St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1503- كيف يكون الله كُلّي القدرة وكُلّي الصلاح ويترك الأبرار يتألمون؟ وهل ترك الله أيوب للشيطان يطحنه لمجرد إثبات كذب ادعاء الشيطان؟ وهل إلى هذه الدرجة يستهين الله بمشاعر وآلام الإنسان البريء؟ وهل الله والشيطان في مستوى واحد أو متقارب حتى يدور بينهما النقاش؟

 

     وقال بعض النُقَّاد لماذا لم ينطبق على أيوب البار المبدأ الإلهي بأن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد (مز 34: 11-22، غل 6: 7، 1بط 3: 10)؟ ولماذا لم ينطبق عليه الوعد الإلهي بسعادة الأبرار، والوعيد بشفاء الأشرار (لا 26: 3-39، تث 28)؟ وقال آخرون أن حلول البلايا والشرور بأيوب يعني شيئًا من اثنين، فإمَّا الله ليس كُلّي القدرة، أو أنه ليس كُلّي الصلاح.

     ويقول " زينون كوسيدوفسكي": "فلماذا... يتعذّب ويشقى الأبرار والصالحون المُخِلصون للرب؟ وإذا كان الرب عادلًا، فلماذا يحكم عليهم بالشقاء والمرض والفقر ويعذبهم بموت أقرب الناس وأحبهم إليهم؟ تُطرح هذه الأسئلة تحديدًا في سفر أيوب، وبعد جدل طويل وعقيم بين أيوب وأصدقائه يتدخل في الحديث والحوار الشاب أليهو ليعطي جوابًا استسلاميًا جدًا: أن الرب يبتلي الأبرار المُخلِصين له ليختبر مدى إخلاصهم، ومن ثم ليثبتهم في قائمة المؤمنين الأبرار، فيوافق كل المشاركين بالجدل على رأي الشاب، دون أن يلاحظوا أن طريقة الاختبار القاسية والظالمة تتعارض تمامًا مع مفهوم العدالة، كما تتعارض معه الأمراض والشقاء والفقر وفقدان الأحباب والأقرباء دون سبب ولا ذنب"(1).

     ويقول " إبراهيم ناصر": "إن الرب والشيطان يدخلان في حوار ونقاش على قدم المساواة. كلٍ يريد أن يثبت أنه على صواب وصاحبه مخطئ. نقاش من هذا النوع لا يحصل إلاَّ إذا كان الطرفان على مستوى واحد من المركز والقدرة والقابلية أو أن يكون هناك تقارب في المستوى على أقل تقدير... لماذا يقبل الرب أن يدخل هذا الامتحان؟ ماذا يريد الرب أن يثبت؟ ما الذي سيجنيه إذا ربح؟ ماذا سيكون وضعه إذا خسر الرهان؟ لماذا يقبل الرب هذا التحدي؟ كيف يجرؤ هذا الشيطان أن يُكذّب الرب، يريد أن يثبت أنه على حق والرب على ضلال؟ ما الذي يحصل هنا..؟ أثبت الرب أنه على حق والشيطان على خطأ... صحيح... ولكن ما أهمية ذلك؟ الرب العلي القدير على حق دومًا ولا يحتاج أن يثبت ذلك لا للشيطان ولا لغيره"(2).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: إن مشكلة معاناة الإنسان البار أثارت الكثير من الأسئلة قديمًا وحديثًا، وما زالت الأسئلة تثور في أذهاننا عندما نرى أطفال أبرياء ينهشهم المرض، ويُعبِّر عن هذا " ديفيد أتكنسون " فيقول: "إن المسألة الرئيسة في هذا السر الغامض المُتعلِّق بتألم البريء، إنما هي مسألة يتعرض لها جميع من لديهم إدراك لهذا العالم الذين يعيشون فيه، أو الذين ليست رؤوسهم مدفونة في الرمل، فتثور داخلهم تساؤلات مؤرقة، مثل: لماذا يسمح الله بهذا؟! أين الله في كل هذا؟! وهل يمكن أن نؤمن به بعد كل مفارقة: حينما تتعرض حياة الأطفال الأبرياء للإيذاء، وحينما نجابه بعاصفة تهدم بيتًا، فينهار على كل من فيه... أو نعاني زلزالًا مدمرًا يؤدي بحياة الألوف... أو مفرقعات فجَّرها الإرهابيون فمزّقت مئات الأبرياء. وقد نرى في بعض من هذه الأحداث أيدي رجال ونساء أشرارًا وقد نلومهم للألم الذي سبّبوه لإنسان بريء. وفي المقابل، نرى أيضًا أن يد الله تقف خلف هذه الأحداث، فهل نلومه حينئذ؟! فلماذا يبدو الله متقلبًا في عنايته؟! ولماذا يمد يد الشفاء لأحد المرضى، بينما لا يبدي اكتراثًا للآلاف الذين يموتون في انفجار قنبلة من الغاز السام؟! هذه هي الأسئلة التي دارت في أذهاننا، لكن سفر أيوب لا يُقدِّم أجوبة سهلة شافية، ولكنه يفتح أمامنا طريقًا للجهاد، لكي نكون نساء ورجال في الإيمان"(3).

