St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

975- كيف كان وضع أرض كنعان بعد موت يشوع بن نون؟

 

ج: 1- ضرب يشوع ضربته المؤثرة في أرض كنعان، فقتل الملوك، وقضى على الجيوش، وامتلك بعض الأجزاء، وقسَّم الأرض سواء التي امتلكوها أو التي لم يمتلكوها بعد على الأسباط التسعة والنصف، وكان على كل سبط أن يجاهد لكيما يستكمل امتلاك أرضه، وبدأت بعض الأسباط في هذا، مثل سبطي يهوذا وشمعون اللذان حاربا الكنعانيين في حبرون وامتلكوا الجبل، كما امتلكوا بعض المدن الفلسطينية مثل غزة وأشقلون وعقرون، ولكن معظم الأسباط تقاعست عن امتلاك بقية الأرض المخصَّصة لها، إما خوفًا من الدخول في حروب وصراعات مسلحة مع شعوب الأرض التي استردت أنفاسها وتقودت، وإما طمعًا في الجزية التي يحصلونها من تلك الشعوب التي استعبدوها، فصارت هذه الشعوب أشواكًا في جنب إسرائيل، فقلعة اليبوسيين شوكة في جنب يهوذا، وقلعة الكنعانيين في جازر شوكة في جنب أفرايم، واحتكر الفلسطينيون الأشداء الأسلحة الحديديَّة... إلخ.

 

St-Takla.org Image: Division of the land between the tribes (Joshua 14:1) - from "The Bible and its Story" book, authored by Charles Horne, 1909. صورة في موقع الأنبا تكلا: تقسيم الأرض بين الأسباط (يشوع 14: 1) - من كتاب "الإنجيل وقصته"، إصدار تشارلز هورن، 1909 م.

St-Takla.org Image: Division of the land between the tribes (Joshua 14:1) - from "The Bible and its Story" book, authored by Charles Horne, 1909.

صورة في موقع الأنبا تكلا: تقسيم الأرض بين الأسباط (يشوع 14: 1) - من كتاب "الإنجيل وقصته"، إصدار تشارلز هورن، 1909 م.

2- كانت أرض كنعان غنية بطبيعتها، فهي أرض تفيض لبنًا وعسلًا، أي تتميز بالمراعي الخضراء والأرض الخصبة التي تعتمد على المطر، فاشتُهرت أرض حبرون بكرومها وتينها ورمانها وزيتونها، واشتُهرت أريحا بالنخيل حتى دُعيت مدينة النخيل، كما زرع العبرانيون الحنطة (قض 6: 11) والشعير (قض 7: 13) والكتان (يش 2: 6) والفول والعدس والحمص (2 صم 17: 28) وانتشرت مراعي الأغنام والأبقار في كل مكان، فقام العبرانيون بنسج الصوف والكتان، وصباغة الأقشمة، كما صنعوا الأواني الفخارية.

 

3- كان لكل مدينة شيوخها الذين يحكمون في النزاعات التي تنشأ (يش 20: 4) ويصدرون القرارات الدينية (يش 7: 6، قض 21: 16) ويتخذون القرارات السياسية والعسكرية (يش 8: 10، قض 11: 5 - 11) وكان القاضي يحكم في سبطه، وأحيانًا في أكثر من سبط، ولكن الأسباط ككل لم تكن متحدة، بل عاشت كجزر منفصلة في بحر من السكان الأصليين للأرض، ولم يرتبط الأسباط معًا إلاَّ بواسطة التاريخ المشترك النابع من الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب والافتخار بيوسف وموسى، وإقامة الاحتفالات الدينية في " شيلو " حيث خيمة الاجتماع (قض 18: 31) فكانوا يجتمعون في أعياد الفصح والخمسين والمظال (خر 23: 14 - 17، قض 21: 19) كما كانت بعض الأسباط تتحد في حالات الطوارئ وإعلان الحرب ضد الغزاة الطامعين في هذه الأرض المباركة التي تفيض لبنًا وعسلًا (قض 3: 1) وأحيانًا كثيرة كانت تنشب الخصومات والحروب والصراعات بين الأسباط وبعضها البعض (قض 12: 4، 20: 14).. " وفي تلك الأيام لم يكن هناك ملك في إسرائيل" (قض 17: 6).

