St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1600- هل الله مطرب فني يؤلّف ويلحّن ويُغنّي، حتى يقول عنه أليهو: "مُؤْتِي الأَغَانِيِّ فِي اللَّيْلِ" (أي 35: 10) ولهذا لا يستمع للصارخين إليه؟ وهل الله يظلّ يُغني طوال الليل فينهي وصلته في ليل أفريقيا ليبدأها في ليل أمريكا... وهلم جرا...؟ وما هو نوع العلم الذي يقارن به الرب بين الإنسان ووحوش البرية؟

 

     يقول " علاء أبو بكر": "يقول سفر أيوب: (اللهُ صَانِعِي، مُؤْتِي الأَغَانِيِّ فِي اللَّيْلِ، الَّذِي يُعَلِّمُنَا أَكْثَرَ مِنْ وُحُوشِ الأَرْضِ، وَيَجْعَلُنَا أَحْكَمَ مِنْ طُيُورِ السَّمَاءِ) (أي 35: 10).

     ما هو نوع العلم الذي يقارن به الرب بين الإنسان ووحوش الأرض؟ ومن أين يأتي الرب بالأغاني في الليل؟ ولمن يأتي بها؟ ولماذا؟ هل الرب مؤلف أغاني؟ وإذا أتى بكلمات الأغنية فمن أين يأتي باللحن؟ وإذا كان كلام الرب مقدَّسًا فلماذا لم نسمع عن أغاني مقدَّسة أو ألحان مقدَّسة؟ الرب يأتي بالأغاني في الليل؟ وفي أي ليل يأتي: هل يقصد الليل في أفريقيا أم الليل في أمريكا؟ ونحن نعلم أنه عندما تغيب الشمس في أفريقيا ويدخل الليل يبدأ النهار في أمريكا، فلو هو يقصد كل ليل لكان عمره كله يقضيه في الأغاني تأليفًا وتلحينًا. فعندما ينهي وصلته في أفريقيا يتجه إلى أمريكا. فأنى له وقت لتدبير أرزاق العباد من الأنس والجن والطير والحيوانات والحشرات والهوام فوق الأرض وتحتها؟ ومتى يحيي ويميت؟ ومتى يخلق؟ ومتى ينتقم من الظالمين؟ ومتى يثيب المؤمنين؟ ومتى يشفي المرضى؟ ومتى يستجيب الدعاء؟ ومتى يرحم التائبين؟"(1).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- قال أليهو أن كثير من المتضايقين يصرخون لله ولا يستجيب لهم، ربما لأن صراخهم خلى من الإيمان، أو أنه حمل روح الضجر والتذمر: "مِنْ كَثْرَةِ الْمَظَالِمِ يَصْرُخُونَ. يَسْتَغِيثُونَ مِنْ ذِرَاعِ الأَعِزَّاءِ. وَلَمْ يَقُولُوا: أَيْنَ اللهُ صَانِعِي، مُؤْتِي الأَغَانِيِّ فِي اللَّيْلِ... ثَمَّ يَصْرُخُونَ مِنْ كِبْرِيَاءِ الأَشْرَارِ وَلاَ يَسْتَجِيبُ" (أي 35: 9-12)، فليس كل صراخ لله يصل إليه، إنما الصراخ من قلب متواضع بعيد عن الكبرياء والتذمُّر، لديه إيمان بقدرة الله اللانهائية، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. لأن مثل هذا الإيمان لا يخزى، ومثل هذا الصراخ لا يرجع فارغًا: "وَتَنَهَّدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ وَصَرَخُوا، فَصَعِدَ صُرَاخُهُمْ إِلَى اللهِ مِنْ أَجْلِ الْعُبُودِيَّةِ. فَسَمِعَ اللهُ أَنِينَهُمْ" (خر 2: 23، 24)، وهؤلاء الذين لا يستجيب الله لصراخهم يتساءلون: "أَيْنَ اللهُ صَانِعِي"، مع أن الله موجود يعزي شعبه ويشدّده ويقول لابنة صهيون: "أَنَا أَنَا هُوَ مُعَزِّيكُمْ. مَنْ أَنْتِ حَتَّى تَخَافِي مِنْ إِنْسَانٍ يَمُوتُ... وَتَنْسَى الرَّبَّ صَانِعَكَ، بَاسِطَ السَّمَاوَاتِ وَمُؤَسِّسَ الأَرْضِ" (إش 51: 12، 13)، وقال أليهو عن الله أنه " مُؤْتِي الأَغَانِيِّ فِي اللَّيْلِ " والليل هنا رمز لظلمة الآلام والأحزان والدموع، فعندما يجوز أبناء الله ليل التجارب يستطيع الله أن يهبهم الفرح الروحي حتى أنهم يكونوا قادرين على ممارسة التسابيح والأغاني الروحية وسط نيران الضيقات، وتسبيح الثلاثة فتية وسط الأتون خير دليل على ذلك: "لِيَبْتَهِجِ الأَتْقِيَاءُ بِمَجْدٍ. لِيُرَنِّمُوا عَلَى مَضَاجِعِهِمْ" (مز 149: 5)، وفعلًا قال المُرنِّم: "أَذْكُرُ تَرَنُّمِي فِي اللَّيْلِ" (مز 77: 6)، وهكذا فعل بولس وسيلا بعد أن نالا من الضربات بالعصي ما نالا، وتمزَّقت ثيابهما، وتجرَّحت أجسادهما، وضبطت رجلهما في المقطرة: "وَنَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ كَانَ بُولُسُ وَسِيلاَ يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ اللهَ" (أع 16: 25).

