St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1500- من هم أصدقاء أيوب الذين جاءوا لتعزيته؟ وكيف جرى الحوار بينهم؟

 

أولًا: أصدقاء أيوب الذين جاءوا لتعزيته:

     هم ثلاثة أشخاص من نَسل إبراهيم، متقدمين في السن، عُرِفوا بالحكمة والصلاح (أي 32: 6، 13) وشغلوا مراكز مرموقة في بلادهم، وقطعوا مسافات طويلة ليأتوا إلى أيوب محبة وإخلاصًا ووفاءً له، وعندما رأوه صُدموا من منظره، فرفعوا أصواتهم وبكوا ومزَّق كل واحد جبته، وذرُّوا التراب فوق رؤوسهم (أي 2: 12). هؤلاء الأشخاص هم:

 

1-  أليفاز التيماني: وهو أكبر الأصدقاء سنًا، وأكثرهم تعاطفًا مع أيوب، ومعنى اسمه " الله ذهب نقي " وهو من نَسل عيسو، واسمه كان متداولًا في المنطقة " هذِهِ أَسْمَاءُ بَنِي عِيسُو. أَلِيفَازُ ابْنُ عَدَا امْرَأَةِ عِيسُو... وَكَانَ بَنُو أَلِيفَازَ: تَيْمَانَ و..." (تك 36: 10، 11) ودُعيَ أليفاز التيماني لأنه من قبيلة تيمان، وفي حديث أليفاز مع أيوب اعتمد على خبرة السنين واختباراته الشخصية، وجاءت أحاديثه في أربعة أصحاحات (4، 5، 15، 22). جاء حديثه في البداية حديثًا وقورًا فقال لأيوب: "إِنِ امْتَحَنَ أَحَدٌ كَلِمَةً مَعَكَ، فَهَلْ تَسْتَاءُ؟ وَلكِنْ مَنْ يَسْتَطِيعُ الامْتِنَاعَ عَنِ الْكَلاَمِ؟" (أي 4: 2) ثم اشتد في كلامه، وأخيرًا أسدى نصحه لأيوب لكيما يتعرَّف على الله ويتصالح معه قائلًا: "تَعَرَّفْ بِهِ وَاسْلَمْ. بِذلِكَ يَأْتِيكَ خَيْرٌ. اقْبَلِ الشَّرِيعَةَ مِنْ فِيهِ، وَضَعْ كَلاَمَهُ فِي قَلْبِكَ" (أي 22: 21، 22).

ويُعلِّق " ديفيد أتكنسون " على شخصية أليفاز وأحاديثه قائلًا: "أنه رجل صالح ويخاف الله، تكلَّم بالحق في أغلب أحاديثه، فهو يتكلم من واقع اختباره لسمو الله، ومشدّدًا على الكمال الأخلاقي للَّه، كما أنه يعرف جيدًا أهمية التوبة لنوال بركات الله، ولكن من خلال نظرته الضيقة، تعامل مع مشكلة أيوب من منطقه الخاص، الأمر الذي دفعه إلى إحدى الوسائل التي يستخدمها الله في تأديبنا وتهذيبنا... وكل فاعلي الشر سوف يعانون سواء طال بهم أو قصر العمر. لذلك، لا تضايق -يا أيوب- العليّ بمشكلتك التافهة، بل ارجع وتصالح مع الله، فيصبح كل شيء على ما يرام. ومن ثمَّ يحاول أليفاز مساعدة أيوب على الوصول إلى جذور المشكلة، لكن من المحتمل أن يكون أيوب قد شعر أن أليفاز لم يستمع إليه ولم يتفهمه.

وكأني بأيوب يقول في محاجته: نعم أنا أعرف أن الله يؤدبنا بالمعاناة، ولكني لم أفعل شيئًا يستوجب التأديب! نعم أعلم أن الله يعاقب على الشر، ولكني لم أفعل شرًا وفقًا لهذا المعيار! وزيادة على ذلك فإني أؤمن بأن الإله العظيم الذي تحدثت عنه يهتم بتفاصيل الحياة، أو ما تُطلق عليه توافه الحياة، وهذه هي مشكلتي: لماذا يبدو لي وكأن الله لا يهتم بي؟!"(1).

