St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1602- هل أليهو في حديثه مع أيوب أسقط صورة الإله الأسطوري الذي يرعد ويزمزم على يهوه (أي 37: 2-4)؟

 

ج: 1- يبدو أنه خلال حديث أليهو مع أيوب ظهرت بوادر هبوب عاصفة رعدية قادمة، ويبدو أن هذه العاصفة كانت تمهيدًا للظهور الإلهي لأيوب، فاضطرب قلب أليهو وأخفق، وشعر أنه في الحضرة الإلهيَّة، فبدأ يتحدَّث عن صوت الله من خلال البروق والرعود، وكأنه يريد أن يقول لأيوب إن كان الإنسان مهما علا شأنه ليس لديه سلطان على تغيير الظواهر الجوية، أليس هذا مدعاة لأن يخضع لله في تدبير أموره؟!

     قال أليهو: "فَلِهذَا اضْطَرَبَ قَلْبِي وَخَفَقَ مِنْ مَوْضِعِهِ. اسْمَعُوا سَمَاعًا رَعْدَ صَوْتِهِ وَالزَّمْزَمَةَ الْخَارِجَةَ مِنْ فِيهِ. تَحْتَ كُلِّ السَّمَاوَاتِ يُطْلِقُهَا، كَذَا نُورُهُ إِلَى أَكْنَافِ الأَرْضِ. بَعْدُ يُزَمْجِرُ صَوْتٌ، يُرْعِدُ بِصَوْتِ جَلاَلِهِ، وَلاَ يُؤَخِّرُهَا إِذْ سُمِعَ صَوْتُهُ. اَللهُ يُرْعِدُ بِصَوْتِهِ عَجَبًا. يَصْنَعُ عَظَائِمَ لاَ نُدْرِكُهَا" (أي 37: 1-5).

     قال أليهو: "اسْمَعُوا سَمَاعًا رَعْدَ صَوْتِهِ وَالزَّمْزَمَةَ الْخَارِجَةَ مِنْ فِيهِ " فيكرّر كلمة السماع مرتين في تناسق عجيب مع صوت الرعد الذي يتكرَّر، وصوَّر أليهو الرعد كأنه صوت زمزمة يخرج من فم الله، وفي " الترجمة القبطية": "اسمعوا صوته، قصف وغضب الرب، وخرجت الزَّمزمة من فيه بسلطانهِ".

     وفي "الترجمة اليسوعية": "اسمَعوا قَصْفَ صَوتِه والدَّويَّ الخارجَ من فمه".

     وفي "ترجمة كتاب الحياة": "فانصِتْ، وأصغِ إلى زئيرِ صوتِهِ، وإلى زَمْجرة فمهِ".

     فواضح من الترجمات المختلفة أن الله يعلن غضبه ودويه وزئيره ضد الأثمة الخطاة، هذا ما أراد أليهو أن ينقله إلى أيوب.

     وقد تعوَّدنا أن الكتاب المُقدَّس كثيرًا ما يخلع الصفات البشرية على الله، فيذكر فم الله وعينه ويده... إلخ.، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وجميعها تعبيرات مجازية، لأن الله روح بسيط، لا تركيب فيه، لا ينقسم ولا يتجزأ، وكل تعبير استخدمه الكتاب له دلالة معينة، ففمه يصدر الأحكام، وعيناه تحيطان العالم والإنسان بالرعاية، ويمينه علامة القوة... إلخ...

 

