St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

282- هل أخذ سفر التكوين قصة سقوط الإنسان في المعصية الأولى من أساطير الأولى؟

 

ج: 1- قال النقاد إنه عثر على ختم أسطواني نقش على الطرف الأيمن منه رجل متميز بقرنين رمز القوة، وعلى الطرف الأيسر امرأة، وبين الرجل والمرأة نخلة، وخلف المرأة تدلت حية، وقاربت رأسها رأس المرأة وكأنها تحادثها، وقد امتدت يد المرأة تدعو الرجل للأكل من ثمار النحلة(1)(2) كما يعلق فراس السواح على هذا الختم قائلا "فهل يحكى لنا هذا الرسم فعلا أسطورة السقوط الأصلية؟ وهل سنجد في المستقبل النص الذي يحدثنا عنه؟ في الواقع أن شدة قرب الرسم للرواية التوراتية يجعلني أمي للرأي القائل بأن هذا الختم يصور لنا رواية فقدت نصوصها، وتظهر في التوراة من جديد"(3).

St-Takla.org Image: Adam and Eve after the fall - from: Mirror of Human Salvation manuscript (image 10) (Speculum Humanae Salvationis), (Cologne or Westfalia, c1360) - Universitäts-und Landesbibliothek, Darmstadt, Germany, Hs 2505. صورة في موقع الأنبا تكلا: آدم وحواء بعد السقوط - من مخطوط مرآة خلاص البشرية (صورة 10)، صدر في كولونيا أو وستفاليا بألمانيا، 1360 م. تقريبًا - جامعة دارمشتات التقنية، ألمانيا.

St-Takla.org Image: Adam and Eve after the fall - from: Mirror of Human Salvation manuscript (image 10) (Speculum Humanae Salvationis), (Cologne or Westfalia, c1360) - Universitäts-und Landesbibliothek, Darmstadt, Germany, Hs 2505.

صورة في موقع الأنبا تكلا: آدم وحواء بعد السقوط - من مخطوط مرآة خلاص البشرية (صورة 10)، صدر في كولونيا أو وستفاليا بألمانيا، 1360 م. تقريبًا - جامعة دارمشتات التقنية، ألمانيا.

والحقيقة أن هذا الختم يثبت حقيقة قصة السقوط، وإن هذه القصة قد وصلت بالتواتر لشعوب الأرض عن طريق نوح وأولاده، وليس معنى هذا الختم أن سفر التكوين أخذ من هذه الأسطورة، فالختم مثلا لم يذكر الحديث الذي دار بين الحية والمرأة، وقد ذكر سفر التكوين هذا الحديث. أما التشابه بين ما جاء في الختم وسفر التكوين فيرجع كما قلنا مرارا وتكرارا إلى وجود أصل واحد للقصة، احتفظ به التقليد اليهودي نقيا، بينما دمج مع الخرافات لدى الشعوب الوثنية، ويقول نيافة المتنيح الأنبا إيسيذورس أسقف دير السريان "وجد في كتاب قديم في قبيلة تقطن في بلاد النرويج شمالي أوروبا قصة سقوط الإنسان، وقد ترجمتها مدام "دى بوجا " إلى الفرنسية ونشرتها سنة 1840 م وهي باختصار تحكى عن "أيدهونا" غير المائية (إشارة لحواء) التي تسكن مع "براجى" (إشارة لآدم) في أسكرد في وسط العالم في الفردوس، وكانت تعيش في حالة البرارة، فسلم إليه الآلهة حراسة ثمار عدم الميتوتة (إشارة لشجرة الحياة) على أن "لولى " المحتال على كل شر وممثل المبدأ الشرير (إشارة للشيطان) خدعها بثمار أخرى (إشارة لشجرة معرفة الخير والشر) قال إنه رآها في غابة وأغراها بإتباعه لتجنى منها، فخطفها جبار (إشارة للسقوط) فلم تبق السعادة بعد ذلك في أسكرد (إشارة لنتائج السقوط)"(4) فالقصة السابقة تشرح قصة السقوط بطريقة أسطورية.