 

4- كان للعبرانيين أماكنهم المقدَّسة وهي:

أ - الجلجال: أي الحلقة أو الدائرة، وهي منطقة متاخمة لأريحا، وفي الجلجال ختن يشوع الشعب ودحرج عنهم عار العبودية المصرية، وفيه أقيمت خيمة الاجتماع قبل نقلها إلى شيلوه، وفيه أُقيمت الأحجار الاثني عشر التي رُفِعت من قاع الأردن، فصارت كنصب تذكاري يُذكّر الشعب بمعجزة عبور الأردن (يش 4: 19 - 20) وفي الجلجال منح يشوع الجبعونيين عهد الأمان وحلف لهم أنه لن يحل دمهم (يش 9: 6 - 15) وفيه قضى صموئيل لبني إسرائيل (1 صم 7: 16) وفيه نُصب شاول ملكًا (1 صم 11: 15).

ب - شكيم: وتعني الكتف، وهي تقع بين جبل عيبال وجبل جرزيم، وفيها قطع يشوع ميثاقًا مع بني إسرائيل، وأقام حجرًا كبيرًا تحت البلوطة عند مَقدِس الرب كشاهد على هذا الميثاق لعبادة الرب (يش 24: 26).

جـ شيلو: وهي بلدة صغيرة من نصيب سبط أفرايم، وتقع في مكان يتوسط البلاد، فيسهل على الأسباط الوصول إليها، والمنطقة كانت قد أخضعت بالكامل، أي أنه يمكن الوصول إلى شيلو من أي مكان في أمان ودون أية أخطار، ولذلك نُقلت إليها خيمة الاجتماع من الجلجال " واجتمع كل جماعة بني إسرائيل في شيلوه ونصبوا هناك خيمة الاجتماع. وأُخضعت الأرض أمامهم" (يش 18: 1) بل أن الكثيرين من الذين كانوا ينصبون خيامهم حول خيمة الاجتماع في الجلجال، انتقلوا في أثرها ونصبوا هناك خيامهم.

 

5- شيئًا فشيئًا انبهر الإسرائيليون بهذه الشعوب ذات الحضارة العريقة، ويقول " زينون كوسيدوفسكي": "يمكن أن نفترض أن يكون الإسرائيليون قد استغلوا تعاطف الجموع الشعبية معهم. فالإسرائيليون كانوا بسطاء كالسكان الأصليين، ويتكلمون لغة سامية قريبة من لهجتهم، بحيث يمكن الاتفاق فيما بينهم بطريقة مباشرة... ويدل على ذلك أننا إذا قرأنا سفر القضاة نستنتج أن المحتلين سرعان ما تصاهروا مع السكان الأصليين وعبدوا آلهتهم"(1).

ويقول " الخوري بولس الفغالي": "لم تكن الحرب دائمة بين الكنعانيين والعبرانيين، لهذا توثقت علاقات تعاون بين الفئتين، وهذا ما جعل العبرانيين يتطوَّرون بتأثير الكنعانيين الذين سبقوهم في التمدن، فالعبرانيون لا يعرفون الزراعة واستغلال الأشجار المثمرة وبناء البيوت والأسوار، وحفر (إعداد) الطرق وبناء الجسور وصناعة الملبوسات والخشب والحديد والفخار، كل هذا تعلموه على يد الذين سبقوهم إلى أرض كنعان. ولما كثر الإنتاج نمت العلاقات التجارية وازدادت الزوجات. وهكذا تحوَّل العبرانيون من بدو رُحَّل إلى فلاحين يقيمون في أرضهم، ويشبهون الكنعانيين في الكثير من عاداتهم، لاسيما في مجال العبادات الدينية... فتأثروا بأعياد البهجة التي تطبع حياة الزراعة بطابعها. لاشك أنهم لا ينسون يهوه، بل يُعلنون سمُوّه، ولكن يهوه لا يستطيع أن يفعل ما يفعله بعل. هو إله البرية وحياة البداوة، لا إله الحقول والخِصْب. وهكذا انزلقوا في توفيق ديني يتعارض ومبادئ الإيمان النقي بيهوه. تلك كانت مأساة الشعب في زمن القُضاة... ولكن إن تلوَّنت الديانة الشعبية بالتوفيق الديني، إلاَّ أن هناك نُخبة من الأتقياء الواعين لوحدة الشعب، حافظوا على مبدأ الإيمان اليهوي النقي. هم الأنبياء والديّنون"(2).

