St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1526- إن كانت الحياة نعمة وهبة من الله، فكيف يشتهي أيوب الموت رافضًا هبة الله له (أي 3: 21، 22)؟

 

ج: 1- تمنى أيوب لو لم يُولَد، أو أنه مات عقب ولادته " لِمَ لَمْ أَمُتْ مِنَ الرَّحِمِ؟ عِنْدَمَا خَرَجْتُ مِنَ الْبَطْنِ، لِمَ لَمْ أُسْلِمِ الرُّوحَ؟" (أي 3: 11) وهنا يشتهي أيوب الموت بعد أن مات جميع أولاده وبناته فاشتهى أن يذهب إليهم، ولا سيما أن الآلام النفسية والجسدية قد اجتاحته حتى كادت تقتلعه من جذوره، لذلك غبط أيوب الموتى قائلًا: " الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ الْمَوْتَ وَلَيْسَ هُوَ، وَيَحْفُرُونَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنَ الْكُنُوزِ،  الْمَسْرُورِينَ إِلَى أَنْ يَبْتَهِجُوا، الْفَرِحِينَ عِنْدَمَا يَجِدُونَ قَبْرًا!" (أي 3: 21، 22).

وفي " ترجمة كتاب الحياة: "الذين يَتُقُونَ إلى الموت فلا يُقبِل، وينقُبُونَ عنه أكثر مما ينَقُبُونَ عن الكنُوز الخفية. الذين يُنتَشُونَ غبطةً، ويَستبشِرُون حين يعثُروُن على ضريح!"، وإن كان أيوب هنا يتكلَّم بصفة عامة عن المتألمين الذين يطلبون الموت، فأنه طلب هذا لنفسه صراحة عندما قال: "يَا لَيْتَ طِلْبَتِي تَأْتِي وَيُعْطِينِيَ اللهُ رَجَائِي! أَنْ يَرْضَى اللهُ بِأَنْ يَسْحَقَنِي، وَيُطْلِقَ يَدَهُ فَيَقْطَعَنِي" (أي 6: 8، 9)... " قَدْ كَرِهَتْ نَفْسِي حَيَاتِي" (أي 10: 1) لقد كان أيوب يبحث عن الموت كمن يبحث عن كنز ثمين.

     وفي الأيام الأخيرة عندما تزداد الضيقات يتمنى الناس الموت ولا يجدونه: "وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ سَيَطْلُبُ النَّاسُ الْمَوْتَ وَلاَ يَجِدُونَهُ" (رؤ 9: 6). وقد جاز أيوب هذا الاختبار عندما اشتهى الموت، ولكن ما يُذكر لأيوب أنه رفض تمامًا فكرة الانتحار.

 

2- الأمر الذي جعل أيوب يشتهي الموت أنه لم يستوعب الأحداث المؤلمة ومغزى الكوارث التي حلَّت به، ولم يدرك أن الله يمتحنه، بل ظن أن الله غاضب عليه بدون وجه حق، ولذلك دافع دفاعًا مستميتًا عن تبرير نفسه أمام أصدقائه، ويقول "تشارلس ماكنتوش": "السر الحقيقي في كل حجج أيوب الباطلة هو أنه لم يفهم صفات الله كما هي أو غرضه من كل معاملاته. لم يدرك أن الله إنما كان يمتحنه وإن كان من وراء الستار يستخدم كل العوامل المختلفة لتتميم مقاصده الحكيمة الملآى بالخير والإحسان، حتى الشيطان نفسه لم يكن إلاَّ آلة في يد الله، ولم يكن في استطاعته أن يتعدى قيد شعرة الحد المعيَّن له من الله، لا بل هناك ما هو أكثر من ذلك وهو أنه عندما أكمل مهمته المعينة له طُرِد من المشهد في الحال ولم نعد نسمع عنه شيئًا. الله كان يعالج أيوب، كان يمتحنه لكي يعلّمه ويحوله عن عمله ويكتم الكبرياء عنه. لو فطن أيوب إلى هذه النقطة الخطيرة لكانت وفَّرت عليه مؤونة المناقشات الطويلة والمباحثات العقيمة فبدلًا من الضجر من الناس والأشياء والغضب من الأفراد والمؤثرات كان دان نفسه وخضع أمام الرب بالوداعة والانكسار والانسحاق الصحيح...

فلو كان أيوب أدرك هذه الحقيقة العظمى وهي أن الله كان متداخلًا في أمره، وأنه كان يمتحنه لخيره في النهاية، وأنه كان يستخدم الظروف والناس السبئيين والشيطان نفسه كآلات في يده... وبالاختصار لو كان أيوب تغاضى فقط عن جميع المسببات الثانوية وثبت نظره على الله الحي وحده وقبل كل شيء من يدي محبته لكان وصل بأكثر سرعة إلى الحل الإلهي لجميع معضلاته وتجاربه"(1).

 

3- من جانب آخر أن الحنين للسماء يجعل الإنسان يشتهي الموت، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. كقول بولس الرسول: "لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا" (في 1: 23). ويقول " متى هنري": "عن الذين يرحبون به " المسرورين " عندما يقدرون أن يروا القبر ويروا أنفسهم متقدمين إليه. إن كانت متاعب هذه الحياة تنجح في أن تجعلنا نرحب بالموت -الذي تأباه الطبيعة- فكم بالحري يكون رجاؤنا في حياة أفضل وانتظارنا لها، سيما وإن الموت هو الذي يوصلنا إلى هذه الحياة الأفضل، وعندئذ لا نخاف من الموت؟ قد يكون اشتهاء الموت خطية، لكنني واثق أن اشتهاء السماء ليس خطية"(2).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) ترجمة أحد الإخوة - أيوب وأصحابه ص 86، 87، 89 .

(2) تفسير سفر أيوب جـ1 ص 63.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1526.html

تقصير الرابط:
tak.la/n647tv7