St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1522- هل عندما قالت زوجة أيوب له: "بَارِكِ اللهِ وَمُتْ" (أي 2: 9) كانت تقصد أن يبارك الله أم أن يلعن الله وينتحر؟ وهل اختلف هذا النص في الترجمة السبعينية عنه في العبرية؟ وهل قول أيوب: "أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ" (أي 2: 10) يعني أن الله مصدر الشر؟

 

ج: 1- جاء في " الطبعة البيروتية": "فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ بَارِكِ اللهِ وَمُتْ" (أي 2: 9) وجاء النص في " الترجمة السبعينية: "إلى الآن مُتَمَسَّك بِكَمَالِكَ؟ جدّف على اللهِ ومُتْ" (أي 2: 9).

     وفي " ترجمة كتاب الحياة": "أما زلت، معتصمًا بكمالكَ؟ جدف على الله ومُتْ" (أي 2: 9).

     وفي " الترجمة العربية المشتركة": "أتبقى إلى الآن متمسّكًا بنزاهتك؟ جدف على الله ومُتْ" (أي 2: 9).

     ومعنى الكلمة في الأصل العبري تحمل المعنيين " جدف " أو " بارك"، وطبقًا لقاموس سترونج يأتي المعنى: "يسجد، يبارك الله، يجدف، يحيي، يمجد، يشكر" (فهي تستخدم بمعنى يبارك المحبين ويجدف على الأعداء، وبمعنى آخر بركة لنا نقمة على أعدائنا). وطبقًا لقاموس برون يأتي المعنى: "يبارك ويسجد، يبارك بالعبادة، بركة شخصية، يمجد، يحيي، يجدف". إذًا معنى الكلمة: "باركَ المحب ولعنَ العدو، بمعنى دعى ليّ (بالخير فتكون بركة) وأيضًا دعى عليَّ (بالشر فتكون تجديف)، فالكلمة تحتمل معنى البركة أو التجديف، وتُفهم في سياق الكلام، ولذلك في العبارة التي نطقت بها زوجة أيوب فهي تقصد " جدف". وقد وردت هذه الكلمة 324 مرّة في العهد القديم: بمعنى " مبارك " 176 مرّة، وبمعنى " يبارك " 116 مرّة، وبمعنى " يقدس " 8 مرّات، وبمعنى " يحيي " 4 مرّات، وبمعنى " بركة " 3 مرّات، وبمعنى " يجدف "3 مرّات، وبمعنى " يسجد " مرّتين... إلخ.(9).

 ويجب مراعاة أن العبرانيين كانوا يتحاشون إلحاق اللوم أو اللعنة أو التجديف بِاسم " يهوه"، بل أنهم لم يجرؤا على النطق بهذا الاسم المملوء رهبة، فكانوا يستعيضون عنه بِاسم " أدوناي".

 

2- اقتنص عدو الخير أرواح جميع أولاد أيوب، وترك زوجته لتكون وسيلة ضغط عليه، كما استغل من قبل أُمنا حواء لإسقاط أبينا آدم، ولكن أيوب لم يكن مثل آدم، ويقول "القديس أغسطينوس": "كان أيوب في ساعات حزنه أكثر حذرًا من آدم في عرش سعادته".

     واحد انهزم وسط المسرات، والآخر غَلَبَ وسط الآلام.

     واحد وافق على ما يبدو ممتعًا، والآخر لم يذبل في آلام غاية في الرعب...

     لقد احتمل في جسمه ألمه، واحتمل في قلبه أخطاء الآخرين، موبخًا زوجته على غباوتها. معلمًا أصحابه الحكمة، محتفظًا بالصبر في كل الأحوال"(1).