 

2- يقول " القس وليم مارش": "مُؤْتِي الأَغَانِيِّ فِي اللَّيْلِ: الأغاني علامة الفرح، والفرح الحقيقي من الله، والليل وقت الحزن والخوف وكناية عن الضيقات، فينجي الله أتقياءه منها (مز 32: 7) " بِتَرَنُّمِ النَّجَاةِ تَكْتَنِفُنِي " كما سبح بولس وسيلا في الليل وهما في السجن في فيلبي (أع 16: 25)، ولكن أغاني العالم كثيرًا ما تستر قلبًا كئيبًا"(2).

 

3- يقول " متى هنري": "فهو يمدُّنا بالعزاء من الداخل، والفرح أثناء متاعبنا التي من الخارج، ويجب أن ننتفع نحن من هذا، وننتظر الوقت الذي يراه هو مناسبًا لإنقاذنا من متاعبنا. " مُؤْتِي الأَغَانِيِّ فِي اللَّيْلِ " أي عندما تصبح ظروفنا حالكة الظلام، كظلام الليل ومُحزنة، ففي أعمال عناية الله وفي مواعيده ما يكفي، ليس فقط لتدعيمنا، بل ما يملأنا فرحًا وتعزية، ويعيننا على أن نشكر في كل شيء، بل أن نفتخر ونفرح في الضيقات"(3).

 

4- يقول " القمص تادرس يعقوب": "سر هذه المشكلة: أي عدم تدخل الله لإنقاذ المساكين من أيدي الظالمين هو أنهم لا يلجأون إلى الله، بل يلجأون إلى الشكوى والتذمر على الله، والاتكال على الأذرع البشرية. يقول أليهو أن هؤلاء الذين صاروا تحت أقدام القساة في نكبات مُرّة لا يصرخ أحد منهم قائلًا: أين هو إلهي الذي خلقني ليحوّل ليلة النكبات إلى حفل بهيج وأغنية تملأ قلبي بالبهجة. الله مستعد للتدخل لكنه لا يُقحم نفسه، بل يترقب دعوته من المساكين ليهبهم تعزياته الإلهيَّة ويحطم الشباك المنصوبة للمساكين (راجع أع 16: 25، مز 126: 1-2).

يشير الليل في الكتاب المُقدَّس أحيانًا للخطية، وأحيانًا للضيقات والنكبات التي تحوّل حياة الإنسان كما إلى ليلٍ مظلمٍ مخيف. جاءت الترجمة السبعينية: "الذي يقيم حراس الليل"، أي يرسل ملائكته وسط ليل النكبات لإنقاذ الذين يلجأون إليه. من يلجأ إلى الله في أفراحه وفي ضيقاته يتمتع بالسلام السماوي في النهار كما بالليل، وتتحول حياته إلى سيمفونية مفرحة، وتسبحة لا تنقطع"(4).