 

2- يقول د. كارم محمود عزيز "وفكرة الغواية والخديعة أيضًا هي فكرة مشتركة بين النص العبري والنصوص الفارسية على وجه الخصوص، ففي قصة "ماشيان " و"ماشيانج " ظهر لهما "أهريمن " في صورة شيخ هرم، وأكل من ثمار الشجرة، فتبعاه ووقعا في البلاء، وفي قصة "يامة " سولت له نفسه، التي يمكن إعتبارها هنا بمثابة الشيطان، بمناظرة الإله، فجنى على نفسه وعلى ذريته، وكذلك في الرواية السريانية التي ذكرها "بركوناتى " كان الإله "نرسانى " العاري الواقف خلف الشيطان يمثل عنصر الغواية فيها... وفي قصة "يامة " الفارسية، وكذلك قصة "ماشيا " و"ماشيناج " عوقبوا بتقرير الموت عليهم، الأول بسبب تكبره على الإله، والآخران بسبب غواية "أهريمن " لهما(5).

والحقيقة أن الدكتور كارم قد أغفل الفاصل الزمني الطويل بين سفر التكوين الذي كتب في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وبين الحضارة الفارسية في القرن السادس قبل الميلاد. ثم كيف يعتقد الدكتور كارم محمود أن قصة الغواية والسقوط أسطورة فارسية؟ وما رأيه فيما ذكره القرآن عن قصة السقوط:

 "وقلنا يا آدم إسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين. فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما ما كان فيه..." (سورة البقرة 35، 36).

 "ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين... فوسوس لها الشيطان ليبدى لهما ما ورى عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين. وقاسمهما إني لكما لمن الناصيحن. فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سواءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهاكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما أن الشيطان لكما عدو مبين. قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترجمنا لنكونن من الخاسرين. قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين" (سورة الأعراف 19- 24).

 "فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى. فأكلا منها فبدت لهما سوءتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى" (سورة طه 120، 121).

 

3- من الأساطير التي ذكرت قصة السقوط أيضًا أسطورة "آدابا " فيقول فراس السواح "أما سقوط الإنسان فتنقله لنا أسطورة أخرى وهي أسطورة "آدابا " و"آدابا هنا هو الإنسان الأول الذي خسر الخلود بسبب غلطة"(6).

وجاء في أسطورة "آدابا " أن أبيه الإله "آيا " هو الذي خلق ابنه "آدابا " بلا عيب "لقد زود بالفهم الكامل لإنقاذ كلمة الآلهة على الأرض... لقد أعطى الحكمة ولكنه لم يمنح الحياة الأبدية بالفهم الكامل لإنقاذ كلمة الآلهة على الأرض... لقد أعطى الحكمة ولكنه لم يمنح الحياة الأبدية... آيا خلقه ليكون أول البشر ورائدا لهم... (وكان آدابا يخدم الآلهة في منطقة أريدو) فكان خبازا يصنع الخبز... كان خبازا يقدم الخبز لآريدو... كان يقدم الطعام والماء كل يوم لآريدو... كان يشرع مركبه ويصطاد السمك لآريدو... آدابا بن آيا كان يؤوب كل مساء إلى بيته... ويقصد بوابة المدينة في نهاية كل يوم... ويرسى مركبه على رصيفها في ميناء القمر الجديد... وذات مرة هبت الريح ودفعت بمركبته بعيدا... فراح يضرب بمجدافيه بقوة... لقد هبت ريح الجنوب وأغرقته.

 (وعاقب "آدابا " الريح التي أغرقت مركبه قائلا:)