وجاء عنه في " دائرة المعارف الكتابية": "أنه كان مُقدام الثلاثة، وذلك لعمق أقواله وأصالتها، فلم تكن أقوال الآخرين سوى صدى وترديد لأفكاره، كما أن الرب خاطبه كممثل لجميع أصحابه (أي 42: 7)... ويبدو أليفاز في صورة حكيم وقور من حكماء تيمان في آدوم... هذه الحكمة وليدة أزمنة من الفكر والاختبار (أي 15: 17-19) كما من الدراسة المتأنية الناضجة (أي 5: 27)... في حديثه الأول يستخرج النتيجة من المقدمات في بلوى أيوب (أي 4: 7-11) فهو يستند في مقدمته إلى فساد الطبيعة الأصلية (أي 4: 17-19) ويبدي هدوءًا جعل أيوب يغلي من الغيظ (أي 5: 2، 3، انظر رد أيوب في أي 6: 2، 3، 30: 24... وفي حديثه الثاني كان ثائرًا بسبب كلام أيوب الذي يناقض التقوى (15: 4) ويعزو ذلك للإثم (5: 6) ويكرّر الحديث عن فساد الإنسان (15: 14-16) ويصف المصير المروّع للرجل الشرير وقد تبعه أصحابه في ذلك (15: 20، 35). وفي حديثه الثالث تحرك من منطلق نظريته، ليلصق الخداع وارتكاب الجرائم بأيوب، ويعدّد آثامه التي انغمس فيها، لأن الله أبعد من أن يُرى (22: 5-15) ولكن الباب ما زال مفتوحًا أمامه للتوبة وهجران الإثم، واسترداد الصحة والثروة (22: 21-30). تبدو أقواله حكيمة رصينة، ولكن أيوب رأى أنها نظريات جامدة باردة (16: 4، 5) مليئة بالإرشادات الدينية من وجهة تجريدية. وكان خطأ أصحاب أيوب، هو ظنهم الراسخ في شر أيوب، وتمسكهم بنظرياتهم في مواجهة الحقيقة، دون اعتبار لمشاعر الصداقة الإنسانية"(2).

 

2- بِلدَدُ الشُّوحِيُّ: من نسل شوح بن إبراهيم السادس من زوجته قطورة (تك 25: 2) وجاءت كلماته قاسية وغليظة، بل طعن أيوب عندما قال له: "إِذْ أَخْطَأَ إِلَيْهِ بَنُوكَ، دَفَعَهُمْ إِلَى يَدِ مَعْصِيَتِهِمْ" (أي 8: 4) بينما كان أيوب متأكدًا من براءة أولاده الذين فقدهم، وجاءت أقواله في ثلاثة أصحاحات (8، 18، 25)، وبينما يتحدث أليفاز عن سمو قداسة الله، فإن بلدَدُ يركز بالأكثر على سلطان الله وعدله الحازم، وقد بنى بلدَدُ أحاديثه على عقيدته بأن الله هو الخالق العادل كلي القدرة إله الجبروت والسلطان والقوة، وحاول ينقل هذا لأيوب مع أن أيوب يعرف ذلك جيدًا، فبلدَدُ لم يصغِ لأيوب ولم يعرف احتياجاته الحقيقية، فكل ما كان يشغل أيوب لماذا يتباعد الله في زمن الضيق..؟! وقد اتصف بلدَدُ باللسان الحاد، والأفق الضيق، ويقول "ديفيد أتكنسون" عن بلدَدُ: "يختلف بلدَدُ عن أليفاز فهو يتمسك بالتقاليد حتى النخاع، ويستند إلى الكتب وتأتي استنارته لا من الخبر (مثل أليفاز) بل من العلم والمعرفة. ويقتبس " جونس " Jones  من " ترين " Terrien  بأن مصدر استنارة بلدَدُ يأتي لا من العشرة مع الإله الحي، بل من التعليم المدرسي وكلمة الأقدمين"(3).

وجاء في " دائرة المعارف الكتابية": "بلدد: اسم عبري قد يكون معناه "بيل قد أحب " أو " ابن اللدد أي الخصام "؟؟ ويلقَّب " بالشُّوحِيُّ " إما نَسبه إلى مكان في الشرق أو في الجنوب الشرقي من فلسطين بهذا الاسم لا نعلم موقعه، وإما نَسبه إلى شوح بن إبراهيم بن قطورة... وقد يدل ارتباط اسمه ببيل " إله بابلي " على إلمامه بحكمة الشرق... أما مادة أحاديثه فهي ترديد لصدى أحاديث أليفاز، ولكن بشحنة أكبر من العنف... ويستشهد في أحاديثه بتقاليد العصور السابقة (8: 8-10)، وإذ يتبع أسلوب أليفاز يذكر العلة والمعلول (ع 11) يستخرج من كنوز الحكمة وصفًا لحالة الشرير غير المستقرة، بالمقارنة مع حالة البار الناضرة الرائعة (8: 11-22). أما حديثه الثاني فوصف مُرَكْز لويلات الشرير في مقابلة واضحة مع ما ذكره أيوب عن حالته البائسة (قارن 18: 5-21 مع 16: 6-22) وهكذا بلباقة يجمع بين أيوب وبين الشرير الموغل في الشر. أما حديثه الثالث (أصحاح 25) وهو آخر أحاديث الأصحاب الثلاثة - فحديث موجز هادئ النغمة، وكأنه صورة خاطفة لاستعراض جلال الله وكماله وهيبته وقداسته في مقابل نقص كل الخليفة"(4).