     والحقيقة أن الله عندما خَلَق العالم خَلَقه بأفضل صورة ممكنة، ورتب للإنسان كل احتياجاته الجسدية والنفسية ليعيش سعيدًا مَلِكًا متوَّجًا على الخليقة كلها، وعندما خلق العالم قال: أنه " حسن " وعندما خلق الإنسان قال: عنه أنه " حسن جدًا"، وكان العالم قبل السقوط يُرْفَل في سعادة عظيمة، فلا كوارث ولا آلام ولا ضيقات ولا أمراض ولا موت... إذًا هذه هي إرادة الله أصلًا، إنها إرادة خيّرة تمامًا، ولكن عندما دخل الشر إلى العالم بغواية وحسد إبليس انقلب كل شيء رأسًا على عقب، وما تألُم البار إلَّا صورة من صور هذا العالم المقلوب، وهذا لا يُعبّر على الإطلاق عن الإرادة الإلهيَّة الخيّرة، إنما نحن أمام مستجدات جديدة، وشيطان يفرض سلطانه على العالم، والله أحيانًا بحكمته العالية يسمح للبار أن يتألّم إلى حين، ومشكلة تألُم البار تظهر فقط في الكتاب المُقدَّس، أمَّا بالنسبة للذين يؤمنون بالثنائية فأنهم يعتقدون أن تألُم الأبرار نابع من إله الشر، ويقول " فرانسيس أندرسون": "لا يوجد ما يُسمّى " بالصدفة " في عالم يسيطر عليه رب واحد، فلقد كانت هذه مشكلة أيوب. فالكوارث لا تمثل مشكلة عند المشركين أو المُلحدين أو القدريين أو الماديين أو الغنوسيين، فالمضايقات أو حتى المآسي لا تشكل مشكلة لهم. إن المعاناة تأتي نتيجة شر الإنسان، والكوارث الطبيعية تُعتبر مشكلة عويصة لدى الذين يؤمنون بخالق واحد صالح وقدير. لذلك فإن مشكلة مثل هذه لا تثور إلاَّ في الكتاب المُقدَّس، الذي يتحدث عن الإله الواحد"(4).

 

     وبالنسبة لأحداث سفر أيوب فإن الأمر لم يكن بهذه السطحية التي يفكر بها هؤلاء النُقَّاد، وإن الله قد ترك الشيطان لكيما يفترس أيوب البار ويطحنه ويبتلعه، وإنه استهان بمشاعر أيوب وآلامه وأوجاعه التي أوصلته لاشتهاء الموت، لمجرد إثبات كذب ادعاء الشيطان، إنما جاء سماح الله للشيطان بتجربة أيوب وفق خطة إلهيَّة مُحْكَمَة، قصد بها الله خير أيوب وخير أولاده وخير البشرية، فمن خلال هذه الأحداث الدرامية تم الكشف عن أمور في منتهى الخطورة والأهمية:

1- قصة أيوب حلَّت لُغز تألُم الأبرار: شغلت مشكلة تألم الأبرار ذهن الإنسان منذ القِدم، وانتهى الأمر إلى أن كل إنسان يجني ثمار عمله، فجاء في هامش " الكتاب المُقدَّس الدراسي": "عبَّر التاريخ المدوَّن تساءل البشر: كيف يمكن أن يحدث هذا؟ إذا كان الله قديرًا بالفعل وإذا كان يحمل كل العالم بين راحتيه، وإذا كان صالحًا بحق، فكيف يمكنه أن يسمح بمثل هذا الألم؟ إن الطريقة التي يُطرح بها هذا السؤال تترك المجال مفتوحًا أمام ثلاثة احتمالات: (1) ليس الله قادرًا على كل شيء، (2) ليس الله عادلًا أو (أنه ليس صالحًا بشكل مُطلق)، (3) قد يكون البشر أبرياء (غير مذنبين). ولكن في القديم الأمر المسلَّم به أن الله قادر على كل شيء، وأنه كامل في عدالته، وأنه لا يوجد إنسان نقي في عينيه (عيني الله)... ومن ثم فقد كان المنطق البسيط وراء الاستنتاج المبني عليها: أن معاناة كل إنسان تشير إلى مقدار ذنبه في عيني الله"(5).