سأكسر لك جناحيك، وما أن نطق فمه بذلك... حتى كسر جناح الريح، وسبعة أيام... لم تهب على الأرض... "وآنو " استدعى وزيره "لابرات " قائلا... لماذا لم تهب رياح الجنوب في الأيام السبعة الأخيرة... فأجابه وزيره لابرات قائلا: مولاي... إن آدابا ابن آيا كسر جناح رياح الجنوب... فلما سمع آنو هذا قال... نهض عن عرشه وصاح قائلا: ليأتوا إلى به... وهنا عرف آيا بالأمر، وهو المطلع على مجريات السماء... فألبس آدابا شعرا طويلا... وزوده بوشاح الحداد يضعه عليه... وقال له: أي آدابا، ستمضى إلى آنو، الملك... وفي صعودك ستأخذ طريق السماء... وتقترب من بوابة آنو... وسيكون في حراستها "تموز " و"جزيدا ".. وعندما يريانك سيسألانك قائلين: أيها الإنسان... من أجل من تبدو هذه الهيئة..؟ من أجل من ترتدي وشاح الحزن؟ فتجيب... لقد غاب عن الأرض إلهان... ولذا تجدني حزينًا عليهما، فيسألان: ومن هما الإلهان الغائبان؟ فتجيب... إنهما تموز وجيزيدا، وهنا سينظران لبعضهما... وسيبتسمان ويقولا لك قولا كريما... وسيتحدثان من أجلك في حضرة آنو... وسيقفان إلى جانبك لدى مثولك أمام آنو... ولسوف يقدم لك طعام الموت... فلا تأكله، وشراب الموت سيقدم إليك... فلا تشربه، وسيعطونك عباءة... فألبسها، وزيتا فأدهن به نفسك... هذه وصاياي فأعمل بها...

 (وفعلا إلتقى "آدابا " مع حارسى بوابة "آنو " وهما "تموز " و"جيزيدا " وكسب تعاطفهما معه، ووقف "آدابا " أمام "آنو " وحصل عللا البراءة، بل أراد "آنو " أن يكافئه فقال:)

فماذا يصنع به؟ هاتوا له... بطعام الحياة ليأكل منه... فجلبوا طعام الحياة، ولكنه لم يقربه. وشراب الحياة... فلم يشرب منه. وعباءة... جلبوا له فلبسها، وزيتا... حلبوا له فدهن نفسه... فنظر "آنو " إليه وضحك منه:.. تعالى إلى يا آدابا... لماذا لم تأكل ولم تشرب... أليست صحتك على ما يرام؟: "لقد أمرني آيا سيدي... ألا أكل أو أشرب ".. خذوه وأعيدوه إلى الأرض"(7)(8).

ثم يقول فراس السواح، وهكذا فعل "آيا " كما فعل يهوه في الأسطورة التوراتية. لقد خلق الإنسان وحجب عنه الخلود، صنعه كاملا وحكيما وسيدا ولكنه دفعه للخطيئة المميتة، لأن الحياة الأبدية يجب أن تبقى وقفا على الآلهة وحدهم. ونستطيع أن نلمح تشابها بين العباءة التي أعطيت لآدابا ليلبسها، وبين الردائين اللذين أعطيا لآدم وزوجه ليلبساهما عشية خروجهما من الجنة {وصنع الرب الإله لآدم وإمراته أقمصة من جلد وألبسهما}"(9).

زيري الأب سهيل قاشا أن هناك تشابها بين قصة آدابا وقصة آدم في الآتي:

أ- أخطأ آدم وأكل من الشجرة المحرمة، وحطم آدابا جناحي ريح الجنوب.

ب- في قصة آدم ترى شجرة الحياة المحرمة، وفي قصة آدابا ترى خبز الحياة وماء الحياة المحرمان.

جـ- عصى آدابا الإله "آنو " وعصى آدم الإله يهوه.

د- خرج آدابا من السماء وعاد إلى أرضه، وخرج آدم من الفردوس إلى الأرض.

هـ- لحقت بالإنسان في القصتين خيبة أمل شديد بسبب العصيان، سواء من الأكل من شجرة الحياة وهو ما فعله آدم، أو برفض الأكل من طعام وماء الحياة وهو ما فعله آدابا.

و- بسبب نصيحة آيا رفض آدابا أوامر "آنو " إله السماء، وبسبب الحية رفض آدم وحواء أوامر يهوه(10).

