St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1592- كيف يعتبر أيوب أن لثم يديه نوع من الإثم وجحد لله (أي 31: 26-28)؟

 

ج: 1- قال أيوب: "إِنْ كُنْتُ قَدْ نَظَرْتُ إِلَى النُّورِ حِينَ ضَاءَ، أَوْ إِلَى الْقَمَرِ يَسِيرُ بِالْبَهَاءِ، وَغَوِيَ قَلْبِي سِرًّا، وَلَثَمَ يَدِي فَمِي، فَهذَا أَيْضًا إِثْمٌ يُعْرَضُ لِلْقُضَاةِ، لأَنِّي أَكُونُ قَدْ جَحَدْتُ اللهَ مِنْ فَوْقُ" (أي 31: 26-28)، فقد كانت عِبادة النجوم والشمس والكواكب منتشرة في منطقة الشرق التي عاش فيها أيوب، وكان من أبسط عبادة هذه الأجرام السمائية أن الإنسان مثلًا عندما يرى الشمس في جبروتها أو القمر في بهائه، فأنه يُقبّل يده علامة شكر لهذا الإله الذي يكن له كل احترام وتبجيل، أمَّا أيوب فلم يسقط في مثل هذه العبادات الباطلة، ولم يُغوى قلبه بها، لأنه يُدرِك تمامًا أنها من مخلوقات الله وليست هي بآلهة، كما أدرك أن عِبادات مثل هذه تُعرِّض الإنسان للمسائلة أمام العدالة الإلهيَّة.

     ولقد وضع أيوب في قلبه أن لا يتدنَّس بالزنى الجسدي مع زوجة قريبه، ولا بالزنا الروحي بعبادة المخلوقات، ولم يُشرِك عبادة النجوم والكواكب مع عبادته للإله الواحد خالق كل شيء، فكان يشكر الله من أجل هذه الأجرام السمائية، ولم يقدِّم لها أي نوع من العبادة، ويقول " القمص تادرس يعقوب": "كما لم يكن غناه هو مُتكله بل واهب الغنى، فإن الشمس والقمر بجمالهما وبهائهما لم يحتلا مكانًا في قلبه، بل استنار بالله خالق الشمس والقمر، النور الأزلي الحقيقي. كانت الشمس والقمر موضع عِبادة الكثيرين في أيام أيوب وتكريمهما بكونهما جندي السماء. كان هذا العمل يُحسب قمة الشر والجحود لله الخالق"(1).

 

2- عاش أيوب قبل عصر الناموس والشريعة، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وعندما جاء الناموس حذر الله الإنسان من هذه الممارسة قائلًا: "وَلِئَلاَّ تَرْفَعَ عَيْنَيْكَ إِلَى السَّمَاءِ، وَتَنْظُرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ، كُلَّ جُنْدِ السَّمَاءِ الَّتِي قَسَمَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّتِي تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ، فَتَغْتَرَّ وَتَسْجُدَ لَهَا وَتَعْبُدَهَا" (تث 4: 19)، بل وأمر الرب برجم كل إنسان " يَذْهَبُ وَيَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى وَيَسْجُدُ لَهَا، أَوْ لِلشَّمْسِ أَوْ لِلْقَمَرِ أَوْ لِكُلّ مِنْ جُنْدِ السَّمَاءِ. الشَّيْءَ الَّذِي لَمْ أُوصِ بِهِ،... ارْجُمْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ" (تث 17: 3، 5)، (راجع أيضًا حز 8: 16). وعندما انتشرت عبادة الأصنام والأوثان أقاموا التماثيل والأنصاب للإله بعل إله الشمس، والإلهة عشتاروت إلهة القمر، وغيرهما، وكان من علامات تلك العبادات لثم تلك الاصنام، أو إلقاء القبلات باليد أمامها، أو لثم اليد بالفم علامة الشكر وتقديم الحب والتحية لها. قال الله لإيليا أنه أبقى له سبعة آلاف مؤمن: "كُلَّ الرُّكَبِ الَّتِي لَمْ تَجْثُ لِلْبَعْلِ وَكُلَّ فَمٍ لَمْ يُقَبِّلْهُ" (1مل 19: 18) وعندما تكلَّم هوشع عن إثم سبط أفرايم قال أنهم " يُقَبِّلُونَ الْعُجُولَ" (هو 13: 2).

 

3- يقول " متى هنري": "كان هناك عادة قديمة تنم عن الاحترام، هي تقبيل اليد، ويبدو أنها كانت تستخدم لتقديم المجد الإلهي للشمس والقمر، فالناس لم تقدر أن تصل إليهما لتقبيلهما إذا كان " ذَابِحُو النَّاسِ يُقَبِّلُونَ الْعُجُولَ" (هو 13: 2، 1مل 19: 18). لكنهم لكي يُظهِروا حسن نيتهم، كانوا يُقبّلون أيديهم، مقدمين الولاء لتلك الأشياء التي جعلها الله خدامًا لهذا العالم السفلي، لتقديم النور إلينا، وهذا لم يفعله أيوب قط"(2).

 

4- يقول " القديس يوحنا الذهبي الفم": "ألم ترَ الشمس المنيرة تغيب والقمر يختفي؟ لأن ليس لها قدرة على الاستمرار (أي 31: 26): أنه قال: هذا النور يموت ويختفي ولن يُرىَ بعد. ها أنت تنظر (أيها القارئ) إلى السبب الذي أعطاه لتغيُّر النجوم. إذًا فإن الطبيعة تكفينا لاقتناء الحكمة وليس فقط لمعرفة الله. فعندما تنظر الشمس في أوج عظمتها، مجّد الخالق، وعندما تراها تغرب أفهم الصفة الزائلة للأمور البشرية، فإن كانت الشمس هي أبهى من كل موجودات الأرض، تختفي وتتلاشى وتموت (بحسب الظاهر)، فكم بالأولى بقية الأشياء. إن كان الكوكب (يقصد الشمس) وهو مفيد وضروري وبدونه تستحيل الحياة، خاضع للتغيير، فكم بالأولى ما هو نافلة وليس بضروري لنا...

ولو انخدع قلبي سرًا ووضعت يدي على فمي وقبَّلتها. فليحسب هذا أيضًا كأعظم إثم لأني كذبت أمام الرب العلي (أي 31: 27-28): يظن البعض أن هذه الكلمات تختص بعبادة الأوثان، لكني لا أعتقد هذا لأنه لم يضعها ضمن أعظم أعماله الصالحة، ولكن في رأيي أن هذا بالضبط هو الذي يعمله المولعون بالهوى عندما يكون غائبًا المُستهدف من ولعهم، فهم يرسلون قبلات بأيديهم سواء فيما يختص بالغنى أو فيما يختص بمن هو محل إعجابهم"(3).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) تفسير سفر أيوب جـ3 ص 1106.

(2) ترجمة القمص مرقس دود - تفسير سفر أيوب جـ3 ص 64.

(3) سفر أيوب - إصدار مكتبة المحبة ص 175.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1592.html

تقصير الرابط:
tak.la/6qhdynz