 

3- صُوفَرُ النعماتيُّ: وهو اسم عبراني معناه "يُصفّر" مثل العصفورة أو "مسافر" أو "عصفور صغير"، من قرية "نعمة" التي تقع ضمن قرى آدوم جنوب غرب البحر الميت، وجاءت أقواله في أصحاحين (11، 20) ويظهر صوفر مستبد برأيه يتكلَّم من علو يركز في حديثه على الناموس القديم (أي 11: 14، 15) ويتحدث عن الله الكلِّي العلم ذو الحكمة الغامضة، فاتهم أيوب بأنه رجل مهذار متصلّف، بل أنه استصغر كل البلايا التي أصابته، فقال له: "فَتَعْلَمَ أَنَّ الله يُغْرِمُكَ بِأَقَلَّ مِنْ إِثْمِكَ" (أي 11: 6)... ما قسوة القلب هذه؟! فقد اتصف صوفر بالقسوة في الحديث إلى حد الفظاظة، ولم تتوفر لدى صوفر سمات شخصية المُشير، فالإنسان المُشير يشعر أنه ليس كفوًا في ذاته، ويتعامل مع المتألمين بلطف، فلا يدينهم ولا يقسو عليهم، بل يشعر بهم دون أن يغرق في مشكلاتهم، وفي نفس الوقت لا يتغافل عن أخطاءهم، ولم تتوفر هذه الصفات في صوفر الذي اتسم بالقسوة والتزمت والتعجل والمواجهة والتحدي وعدم التراجع، ويقول " ديفيد أتكنسون " عن صوفر أنه كان " ربما مثل الطالب الذي تخرج حديثًا من الجامعة، ويعتقد أنه يعرف كل شيء، ويقول عنه " روبرت جورديس" لا يترك للحقائق أن تتدخل في نظرياته"(5).

وجاء في " دائرة المعارف الكتابية": "صوفر:... لم يتكلَّم صوفر إلاَّ مرتين... ويبدو أن صمته في المرة الثالثة... كان معناه أنه لم يعد عند الأصحاب الثلاثة كلام آخر يقولونه لأيوب. وكان صوفر النعماتي أشد أصحاب أيوب عنفًا في حديثه إليه (انظر 11: 2، 3، 20: 2، 3) فقد غاظه أن يعتبر أيوب نفسه مظلومًا ويوجه اللوم إلى الله. وكان صوفر أول من وجه اتهامًا مباشرًا لأيوب، وإن عقاب الله له كان أقل من إثمه (11: 6). ويوبخ أيوب لأنه يحاول أن يصل إلى عمق أسرار الله التي لا تستقصى (11: 7-12). ومع ذلك فأنه -مثل صاحبيه- يعده بالسلام واستعادة كل ما فقده لو تاب وابتعد عن الإثم (11: 13-19). ولكنه سرعان ما يعود إلى النغمة الأولى بالقول: "أَمَّا عُيُونُ الأَشْرَارِ فَتَتْلَفُ، وَمَنَاصُهُمْ يَبِيدُ، وَرَجَاؤُهُمْ تَسْلِيمُ النَّفْسِ" (11: 20). وفي حديثه الثاني والأخير، يبذ الآخرين في تعنيفه لأيوب ويبلغ غايته في وصفه لويلات الرجل الشرير (20: 5-29) في تلميح واضح إلى أيوب(6).

وبعد أن صمت الأصدقاء الثلاثة ظهر على مسرح الأحداث "أليهو بن برخئيل البوزي" من نسل ناحور أخي إبراهيم (تك 22: 20، 21) فتكلم بعد طول صمت احترامًا لسن الأصدقاء، وتميز حديثه بروح التواضع والإقناع.

