takla.org Image: Joseph insisting on taking Benjamin (Genesis 44) - Genesis, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: يوسف يصر على أن يأخذ بنيامين (التكوين 44) - صور سفر التكوين، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: Joseph insisting on taking Benjamin (Genesis 44) - Genesis, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: يوسف يصر على أن يأخذ بنيامين (التكوين 44) - صور سفر التكوين، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

أتي يوسف بابنيه إلي أبيه "وسجد بوجهه إلي الأرض"، "ووضع يعقوب يديه بفطنة "علي رأسيهما. يده اليمني علي الصغير أفرايم، واليسرى علي الكبير منسي وباركهما. واستاء يوسف. "وأمسك بيد أبيه اليمني، لينقلها من رأس أفرايم إلي رأس منسي "قائلًا ليس هكذا يا أبي. لأن هذا هو البكر، ضع يمينك عليه" (تك 48: 17، 18). لا. ليس هكذا يا يوسف. أبوك بروح النبوة تصرف بفطنة.

إن يعقوب في شيخوخته كان قد استعاد شبابه الروحي.

كانت له أخطاء وهو صغير. ولكن عندما حنكته التجارب وصقلته الآلام. كانت صلته بالله قد تعمقت أكثر فأكثر. وكانت شيخوخته فيها بركة ونبوة. بروح النبوة رفض أن يغير وضع يديه علي رأس أفرايم ومنسي. وقال ليوسف "علمت يا أبني علمت. هو أيضًا يكون شعبًا وهو أيضًا يصير كبيرًا. ولكن أخاه الصغير يكون أكبر منه.." وقدم أفرايم علي منسي" (تك 48: 19، 20). وكانت هذه نبوءة منه وتحققت فعلًا. وهناك نبوءة أخري ذكرهما يعقوب. فقال ليوسف "ها أنا أموت. ولكن الله سيكون معكم، ويردكم إلي أرض آبائكم" (تك 48: 21). وتحققت هذه النبوءة، حينما عبروا البحر الأحمر واجتازوا من سيناء إلي أرض كنعان.

وغير هاتين النبوءتين، قال نبوءات أخري عن مستقبل أبنائه (تك 49).

دعاهم وقال لهم "اجتمعوا لأنبئكم بما يصيبكم في آخر الأيام" (تك 49: 1). وحسبما قال لكل واحد هكذا كان. قال لرأوبين بكرة".. لا تتفضل، لأنك صعدت علي مضجع أبيك، دنسته". ووبخ شمعون ولاوي لقتلهما أهل شكيم. فقال عنهما "آلات ظلم سيوفهما.. ملعون غضبهما فإنه شديد وسخطهما لأنه قاس". ومدح يهوذا سبط الملك الذي جاء منه المسيح". وقال له "إياك يحمد أخوتك.. يسجد لك بنو أمك "وقال "لا يزول قضيب من يهوذا ولا مشترع من بين رجليه، حتى يأتي شيلون، وله يكون خضوع شعوب".. وكلم الباقين أيضًا بما سيكون. يقول الكتاب "هذا ما كلمهم به أبوهم وباركهم. كل واحد بحسب بركته باركهم" (تك 49: 28). وقد كان.

نلاحظ هنا أن البركة لم تمنع العقوبة والتوبيخ. كما حدث بالنسبة إلي رأوبين وبالنسبة إلي شمعون..

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

موت يعقوب

ولما فرغ يعقوب من توصية بنيه.. أسلم الروح، وأنضم إلي قومه يوسف علي وجه أبيه وبكي عليه وقبله" (تك 50: 1).

إن يوسف هو أكثر إنسان قيل عنه التكوين إنه بكَى.

St-Takla.org Image: Jacob's burial after mummifying him: Genesis 50:13 صورة في موقع الأنبا تكلا: دفن يعقوب بعد تحنيطه: التكوين 50: 13

St-Takla.org Image: Jacob's burial after mummifying him: Genesis 50:13

صورة في موقع الأنبا تكلا: دفن يعقوب بعد تحنيطه: التكوين 50: 13

بكي لما كشف شخصيته لأخوت (تك 45: 2). وبكي علي عنق بنيامين شقيقه (تك 45: 14)" وقبل جميع أخوته وبكي عليهم" (تك 45: 15). ولما رأي أباه "وقع علي عنقه، وبكي علي عنقه زمانًا" (46: 29). وبكي لوفاة أبيه.

وكان جناز يعقوب مهيبًا جدًا (تك 50).

أمر بكائه استأذن يوسف من فرعون أن يذهب ويدفن أباه في أرض كنعان حسبما أوصاه." وصعد معه جميع عبيد فرعون وشيوخ مصر"، ومركبات وفرسان." فكان الجيش كثيرًا جدًا" (تك 50: 1-9). ولما عبروا الأردن "ناحوا هناك عظيمًا وشديدًا جدًا. وصنع لأبيه مناحة سبعه أيام (تك 50: 10). وحمله بنوه إلي أرض كنعان، ودفنوه في مغارة المكلفية (تك 50: 13). وعاد يوسف وأخوته إلي مصر مع جميع الذين صعدوا معهم.

وخاف أخوة يوسف، لئلا يضطهدهم يوسف بعد موت أبيهم، ولكنه طمأنهم.

طلبوا منه الصفح.. وقالوا له "أبوك أوصي قبل موته قائلًا: هكذا ليوسف: اصفح عن ذنب أخوتك وخطيتهم. فأنهم صنعوا بك شرًا.. فالآن اصفح عن ذنب عبيد إله أبيك" (تك 50: 15-17). ووقعوا أمامه وقالوا له ها نحن عبيدك. فبكي يوسف حين كلموه. وقال لهم: لا تخافوا.. انتم قصدتم بي شرًا، أما الله فقصد به خيرًا.. فالآن لا تخافوا. أنا أعولكم وأولادكم.. فعزاهم وطيب قلوبهم (تك 50: 17- 21) كانوا يظنون في يوسف ما ليس فيه من انتقام. ما كانوا يعرفون معدن يوسف بعد ونوع نفسيته. أما هو فكان أسمي بكثير مما جال في أفكارهم. كان نبله أقوي من شرهم وكان صفحه أسمي من خطيئتهم ضده..

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

موت يوسف

عاش يوسف مائه وعشر سنين، أي أربعة وأربعين سنة بعد موت أبيه. ورأي الجيل الثالث لأفرايم. استحلف أخوته عظامه من مصر (تك 50: 32- 36). وتنبأ يوسف عن خروج أخوته من أرض مصر (تك 50: 24). وفي ذلك قيل في الرسالة إلي العبرانيين "بالإيمان عند موته، ذكر خروج بني إسرائيل وأوصي من جهة عظامه" (عب 11: 22).

وهكذا تنبأ، وكان أيضًا من رجال الإيمان.

وفي خروج بني إسرائيل من مصر، قيل في سفر الخروج "وأخذ موسى عظام يوسف معه. لأنه كان قد استحلف بني إسرائيل بحلف قائلًا: إن الله سيفتقدكم، فتصعدون عظامي من هنا معكم" (خر 13: 19). بركة يعقوب أبي الآباء، وأبنه يوسف الصديق فلتكن معنا جميعًا.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/jacob-joseph/father.html

تقصير الرابط:
tak.la/zzdh4hn