St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1613- هل للمطر أبٌ (أي 38: 28)؟ وما هي الحكمة التي وضعها الله في الطَّخاء (أي 38: 36)؟

 

ج: 1- سأل الله أيوب: "هَلْ لِلْمَطَرِ أَبٌ؟ وَمَنْ وَلَدَ مَآجِلَ الطَّلِّ؟" (أي 38: 28)، ومن الطبيعي أن المطر ليس كائن حي له أب، إنما ينهمر من السُّحب، ولذلك فإن هذا التعبير تعبير مجازي، فمجازًا يمكن دعوة السَّحاب على أنه أبو المطر، وقال المُرنِّم: "الْكَاسِي السَّمَاوَاتِ سَحَابا،ً الْمُهَيِّئِ لِلأَرْضِ مَطَرًا، الْمُنْبِتِ الْجِبَالَ عُشْبًا" (مز 147: 8) فربط بين السَّحاب والمطر والعشب، كما قال المُرنِّم: "السَّاقِي الْجِبَالَ مِنْ عَلاَلِيهِ... الْمُنْبِتُ عُشْبًا لِلْبَهَائِمِ، وَخُضْرَةً لِخِدْمَةِ الإِنْسَانِ، لإِخْرَاجِ خُبْزٍ مِنَ الأَرْضِ" (مز 104: 13، 14)، وقوله: "مَآجِلَ الطَّلِّ " أي نقاط الندى التي نراها في الصباح الباكر على أوراق النباتات، نتيجة تكثف بخار الماء، وعلى نفس المنوال أكمل الرب تساؤلاته: "مِنْ بَطْنِ مَنْ خَرَجَ الْجَمَدُ؟ صَقِيعُ السَّمَاءِ؟ مَنْ وَلَدَهُ؟" (أي 38: 29) والمقصود بالجمد أي الجليد الذي تكوَّن من ماء سائل وتحوَّل إلى مادة صماء، فهنا يتكلَّم الرب عن ظواهر المطر والندى والجليد، كقول المُرنِّم: "الَّذِي يُعطِي الثَّلْجَ كَالصُّوفِ، وَيُذَرِّي الصَّقِيعَ كَالرَّمَادِ" (مز 147: 16).

 

2- يقول " القمص تادرس يعقوب": "سبق (الله) فتحدَّث عن البحر العظيم كطفل خرج من الرحم بأمر الله، قمَّطه بالضباب، وكساه بالسحاب، وكأن الله أشبه بمربية حتى للبحر الجماد. الآن يتحدَّث عن الطَّل، القطرات غير المحصاة فيصوّرها كمولود حديث، يهتم الله حتى بقطرة الطَّل! إنه عامل في كل الطبيعة بطبيعته الصالحة الفائقة.

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن الله كثيرًا ما يستخدم تعبير الولادة حتى بالنسبة للخلائق الجمادات، ليؤكد ليس من خليقة جاءت مصادفة، إنما كل الأمور هي في ذهن الله الكلي الحب والرعاية. 

ويقول القديس كيرلس الأورشليمي:

من كثَّف الهواء في السُّحُب، وربطها ليحمل مياه الأمطار فتأتي ذهبية اللون (أي 37: 22) من الجنوب، بنظام واحد تارة، وفي شكل دوائر متعددة وأشكال متباينة تارة أخرى..؟! وفي وقت ما يصير الماء ثلجًا كالصوف (راجع مز 147: 16)، وأخرى يذريه صقيعًا كالرماد، وثالثة تصير مادة حجرية. إنه يحكم الماء كما يريد.

تتجمد المياه لتصير جليدًا وثلجًا لفترة وجيزة للغاية وبكميات يصعب أو يستحيل حصرها تكشف عن عجز الإنسان عن إدراك ظواهر طبيعية تتم أمامه وبسرعة لا يتوقعها. أية قوة مخلوقة تقدر أن تتمم هذه الظواهر العجيبة؟"(1).

 

3- سأل الله أيوب: "مَنْ وَضَعَ فِي الطَّخَاءِ حِكْمَةً، أَوْ مَنْ أَظْهَرَ فِي الشُّهُبِ فِطْنَة؟" (أي 38: 36).

