St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1578- هل المياه يمكن أن تُصرُّ (أي 26: 8)؟ وأين هو الحد الذي رسمه الله على وجه المياه عند اتصال النور بالظلمة (أي 26: 10)؟

 

ج: 1- قال أيوب البار: "يُصرُّ الْمِيَاهَ فِي سُحُبِهِ فَلاَ يَتَمَزَّقُ الْغَيْمُ تَحْتَهَا" (أي 26: 8).

     وفي " الترجمة السبعينية": "يُصّر المياه في سُحُبهِ فلا يتمزَّق الغيم تحت ثقلها".

     وفي " الترجمة القبطية": "يحبس المياه في سُحُبه فلا يتمزَّق الغمام تحتها".

     ولا يُخفى على أحد أن أيوب يتحدَّث هنا بأسلوب شعري بديع، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فيصوّر السُحُب التي تتكون من بخار الماء، وكأن هذه السُحُب هي صُرَّة تضم في أحشائها قطرات المياه، ويشبه هذا الأسلوب الذي حدَّث به الله أيوب فيما بعد، إذ قال عن البحر: "إِذْ جَعَلْتُ السَّحَابَ لِبَاسَهُ، وَالضَّبَابَ قِمَاطَهُ" (أي 38: 9) ويشبه أيضًا قول الله على لسان إشعياء النبي: "مَنْ كَالَ بِكَفِّهِ الْمِيَاهَ" (إش 40: 12) وكذلك أسلوب سليمان الحكيم في حديثه عن الرياح والسُحُب عندما قال: "مَنْ جَمَعَ الرِّيحَ في حَفْنَتَيْه؟ مَنْ صَرَّ الْمِيَاهَ في ثَوْبٍ؟" (أم 30: 4)... فكل هذه وغيرها هي صوُّر بلاغية رائعة، وكتابنا المقدَّس غني بمثل هذه اللمسات الجمالية، وجاء في موقع(5): "هنا يوضح أيوب بطريقة رائعة أن الرب يجمع بخار المياه في السُحُب وهذه السُحُب يرفعها الله بطريقة رائعة لا يتمزَّق البخار منها فهذا يوضح طريقة تجميع السحاب بعمل الله".

 

2- يقول " لويس صليب": "يصف بأسلوب شعري جميل، وفي لغة علمية دقيقة، السُحُب كالأوعية التي تحتوي المياه فوق الأرض. فالله هو الذي يجمع أبخرة الجَلَد ويكثّفها في السُحُب الكثيفة، ولو أن هذه المياه انسكبت على الأرض بغير قيد، فلا بدَّ من طوفان غامر مُهلك، لذلك هو يصرُّ تلك المياه أو يقيدها في سُحُب، ثم يرسلها في قطرات لطيفة بحسب مشيئته، وبقدر ما يعوز الأرض الظامئة"(1).

 

3- يقول "القمص تادرس يعقوب": "يحفظ الله المياه التي قيل عنها أنها" فَوْقَ الْجَلَدِ" (تك 1: 7)، فلا تنسكب بفيضان مرة واحدة ليُغرِق العالم كما حدث في أيام نوح. إنها محفوظة (مصرورة) بحكمة إلهيَّة. يسقطها كأمطارٍ بتدبير إلهي مُحكم، وبقدر مُعين على ثقل هذه المياه التي صارت سحابًا لا تمزَّق الغيوب تحتها لتسقط دفعة واحدة، وذلك من أجل نفع سكان الأرض من بشر وحيوانات وزرع.

يقف القديس يوحنا الذهبي الفم في دهشة أمام عناية الله الفائقة إذ يسمح للماء (في السُحُب) أن يكون محمولًا إلى فوق الهواء، ويختم الله عليه بالهواء فيجري إلى أماكن كثيرة ليروي الأرض.

 ويقول القديس غريغوريوس النزينزي:

مَن الذي "يصّر المياه في السُحُب"؟ هذه أعجوبة أنه يضع شيئًا بطبيعته يفيض أن يبقى على السحاب يثبته بكلمته. لكنه يفيض بجزء منه على وجه الأرض، ينضح به في الوقت المناسب. إنه لا يطلق العنان لكل رصيد المياه، إنما يكتفي بالتطهير الذي تم في أيام نوح. يبقى الله صادقًا في عهده"(2).