 

عندما رأى فراس السواح أن هناك تشابها بين قصة آدابا وقصة سقوط آدم، بنى رأيه هذا على ثلاث نقاط، نناقشها باختصار:

أ- حجب يهوه الخلود عن الإنسان، و"أيا " حجب الخلود عن "أدابا " والحقيقة أن الإنسان خلق لكيما يكون خالدا، فالله وهب الخلود للإنسان، ولكن ما خسره آدم هو الحياة الفردوسية، وليس الخلود، لأنه بعد الموت هناك قيامة سواء للأبرار أو الأشرار، والجميع سيخلدون كل إلى مكانه، سواء أن كان الملكوت السماوي أو جهنم النار.

ب- لم يدفع الله الإنسان للخطيئة المميتة كما ادعى فراس السواح، إنما الإنسان اختار بمحض إرادته وكامل وعيه طريق الموت، ومع هذا فإن الله رحمه وفداه، وأعاده ليس إلى رتبته فقط، بل رفعه إلى الملكوت السماوي.

جـ- أقمصة الجلد التي صنعها الله لآدم وحواء كان الهدف منه ستر عرى آدم وحواء اللذان فشلا في ستر عريهما، أما العباءة التي ارتداها آدابا فلم يرتديها لستر عريه.

 

أما الأب سهيل قاشا الذي ذكر ستة أمور متشابهة، فإنه لم يذكر أوجه الخلاف بين القصتين وما أكثرهما، فمثلا:

أ- شتان بين آلهة الأساطير وإله سفر التكوين، فآلهة الأساطير تتزاوج وتلد، فآيا يلد آدابا، وآلهة تخاف من العقوبة مثل آدابا الذي خشى "آنو " إله السماء.

ب- أخطأ آدم عندما خالف الوصية الإلهية وأكل من شجرة معرفة الخير والشر، أما آدابا فلم يعصى الإله "آنو " لأن "آنو " لم يعطه أمرا بأن لا يكسر جناح الريح.

جـ- كان هناك وصية إلهية لآدم بأن لا يأكل من شجرة معرفة الخير، بينما لم تكن هناك أية وصية لآدابا حتى لا يأكل من خبز الحياة وماء الحياة، فشجرة الحياة كانت محرمة بوصية إلهية. أما خبز وماء الحياة فلم يحرمهما لا "آنو " إله السماء ولا "آيا ".

د- لم يعصى "آدابا " الإله "آنو " لأن "آنو " فقط قدم له خبز وماء الحياة، دون أن يأمره بالأكل منهما، بل ترك له حرية الاختيار، أما آدم فقد أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها.

هـ- ذهب "أدابا " في مأمورية محددة للسماء، وهي أن يقدم جوابا عما صنع، فلم تكن السماء موطنه وتركها إلى الأرض. أما آدم فقد عاش في الفردوس كموطن له، ثم طرد منه نتيجة معصيته.

و- الذي حرض الإنسان على السقوط في المخالفة هو إبليس بغواية الحية. أما "آيا " فلم يحرض ابنه "آدابا " على رفض الخلود.

ز- ظن "آيا " خطأ أن "آنو " سيقدم له خبز الموت وماء الموت، وهذا لم يحدث، فيظهر هنا جهل "أيا " بالمستقبل، ويطيع "آدابا " أباه "آيا " دون تمييز، فيظهر جهله وفقدانه للتمييز، وهذه ليست صفات آلهة.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) راجع الأب سهيل قاشا- أثر الكتابات البابلية في المدونات التوراتية ص 268، 269.

(2) دكتور سيد القمنى- قصة الخلق أو منابع سفر التكوين ص 57.

(3) مغامرة العقل الأولى ص 199.

(4) المطالب النظرية في المواضيع الإلهية ص 480، 481.

(5) أساطير التوراة الكبرى وتراث الشرق الأدنى القديم ص 188، 189.

(6) مغامرة العقل الأولى ص 194.

(7) فراس السواح- مغامرة العقل الأول ص 195- 198.

(8) راجع أيضًا سلسلة الأساطير السورية- ديانات الشرق الأوسط ص 342- 346.

(9) فراس السواح- مغامرة العقل الأولى ص 198.

(10) راجع أثر الكتابات البابلية مع المدونات التوراتية ص 171، 172.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/282.html

تقصير الرابط:
tak.la/q9q3a3h