وفي "ترجمة كتاب الحياة: "مَنْ أضفَى على الغُيُوم حِكمةً، وأنعمَ على الضبابِ بالفهم "

و"الطَّخَاءِ" هي السُّحُب المرتفعة، فهناك حكمة في ارتفاعها وسرعتها والمناطق التي تهطل عليها فترويها أو تدمرها بحسب القصد الإلهي، وهناك مناطق ليست بقليلة تعتمد في زراعتها على مياه الأمطار، فيظل الفلاح منتظرًا المطر المبكر والمتأخر ليزرع أرضه ويجد قوته.

 

4- يقول " نيافة الأنبا إيساك " الأسقف العام: "جزيئات الماء قد تتقارب مع بعضها جدًا حتى تكوّن مادة صلبة هي الثلج والبَرَد، وقد تتباعد قليلًا فيكون الماء في حالته السائلة، وقد يتباعد جدًا فيكون الماء في حالة بخار... كغاز في الهواء، والله هو المتحكم في هذا كله كما نرى في الظواهر الطبيعية على مستوى الكون كله!

فعندما تشتد درجات حرارة الشمس على المسطحات المائية الضخمة في محيطات الأرض، يتصاعد بخار الماء كي يتكثف في غيوم وسُحُب يحملها الهواء إلى بقاع الأرض الساخنة، فيأمر الرب أن تعود أمطارًا وغيوثًا تلطف من حرارة الشمس على الإنسان، وتملأ أنهار تروي الزروع والأعشاب، وقد يتأين السَّحاب من شدة حرارة الشمس فيحمل بعضه شحنات موجبة وبعضه شحنات سالبة تُصدَم مع بعضها في السماء لتُحدث تفريغًا هائلًا للشحنات في البروق ذات الإشعاعات النحاسية اللون مع إحداث الرعود الهادرة... وقد تفرّغ السُّحب شحناتها مع تربة الأرض فتحدث الصواعق الحارقة!

أمَّا في المناطق البعيدة عن الشمس المباشرة والشديدة البرودة، فإن بخار الماء يتحوَّل إلى ثلوج تغطي كل شيء، وأمطارها هناك رَخات من كُتل البَرَد الصغير، أو خيوط ثلجيَّة تتراكم على الأرض... ولولا هذا الإعجاز الإلهي في تغيرات حالة المياه لتصحرت الأرض، وجفت كل الكائنات الحية عليها، لذلك يقول داود النبي: "تَعَهَّدْتَ الأَرْضَ وَجَعَلْتَهَا تَفِيضُ. تُغْنِيهَا جِدًّا. سَوَاقِي اللهِ مَلآنَةٌ مَاءً... مَهِّدْ أَخَادِيدَهَا. بِالْغُيُوثِ تُحَلِّلُهَا. تُبَارِكُ غَلَّتَهَا..." (مز 65: 9، 10). إن الله في تحويل ماء المحيطات إلى سحاب، والسَّحاب يتكاثف إلى أمطار وغيوث وسيول، والأمطار تملأ الأنهار، ثم الأنهار تجري عائدة إلى البحار والمحيطات مَرّة أخرى: "كُلُّ الأَنْهَارِ تَجْرِي إِلَى الْبَحْرِ، وَالْبَحْرُ لَيْسَ بِمَلآنَ. إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي جَرَتْ مِنْهُ الأَنْهَارُ إِلَى هُنَاكَ تَذْهَبُ رَاجِعَةً" (جا 1: 7). وآيات أخرى كثيرة تُبيِّن إصبع الله في حركات المياه على الأرض لفائدة الإنسان... " الْمُسَقِّفُ عَلاَلِيَهُ بِالْمِيَاهِ. الْجَاعِلُ السَّحَابَ مَرْكَبَتَهُ... كَسَوْتَهَا الْغَمْرَ كَثَوْبٍ. فَوْقَ الْجِبَالِ تَقِفُ الْمِيَاهُ. مِنِ انْتِهَارِكَ تَهْرُبُ، مِنْ صَوْتِ رَعْدِكَ تَفِرُّ. تَصْعَدُ إِلَى الْجِبَالِ. تَنْزِلُ إِلَى الْبِقَاعِ، إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَسَّسْتَهُ لَهَا... اَلْمُفَجِّرُ عُيُونًا فِي الأَوْدِيَةِ. بَيْنَ الْجِبَالِ تَجْرِي... السَّاقِي الْجِبَالَ مِنْ عَلاَلِيهِ" (مز 104: 3-13).

