St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

210- هل يمكن أن تأتي الكائنات الحيَّة من الجماد؟

 

4- الكائنات الحيَّة لا تأتي إلاَّ من كائنات حيَّة

ج: لقد أخطأ الذين ظنوا أن الكائنات الحيَّة - مثل البكتيريا التي تظهر على الخبز، أو الديدان التي تظهر في الجبن أو اللحوم، أو الديدان التي تظهر في الأرض الرطبة - تأتي من غير كائنات حيَّة، وقد أوضح " باستير " هذه الحقيقة عندما أستخدم أسلوب التعقيم، ولو أن الحياة نشأت من التوالد الذاتي، فلماذا لا يحدث مثل هذا التوالد الآن؟ لماذا لا نرى مادة حيَّة تخرج من الجماد..؟! هل أصيبت القوى الطبيعية بالعقم فلم تعد قادرة على إيجاد كائنات حيَّة من الجماد..؟! هل تغيرَّت نواميس الطبيعة للأضعف؟! ويقول د. حليم عطية سوريال " ولكن تجارب العلامة " باستير " صدمت نظرية التوالد الذاتي صدمة قاتلة، فإن ذلك الباحث العبقري " باستير " اكتشف أعظم ناموس حيوي وهو أن الكائنات الحيَّة لا يمكن أن تأتي إلاَّ من كائنات حيَّة مثلها، وهذا الناموس يسري على أصغر الميكروبات كما يسري على الحيوانات الكبيرة، وغني عن البيان أن هذه القاعدة قبلت بالإجماع، ولم يسع المكابرون سوى التسليم بها...

St-Takla.org Image: Antilopina - from the book sets: Art Forms in Nature (Kunstformen der Natur) - by Ernst Haeckel (1899-1904). صورة في موقع الأنبا تكلا: الظباء - من صور كتب: النماذج الفنية في الطبيعة، لـ إرنيست هيكل (نشر ما بين 1899-1904 م.)

St-Takla.org Image: Antilopina - from the book sets: Art Forms in Nature (Kunstformen der Natur) - by Ernst Haeckel (1899-1904).

صورة في موقع الأنبا تكلا: الظباء - من صور كتب: النماذج الفنية في الطبيعة، لـ إرنيست هيكل (نشر ما بين 1899-1904 م.)

وعلى ذلك نرى أنه كان يجب أن لا يكون مجال للتكلُّم عن التوالد الذاتي بعد باستير، ولكن عقلية الماديين غريبة مدهشة لا تقبل التسليم بالواقع... يناقضون أنفسهم تناقضًا بيّنًا ويخلقون لأنفسهم مشاكل لا يمكنهم حلها لأن قبولهم نظرية التوالد الذاتي يضع أمامهم معضلات أعظم من معضلة الاعتقاد بالخلق الخاص، ويمكننا أن نشير إلى بعض تلك المعضلات:

(أولًا) إنهم يعترفون أن التوالد الذاتي لا يحدث الآن... فإن كان التوالد الذاتي لا يحدث الآن ألا يحق لنا أن نسأل ما الذي جعل قوة الطبيعة والمادة تشيخ وتهرم - ما لها عقمت وعجزت عن خلق كائنات حيَّة من الجمادات كما فعلت سابقًا؟ إذًا نواميس الطبيعة مُتغيرة مُتقلبة لا تثبت على حال فإذا قالوا بذلك يواجهون مشكلة أخرى، لأن القول بعدم ثبات نواميس الطبيعة يترتب عليه انهيار العلم كله.

(ثانيًا) إنهم يقولون أن أول الكائنات الحيَّة أعني التي نشأت بالتوالد الذاتي كانت صغيرة جدًا وعلى غاية البساطة... وتولَّدت منها المخلوقات الكبيرة، وهذا القول لا يتفق مع الحقائق العلمية لأن المخلوقات الحيَّة مهما كانت صغيرة الحجم لا يعتبرها العلم بسيطة لأن البساطة لا تتفق مع مميزات الحياة، لأنه بين أصغر خلية حيوانية أو نباتية وبين المواد الغير عضوية الجمادية هوة عميقة لا يمكننا أن نتصوَّر عبورها... إن الخلايا الحيَّة مهما صغر حجمها فهي عالم في ذاتها... لها جميع مميزات الحياة الجوهرية الأساسية، فإنها تأخذ المواد الغذائية التي تصلح لها من الوسط الذي تعيش فيه وتهضمها كما نهضم طعامنا بواسطة عصارات متشابهة، وبعد هضمها تنبذ فضلات الطعام بطرق غاية في الدقة، وبعد ذلك تستخدم الطعام المهضوم لنفس الأغراض التي يستعمل فيها عند الحيوانات الكبيرة، فإنها تخلق منه مادة برتوبلازمية تشبه المادة المكوَّن منها جسمها وتعوض بذلك المواد التي استهلكت في العمليات الحيوية... على أن أروع وأبدع ما تشاهده في تلك المخلوقات الصغيرة هو عملية التوالد بالانقسام... لأنها تنقسم بعملية غاية في الدقة إلى نصفين متساويين تمام المساواة يصير كل منهما فردًا مشابهًا تمام المشابهة لوالده... ولقد قال الأستاذ ولسن بصدد هذه الحقائق أن تقدم العلم قد وسع الهوة التي بين الكائنات الحيَّة ذوات الخلية الواحدة وبين المواد الغير عضوية"(1).

 

وقد قام عالِم الكيمياء " لافوازييه " Lavoisier في القرن التاسع عشر بتقسيم المواد الكيميائية إلى مجموعتين أحدهما لا يستطيع أن يصنعها إلاَّ الأحياء من إنسان وحيوان ونبات، وأُتفق على تسميتها بالكيمياء العضوية، والثانية هي المواد الكيميائية التي تنتشر في الطبيعة من تربة وماء، ثم اكتشف " فوهلر " Wahler سنة 1828م أنه يمكن تحضير البول معمليًا، لذلك قالوا أن الكيمياء العضوية هي التي يدخل في تركيبها الكربون، وذرات الكربون لها قدرة فذة على الإتحاد بغيرها من العناصر، حتى وصلت مُركَّبات الكربون إلى أكثر من ربع مليون مُركَّب، ولا أحد يستطيع أن يدعي أن المواد غير الحيَّة يمكن أن تجتمع معًا لتكوين حياة، لأن الحياة لا تولد إلاَّ من حياة، ولم ينجح للآن أي إنسان في تكوين خلية حيَّة بالجمع بين المواد غير الحيَّة!! وهذا ما يقر به علماء التطوُّر أنفسهم.

 

أما القول بأن الحياة وُجِدت من تلقاء ذاتها فإنه يشبه القول بأن هذا المبنى وُجِد من ذاته بالصدفة بكل ما فيه من تجهيزات كهربائية وصحيَّة ودهانات ونجارة وأثاث... إلخ ومن يقدر أن يتصوَّر أن الصدفة تدخلت في قطع الأشجار وتصنيعها أبوابًا وشبابيك وأثاثات فاخرة بدون تدخل يد إنسان، والصدفة تدخلت أيضًا فاختارت المواد التي يصنع منها السيراميك ووصلت به إلى هذه الدرجة من الجودة بدون تدخل إنسان... إلخ ومع كل هذا فإن إمكانية وجود مبنى ضخم بكل ما يحويه من تحف وأثاث وأجهزة بمجرد الصدفة لهو أهون من وجود خلية حيَّة واحدة!!

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) تصدع مذهب داروين والإثبات العلمي لعقيدة الخلق ص 71 - 77.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/210.html

تقصير الرابط:
tak.la/m5sca4b