 

3- لقد صدَّ أيوب زوجته قائلًا: "أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟" (أي 2: 10) والقبول يحمل معنى الرضى، لأن الإنسان قد يحتمل التجربة على مضض وهو غير راضٍ عما لحق به، أمَّا القبول فيحمل معنى تسليم كل الأمور لله مع الرضى بأحكامه... قد ترك الشيطان لأيوب لسانه ليجدف به على الله، وإذ بأيوب يبكت به زوجته التي تدفعه للتجديف على الاسم المُبارك وأسكت صوت المُجدّف، فلم نعد نسمع صوته مرّة ثانية، فيقول " القديس يوحنا الذهبي الفم": "بالحقيقة كانت زوجته وحدها قد تُركت حتى ذلك اليوم. كل ما كان لديه قد دُمر تمامًا، كل أولاده وممتلكاته وحتى جسمه، وتُركت هي للتجربة لتكون فخًا له.

هذا هو بالحقيقة السبب، لماذا لم يدمرها الشيطان مع الأبناء، ولم يطلب موتها، إذ توقع أنها ستساهم بالأكثر في إسقاط الرجل القديس في الفخ، لذلك تركها كنوع من الأداة المرعبة في يده.

لقد قال: إن كان حتى في الفردوس طردتُ البشرية بواسطتها، كم بالأكثر أستطيع أن أطرحه وهو على المزبلة"(2).

 ويقول " القديس جيروم": "لم يترك له الشيطان شيئًا سوى لسانه وزوجته، فبزوجته يجربه، وبلسانه يمكنه أن يجدف. لم ينسَ الشيطان خداعه القديم الذي به خدع آدم خلال امرأة، لذلك هاجم أيوب خلال زوجته، حاسبًا أنه قادر على الدوام أن يخدعه بامرأة، غير مدرك أنه إن كان رجل واحد قد جُرح جرحًا مميتًا بامرأة، الآن العالم كله قد خَلُص خلال امرأة.

أنتم تذكرون حواء، تأملوا في مريم.

الأولى طردتنا خارج الفردوس، والأخيرة قادتنا (بالمسيح ابنها) إلى السماء"(3).

 

4- الآن تظهر زوجة أيوب على مسرح الأحداث، بعد أن كانت صامتة فيما قبل، متحيَّرة مما يحدث لها ولزوجها، ولذلك قالت لأيوب: "بَارِكِ اللهِ وَمُتْ"، فهو في نظرها إنسان ميت، فلماذا لا يلعن الله فيدمره الله ويُنهي حياته، وربما قالت زوجة أيوب هذا رحمة وشفقة بزوجها التي غالبته الآلام فغلبته وقهرته، حتى أنها لم تعد قادرة على تحمل رؤيته هكذا، لذلك أرادت زوجة أيوب أن تقول لزوجها: لماذا فعل إلهك بك هكذا وأنت الأمين معه الذي تتقيه وتُحيد عن الشر..؟! ألا يستحق هذا الإله اللعنة، فالعنة حتى ينتقم منك ويضع نهاية لحياتك وآلامك، ويقول "ي. س. ب. هيفينور" E. S. P. Heavenor: "أنها تنصح أيوب أن يلعن الله حتى وإن كان هذا يجلب الموت. إن الموت أفضل من نصيبه البائس الذي هو فيه. وبذلك يرى أيوب أن سندًا آخر لإيمانه قد أُنتزع منه... ولكن بعزم يزيح اقتراحها جانبًا... أنه ينحني أمام يد الرب ذات السلطان سواء كانت تمنح أو تمنع، سواء كانت تُربّت تدليلًا، أو تضرب تذليلًا. كان يمكن أن يصلي " لتكن مشيئتك".."(4).

 

5- يقول " القمص أنطونيوس فكري": "بَارِكِ اللهِ وَمُتْ: كلمة " بَارِكِ " تحمل معنيين:

1- الدعاء بالخير للآخرين.

2- الدعاء بالشر ضد الأعداء.

وبهذا يفهم أن كلمة " بَارِكِ اللهِ وَمُتْ " تحمل المعنى الثاني، أي جدف على الله ومُتْ، ويكون المعنى أن الله لا ينفعك بشيء إذا طلبته، وأنت مائت لا محالة بسبب أمراضك، فماذا يجديك أن تصرخ قائلًا يا رب. كف عن أن تبارك الرب وجدف عليه فهو سبب آلامك المميتة.