"سَبِّحِيهِ... أَيَّتُهَا الْمِيَاهُ الَّتِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ "

"الَّذِي يُعطِي الثَّلْجَ كَالصُّوفِ، وَيُذَرِّي الصَّقِيعَ كَالرَّمَادِ. يُلْقِي جَمْدَهُ كَفُتَاتٍ. قُدَّامَ بَرْدِهِ مَنْ يَقِفُ؟ يُرْسِلُ كَلِمَتَهُ فَيُذِيبُهَا. يَهُبُّ بِرِيحِهِ فَتَسِيلُ الْمِيَاهُ" (مز147: 16-18).

"الْكَاسِي السَّمَاوَاتِ سَحَابا،ً الْمُهَيِّئِ لِلأَرْضِ مَطَرًا" (مز 147: 8).

"لِيَمْطُرَ عَلَى أَرْضٍ حَيْثُ لاَ إِنْسَانَ. عَلَى قَفْرٍ لاَ أَحَدَ فِيهِ، لِيُرْوِيَ الْبَلْقَعَ وَالْخَلاَءَ وَيُنْبِتَ مَخْرَجَ الْعُشْبِ" (أي 38: 26، 27)"(2).

 

5- يبدو أن كلمات (أي 38: 26) تحمل أكثر من معنى، ولهذا اختلفت بعض الترجمات، ففي " الترجمة اليسوعية": "من وَضَع الحَكمةَ في أبي المِنجَل أم مَن أعطى الديك الفِطنَة؟ " وجاء في هامش الترجمة: "كانوا ينسبون إلى أبي المنجل، وهو حيوان من فصيلة الطيور، وإلى الديك قوي تبصُّر، فأبو المنجل كان ينبئ بفيضانات النيل، والديك ينبئ بطلوع الفجر، وكذلك بنزول المطر بحسب بعض المعتقدات الشعبية"(3).

وفي " الترجمة العربية المشتركة": "من وَضَعَ الحِكمةَ في طيرِ الحجَلِ وأعطى الديكَ موهبة الفهم".

وفي " الترجمة السبعينية": "من علَّم المرأة فن الحياكة ومن أعطاها فن التطريز".

ويقول " القديس يوحنا ذهبي الفم": "لاحظ أنه هنا يتكلَّم أيضًا عما هو مفيد، ويخلط بين الأشياء الكبيرة والصغيرة، وبالحق فهذا لا يختص بأول الفنون، والذي هو فن ممتلئ بالتنوع وفائدته ليست قليلة. وهل كانت أعمال هذا الفن ستصير شهيرة لو لم تكن هبة (من الله)؟، ولاحظ أيضًا نوع الجنس الذي نال هذه الهبة"(4)(5).

وهذه الترجمات جميعها تحمل هدفًا واحدًا، حتى لو اختلفت التعبيرات، وهذا الهدف هو أن الله هو واهب الحكمة لخليقته، سواء كانت جمادًا (سُحُب وغيوم وضباب وصواعق) أو طيور (أبو منجل والحجل والديك) أو إنسان (امرأة)، وكما رأينا من قبل في إجابة س 1511 الترجمات المختلفة لرواية " فاوست"، فبينما ترجمها البعض إلى شعر منثور مثل " الأستاذ محمد عوض محمد " وقدَّم لهذه الترجمة " الدكتور طه حسين " عميد الأدب العربي، ترجمها " الدكتور محمد عبد الحليم كرارة " إلى شعر عربي، وهناك خلافات عديدة في الألفاظ المستخدمة في الترجمات المختلفة، ونحن نقبل هذا في هذا العصر الحديث، فلماذا نتعجب من ذلك بالنسبة لترجمات قديمة جدًا لسفر أيوب، مثل الترجمة السبعينية وغيرها؟

وإن كانت مثل هذه النقاط نَعبُر عليها سريعًا في دراستنا هذه، فنحن نوجه الأنظار إننا في حاجة إلى دراسة مثل هذه النقاط بدقة أكثر واستفاضة من خلال دراسات متخصصة يدخل فيها النص العبري واليوناني والإنجليزي والعربي... إلخ.، وهذا ما نأمل فيه في القريب العاجل إن شاء الله، وسوف نضعه هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) تفسير سفر أيوب جـ4 ص 1276، 1277.

(2) تساؤلات الله في سفري أيوب والمزامير ص 91-94.

(3) الكتاب المقدَّس - العهد القديم - مطبعة دار المشرق بيروت ص 1100.

(4) سفر أيوب - إصدار مكتبة المحبة ص 204.

(5) راجع أيضًا القمص تادرس يعقوب - تفسير سفر أيوب جـ4 ص 1300.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1613.html

تقصير الرابط:
tak.la/hdaw9z8