وآخرون حلُّوا هذا اللغز بالقول بالثنائية، أي أن هناك إله للخير وآخر للشر، فإذا أُصيب البار بالشر فإن هذا ليس نابعًا من إله الخير، إنما هو صادر من إله الشر، وشغل هذا اللغز أيضًا رجال الله مثل أيوب وداود وإرميا الذين يدركون صفات الله جيدًا، وأنه كُلّي القدرة وكُلّي الصلاح، حتى إن إرميا النبي يخاطب الله قائلًا: "أَبَرُّ أَنْتَ يا رب مِنْ أَنْ أُخَاصِمَكَ. لكِنْ أُكَلِّمُكَ مِنْ جِهَةِ أَحْكَامِكَ: لِمَاذَا تَنْجَحُ طَرِيقُ الأَشْرَارِ؟" (إر 12: 1).

     وهكذا وقف العقل البشري عاجزًا عن فهم هذا اللغز إلى أن جاء الحل في سفر أيوب، عندما رأينا البار أيوب يتألّم، وليس بسبب ذنب جناه ولا شر ارتكبه، إنما قد يتألّم الإنسان لأسباب أخرى مثل تزكية إيمانه ونقاوة نفسه، وتألُم البار لا يعني الطعن في العدالة الإلهيَّة، ويقول " أ. د. محمد خليفة حسن " عن السفر وما دار فيه من حوارات: "ويمثل موضوع العدالة الإلهيَّة محور هذه المحاورات ويمثل الأصدقاء وأيوب وجهات نظر دينية وفلسفية في المسألة. وقد عالج السفر من خلال المحاورات مسائل خاصة بالشر وأسباب وجوده في الحياة الإنسانية، وشقاء البار وسعادة الشرير، والموت والمصير الإنساني، والاغتراب الإنساني عن النفس والناس والإله، ومسئولية الإله عن الشر، وطبيعة المعرفة الإلهيَّة، وطبيعة المعرفة الإنسانية، وطبيعة الشيطان وطبيعة الخطيئة، ومشكلة الشقاء الإنساني"(6).

 

2-  المشاعر المصاحبة للألم والمرض: كشف سفر أيوب عن جانب كبير من هذه المشاعر المصاحبة للألم والمرض، فالإنسان المتألم تكثر تساؤلاته: لماذا الألم..؟ ما ذنبي ولماذا أتألّم..؟ أين قدرة الله غير المحدودة..؟ هل مشيئة الله أن أجوز في هذا العذاب..؟ وعندما يعجز الإنسان في فهم مغزى الألم يغرق في مشاعر الحزن والآسى، وربما مشاعر التذمر والضيق والضجر، وربما مشاعر الغضب أو التجديف، فمشاعر الألم تصحبها مشاعر الاغتراب، لأن الألم شيء غريب عنه، والألم يجعله غريبًا عن أسرته، بل غريبًا عن نفسه، فهو لم يعد كما كان من قبل، وكلما طالت مدة المرض كلما انفض الأحباء وقل اهتمامهم فيزداد الشعور بالاغتراب، وهذا الشعور يقوده للشعور بالوحدة، فيقول " الأب نادر ميشيل": "فبسبب الألم ينسلُّ الإنسان من نسيج الحياة الإنسانية الطبيعي والعادي، لأنه أصبح غير قادر على مجاراة نمط الحياة العادية، ولأن الألم يحاصره داخليًا ويعصره خارجيًا. وبالنسبة إلى المتألّم يشعر بالوحدة لأنه ينظر إلى الآخرين، فيجدهم في صحة جيدة، وأُسرهم تسير على ما يرام، ناجحين في درسهم وعملهم، يكملون حياتهم وأشغالهم، يلهون ويفرحون. أمَّا هو فيقتطعه الألم عن الحياة وينزع عنه الفرح، ويخلع عنه الهناء، وشيئًا فشيئًا، تحت وطأة الألم يصبح الإنسان وحيدًا، وقد عانى مَن حوله بالإرهاق والملل والخوف من رؤيته متألمًا"(7).