لقد إختلط الشعب المقدس بشعوب الأرض، وتصاهر معهم وعبد آلهتهم الوثنية العديدة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فقد عبد الحثيون الإله " ست " أو " سنخ " ومعناه القادر على كل شيء، وعبد الأراميون " هداد " أو " حداد " ومعناه الواحد الأحد، وعبد العمونيون " كموش " ومعناه الضابط أو المتولي، وعبد الكنعانيون والفينيقيون " بعل " وتأويله السيد أو الرب أو الإله، وعبدوا " البعليم"، والبعليم جمع بعل، وهو إله الزروع والحقول ورب الخصب والحيوانات والمواشي، وقد أولع بني المشرق بعبادته حتى أنهم بنوا له المرتفعات وأحرقوا أطفالهم ذبائح بشرية له. كما عبدوا "عشتاروت" زوجة بعل وهي ربة الأمومة.

ويقول " القمص تادرس يعقوب": "أما عبادة البعل فكانت تقدم للإله الكنعاني " بعل " وجمعه " بعليم " ومعناه (سيد) أو (رب) أو (زوج).. وكانت زوجته الإلهة عشتاروت، فهو (بعل) إله الخصب ورب المزارع والمهتم بالحيوانات، إله الشمس، وهي إلهة القمر، لذا كانت النساء يعجن لها فطيرًا (أر 7: 18) يُرسم عليها صورة القمر. وكان المتعبدون لها يحسبون البعل أبًا لهم، والعشتاروت أمًا، وكانوا يقدمون لهما من أطفالهم ذبائح ومحرقات. إذ كانت بعض الأصنام تُصنع من النحاس مجوَّفة، يوقدون تحتها النيران ومتى احمرَّت جدًا وتوهجت تلقي الأم رضيعها على يديه المتوهجتين وتُضرب الطبول حتى لا تُسمع صرخات الرضيع وهو يحترق، وكان للبعل كهنة كثيرون يخدعون الناس بسحرهم وشعوذتهم، كما وُجدت أحيانًا كاهنات هن نساء وبنات يُقدمن أنفسهن للزنى والرجاسات كجزء من العبادة وطقس من طقوسها (هو 4: 14) هذا وقد انتشرت عبادة البعليم في الشرق بصورة متسعة، حتى صار لبعض البلاد بعل خاص بها مثل بعل فغور، وبعل زبوب... إلخ"(3).

وفي جبيل عبدوا " أدونيس " أو " تموز " وتصوّروا أنه يموت في الخريف مع موت نضارة الأشجار والنباتات، وكانت النسوة في هذا الوقت تبكينه وتنحنَّ عليه وتجزّزن شعورهن، وترتدين ملابس الحداد، وفي الربيع يتغير المنظر بقيامة " أدونيس " فتعود للنباتات نضارتها وتكتسي بالأزهار والثمار، ويغرق الشعب في الملاهي والطرب والأفراح، ويقول " زينون كوسيدوفسكي": "ففي بداية الخريف يقوم إله الموت (موت) باختطاف " بعل " إلى مملكة الغياهب والظلمات، مما يؤدي إلى موت الطبيعة وقدوم الشتاء، فيقوم الشعب الكنعاني بالبكاء على الإله الميت، ويعبر عن يأسه وخزنه بتمزيق الثياب وتشويه الأجساد وترديد أغاني الحداد، وفي الربيع تصارع آلهة الخصوبة " عنات " إله الموت وتنتصر عليه، وتُخرج زوجها إلى سطح الأرض، فيقوم الفلاحون بالتعبير عن فرحتهم بعودة إله المحصول، فينظمون المسيرات الاحتفالية وينشدون الأناشيد ويرقصون ويمرحون"(4).