 

5- لم يقل الكتاب أن الله يعمل كمطرب يؤلف ويلحّن ويغني، فهذا تَجنّي على الحقيقية، ومن يقل هذا هو ضد الحق، لأن الكتاب قال: "مُؤْتِي الأَغَانِيِّ فِي اللَّيْلِ " أي أنه يهب الإنسان الحزين روح الفرح، فيقلب حزنه إلى فرح وتسبيح روحي، ويقلب ضيقته إلى تهليل قلبي، وفي " ترجمة كتاب الحياة": "ولكن لا أحَدَ يقوُلُ: أينَ اللهُ صانعِي، الواهبُ تَرْنيمًا في الليلِ". وكما قلنا المقصود بالليل ليل التجارب والآلام وليس ليل أفريقيا وليل أمريكا كما تصوَّر الناقد بخياله المريض، فنسب لله تخاريف وخُزعبلات كان في غنى عنها تحسبًا ليوم سيقف فيه أمام الديان العادل يعطي حسابًا عن كل ما كتبه من تخاريف وشكوك. كما أن الناقد ظن أن الله محدود القدرة، فمتى اهتم بعمل فأنه يعجز عن القيام بعمل آخر في نفس الوقت، وهذه نظرة قاصرة وخاطئة، فالله قادر على كل شيء، فهو كلي القدرة، يهتم بالكل في آنٍ واحدٍ، يرزق البشر والحيوانات والطيور قوتها، وبيده سلطان الحياة والموت، وهو الخالق، وهو الذي يحكم للمظلومين... هذه الأمور التي تساءل عنها الناقد. وما أجمل صلوات الأب الكاهن كل ليلة عندما يلتمس من الله قائلًا: "خلص الذين في الشدائد والضيقات والأحزان. حل المأسورين من رباط الشياطين. اشبع الجياع من الخيرات. عزّ صغيري القلوب والنفوس. أقِم الساقطين. ثبّت القائمين. رُدَّ الضالين. عُلْ الأرامل والأيتام. أسعف المعوزين. أعطِ بركة لثمار الأرض. مزاجًا طيبًا للهواء. نموًا للأشجار. صعودًا كاملًا لمياه الأنهار. بارك في الندى والأمطار. أعطِ قناعة للمحتاجين. أوفِ عن المدينين. اجمع شتات المتفرّقين. اقبل توبة التائبين. اقبل اعتراف المعترفين. أعطِ فهمًا للموعوظين. احكم يا رب للمظلومين. املأ قلوبنا فرحًا وبهجة وعزاء وسرورًا ونعيمًا" (فقرة من صلاة تحليل الكاهن بالأجبية). الله القادر على كل شيء يستطيع أن ينجز ما سبق وغيره الكثير والكثير بكلمة منه.

 

6- قال أليهو: "الَّذِي يُعَلِّمُنَا أَكْثَرَ مِنْ وُحُوشِ الأَرْضِ، وَيَجْعَلُنَا أَحْكَمَ مِنْ طُيُورِ السَّمَاءِ؟" (أي 35: 11)، فعندما يتلوث عقل الإنسان وجسده بالخطية، فأنه يتدنى إلى رتبة أقل من مرتبة الحيوانات، وقال الله: "اَلثَّوْرُ يَعْرِفُ قَانِيَهُ وَالْحِمَارُ مِعْلَفَ صَاحِبِهِ، أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَلاَ يَعْرِفُ. شَعْبِي لاَ يَفْهَمُ" (إش 1: 3)، وقال المُرنِّم: "إِنْسَانٌ فِي كَرَامَةٍ وَلاَ يَفْهَمُ يُشْبِهُ الْبَهَائِمَ الَّتِي تُبَادُ" (مز 49: 20)... عندما يقفهر الجو تبحث الوحوش والطيور عن مأوى لها، بينما الإنسان قد يرى الشر ولا يتوارى. يدعو الله الإنسان الكسلان لكيما يتعلم الجد والاجتهاد من النملة: "اِذْهَبْ إِلَى النَّمْلَةِ أَيُّهَا الْكَسْلاَنُ. تَأَمَّلْ طُرُقَهَا وَكُنْ حَكِيمًا" (أم 6: 6) وقال أيوب: "فَاسْأَلِ الْبَهَائِمَ فَتُعَلِّمَكَ، وَطُيُورَ السَّمَاءِ فَتُخْبِرَكَ. أَوْ كَلِّمِ الأَرْضَ فَتُعَلِّمَكَ، وَيُحَدِّثَكَ سَمَكُ الْبَحْرِ" (أي 12: 7، 8)، وفي العهد الجديد قال السيد المسيح: "اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ: إِنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ وَلاَ تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا" (مت 6: 26).

