St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1537- هل حاول أيوب الانتحار عندما قال: "فَاخْتَارَتْ نَفْسِي الْخَنِقَ، الْمَوْتَ" (أي 7: 15)؟

 

ج: 1- عبَّر أيوب عن الآلام الجسدية والنفسية التي يجوز فيها قائلًا: "تُرِيعُنِي بِالأَحْلاَمِ، وَتُرْهِبُنِي بِرُؤًى، فَاخْتَارَتْ نَفْسِي الْخَنِقَ، الْمَوْتَ عَلَى عِظَامِي هذِهِ" (أي 7: 14، 15).

     وفي " الترجمة اليسوعية": "حتى تُؤثِر نفسي الخَنْق، والموتْ بدلَ عظامي".

     وفي " ترجمة كتاب الحياة": "لذلك فضلت الاختناق، والموتَ على جسدي هذا".

     وفي " الترجمة العربية المشتركة": "فأرى الخَنْقَ أفضل شيء لي والموتَ خيرًا من عذابي" (من عذابي أو: من أن أصبحُ هيكلًا عظميًا).

فواضح من الترجمات المختلفة أن أيوب كان يؤثر ويفضل الموت بعد أن أصابه المرض العضال، وأصاب جسده الهزال، وصار مثل هيكل عظمي، لم يبقَ فيه غير العظم والجلد والأوردة والشرايين وأقل القليل من اللحم، فصار يصرخ لإلهه: "كُفَّ عَنِّي لأَنَّ أَيَّامِي نَفْخَةٌ" (أي 7: 16)... " اُذْكُرْ أَنَّ حَيَاتِي إِنَّمَا هي رِيحٌ" (أي 7: 7)... " مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ يَا رَقِيبَ النَّاسِ؟" (أي 7: 20)... " أَحَسَنٌ عِنْدَكَ أَنْ تَظْلِمَ، أَنْ تُرْذِلَ عَمَلَ يَدَيْكَ" (أي 10: 3)...

حقًا أن أيوب البار المتألم فضَّل الموت خنقًا على حياة مشوَّهة بلا معنى...  فضَّل الموت لأنه شعر أن الله تخلّى عن وعوده ولم يعد يُقدّم له الحب الأول، إنما يسعى لتدميره والقضاء على رجائه، وأنه يحاسبه على آثام لم يرتكبها، وصورة الله التي تشوَّهت في ذهن أيوب جعلت أسئلته تارة تحمل الطابع العدواني وتارة تحمل حلم العودة إلى الله والحوار معه، وكان أيوب يشعر أن الله هو الذي اتخذ الخطوات العدائية ضده فعليه أن يتراجع عن موقفه، وكأن الله هو الذي يحتاج إلى التوبة وليس أيوب.

وقد فضَّل أيوب الموت خنقًا على حياته... ولماذا فضَّل الموت خنقًا؟ لأنه موت سريع يضع حدًا لآلامه، فمن المعروف أنه إذا انقطع الأكسجين عن المخ أكثر من ثلاثة دقائق تعرَّض الإنسان لخطر الموت. كان أيوب يشتهي الموت السريع عوضًا عن الموت البطيء الذي تصاحبه آلام فوق الطاقة، ولكن ليس معنى هذا أنه كان يفكر في الانتحار، لأنه لو فكر في الانتحار وقبل الفكرة التي ذكَّتها له زوجته فلماذا لم ينفذها؟! إن قبول أيوب للحياة الممتزجة بنار الألم تُكّذب تمامًا أي اتهام لأيوب بأنه حاول أو فكر أو قَبِلَ فكرة الانتحار.

 

2- اشتهاء أيوب للموت نوع من الضعف الإنساني، وبقاء أيوب وسط أتون الألم يعلن عن قوة إيمانه بإلهه الحي، فقد أصرَّ أيوب أن يقبل الحياة ما دام الله يريد له ذلك، ويقول " متى هنري": "كان أيوب يشتهي الموت، ويُسر بالتفكير فيه " فَاخْتَارَتْ نَفْسِي الْخَنِقَ، الْمَوْتَ عَلَى عِظَامِي هذِهِ " اختارت أي نوع من الموت، فذلك أفضل من حياة كهذه. لا شك في أن هذا كان ضعفًا من أيوب، لأنه رغم أن الإنسان الصالح لا يتمنى أن يحيا إلى الأبد في هذا العالم، ويُفضّل الخنق والموت على الخطية، كما فعل الشهداء، إلاَّ أنه يجب أن يرتضي الحياة طالما كانت هذه إرادة الله، وأن لا يُفضل الموت عن الحياة، فالحياة هي فرصتنا لتمجيد الله وللاستعداد للأبدية"(1).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير سفر أيوب جـ1 ص 119.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1537.html

تقصير الرابط:
tak.la/da8g8a3