St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1544- قال أيوب لله: "أَحَسَنٌ عِنْدَكَ أَنْ تَظْلِمَ، أَنْ تُرْذِلَ عَمَلَ يَدَيْكَ" (أي 10: 3)، فهب أن أيوب أخطأ بسبب ضعف طبيعته، فهل اللوم يرجع إليه، أم أنه يرجع إلى الله الذي جبله على هذا الضعف؟

 

     يقول " م. ريجسكي": "وأخيرًا يلجأ أيوب إلى حجة، كثيرًا ما يسوقها نُقَّاد الدين المعاصرون، كما كان يستخدمها النُقَّاد القدامى: حتى إذا أخطأ الإنسان في شيء ما بحكم طبيعته الضعيفة، فأنه ليس من العدالة بمكان -في هذه الحالة- أن يتهمه الإله. فالإنسان يكون كما خلقه إلهه... (أي 10: 3)"(1).

ج: 1- عندما خلق الله الإنسان خلقه في أحسن تقويم، على صورته ومثاله في الخلود والحكمة والابتكار والقداسة... إلخ.، وقد وهبه أثمن عطية وهي حرية الإرادة، فالإنسان حُرّ في تصرفاته، يتصرّف كيفما شاء، ويتحمل مسئولية تصرفاته، وعندما سقط الإنسان في خطية مخالفة الوصية الإلهيَّة بغواية الحيَّة انطمس ذهنه واظلمَّ عقله، حتى صار حُكمه على الأمور مختلًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. إذًا الله لم يخلق الإنسان بطبيعة معتلة بالخطية، ولكنه خلقه بطبيعة صالحة، وميَّزه بحرية الإرادة، ولم يجعله معصومًا من الخطأ، فلم يَحِدْ من حريته، فإن شاء الإنسان أن يفعل الخير أو الشر فأنه يستطيع ذلك، وبناء على تصرفه يُكافئ أو يُجازي. إذًا قول ريجسكي بأن الإنسان يكون كما خلقه إلهه قول قاصر، لأن الإنسان عندما يصنع الخير والصلاح حينئذ يكون كما خلقه إلهه على الصلاح. أما الإنسان الذي يتلذذ بصنع الشر فهو بكل تأكيد خالف الغاية الإلهيَّة من خِلقته.

 

2- عندما قال أيوب: "أَحَسَنٌ عِنْدَكَ أَنْ تَظْلِمَ، أَنْ تُرْذِلَ عَمَلَ يَدَيْكَ، وَتُشْرِقَ عَلَى مَشُورَةِ الأَشْرَارِ؟" (أي 10: 3) كان أيوب يتخيَّل أنه إنسانٌ بارٌ، وبالرغم من برّهِ فإن الله ساخط عليه، ويعاقبه دون ذنب جناه، بينما يترك الأشرار ينجحون في طرقهم، وما تفوَّه به أيوب هنا وهو يعاني ويقاسي على فراش المرض، بل في أتون الألم، لا ينبغي أن يُتخذ حجة ضده، لأن أيوب سيتوب بعد هذا وسيصفح الله عن ضعفاته.

وجاء في هامش " الكتاب المقدَّس الدراسي": "يتخيَّل أيوب أن الله غاضب منه، بينما هو إنسان بريء (أي 9: 28) وأنه يسر بالشرير. تذكرنا هذه الكلمات بأن فراش المرض ليس مكانًا لمناقشة المسائل اللاهوتية، ففي أوقات المعاناة الشديدة يمكن أن يقول الناس أشياء تتطلب منها استجابة مملوءة بالحب والتفهم، وأيوب نفسه سيتوب لاحقًا وسيغفر الله له (أي 42: 1-6)"(2).

 

3- يقول " القمص تادرس يعقوب": "عاد أيوب يعاتب الله كمن شعر بالظلم، إذ يترك الأشرار يتمّمون مشورتهم الشريرة في حياة مؤمنيه الذين هم من عمل يديه. واضح من السفر كله أن أيوب لم ينسب الظلم إلى الله، لكنه كان في حيرة شديدة، إذ لم يعرف كيف يفسر الأحداث بالرغم من إدراكه وتأكده من عناية الله.

إذ يركز الإنسان في ضعفه على الضيقات التي حلت به، يتعجب كيف يترك الله الأشرار يتمّمون مشوراتهم الشريرة ضد أولاد الله، يظن الإنسان كأن الله قد نسى أنه عمل يديه، وموضع رعايته، وأن ترك الأشرار يفعلون ما يريدون... (ويقول القديس أغسطينوس): حقًا يتألم الأبرار في الوقت الحاضر في حدود معينة، وفي الوقت الحاضر يطغى الأشرار على الأبرار، كيف؟ يبلغ أحيانًا الأشرار مراكز عالمية، فيكونوا قضاة أو ملوكًا. يفعل الله هذا لتأديب قطيعه، لتأديب شعبه... لكنه لا يترك العصا هكذا، فإن عصا الأشرار تُترك إلى حين على نصيب الأبرار، لكنها لا تُترك إلى الأبد"(3).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) ترجمة الدكتور آحو يوسف - أنبياء التوراة والنبوات التوراتية ص 239.

(2) الكتاب المقدَّس الدراسي ص 1207.

(3) تفسير سفر أيوب جـ1 ص 379، 380.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1544.html

تقصير الرابط:
tak.la/wcf89y6