                            تارح (تك 11: 27)

     إبراهيم                                  ناحور                    هاران

        سارة               قطورة          عوص               بوز

  

      إسحق             شوح      (أرض عوص)          برخئيل

 

 

 


عيسو               يعقوب                         {أليهو بن برخئيل}

                          (تك 22: 20، 21)

أليفاز              بنيامين    {بلدد الشوحي}

                      (تك 25: 2)

تيمان                بالع

 

{أليفاز التيماني} نعمة

(تك 36: 11، 12) {صوفر النعماتي} (عد 26: 38-40)

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ثانيًا: حوار الأصدقاء مع أيوب:

1- دارت ثلاث جولات من الحوار بين أيوب والأصدقاء، جاءت على النحو التالي:

 

    

الجولة الأولى

الجولة الثانية

الجولة الثالثة

أ-

أليفاز (ص 4، 5)

أيوب  (ص 6، 7)

(ص 15)

(ص 16، 17)

(ص 22)

(ص 23، 24)

ب-

بلدد (ص 8)

أيوب  (ص 9، 10)

(ص 18)

(ص 19)

(ص 25)

(ص 26)

جـ-

صوفر (ص 11)

أيوب  (ص 12-14)

(ص 20)

(ص 21) ر

-

(ص 27)

2- خلاصة فكر الأصدقاء:

أ-  الله عادل يكافئ الإنسان الصالح ويعاقب الشرير، فعدالته لا تسمح لإنسان بار أن يتألم.

ب- لو لم يكن أيوب شريرًا ما كان تعرَّض لهذه البلايا، ولكن لأنه إنسان شرير ولو في الخفاء فلذلك عاقبه الله، وفيما بعد كان لتلاميذ السيد المسيح نفس الفكر، فعندما أبصروا إنسانًا أعمى منذ ولادته سألوا مُعلِّمهم: "يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعمَى؟" (يو 9: 2).

جـ-  على أيوب أن يرجع عن خطاياه ويتوّب لكي يغفر الله له، ويُعيده إلى أمجاده الأولى.      

ومقابل هذا كان فكر أيوب، الذي اعترف بأنه لا يخلو من الخطية، ولكن خطاياه لا تستوجب كل هذه العقوبات القاسية، ولذلك تعب أيوب في الحديث عن برائته:

أ- " أَنِّي لَمْ أَجْحَدْ كَلاَمَ الْقُدُّوسِ" (أي 6: 10).

ب- " كَامِلٌ أَنَا. لاَ أُبَالِي بِنَفْسِي. رَذَلْتُ حَيَاتِي" (أي 9: 21).

جـ- " مَعَ أَنَّهُ لاَ ظُلْمَ فِي يَدِي، وَصَلاَتِي خَالِصَة" (أي 16: 17).

د- " فِي عِلْمِكَ أَنِّي لَسْتُ مُذْنِبًا، وَلاَ مُنْقِذَ مِنْ يَدِكَ" (أي 10: 7).

هـ- " لأَنَّهُ يَعْرِفُ طَرِيقِي. إِذَا جَرَّبَنِي أَخْرُجُ كَالذَّهَبِ" (أي 23: 10).

و- " تَمَسَّكْتُ بِبِرِّي وَلاَ أَرْخِيهِ. قَلْبِي لاَ يُعَيِّرُ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِي" (أي 27: 6).

واشتاق أيوب أن يتراءى أمام الله ليعرض شكواه ويحاكم أمامه:

أ- " إِنْ شَاءَ أَنْ يُحَاجَّهُ، لاَ يُجِيبُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ أَلْفٍ" (أي 9: 3).

ب- " وَلكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَ الْقَدِيرَ، وَأَنْ أُحَاكَمَ إِلَى الله" (أي 13: 3).

جـ- " هَا إِنِّي أَصْرُخُ ظُلْمًا فَلاَ أُسْتَجَابُ. أَدْعُو وَلَيْسَ حُكْمٌ" (أي 19: 7).

د- " مَنْ يُعْطِينِي أَنْ أَجِدَهُ، فَآتِيَ إِلَى كُرْسِيِّهِ، أُحْسِنُ الدَّعْوَى أَمَامَهُ، وَأَمْلأُ فَمِي
           حُجَجًا"
(أي 23: 3، 4).

هـ- " مَنْ لِي بِمَنْ يَسْمَعُنِي؟ هُوَذَا إِمْضَائِي. لِيُجِبْنِي الْقَدِيرُ" (أي 31: 35).

وبعد أن حاول أيوب إعلان براءته مرّة ومرّات، ولم يتفهّم الأصدقاء الثلاثة وجهة نظره ومحور قضيته، لذلك أعلن رأيه في أصدقائه في عبارات واضحة وصريحة:

أ- " أَمَّا إِخْوَانِي فَقَدْ غَدَرُوا مِثْلَ الْغَدِيرِ" (أي 6: 15).

ب- " وَتَحْفُرُونَ حُفْرَةً لِصَاحِبِكُمْ" (أي 6: 27).

جـ- " صَحِيحٌ إِنَّكُمْ أَنْتُمْ شَعْبٌ وَمَعَكُمْ تَمُوتُ الْحِكْمَة!" (أي 12: 2).