2- قال أليهو: "كَذَا نُورُهُ إِلَى أَكْنَافِ الأَرْضِ " والمقصود بنوره أي البروق، وقال داود عن أعدائه: "أَرْعَدَ الرَّبُّ مِنَ السَّمَاوَاتِ، وَالْعَلِيُّ أَعْطَى صَوْتَهُ، بَرَدًا وَجَمْرَ نَارٍ. أَرْسَلَ سِهَامَهُ فَشَتَّتَهُمْ، وَبُرُوقًا كَثِيرَةً فَأَزْعَجَهُمْ" (مز 18: 13، 14)... " أَبْرِقْ بُرُوقًا وَبَدِّدْهُمْ" (مز 144: 6) وقال حبقوق النبي: "اَلشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَقَفَا فِي بُرُوجِهِمَا لِنُورِ سِهَامِكَ الطَّائِرَةِ، لِلَمَعَانِ بَرْقِ مَجْدِكَ" (حب 3: 11)، وقال زكريا النبي عن الأعداء: "وَيُرَى الرَّبُّ فَوْقَهُمْ، وَسَهْمُهُ يَخْرُجُ كَالْبَرْقِ" (زك 9: 14)، وعندما رأى يوحنا عرش الله قال: "وَمِنَ الْعَرْشِ يَخْرُجُ بُرُوقٌ وَرُعُودٌ وَأَصْوَاتٌ" (رؤ 4: 5)... " وَانْفَتَحَ هَيْكَلُ اللهِ فِي السَّمَاءِ... وَحَدَثَتْ بُرُوقٌ وَأَصْوَاتٌ وَرُعُودٌ وَزَلْزَلَةٌ وَبَرَدٌ عَظِيمٌ" (رؤ 11: 19) فواضح ارتباط البروق والرعود بالحضرة الإلهيَّة، و"أَكْنَافِ الأَرْضِ " في الأصل العبري تحمل معنى " أجنحة الأرض " وكأن أليهو يشبه الأرض بطائر يبسط جناحيه ويطير يصغي لصوت الله عبر البروق والرعود.

 

3- قال أليهو: "بَعْدُ يُزَمْجِرُ صَوْتٌ يُرْعِدُ بِصَوْتِ جَلاَلِهِ"، فقد اعتبر أليهو أن الرعد هو صوت الرب " اَللهُ يُرْعِدُ بِصَوْتِهِ عَجَبًا"، وهكذا قال داود النبي: "صَوْتُ الرَّبِّ عَلَى الْمِيَاهِ. إِلهُ الْمَجْدِ أَرْعَدَ. الرَّبُّ فَوْقَ الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ" (مز 29: 3)... " لِلرَّاكِبِ عَلَى سَمَاءِ السَّمَاوَاتِ الْقَدِيمَةِ. هُوَذَا يُعْطِي صَوْتَهُ صَوْتَ قُوَّةٍ" (مز 68: 33)... " صَعِدَ دُخَانٌ مِنْ أَنْفِهِ، وَنَارٌ مِنْ فَمِهِ أَكَلَتْ. جَمْرٌ اشْتَعَلَتْ مِنْهُ. طَأْطَأَ السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ، وَضَبَابٌ تَحْتَ رِجْلَيْهِ. رَكِبَ عَلَى كَرُوبٍ وَطَارَ، وَهَفَّ عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيَاحِ" (مز 18: 8-10). كما رنَّم آساف: "صَوْتُ رَعْدِكَ فِي الزَّوْبَعَةِ. الْبُرُوقُ أَضَاءَتِ الْمَسْكُونَةَ" (مز 77: 18)... وأيضًا قال المُرنِّم: " السَّحَابُ وَالضَّبَابُ حَوْلَهُ... أَضَاءَتْ بُرُوقُهُ الْمَسْكُونَةَ. رَأَتِ الأَرْضُ وَارْتَعَدَتْ" (مز 97: 2، 4)، وعندما نزل الله على جبل سيناء قال موسى النبي: "كَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ يُدَخِّنُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ نَزَلَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ، وَصَعِدَ دُخَانُهُ كَدُخَانِ الأَتُونِ، وَارْتَجَفَ كُلُّ الْجَبَلِ جِدًّا" (خر 19: 18)... " وَكَانَ جَمِيعُ الشَّعْبِ يَرَوْنَ الرُّعُودَ وَالْبُرُوقَ وَصَوْتَ الْبُوقِ، وَالْجَبَلَ يُدَخِّنُ. وَلَمَّا رَأَى الشَّعْبُ ارْتَعَدُوا وَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ ... فَوَقَفَ الشَّعْبُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَمَّا مُوسَى فَاقْتَرَبَ إِلَى الضَّبَابِ حَيْثُ كَانَ اللهُ" (خر 20: 18، 21)، وقال بولس الرسول: "إِلهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ" (عب 12: 29)، وقال يوحنا الرائي: "عَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ" (رؤ 1: 14)... فهل كل هؤلاء أسقطوا صورة الإله الأسطوري الذي يرعد ويزمزم على يهوه؟!!