ومشاعر الألم تقوِّد الإنسان للتمركز حول ذاته، فيصير الألم محور تفكير الإنسان المتألّم وكأنه وسط دوامة تلفه وتعصف به، وتقوده هذه المشاعر لليأس فيفقد الأمل في العودة إلى حياته الأولى، وفقدان الإيمان بالله، فأيضًا يقول " الأب نادر ميشيل": "يفضي الألم بالإنسان إلى حيث لا معنى للصلاة ولا جدوى منها. يؤدي الألم في نهاية المطاف إلى اليأس من الحياة، بل حتى إلى النفور منها، لأنه يحمل الإنسان على الشعور بأن لا طعم للحياة ولا قيمة لها. فعندما تتبدَّد مصادر الفرح وتيبس ينابيع الرجاء، يصبح كل شيء عبثًا. الألم يحطم ويعزل، الألم يخنق شرايين الحياة وينفث رائحة الموت. الألم هو عبث ولا معنى... من أنا؟ هل أنا إنسان حقًا؟ ومن هو الله الذي يقبل أن تنحل إنسانيتي وأن أصير كالدودة؟ وما معنى حياتي؟ ومن هم الناس بالنسبة إليَّ..؟

يصيب الألم الإنسان في صميم وجوده وفي عمق علاقته بالله وبالآخرين، ويؤدي إلى اختلال كبير في توازن الحياة، وفي فهم الإنسان لذاته ولعلاقته مع الآخرين. ولن يكون البحث عن الحل في النبش في الماضي ومحاولته تتبع الأسباب التي أدَّت إلى الوضع الحالي. والحل هو المستقبل: هل يمكن أن أجد معنى لحياتي بالرغم من العبث واللامعنى اللذين يدخلهما الألم في حياتي..؟ والألم يدخل اللامعنى إلى حياة الإنسان، ومعرفة السبب لا يعيد المعنى الذي زلزله الألم"(8).

ومشاعر الألم والمرض تضع الإنسان أمام شبح الموت، ويثير داخله أسئلة عديدة بلا إجابات، فيقول " الأب نادر ميشيل " أيضًا: "وإذا تساءل الإنسان عن معنى حياته فهو يتساءل في الوقت نفسه عن معطي الحياة وعن إرادته، أنه يتساءل عن الله: مَن هو الله؟ لماذا خلقني؟ ولماذا يرضى بأن أتألم؟ وما مصيري؟ هل يمكنني أن أرجوه أنا المتألّم المُهدَّد بالعبث والفناء؟ هل يمكنه أن يُخلصني؟ هل يمكنه أن يعيدني إلى الحياة بعد أن أصابني الألم والموت؟ هل للحياة معنى؟ أم مصيرها الفناء والعدم اللذان يعلنهما الألم؟ هل هناك قوة أكبر من الألم تساعدني على اكتشاف معنى لحياتي وسط الألم؟ هل يمكنني أن أرجو الحياة حين يلوّح الألم بالموت..؟ أسئلة تلو أسئلة تحاصر المتألّم وتحطم قلبه، دون إجابة، فالإجابة ليست بديهية أو تلقائية، بل تمرّ بطريق الظلمة الذي يفتحه الألم في حياة الإنسان المتألّم. وإذا خرج الإنسان من البكم إلى الصراخ إلى الله، فقد دخل في طريق الخلاص"(9).

 

3-  قصة أيوب كشفت عن طبيعة الله: فالله كُلّي القدرة، قادر على كل شيء ولا يقف أمامه شيء، هو المهيمن على جميع الأمور، ضابط الكل، لا يمكن أن يحدث شيئًا في الكون إلَّا بإرادته أو بسماح منه، ودائمًا إرادة الله خيّرة مائة في المائة، فكل ما في حياتنا من خير هو من قِبَل صانع الخيرات محب البشر، وكل ما يصادفنا من شر فهو بسماح منه لتأديبنا أو لتزكية إيماننا... عندما أراد الشيطان أن يفترس أيوب لم يسمح الله له بذلك، إنما في كل مرّة يرسم له دائرة لا يتعدّاها... أليس هذا يمنحنا طمأنينةً وسلامًا وأمْنًا مهما كانت الاضطرابات والكوارث والجوائح، حتى لو انقلبت الجبال في وسط البحار؟!! والذين يقولون أن وجود الشر يعني أن الله إمَّا أنه ليس كُلّي القدرة أو أنه ليس كُلّي الصلاح، فأنهم في الحقيقة يتجاهلون حرية الإنسان الشخصية، فالإنسان يفعل الشر أو ينساق في طريقه، بالرغم أن هذا ضد الإرادة الإلهيَّة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وأيضًا يتجاهلون أن الآلام التي تلحق بالإنسان ربما كانت من أجل خيره كما حدث مع أيوب البار، حتى أن " فم الذهب " يقول: "هل لأنك تعاني من أتعاب كثيرة تظن أن الله تركك وأنه يبغضك؟!! بل إن كنتَ لا تتألم يكون بحق قد تركك، لأنه إن كان الله يؤدب كل ابن يقبله فمن لا يسقط تحت التأديب لا يكون ابنًا"(10). ويُجمِل "القديس برصنوفيوس" القول، فيقول: "إن كنا أشرارًا بالأحزان نُؤدب، وإن كنا أبرارًا بالأحزان نُختبر"(11).