وتساؤل الناقد: "ما هو نوع العلم الذي يقارن به الرب بين الإنسان ووحوش البرية؟" غير مناسب، لأن أليهو لم يقل أن الرب قارن ووازن بين الإنسان ووحوش الأرض من جهة العلم، إنما دعى أليهو أيوب للتعلُّم من وحوش الأرض وطيور السماء، فهي لا تنسى من يحسن إليها ويقدِّم لها الطعام، أمَّا الإنسان فكثيرًا ما ينسى الله الذي يهبه الخيرات الزمنية والأبدية، ويقول " القمص تادرس يعقوب": "يحزن أليهو على ما بلغ إليه الإنسان العاقل بتجاهله خالقه واهب الفهم والحكمة، القادر أن يخلص إلى التمام. ففي غباوة يرفض تعليم الله وإرشاده وقيادته، فصار أقل من وحوش الأرض وطيور السماء... وحوش الأرض والطيور وأحيانًا السمك تعرف وتقدم تشكرات لليد التي تمتد لتطعمها، أمَّا الإنسان العاقل الذي ينال الكثير من خالقه لا يبالي به، ولا يتطلع إلى يديه المترفقتين به"(5).

 

7- يتساءل الناقد: "وإذا كان كلام الرب مقدَّسًا فلماذا لم نسمع عن أغاني مقدَّسة أو ألحان مقدَّسة"... فكيف يتجاهل التسابيح والأغاني الروحية في الكتاب المُقدَّس؟! ألم يطلع على سفر المزامير وسفر نشيد الأنشاد وتسابيح الآباء والأنبياء..؟! في "الترجمة القبطية" جاء نص الآية: "ولم يقولوا: أين الله الذي صنعني. الذي رسم التسابيح في الليل"، وهل ننسى فِرَقْ التسابيح التي كانت تلازم الهيكل من اللاويين بكامل أدواتهم الموسيقية..؟! عقب أول لقاء لشاول مع صموئيل النبي، قال له صموئيل أنه في طريق عودته سيلتقي " زُمْرَةً مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَازِلِينَ مِنَ الْمُرْتَفَعَةِ وَأَمَامَهُمْ رَبَابٌ وَدُفٌّ وَنَايٌ وَعُودٌ وَهُمْ يَتَنَبَّأُونَ" (1صم 10: 5)، فقد كانوا منهمكين في التسبيح لله وانهمك معهم شاول، والأصحاح الخامس والعشرون من سفر أخبار الأيام الأول بأكمله يتحدَّث عن فِرَقْ التسبيح التي أقامها داود النبي للتسبيح في خيمة الاجتماع.

 

8- يقول الناقد: "فلو هو يقصد كل ليل لكان عمره كله يقضيه في الأغاني تأليفًا ولحنًا"، فهل يعتقد الناقد أن عمر الله محدود كما ظن من قبل أن قدرته محدودة..؟! كيف يتفق قوله عن الله أنه يقضي عمره كله مع إيمانه بأن الله سرمدي، أزلي ليس له بداية وأبدي ليس له نهاية، لا بداية لأزليته ولا نهاية لأبديته... ألا يجب التدقيق في اختيار الألفاظ عند الحديث عن الأمور اللاهوتية؟!!

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ1 س298 ص 214.

(2) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ5 ص 250.

(3) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير سفر أيوب جـ3 ص 148.

(4) تفسير سفر أيوب جـ4 ص 1219.

(5) تفسير سفر أيوب جـ4 ص 1219.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1600.html

تقصير الرابط:
tak.la/gyp7hb4