 

4- يعتبر البرق والرعد علامتان من علامات العظمة والقدرة والرهبة الإلهيَّة، البرق للعين والرعد للأذن، وقد قصد الله بهما أن ينبه الإنسان الغافل عن عظائم الله، ويقول " متى هنري": "في الواقع لم يُعرف قط أنه قد وُلِد إنسان أعمى أصم. بكلمة الله يُنقل التعليم الإلهي للعقل عن طريق الأذن، وبأعماله يُنقل عن طريق العين... إن الله يسر أن يُذهل البشر في بعض الأحيان بالبرق عن طريق العين، والرعد عن طريق الأذن، والأرجح أنه كان هناك برق ورعد وقتئذ عندما كان أليهو يتكلَّم كما يُستفاد من كلامه، وقد تمَّت هذه المظاهر كمقدمة مناسبة لأن الله كان مزمعًا أن يتكلَّم (ص 38: 1) كما حدث فيما بعد على جبل سيناء. لاحظ هنا:

(1)  كيف تأثر أليهو نفسه بظهور مجد الله في الرعد والبرق، وأراد أن يؤثر على أيوب (ع 1، 2). قال أليهو: من جانبي أنا، لقد " اضطرب قلبي " بسبب هذه المظاهر رغم إني كثيرًا ما سمعت الرعد، ورأيت البرق ليلًا إنهما يزعجانني، وقلبي " خفق في موضعه". كان الرعد والبرق سببًا في اضطراب الأشرار، فالإمبراطور كاليجولا (ثالث إمبراطور للإمبراطورية الرومانية، وقُتل سنة 41 م بسب أعماله الوحشية مع شعبه) كان يود أن يهرع إلى ركن في البيت، أو تحت سرير خوفًا منهما... لقد ضُربت سدوم وعمورة بسبب البرق... أن أليهو دعا أيوب لكي يلاحظ هاتين الظاهرتين " اسْمَعُوا سَمَاعًا رَعْدَ صَوْتِهِ" (ع 2)... قيل عن الرعد أنه " صوت الرب" (مز 29: 3)...

(2)   كيف وصف (أليهو) هاتين الظاهرتين:

  1. مصدرهما الأصلي، لا الثانوي (ع 3) " تَحْتَ كُلِّ السَّمَاوَاتِ يُطْلِقُهَا " إنهما لا يصدران مصادفة بل... تحت إرشاد وسلطان عنايته الإلهيَّة...

  2. مداهما: أن صوت الرعد يرن " تَحْتَ كُلِّ السَّمَاوَاتِ " وهكذا يندفع نور البرق نحو أطراف الأرض " كَذَا نُورُهُ إِلَى أَكْنَافِ الأَرْضِ". أنه " يَبْرُقُ مِنْ نَاحِيَةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ يُضِيءُ إِلَى نَاحِيَةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ" (لو 17: 24)، ومع أن البرق والرعد لا يصلان إلى كل مكان، فإنهما يصلان في لحظة إلى مسافات شاسعة جدًا...

  3. نظامهما: البرق يخرج أولًا " بَعْدُ يُزَمْجِرُ صَوْتٌ" (ع 4). في وقت واحد يصدر البرق ويحدث الرعد، لكن لأن سرعة الضوء أسرع من سرعة الصوت، فإننا نرى البرق قبل أن نسمع الرعد... قيل عن الرعد هنا " صَوْتِ جَلاَلِهِ "جلال الله، لأن الله يعلن عن طريقة قدرته الفائقة وعظمته: "هُوَذَا يُعْطِي صَوْتَهُ صَوْتَ قُوَّةٍ" (مز 68: 33).

  4. عنفهما: "لا يؤخرهما " أي لا يحجزهما، ولا يستردهما، بل يدعهما ينطلقان في طريقهما... إن أمطار الرعد غزيرة جدًا، لأن الله هو " الصَّانِعُ بُرُوقًا لِلْمَطَرِ" (مز 135: 7).

  5. الاستنتاج الذي يستخلصه من كل هذا " اَللهُ يُرْعِدُ بِصَوْتِهِ عَجَبًا. يَصْنَعُ عَظَائِمَ لاَ نُدْرِكُهَا" (ع 5). وإن كان الله يرعد بصوته عجبًا كهذا فلنستنتج بأن أعماله الأخرى عظيمة " لا ندركها". ومن هذا المظهر الواحد يمكن القول أنه في توزيع أعمال العناية الإلهيَّة يوجد ما هو عظيم جدًا وعجيب جدًا وقوي جدًا مما نعجز عن مقاومته، كما يوجد ما هو عالٍ جدًا وعميق جدًا مما نعجز عن الوصول إليه"(1).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير سفر أيوب جـ3 ص 180-183.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1602.html

تقصير الرابط:
tak.la/c5b48a8