 

4-  قصة أيوب كشفت عن طبيعة الشيطان: فأحداث القصة فضحت مشاعر الشيطان وأفكاره وحقده على الإنسان البار، واتهاماته الكاذبة بأن كل من يحبّون الله إنما يحبّونه لمنافع شخصية، وأنه هو المشتكي على أبناء الله: "لأَنَّهُ قَدْ طُرِحَ الْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا، الَّذِي كَانَ يَشْتَكِي عَلَيْهِمْ أَمَامَ إِلهِنَا نَهَارًا وَلَيْلًا" (رؤ 12: 10). فعلًا أمانة أيوب تجاه إلهه طرحت المشتكي مؤقتًا، ولكن مع نهاية الأيام سيُطرح نهائيًا في بحيرة النارة والكبريت المُعَدَّة له ولجنوده... طمع عدو الخير أن يصل بأيوب للتجديف على الله تحت ضغطة الآلام النفسية والجسدية، ولكنه فشل هو ونجح أيوب نجاحًا باهرًا ففرح به إلهه وملائكته وقديسيه... قال الشيطان للَّه عن أيوب مرتين: " فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ" (أي 1: 11، 2: 5)، أمَّا النتيجة النهائية: "فِي كُلِّ هذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ بِشَفَتَيْهِ" (أي 2: 10).

 

5-  قصة أيوب كشفت عن معدنه: اتهم الشيطان أيوب بأنه يعبد الله لأجل منافع شخصية، واتهم الله ضمنًا أنه يحابي أيوب، فكان لا بد للرد على ادعاء الشيطان الكاذب من جانب، ومن جانب آخر تنقية معدن أيوب من الشوائب، فيقول " لويس صليب": "والله فقط ليس من أجل أيوب بل من أجل الحق، لا يسمح لمثل هذا الاتهام أن يستقر عليه تعالى ولا على أيوب، لأن الشيطان يريد أبدًا أن يسدّد التُّهم نحو الله بينما هو يتظاهر بالدفاع عن البِرّ. ولذلك أسلم أيوب ليدي الشيطان... لكن لا ننسى أن الله لا يقصد فقط أن يدافع عن حقه، إن يسكت الشيطان والناس الأشرار، بل هو يعلم أن عبده أيوب في حاجة أن يتعلَّم لنفسه دروسًا. هو تعالى يود أن يُدخِل السبيكة في البوتقة لأنه يعلم كم من الشر يكمن (الشوائب تكمن) تحت ذلك الفضل الظاهري، ممتزجًا حتى بعميق تقوى هذا الرجل الصالح. هو يريد أن يُعلِّمنا أن التقوى لن تجد غذاءها في ذاتها وإن البِرّ لا يستطيع أن يعتمد على ذراعه. هذه بعض الدروس التي سيتعلمها أيوب، فليتنا نتعلمها نحن أيضًا"(12).

ومع ارتفاع ألسنة الآلام التي اجتاحت أيوب فأنه يسجل مشاعره بأحرف من نور: "حَيٌّ هُوَ الله الَّذِي نَزَعَ حَقِّي، وَالْقَدِيرُ الَّذِي أَمَرَّ نَفْسِي، إِنَّهُ مَا دَامَتْ نَسَمَتِي فِيَّ، وَنَفْخَةُ الله فِي أَنْفِي، لَنْ تَتَكَلَّمَ شَفَتَايَ إِثْمًا، وَلاَ يَلْفِظَ لِسَانِي بِغِشٍّ" (أي 27: 2-4). وعندما ظن أيوب أنه تعرّض لظلم فادح من قِبل الله، لأنه على الأقل لم يدافع عنه ولم يسبل حمايته عليه، قد سمع صوت الله يخاطبه: "مَنْ هذَا الَّذِي يُظْلِمُ الْقَضَاءَ بِكَلاَمٍ بِلاَ مَعْرِفَةٍ؟" (أي 38: 2) أظهر توبة وندمًا قائلًا: "هَا أَنَا حَقِيرٌ، فَمَاذَا أُجَاوِبُكَ؟ وَضَعْتُ يَدِي عَلَى فَمِي" (أي 40: 4)... " قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ... قَدْ نَطَقْتُ بِمَا لَمْ أَفْهَمْ... بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. لِذلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ" (أي 42: 2-6). حقًا لم يعرف أحد معدن أيوب لا أصدقائه ولا أقرب الناس إليه، أعني زوجته، أما الله فهو العالِم بكل شيءٍ، ولو كانت هذه التجارب أكبر من طاقة واحتمال أيوب، وأنها ستؤدي إلى هزيمته وسقوطه في التجديف، ما كان الله يسمح بها قط. حقًا قال الكتاب: "وَلكِنَّ الله أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ" (1كو 10: 13).