د- " أَمَّا أَنْتُمْ فَمُلَفِّقُو كَذِبٍ. أَطِبَّاءُ بَطَّالُونَ كُلُّكُمْ. لَيْتَكُمْ تَصْمُتُونَ صَمْتًا. يَكُونُ    ذلِكَ لَكُمْ حِكْمَةً" (أي 13: 4، 5).

هـ- " اُسْكُتُوا عَنِّي فَأَتَكَلَّمَ أَنَا، وَلْيُصِبْنِي مَهْمَا أَصَابَ" (أي 13: 13).

و-  " مُعَزُّونَ مُتْعِبُونَ كُلُّكُمْ! هَلْ مِنْ نِهَايَةٍ لِكَلاَمٍ فَارِغٍ؟" (أي 16: 2، 3).

ز - "حَتَّى مَتَى تُعَذِّبُونَ نَفْسِي وَتَسْحَقُونَنِي بِالْكَلاَمِ؟" (أي 19: 2).

حـ- " تَرَاءَفُوا، تَرَاءَفُوا أَنْتُمْ عَلَيَّ يَا أَصْحَابِي، لأَنَّ يَدَ الله قَدْ مَسَّتْنِي. لِمَاذَا تُطَارِدُونَنِي كَمَا الله، وَلاَ تَشْبَعُونَ مِنْ لَحْمِي؟" (أي 19: 21، 22).

     وأخيرًا ترك أيوب أصدقائه والتجأ بشكواه للَّه، ويمكن أن نرصد المراحل التي مرَّ بها أيوب في تجربته المريرة:

1-      حُزنه العميق وعدم تصديقه ما حدث له، واستغرق هذا عدة أيام.

2-      غضبه على الواقع المرير الذي أضحى فيه، وغضبه على المجتمع وعلى أصدقائه.

3-      الغضب تجاه الله، إذ بدأ أيوب يشعر أن الله قاضٍ قاسٍ ومُستبِد، وانهمرت أسئلة الغضب: لماذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟ (أي 7: 20، 21).

4-   التماس مُصَاِلحٌ يَضَعُ يده على أيوب وعلى الله، ليرفع الله ضربته عنه (أي 9: 33، 34).

5-      الشعور بأن الله الخالق ما زال يعمل (أي 10: 8-12).

6-      تساؤلات أيوب عن العدالة الإلهيَّة، وكيف تصمت تجاه المعاناة التي يجوز فيها.

7-      تطلع أيوب للوقت الذي يستطيع أن يعيد فيه الشركة مع الله ليهرب الحزن وتبدأ الحياة من جديد.

وجاء في " دائرة المعارف الكتابية": "لم يستطع الأصحاب إدراك أن أيوب صاحب قضية يمكنه الدفاع عنها، أو أنه يرى أبعد ممَّا يرون، فلم يكن بالنسبة لهم إلاَّ مُجرّد رجل شرير يُعذِّبه الإحساس بالذنب، وينسبون التشويش الحادث في أفكاره إلى الغضب والغيظ اللذين يعميان بصيرته، ويعرضانه للخطر... (أما أيوب) فقد اضطرب وارتعب لأن الحقائق الواضحة في ترتيب أمور العالم، تثبت بُطل كل ما يدَّعون... يرى أن الشرير ناجح وآمن وذو كرامة في حياته وموته مثل الأبرار تمامًا (أي 21: 5-19، 29-33) وعلى الأصحاب أن تكون لهم نفس رؤيته الواضحة (أي 21: 29)... ولكنهم لم يتقدَّموا خطوة واحدة نحو مستوى أيوب من الكمال، الذي لا ريب فيه، وإيمانه العميق... فقد تمنّوا بشدة أن يتكلَّم الله ويوبّخ أيوب على جرأته (انظر 11: 5، 11)"(7).

 

3- الجولة الأولى من الحوار (ص 3-14):

     ركز الأصدقاء على العدالة الإلهيَّة، وبما أن أيوب لا وزن لمصيبته وعظيمة هي بلواه، إذًا لا بد أن شرّه عظيم، وعليه أن يتوّب، وتبدأ هذه الجولة بمرثاة أيوب (ص 3) ثم يبدأ حوار الأصدقاء ورد أيوب:

أ- حوار أليفاز مع أيوب (ص 4: 5): بدأ الحوار لأنه الأكبر بين الأصدقاء، وجاءت بداية حديثه بداية رقيقة واضعًا في نفسه أن يداوي جراح أيوب كجرّاح ماهر، ولكنه لم يُوفَّق في هذا، إذ بدأ يلقي باللوم على أيوب قائلًا له: "قَدْ رَأَيْتَ: أَنَّ الْحَارِثِينَ إِثْمًا، وَالزَّارِعِينَ شَقَاوَةً يَحْصُدُونَهَا" (أي 4: 8) وقال أنه كأنه في رؤيا شاهد شبه روح يُكلِّمه بصوت منخفض قائلًا: أالإنسان أبرّ من الله..؟! وإن كان الملائكة الأطهار بالنظر إلى نقاوة الله وقداسته يُنسب لهم نوعًا من الحماقة فكم وكم الإنسان مولود المرأة؟! ثم أخذ أليفاز يوضّح لأيوب نهاية الأشرار، والخاطئ لا يجد أحد من القديسين يقف بجواره، والبلية لا تنبُت من فراغ، إنما هي ثمار الخطية، وبعد أن تحدّث أليفاز قليلًا عن عجائب الله أخذ يغبط الرجل الذي يؤدبه الرب، فالله يجرح ويعصب يسحق ويداه تشفيان، وختم حديثه ببركات لمن يمتثل لتأديبات الرب، فأنه يدخل إلى المدفن في شيخوخة صالحة.

     ويقول " القمص بيشوى عبد المسيح": "لقد صار أليفاز أرعنًا حين لم يعرف كيف يُعزّي أيوب في تعبه. فصار كقائد يحثّ جنديًا أنهكه الجهاد أن يواصل السعي بجد وقتال دون أن يوجه إليه كلمة تشجيع أو مديح على ما قام به من مجهود، أو كمثل طبيب فاشل يجرح ولا يعرف كيف يعالج... فقد جاء كلامه جارحًا دون تعزية. لقد وضع أليفاز أيوب فوق المشرحة ولكن بدون مُخدِّر كافٍ. كما أنه لم يُطهِّر المشرط"(8).

رد أيوب (ص 6، 7): لم يسترح أيوب لاتهامات أليفاز له، فأخذ يُظهِر عِظم البلايا التي حلَّت به متمنيًا الموت، فأليفاز نظر إلى حجم الضَّجَر الذي ألمَّ بأيوب ولم يلتفت إلى حجم البليّة التي حلَّت به، فأخذ أيوب يوبِّخ أصدقاؤه الذين انتظر منهم التعاطف معه والرثاء لحاله والرفق به، فإذ بهم يبكّتونه، فاحتج عليهم قائلًا: "فَهِّمُونِي فِي أَيِّ شَيْءٍ ضَلَلْتُ؟! " وأخذ أيوب يعدد بلاياه ووقوف الله ضده حتى أنه يُريعه بالأحلام ويرهبه بالرؤى، فانتقل أيوب من معاتبة أصدقائه إلى معاتبة الله ذاته متسائلًا: "أَأَخْطَأْتُ؟! مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ يَا رَقِيبَ النَّاسِ؟ لِمَاذَا جَعَلْتَنِي عَاثُورًا لِنَفْسِكَ...؟ وَلِمَاذَا
لاَ تَغْفِرُ ذَنْبِي، وَلاَ تُزِيلُ إِثْمِي؟
" (أي 7: 20، 21).

ب- حوار بِلْدَدُ مع أيوب (ص 8): لم يُعقّب أليفاز على رد أيوب، إنما ترك الأمر لبلدد الذي نزل مندفعًا لحلبة الحوار بِسِمِّه وناره، مُدافعًا عن الله بدون تبصر، فقال لأيوب: "هَلِ الله يُعَوِّجُ الْقَضَاءَ، أَوِ الْقَدِيرُ يَعْكِسُ الْحَقَّ؟! " وأشهر بلدد لسانه وطعن أيوب طعنة نجلاء إذ ذكَّرهُ بنهاية أولاده ناسبًا ذلك لشرورهم وفسادهم، مستشهدًا بأقوال الأولين: "اِسْأَلِ الْقُرُونَ الأُولَى وَتَأَكَّدْ مَبَاحِثَ آبَائِهِمْ " واستخف بلدد بدفاع أيوب، وتجاهل التماسه بالترفق به، بل اعتبره إنسانًا فاجرًا، فقال بيت الفاجر واهيٍ مثل نسيج العنكبوت، وإن كان الشرير ينجح كشجرة وارفة إلاَّ أنه يُقطع فيزول سريعًا ويتنكَّر له مكانه، ثم اجتهد بلدد لكيما ينهي حديثه بكلمات مبهجة فقال أمَّا الإنسان الكامل فيمتلئ فمه ضحكًا وشفتيه هتافًا.