وهناك تفسير آخر، فالكلمة " بارك " قد تحمل معنى السخرية والنفور، كما يصرخ إنسان في إنسان قائلًا: "مع السلامة " وذلك ليطرده، ويكون المعنى المقصود أنكر الله واتركه لو أدي تجديفك عليه أن تموت، فموتك خير من حياتك وأنت تتألم هكذا، وهكذا إبليس دائمًا يحاول أن يوحي بأفكار قاسية عن الله، فيوحي للإنسان بأن الله يسر بشقائه وتعاسته، وهذه أفكار خاطئة لكن هدفها أن يجدف الإنسان على الله، وهذا هو هدف إبليس".

 

6- حيث أن الترجمة السبعينية ترجمة تفسيرية، لذلك زيد فيها ما يوضح الدافع الذي دفع امرأة أيوب أن تدفعه للانتحار، فجاء في الترجمة السبعينية: "وإذ عبر وقت طويل قالت له امرأته: إلى متى أنت تحتمل قائلًا: ها أنا أنتظر قليلًا متوقعًا الرجاء في خلاصي؟! انظر لقد مُحي ذكرك من الأرض، حتى أولادك وبناتك الذين هم آلام طلقي، ومتاعب رحمي، الذين أنجبتهم بالأحزان باطلًا، وها أنت تجلس لتقضي لياليك في الهواء الطلق وسط فساد الدود، وصرت أنا متجوّلة وعبدة أنتقل من موضع إلى موضع، ومن بيت إلى بيت، أترقب غروب الشمس كي أستريح من أتعابي وآلامي التي أحدقت بي، قل كلمة ضد الله ومُتْ" (أي 2: 9)(8).

     ويقول " ستيفن م. ميلر وروبرت ف. هوبر": "ويعتقد العلماء الذين قاموا بدراسة النصوص الكتابية أن أجزاء من الترجمة السبعينية نُقلت من نسخة للأسفار العبرية أقدم من النسخة المعتمدة... وتساعد علماء النصوص على فهم أفضل للفصول غير الواضحة في النصوص التقليدية. وهكذا تظل النصوص في السبعينية هامة الآن لمساعدتنا في فهم كلمة الله فهمًا كاملًا. وعلاوة على ذلك فإن ترجمة أي نص إلى لغة أخرى، يجب على المترجم أن يفسره إلى حد ما يجعله مفهومًا في اللغة الثانية، وهكذا فإن المترجمين الذي قاموا بالترجمة السبعينية كان عليهم أن يفسروا الأسفار الكتابية التي قاموا بترجمتها، وبذلك يبينوا لنا كيف فهموا النصوص العبرية، وعلى ذلك فإن ترجماتهم تمثل أقدم تفسير للكتاب المقدَّس"(5).

     وبينما فرح المسيحيون بالترجمة السبعينية وضموها للعهد الجديد، شعر اليهود أن تراثهم الذي يعتزون به سُرِق منهم: "لذلك احترم المسيحيون هذه الترجمة وسرعان ما اعتبروها النسخة المسيحية، ولهذا السبب بدأ بعض اليهود في العصر المسيحي الأول لا يقتنعون بالترجمة السبعينية، ولذلك ظهرت في القرن الثاني ترجمات يونانية جديدة للكتاب المقدَّس العبري وهي تُنسب لعلماء من اليهود: أكيلا وسيماخوس وثيودوثيون"(6).

     وجاءت " ترجمة أكويلا " مشابهة للأصل العبري محتفظة باللغة العبرية، فجاءت صعبة الفهم، أما " ترجمة سيماخوس " فجاءت ترجمة يونانية فصحى، أنيقة وبليغة أكثر من ترجمتي أكويلا وثيودوثيون، وجاءت " ترجمة ثيودوثيون " أقرب ما يكون للنص العبري، وعوضًا أن يعبر عن الكلمات العبرية عسرة الفهم بكلمات يونانية، عبَّر عنها بألفاظ عبرية كما هي في النص العبري ولكن بحروف يونانية.