 

6-  قصة أيوب كشفت عن بركات الألم: لقد قام أيوب منتصرًا من جوف المرض إلى جِدّة الحياة، أُمتحن بالنار فخرج ذهبًا نقيًا، وقد زكى الله إيمانه وتوَّجه بأكاليل الغار، وكافأه مكافآت جزيلة في هذه الحياة الزمنية والحياة الأبدية أيضًا، وجعل اسمه منيرًا في سماء الصبر والجَلَد، وصارت قصته منارة تُهدي السفن التي تلاطمها أمواج الآلام مُهدِّدة إياها بالغرق. لقد صار أيوب قوة للمتألمين وأملًا لليائسين (يع 5: 11)، واستحق أن يضم اسمه مع اسمي نوح ودانيال (حز 14: 14-20)، واستحق الطوبى من فم الله تبارك اسمه: "طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ" (يع 1: 12). ويقول " متى هنري": "أنه أمر يدعو للدهشة أن يعطي الله للشيطان إذنًا كهذا، إن " تُسَلِّمْ لِلْوَحْشِ نَفْسَ يَمَامَتِكَ" (مز 74: 19). إن يسلم حملًا وديعًا كهذا لأسد مفترس كهذا، لكنه فعل هذا لمجده، ولإكرام أيوب، ولتفسير العناية الإلهيَّة، وتشجيعًا لشعبه المتألمين في كل الأجيال، وليقدم حالة تكون سابقة ونافعة لأنها قد تقررت"(13).

ومن بركات الآلام التي اكتوى أيوب بنارها تنقيته من البِرّ الذاتي، فيقول " تشارلس ماكنتوش": "أنه لأمر واضح أن أيوب كان في حاجة إلى غربال عنيف، ولولا حاجته إلى هذا الغربال لما أجازه فيه الله الكُلّي الرحمة والمحبة الذي بكل تأكيد ما كان ليطلق الشيطان على عبده ما لم يكن له غرض سام في ذلك، لا بل ويمكننا القول بكل تأكيد وثقة أنه ما من شيء سوى الضرورة القصوى هي التي جعلت الرب يستعمل مثل هذه الطريقة. إن الله أحب أيوب بمحبة كاملة ولكنها في الوقت نفسه محبة حكيمة وأمينة محبة تفحص كل شيء. وإذ نظر الله إلى ما دون الظواهر استطاع أن يرى جذور البِرّ الذاتي المتأصلة في أعماق قلب عبده، الجذور التي كانت مخفية تمامًا عن أعين أيوب ولذا لم يحكم عليها ويدينها، فيالها من رحمة واسعة أن يكون أمرنا مع إله كهذا، وأن نكون في أيدي ذاك الذي يستعمل كل الوسائط لإخضاع كل شيء فينا لا يوافق رغباته لكي يخلق فينا صورة تماثل صورته المباركة!

ولكن ألا ترى أيها القارئ المحبوب أنه من الأمور المُفرحة والمُعزية أن الله يستخدم حتى الشيطان نفسه كآلة في سبيل تدريب شعبه؟ إننا نرى هذه الحقيقة المفرحة في معاملات الرب مع الرسول بطرس كما نراها في حالة أيوب تمامًا، فالغربال كان لازمًا لبطرس... فقد كانت جذور الثقة متأصلة في أعماق قلب بطرس وكان لازِمًا أن تصل السكين إلى تلك الجذور فتقطعها من أصولها، وهكذا رأى الرب الأمين أن يجيز عبده بطرس في عملية مؤلمة للغاية لكي يريه هذه الجذور فيحكم عليها، ولذلك سمح للشيطان أن يغربله تمامًا وبكل دقة حتى لا يعود بطرس فيما بعد يثق بذاته"(14).