رد أيوب (ص 9، 10): أقرَّ أيوب بعدالة الله وقدرته اللانهائية فهو المزحزح الجبال والمزعزع الأرض المتحكم في الشمس والنجوم، ولا أحد يستطيع أن يستجوبه ولا من يقول له ماذا تفعل؟ لذلك قال: ليس لي إلاَّ أن أسترحم الله دياني الذي يُكثِر جروحي بلا سبب، وتمسك أيوب بكماله قائلًا: "كَامِلٌ أَنَا. لاَ أُبَالِي بِنَفْسِي"، وتمنى لو أن هناك مُصالِح يصالحه مع الله ليرفع عنه عصاه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ثم بدأ أيوب يحاج الله قائلًا: " لاَ تَسْتَذْنِبْنِي. فَهِّمْنِي لِمَاذَا تُخَاصِمُنِي! أَحَسَنٌ عِنْدَكَ أَنْ تَظْلِمَ... فِي عِلْمِكَ أَنِّي لَسْتُ مُذْنِبًا، وَلاَ مُنْقِذَ مِنْ يَدِكَ". وبدأ يذكّر الله بأنه هو الذي جبله فكيف يحطمه؟! ولماذا أخرجه من الرحم حيًّا؟!، وطلب قليلًا من الراحة قبل الموت.

 

جـ- حوار صوفر مع أيوب (ص 11): وإذ كانت جراح أيوب ما زالت تدمي، فإذ بصوفر يسكب الخل على تلك الجراح المُلتهبة، فأخذ يستكمل مشوار صديقيه ويوبِّخ أيوب البار متهمًا إياه بأنه رجلٌ مِهذارٌ متصلِّف يريد أن يبرِّر نفسه، وهو يجهل عِظم حكمة الله، ويدعوه للتوبة حتى يتمتع بلطف الله، ففي (11: 2-6) يوبِّخ صوفر أيوب بازدراء، وفي (11: 7-9) يُعلي صوفر من شأن الحكمة الإلهيَّة، وفي (11: 13-14) يرسم صوفر طريق التوبة في أربع خطوات:

1- تكريس القلب،

2- التذلُّل للَّه،

3- طرح الخطية،

4- مفارقة الإثم، وفي (11: 15-19) يرسم صورة لبركات التوبة.

رد أيوب (ص 12-14): وإذ تأكد أيوب من نيَّة أصحابه بدأ يتهكّم عليهم قائلًا: "أَنْتُمْ شَعْبٌ وَمَعَكُمْ تَمُوتُ الْحِكْمَة"، وأكد أن ما يعرفونه تعرفه البهائم وطيور السماء وأسماك البحر، وأخذ يلهج بحكمة الله وقدرته وفطنته... إلخ.، فهو الذي يرفع الأمم ثم يُبدّدها. ثم أظهر أيوب نفوره من أصحابه متهمًا إياهم بأنهم منافقين وأطباء جهلة، وطالبهم بالصمت قائلًا: "لَيْتَكُمْ تَصْمُتُونَ صَمْتًا. يَكُونُ ذلِكَ لَكُمْ حِكْمَةً"، وأخذ يُعلِن ثقته في الله ويتضرّع إليه ليُعلِمه سبب بليته، فهو مجرد ورقة مندفعة أو قشة يابسة، ثم أخذ يسترحم الله، فالإنسان مولود المرأة قليل الأيام وشبعان تعبًا، وإذ مات فلن يعود للحياة كما كان ثانية.

 

4- الجولة الثانية من الحوار (ص 15-21):

     غيَّر الأصدقاء من أسلوبهم في الحديث عن الله وعدالة السماء إلى الحديث عن الإنسان، فالإنسان الشرير ينال عقابه، وهذا ما يشهد به التاريخ والحياة الحاضرة، واتهم الأصدقاء أيوب بأنه يناقض التقوى (أي 15: 4)، وأنه لا يعرف الله (أي 18: 21)، أمَّا هو فقد أكد على أن الله شاهده (أي 16: 21)، وأنه ضامنه وكفيله (أي 17: 3)، وأنه وليُّه الحيُّ (أي 19: 25). وقد جاءت أحاديث الأصدقاء في هذه الجولة الثانية من الحوار أشد وأقسى مما كانت في الجولة الأولى:

أ- حوار أليفاز الثاني ورد أيوب (ص 15-17): ظهر أليفاز أكثر تشددًا مما كان عليه، فأضاف اتهامات جديدة لأيوب، فإن أيوب يُقصِر الحكمة على نفسه، وأكد أليفاز على نفس فلسفته ونظرته، فإن الشرير يتلوى ألمًا كل أيام حياته، فقد حبل شقاوة وولد إثمًا، مؤكد أن غضب الله مُعْلَن على أيوب الشرير. أما أيوب فلم يَعُدْ يهتم بالرد على أصحابه، بل أنه فقد كل رجاء فيهم فقال لهم: "مُعَزُّونَ مُتْعِبُونَ كُلُّكُمْ!" (أي 16: 2). ثم أخذ أيوب يصوّر شقائه بسبب اضطهاد الله له، مؤكدًا على برائته، ثم أخذ يرفع دعواه للَّه ويشكو من الناس، مُظهرًا أن راحته في الموت والقبر.

