St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1530- ماذا قصد أليفاز من قوله أن التراب لا يُخرج بلايا (أي 5: 6)؟ وهل خلق الله الإنسان للشقاء والتعاسة (أي 5: 7)؟

 

ج: 1- قال " أليفاز التيماني": "إِنَّ الْبَلِيَّةَ لاَ تَخْرُجُ مِنَ التُّرَابِ، وَالشَّقَاوَةَ لاَ تَنْبُتُ مِنَ الأَرْضِ" (أي 5: 6) فهو يقصد أن البلايا والشقاء لا يأتيان مصادفة من فراغٍ، إنما هما ثمار تصرفات الإنسان الشرير، ويقول " القمص تادرس يعقوب": "لا تُلقي باللوم على التربة حين ظهرت البلية، فهي ليست من صنعها، بل عليك، لأن العلة هي في داخلك " إِنِ اسْتَهْزَأْتَ فَأَنْتَ وَحْدَكَ تَتَحَمَّلُ" (أم 9: 12). كما لا نتوقع ظهور أشجار من تربة دون غرس بذور، هكذا يليق بنا ألا نظن أن ضيقات تُحل بأناسٍ دون أن يرتكبوا شرورًا"(1).

 

St-Takla.org Image: Eliphaz the Temanite (Job 4: 1) - Unknown illustrator. صورة في موقع الأنبا تكلا: "أليفاز التيماني" (أيوب 4: 1) - لفنان غير معروف.

St-Takla.org Image: Eliphaz the Temanite (Job 4: 1) - Unknown illustrator.

صورة في موقع الأنبا تكلا: "أليفاز التيماني" (أيوب 4: 1) - لفنان غير معروف.

2- قال " أليفاز التيماني": "ولكِنَّ الإِنْسَانَ مَوْلُودٌ لِلْمَشَقَّةِ كَمَا أَنَّ الْجَوَارِحَ لارْتِفَاعِ الْجَنَاحِ" (أي 5: 7) وليس معنى هذا أن الله خلق الإنسان للشقاء والتعاسة، إنما خلقه ليعيش في نعيم وهناء وسعادة ولذلك هيأ له الفردوس، وعاش الإنسان السعادة بعينها حتى تجرأ وحطم الوصية الإلهيَّة بغواية إبليس، فانقلبت حياته رأسًا على عقب ولحقته التأديبات الإلهيَّة، فالمرأة بالتعب والوجع تَحبَل وتَلِد، والأولاد يخرجون ليسعوا فوق سطح أرض ملعونة، فيشْقُوا ويتعبوا لكيما يجدوا طعامهم: "بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ" (تك 3: 17)... " هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي" (مز 51: 5)، والإنسان لا يمكن أن يتلافى هذه المتاعب وتلك المشقة طالما هو يحيا على هذه الأرض.

 

3- كما أن الطيور ترتفع بحركة أجنحتها، هكذا عندما يرتفع الإنسان يجلب المشقة على نفسه، والفرق أن الطائر يرتفع ويسمو لأعلى، أمَّا الإنسان فأنه يرتفع نحو الهاوية، فأليفاز يريد أن يُبلِغ أيوب أن لدى الإنسان الميل الطبيعي للخطية، ولكن الذين يحبون الله يقاومون هذا الميل الخاطئ الكامن في أعماقنا، ويقول " متى هنري": "أن التعديات الفعلية تشبه الجوارح التي تطير من أتون فسادنا الأصلي"(2).

ويقول " ممدوح شفيق": "لاحظ التناقض في كلام أليفاز: أن الشقاء لا يأتي من تلقاء نفسه (أي 5: 6). ثم يقول أن الإنسان مولود للمشقة (أي 5: 7) (الشقاء مفروض عليه) ولا يمكن توافق العبارتين إلاَّ إذا كان يعتقد أن الشر كامن في طبيعة الإنسان منذ ولادته"(3).

 

4- يقول " القمص تادرس يعقوب " تعليقًا على (أي 5: 7): "خُلق الإنسان ليعيش في سلام وراحة وتهليل قلبٍ، لكن بالتعدي على الوصية وإعطاء ظهره لله مصدر سعادته صار " الإنسان مولود للمشقة " إذ وُلِد في الخطية (مز 51: 5)، وصارت المشقة كأنها جزء لا يتجزأ من كياننا، أو كأننا خُلقنا لكي نعاني منها، كما خُلقت الجوارح لتُحلق بأجنحتها في العلى. ليس لنا أن نستغرب البلوى التي تصيبنا كأنه قد أصابنا أمر غريب (1بط 4: 12). يلزمنا أن نأكل خبزنا بعرق وجوهنا (تك 3: 19)...

(ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم)... فالأرض لا تنتج شيئًا جديرًا بالشفقة أكثر من الإنسان، فيليق بنا ألا نُدهش ولا نستغرب: نُولد لكي نسبب ألمًا ونتألم. هذا أيضًا ما قاله النبي: "لأن كلَّ... أَيَّامُ سِنِينَا... أَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ" (مز 90:  9-10). وقال يعقوب: "أَيَّامُ سِنِي غُرْبَتِي... قَلِيلَةً ورَدِيَّةً" (تك 47: 9) " ولكن الإنسان مولد للمشقة". يقول أنه في طبيعتنا يستحيل أن نهرب من الألم، فأنه لا يريد أحدًا يعترض مرّة أخرى بأن أيوب بار. يقول: أنه بار لكن الطبيعة البشرية عادة خُلقت لتحتمل الشرور. لاحظوا أنه خرج من الطبيعة ليؤكد أن أيوب ليس بلا لوم"(4).

 

5- " الإِنْسَانَ مَوْلُودٌ لِلْمَشَقَّةِ كَمَا أَنَّ الْجَوَارِحَ لارْتِفَاعِ الْجَنَاحِ" (أي 5: 7) فالإنسان لا يمكن أن يهرب من المشقَّات والأحزان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ولكن هذه المشقَّات وتلك الأحزان التي تؤلمنا، هي في الحقيقة تدفعنا للتحليق نحو السماء حيث ملجأنا الأمين، وربما هذا يشابه قول مُعلِّمنا بولس الرسول: "لِذلِكَ لاَ نَفْشَلُ، بَلْ وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْنَى، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا فَيَوْمًا" (2كو 4: 16). نفس الآلام التي تجذبنا نحو القبر، هي هي التي ترفع أذهاننا للتحليق في السماويات، كقول "البابا غريغوريوس الكبير": "هكذا فإن الإنسان مولود للمشقة، كما أن الطائر للطيران، فإن الذهن يطير في حرية نحو العُلى بنفس السبب الذي لأجله يعاني الجسد من الانحناء إلى أسفل في ثقل... فأنه أي شيء أقسى من الجَلْد؟ ومع هذا كُتب عن الرسل عندما جُلِدوا: "وَأَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ، لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ" (أع 5: 41)... فالنفس تنسحب من آلام المشقة وهي تقوم بالرجاء في العلويات. ألم يكن بولس كالطائر وُلِد للطيران، هذا الذي احتمل صلبان لا عدد لها... أنه كطائر صعد فوق المناظر الدنيا، على أنه كان سالكًا على الأرض في الجسد، كان جناحا الرجاء يحملانه في العلويات"(5).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) تفسير سفر أيوب جـ1 ص 202.

(2) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير سفر أيوب جـ1 ص 85.

(3) الله والإنسان في سفر أيوب ص 19.

(4) تفسير سفر أيوب جـ1 ص 203.

(5) تفسير سفر أيوب جـ1 ص 204، 205.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1530.html

تقصير الرابط:
tak.la/nws25mx