 

7-  قصة أيوب أكدت على مبدأ الثواب والعقاب: إن الذين يتمسكون بمبدأ " ما يزرعه الإنسان إياه يحصد"، وقالوا أن هذا لم ينطبق على أيوب البار الذي تعرَّض للتجارب المُرّة، تجاهلوا النظر إلى نهاية الأمر... نظرة إلى نهاية الأمور نجد أيوب البار الذي طالما فعل الخير وأيضًا الذي صبر في وقت الشدائد والضيقات... ماذا كانت نهايته..؟ لقد كُوفئ بالخيرات الزمنية والأبدية، وعوضًا أن كان له عشرة أبناء وبنات، صار له عشرين، عشرة منهم سبقوه لحياة الخلود وعشرة صاحبوه في رحلة هذه الحياة.

وإن كان مبدأ مكافأة الأبرار وعقاب الأشرار يختل أحيانًا أو كثيرًا على أرضنا هذه، لكن هذا إلى حين، حتى أن أيوب نفسه عندما تساءل متعجبًا: "لِمَاذَا تَحْيَا الأَشْرَارُ وَيَشِيخُونَ، نَعَمْ وَيَتَجَبَّرُونَ قُوَّةً؟ نَسْلُهُمْ قَائِمٌ أَمَامَهُمْ..." (أي 21: 7-13) عاد على الفور قائلًا: "فِي لَحْظَةٍ يَهْبِطُونَ إِلَى الْهَاوِيَةِ... كَمْ يَنْطَفِئُ سِرَاجُ الأَشْرَارِ، وَيَأْتِي عَلَيْهِمْ بَوَارُهُمْ؟" (أي 21: 13-17).

ولم يكن أيوب بمفرده الذي سار في ذاك الدَّرب فقد سبقه أبرار تألّموا بل سُفكت دمائهم ظلمًا، ولحقه آخرون... اسألوا هابيل البار... أوريا الحثي... نابوت اليزراعيلي... صفوف الشهداء والمعترفين. بل اسألوا أبينا إبراهيم الذي جُرّب في ابنه إسحق الذبيح، وإرميا الذي ضُرب وأُلقِيَ في بيت السجن تارة وفي الجُب تارة أخرى، ودانيال الذي أُلقِيَ في جُب الأسود، والثلاثة فتية في أتون النار... وآلاف آلاف تألّموا وهم أبرار، ولكن واحدًا منهم لم تظلمه السماء، بل أخذ حقه في المكافأة كاملًا، بعد أن انتصر الله بهم على عدو الخير انتصارات ساحقة حُسبت لصالحهم، لأنهم أدركوا جيدًا أنهم لو فقدوا كل شيء حتى حياتهم وبقى لهم الله فهم يملكون كل شيء، والبوتقة التي انصهر فيها أيوب البار علَّمته كيف يتخلَّى عن بِرّه الذاتي، ولا يتفاخر بأعمال الخير والصلاح التي كان يفعلها، ويتنقى من الشوائب فيخرج كذهب أوفير، ويخرج قويًا وصلبًا، وفي ذات الوقت يفيض رقة وعذوبة، بعد أن تمسَّك بقول " الأنبا بولا أول السواح": "إن من يهرب من الضيقة يهرب من الله".

ويقول " ممدوح شفيق": "كان أيوب متمركزًا حول ذاته، منغمسًا في الإشفاق على نفسه، لكنه حين ضاعت ممتلكاته، حين تبدّدت ثروته، حين فقد مكانته، حين هرب منه أفراد أسرته، حين خسر محبة أصدقاءه، وفقد احترام مجتمعه، وفوق هذا حين تنازل عن دعواه بالبراءة، تطهر تمامًا وتكرَّس كُليًا للرب وترك نفسه بين يديه، وقتها فقط يتلقى العطية الثمينة، ليس التعويض عمَّا فقده ماديًا أو أدبيًا، بل الدخول في شركة الحب والمعرفة الحقيقية الغنية للرب. لقد كان على أيوب أن يبيع كل شيء حتى يستطيع أن يشتري اللؤلؤة كثيرة الثمن. أما نحن فترك لنا درسًا لا يُنسى عبر الأجيال"(15).

وإن كان الكتاب يقول: "لاَ يُصِيبُ الصِّدِّيقَ شَرٌّ، أَمَّا الأَشْرَارُ فَيَمْتَلِئُونَ سُوءًا" (أم 12: 21) فإننا نستطيع أن نقول أن الكوارث التي حلَّت بأيوب لم تصبه بشرٍّ، إنما جعلته يقترب أكثر فأكثر من الله، فالشرّ كل الشرّ في الانفصال عن الله، أمَّا الأمناء محبي الله فينطبق عليهم قول الكتاب: "أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ الله" (رو 8: 28)، وفي العهد الجديد صار الألم يحمل معنى الهبة الإلهيَّة للأمناء (في 1: 29) فإن الرب يسوع لا يهب شوكة من إكليله إلَّا للإنسان الأمين الذي يؤتمن عليها... لقد كان أيوب أمينًا فاستحق أن يتألم من أجل بِرّه ويُعد ضمن صفوف الشهداء.