ب- حوار بلدد الثاني ورد أيوب (ص 18، 19): ازداد بلدد هجومًا على أيوب، وأخذ يوبخه قائلًا له: أن الأرض لن تُهجَر من أجله، وأخذ يؤكد على أن نور الأشرار ينطفئ. أمَّا أيوب فظل يتألم من تقريع أصحابه له، وأخذ يشكو قساوتهم مطالبًا إياهم بالتراءف عليه لأن يد الله قد مسته، موضحًا أن الله له قصد من آلامه، وأن هذه الآلام ليست برهانًا على شره وخطاياه، وأنه لا بد أن تثبت براءته يومًا ما، فوليّه في السماء حيّ والآخر على الأرض يقوم، وبعد أن يُفْنَى جِلْدِه وبدون جسده يرى الله.

جـ-          حوار صوفر الثاني ورد أيوب (ص 20، 21): يُكمل صوفر ما بدأه في التركيز على المآسي التي تصيب الإنسان الشرير، وإذا نجح الشرير فنجاحه مؤقت أمَّا آخرته فرديئة. أمَّا أيوب فيؤكد أن شكواه ليست ضد أي إنسان، إنما يتوجه بشكواه للَّه لأن هناك أبرارًا يتألمون وأشرار يتنعَّمُون ولا يُجازون على شرورهم.

     ويقول " القمص بيشوي عبد المسيح": "لذلك تكلَّموا معه في الدورة الثانية من حديثهم بأشد قساوة، وكان أليفاز قويًا في ثورته ضد أيوب، لأنه كان قد جُرح في كبريائه بعدما رأى أيوب يطأ بالنعال لآلئ حكمته التي ألقاها له مع أصحابه... فاتهمه بأنه رجلٌ مهذارٌ، وبلا دين، معتد بنفسه... أما بلدد فلم يقل شيئًا جديدًا ولكنه اتهم أيوب أنه عاملهم كبهائم لا عقل لهم وكقوم أغبياء. وقد تجرد في حديثه من كل عاطفة وكأنه غض البصر تمامًا عن مرارة أيوب. لكن صوفر سكب هيجانه كالبحر في أبلغ أسلوب واتهم أيوب كرجل شرير، ظهر في النور وانكشف، وأكد أن هذا الذي ناله نصيب الإنسان الشرير من عند الله"(9).

5- الجولة الثالثة من الحوار (ص22-27): لم يكف أليفاز عن مهاجمة أيوب، متهمًا إياه بالسَّلب والنَّهب والظُّلم، بل بالإلحاد أيضًا، بينما أوجز بلدد حديثه فأخذ يتغنى بأنشودة قصيرة هادئة يُمجّد فيها الله، وانسحب صوفر رافعًا الراية البيضاء. وتصوَّر البعض أن حديث صوفر الثالث فُقد، وأن ما جاء في (أي 27: 13-22) هو جزء من حديث صوفر الثالث، ولكنها حجة واهية تفتقر للدليل. لقد آثر صوفر الصمت لأنه لم يصل إلى نتيجة، وما فعله صوفر هنا فعله أليفاز وبلدد بعد الجولة الثالثة: "فَكَفَّ هؤُلاَءِ الرِّجَالُ الثَّلاَثَةُ عَنْ مُجَاوَبَةِ أَيُّوبَ لِكَوْنِهِ بَارًّا فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ" (أي 32: 1).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) سلسلة تفسير الكتاب المقدَّس يتحدث اليوم - سفر أيوب ص 69.

(2) دائرة المعارف الكتابية جـ1 ص 409.

(3) سلسلة تفسير الكتاب المقدَّس يتحدث اليوم - سفر أيوب ص 69.

(4) دائرة المعارف الكتابية جـ2 ص 189.

(5) سلسلة تفسير الكتاب المقدَّس يتحدث اليوم - سفر أيوب ص 81.

(6) دائرة المعارف الكتابية جـ5 ص 67.

(7) دائرة المعارف الكتابية جـ1 ص 582، 583.

(8) أيوب الصديق تجاربه ونبواته ص 124.

(9) أيوب الصديق تجاربه ونبواته ص 151.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1500.html

تقصير الرابط:
tak.la/b774naf