وتأثر العبرانيون بهذه العبادات النجسة وخلطوا عبادتهم ليهوه بعبادة مولك وكموش والبعليم وعشتاروت، ويؤاش والد جدعون كان يعبد البعل (قض 6) كما عبد بنو إسرائيل بعل بريث أي رب العهد " إن بنو إسرائيل رجعوا وزنوا وراء البعليم وجعلوا لهم بعل بريث إلهًا" (قض 8: 13) (راجع أيضًا قض 9: 4، 46) واحتفظ ميخا بالتماثيل التي صنعتها أمه (قض 17: 1 - 5) وقال أرميا النبي " وبنوا مرتفعات للبعل ليحرقوا أولادهم بالنار محرقات للبعل" (أر 19: 5) وعبادة البعل هي التي تصدى لها إيليا النبي وقال للشعب " حتى متى تعرجون بين الفرقتين إن كان الرب هو الله فاتبعوه وإن كان البعل فاتبعوه" (1 مل 18: 21) ويقول " زينون كوسيدوفكسي": "إن الإسرائيليين لم يرتدوا نهائيًا عن إله قبيلتهم عندما كانوا يتبعون آلهة الكنعانيين، ففي الكثير من المناطق كانت تُقام معابد يهوه قرب معابد بعل"(5). وفي "ميصبا" تم اكتشاف معبدين يرجعان إلى القرن التاسع ق.م. أحدهما ليهوه والآخر لبعل، ووجد في كل منهما تماثيل للإلهة عشتاروت، وعبد سليمان الآلهة الغريبة تحت إغراء زوجاته وقدم لها قرابين وذبائح، وهكذا تأرجح شعب الله بين عبادة الله وعبادة الأوثان، ولاسيما أن أرض كنعان كانت مرتعًا خصبًا للعبادات الوثنية، التي لها إغراءاتها من حياة اللهو والمجون، وهذا محور سفر القضاة الذي تكرر فيه ثلاث حالات مرارًا وتكرارًا.

أ - سقوط الشعب في العبادات الغريبة " وفعل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب وعبدوا البعليم. وتركوا الرب إلههم الذي أخرجهم من أرض مصر وساروا وراء آلهة أخرى من آلهة الشعوب الذين حولهم وسجدوا لها وأغاظوا الرب. تركوا الرب وعبدوا البعل وعشتاروث" (قض 2: 11 - 13)

ب - استعباد الشعوب الغريبة لشعب الله وإذلاله، وتخلي الرب عنهم " فحمى غضب الرب على إسرائيل فدفعهم بأيدي ناهبين نهبوهم وباعوهم بيد أعدائهم حولهم ولم يقدروا بعد على الوقوف أمام أعدائهم... فضاق بهم الأمر جدًا" (قض 2: 14، 15).

جـ- يصرخ الشعب للآلهة ويقدم توبة، فمراحم الله اللانهائية تفتقده وتقوده من العبودية للحرية " وأقام الرب قضاة فخلصوهم من أيدي ناهبيهم" (قض 2: 16).

وهكذا تُعاد الكَرة تلو الكَرة، ومراحم الله لا تنفذ، ويقول " الخوري بولس الفغالي " أما قصة فشل بني إسرائيل ونجاحهم في زمن القضاة، فهي قصة الخيانات والرجوع التي بواسطتها يكشف الله عن ذاته. نكتشف في سفر القضاة ضعف الشعب، ونكتشف أيضًا صبر الله الذي ينتظر عودة الخروف الضال، أنه إله النعمة، والكلمة الأخيرة هي كلمة الخلاص لا الهلاك"(6).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) ترجمة د. محمد مخلوف - الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 193.

(2) التاريخ الاشتراعي ص 136، 137.

(3) تفسير سفر القضاة ص 30.

(4) ترجمة د. محمد مخلوف - الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 204.

(5) المرجع السابق ص 207.

(6) التاريخ الاشتراعي ص 141.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/975.html

تقصير الرابط:
tak.la/mja286h