 

8-   يستبعد الناقد " إبراهيم ناصر " حوار الله ونقاشة مع الشيطان محتجًا بأن الحوار يكون بين اثنين متساويين أو على الأقل متقاربين في المستوى، وهذه هي نظرة الإخوة النُقَّاد المسلمين الذين ينظرون للَّه على أنه السيد الجبار المُتكبّر المُتعالي في سماه سبحانه وتعالى، أمَّا الإنسان فهو مجرد عبد له. والحقيقة أنه من منظار مسيحي نرى الله كأب حنون شفوق عطوف وأيضًا متواضع، لا يجد حرجًا من إقامة حوار مع الإنسان أو مع الشيطان، فعقب سقوط الإنسان الأول " فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ: أَيْنَ أَنْتَ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ. فَقَالَ: مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْهَا؟ فَقَالَ آدَمُ... فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْمَرْأَةِ..." (تك 3: 9-13)، وهكذا يستمر حوار الله مع الإنسان طوال أسفار الكتاب المُقدَّس، فمثلًا في سفر إشعياء النبي يقول الله: "هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ. إِنْ شِئْتُمْ وَسَمِعْتُمْ تَأْكُلُونَ خَيْرَ الأَرْضِ. وَإِنْ أَبَيْتُمْ وَتَمَرَّدْتُمْ تُؤْكَلُونَ بِالسَّيْفِ. لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ" (إش 1: 18-20)... لقد تكلَّم الله مع الرجال الصالحين مثل نوح وإبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى والأنبياء والقضاة، بل أنه تكلَّم مع الأشرار مثل قايين وفرعون وأبيمالك ولابان وبلعام ونبوخذنصر وبيلشاصر... إلخ. وسمح الله للشيطان بأن يتحاور معه، فهذا يتوافق تمامًا مع العدل الإلهي.

     وإن كان " إبراهيم ناصر " له رأي، ويتبعه الكثيرون في أن الله لا يقيم حوارًا مع أي كائن، لأن جميع الكائنات دون مستواه، لكن ربما كان للقرآن رأي آخر مخالف، حيث يقيم الله حوارًا مع الإنسان ويعلِّمه الأسماء، وحوارًا مع الملائكة فيطلب منهم أسماء الكائنات فيفشلوا في هذا، فيطلب من آدم أن يقول الأسماء (التي سبق وعلَّمه إياها) فتلى آدم الأسماء، لذلك طلب الله من الملائكة أن يسجدوا لآدم، وجاء في سورة البقرة: "وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.  قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ.  قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ. وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ" (البقرة 2: 31-34) وأسكن الله آدم وزوجته الجنة وأعطاه الوصية وعندما سقط أعطاه الوعد بالخلاص: " وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ. فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ. فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" (البقرة 2: 35-37). إذًا واضح في القرآن حوار الله مع الإنسان والشيطان، بل أن الله يستخدم الشياطين لتحقيق مقاصده، كما جاء في سورة مريم: "أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا" (مريم 19: 83).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) ترجمة د. محمد مخلوف - الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 376.

(2) التوراة بين الحقيقة والأسطورة والخيال ص 343، 347.

(3) سلسلة تفسير الكتاب المُقدَّس يتحدَّث اليوم - سفر أيوب ص 19.

(4) أورده ديفيد أتكنسون - سلسلة الكتاب المقدَّس يتحدَّث اليوم - سفر أيوب ص 35.

(5) الكتاب المُقدَّس الدراسي ص 1186.

(6) مدخل نقدي إلى أسفار العهد القديم ص 198.

(7) الألم هل من معنى - تأمل في خطى المزامير وأيوب ويسوع ص 14.

(8) الألم هل من معنى - تأمل في خطى المزامير وأيوب ويسوع ص 16، 17.

(9) الألم هل من معنى - تأمل في خطى المزامير وأيوب ويسوع ص 17، 18.

(10) أورده القمص مكاري جاد جرجس - لماذا يتألَّم الأبرار؟ ص 35.

(11) أورده ممدوح شفيق - الله والإنسان في سفر أيوب ص 53.

(12) تفسير سفر أيوب ص 46، 47.

(13) تفسير سفر أيوب جـ1 ص 26، 27.

(14) ترجمة أحد الإخوة - أيوب وأصحابه ص 21، 22.

(15) الله والإنسان في سفر أيوب ص 116.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1503.html

تقصير الرابط:
tak.la/c8893td