 

4- قال أيوب البار عن الله أنه: "رَسَمَ حَدًّا عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ عِنْدَ اتِّصَالِ النُّورِ بِالظُّلْمَةِ" (أي 26: 10)، وهذا تعبير مجازي لأنه لا يوجد حد على وجه المياه عند ملتقى النور بالظلام، والمقصود بالمياه قوى الشر، والنور أعمال الصلاح والخير، والظلام أعمال الظلمة والشر، وبذلك وضع الله عن طريق الوصايا حد فاصل بين أعمال النور وأعمال الظلمة.

وأيضًا يأتي معنى الحد بمعنى الحدود التي لا يتم تعديلها مثل قول أقنوم الكلمة على لسان سليمان الحكيم: "لَمَّا وَضَعَ لِلْبَحْرِ حَدَّهُ فَلاَ تَتَعَدَّى الْمِيَاهُ تُخْمَهُ، لَمَّا رَسَمَ أُسُسَ الأَرْضِ" (أم 8: 29)، وأيضًا مثل قول الله في سفر إرميا: "أَإِيَّايَ لاَ تَخْشَوْنَ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَوَلاَ تَرْتَعِدُونَ مِنْ وَجْهِي؟ أَنَا الَّذِي وَضَعْتُ الرَّمْلَ تُخُومًا لِلْبَحْرِ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً لاَ يَتَعَدَّاهَا، فَتَتَلاَطَمُ وَلاَ تَسْتَطِيعُ، وَتَعِجُّ أَمْوَاجُهُ وَلاَ تَتَجَاوَزُهَا" (إر 5: 22).

 

5- يقول " لويس صليب": "رسم على وجه المياه " أو " أحاط المياه بحدود " وهذه هي مياه الأرض " البحر الكبير الواسع الأطراف " الذي لا تقوى أمواجه المتكبّرة على أن تجتاز نطاق القيود والحدود المعنية " وضعت لها تخمًا لا تتعداه. لا ترجع لتغطي الأرض" (مز 104: 9) " عند اتصال النور بالظلمة " أو " عند الحدود بين النور والظلمة " وهي حدود ممعنة في البعد، لا يميزها إلَّا حيث يتداخل النور في الظلمة " في حافة الأفق المعتمة..."(3).

 

6- يقول " القمص تادرس يعقوب": "يتطلع أيوب إلى البحار الضخمة فيرى الأنهار تنصب فيها ومع هذا لا تزيد مياهه فيطغي على الأرض، إنما تقف الرمال وهي حبات صغيرة كحاجز تصده. هكذا وهب الله البحار أن تحترم الأرض فلا تغطي بمياهها على الأرض.

إن كانت مياه البحار تعرف حدودها فلا تتجاوزها، يليق بالشعوب والأمم (المياه الكثيرة) أن تحترم الغير، فلا تطغي أمة على أمةٍ، ولا إنسان على إنسانٍ".

 ويقول القديس غريغوريوس النزينزي:

بخصوص البحر، فإن كنت لا أدهش من عَظمته، يلزمني أن أدهش من نبله: ما الذي يحده؟ كيف يرتفع ويهدأ حتى النهاية كمن يحترم جاره " الأرض "؟ كيف يتقبل فيه كل الأنهار، ويبقى كما هو بالرغم من فيض كيانه الضخم إن صح التعبير..؟ كيف يكون حدَّه بعنصر مثل الرمل وحده..؟ " رسم حدًا على وجه المياه بوصيته" (أي 26: 10)"(4).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) تفسير سفر أيوب جـ2 ص 58.

(2) تفسير سفر أيوب جـ3 ص 960.

(3) تفسير سفر أيوب جـ2 ص 58.

(4) تفسير سفر أيوب جـ3 ص 963.

(5) هوليبابيلوان.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1578.html

تقصير الرابط:
tak.la/8xgcpxt