7- يُعلِّق " القديس يوحنا الذهبي الفم " على قول زوجة أيوب كما جاء في الترجمة السبعينية، فيقول: "بالتأكيد أن أهم شيء يطلبه البشر هو أن يتركوا ذكريات بعدهم. تقول له: إنك أنت نفسك ميت بفقدانك أبنائك، فبدون ذرية وبدون أطفال أنت تَبيد. لاحظوا إلى أي مستوى قدّمت هذه المشورة الرهيبة، لا لتحثه على الغضب، وإنما لتنحرف به إلى رثاء ذاته...

تقول: ليلًا ونهارًا لا تجد من يشاركك سقف بيتك، ليس من يواسيك، ليس من يشفق عليه، ليس من يشاركك آلامك... يا لها من شقاوة! ليس من يشفق على زوجته، ولا يُهدّئ من ظروفها، والتي كانت في صحبة الملك صارت عبدة تعيش في العراء تحت النجوم... " فأني بدون بيت ولا مدينة، ولا منزل، أجول في المدينة... ليس من بيت واحدٍ يخفف من عار حالي، وفي كل موضع أتقبل سخرية وإهانة من العامة". لم تقل له: "جدف"، بل قالت: "العن الله... " لماذا؟ هكذا أنت تعرف أنك إذ تفعل هذا تموت"(7).

 

8- قول أيوب: "أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ " لا يعني إطلاقًا أن الله مصدر الشر، ويجب أن ندرك أن هناك مفهومان للشر:

المفهوم الأول: الشر بمعنى الخطية مثل الزنا والقتل والكذب... إلخ.، والله بعيد تمامًا عن هذا لأنه القدوس الطاهر.

المفهوم الثاني: الشر كما يراه الناس في الأمراض والأوبئة والكوارث الطبيعية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فالناس ينظرون إليها كشرور وهي ليست هكذا، والله يستخدمها، فيؤدب الله بها الإنسان الخاطئ لكيما يتوب ويعود إليه ولا تهلك نفسه، ويسمح بها للإنسان المؤمن لتزكية إيمانه وترقيته إلى درجة روحية أعلى، وبهذا المفهوم تحدث أيوب البار، وأكمل إشعياء النبي القول عندما قال: "مُصَوِّرُ النُّورِ وَخَالِقُ الظُّلْمَةِ، صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ. أَنَا الرَّبُّ صَانِعُ كُلِّ هذِهِ" (إش 45: 7) وبهذا المعنى والمفهوم نطق عاموس النبي قائلًا: "هَلْ تَحْدُثُ بَلِيَّةٌ فِي مَدِينَةٍ وَالرَّبُّ لَمْ يَصْنَعْهَا؟" (عاموس 3: 6) وبهذا المفهوم قال بطرس الرسول: "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تَسْتَغْرِبُوا الْبَلْوَى الْمُحْرِقَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ حَادِثَةٌ، لأَجْلِ امْتِحَانِكُمْ، كَأَنَّهُ أَصَابَكُمْ أَمْرٌ غَرِيبٌ" (1بط 4: 12).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير سفر أيوب جـ1 ص 109.

(2) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير سفر أيوب جـ1 ص 107، 108.

(3) المرجع السابق ص 103.

(4) مركز المطبوعات المسيحية - تفسير الكتاب المقدَّس جـ3 ص 17.

(5) تاريخ الكتاب المقدَّس منذ التكوين وحتى اليوم ص 51.

(6) المرجع السابق ص 51.

(7) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير سفر أيوب جـ1 ص 106.

(8) راجع القمص تادرس يعقوب - تفسير سفر أيوب جـ1 ص 103، 104.

(9) راجع موقع هوليبابيلوان.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1522.html

تقصير الرابط:
tak.la/x2dyqda