St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1490- كيف كانت أستير تعيش في القصر الملكي ولا تعرف الأمر الصادر من الملك بإبادة شعبها (أس 3: 8-11)؟ ولماذا لم تستدعي مردخاي لتعرف سبب حزنه العميق وصرخته المُرّة (أس 4: 4-9)؟ وكيف تطلب من شعبها أن يصوم من أجل قضية خاسرة مع أن شريعة فارس لا تُنسخ؟ ولماذا لم تخبر الملك بطلبتها عندما دخلت إليه بل دعته إلى وليمتين أولًا (أس 5، 7: 1-10)؟

 

ج: 1- كانت أستير تعيش في القصر، ولكن القصر لم يعش في قلبها، ولم يكن محور اهتماماتها الانشغال بسياسة القصر، ولم تكن أستير المرأة الفضولية التي تسترق السمع لأخبار الملك ومشيريه، ولم تكن شغوفة بالمشاركة في الولائم الملكية التي تُناقش فيها عادة أمور السياسة، وهذا واضح في صلاتها: "وإني لم آكل على مائدة هامان ولا لَذذت بوليمة المَلك ولم أشرب خَمر السكب. ولم أفرح أنا أمتك منذ نُقلت إلى ههنا إلى اليوم إلاَّ بك أيها الرب إله إبراهيم" (إس 14: 17، 18)، فقد سلكت أستير سلوكًا فاضلًا كابنه لإبراهيم، وأيضًا عندما طلب هامان من الملك إبادة اليهود، لا بد أنه انفرد بعيدًا عن أعين المشيرين وغيرهم ليضمن نجاح خطته الجهنمية بإبادة شعب بأكمله، وفعلًا نجح هامان في تضليل الملك عندما صوَّر الشعب اليهودي بأنه شعب ما مجهول الهوية ليس له هدف غير الاستهانة بأوامر الملك، والتخطيط ضد المصالح الملكية، وأعطى أحشويروش هامان سُئل قلبه دون أن يتقصى الحقيقية، وحتى دون الرجوع إلى مشيريه السبعة.

 

St-Takla.org Image: When Mordecai heard of Haman’s plan to kill the Jews he tore his clothes, put on sackcloth and ashes and went around the city wailing loudly and bitterly. (Esther 4: 1-2) - Esther, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "ولما علم مردخاي كل ما عمل، شق مردخاي ثيابه ولبس مسحا برماد وخرج إلى وسط المدينة وصرخ صرخة عظيمة مرة، وجاء إلى قدام باب الملك، لأنه لا يدخل أحد باب الملك وهو لابس مسحا" (أستير 4: 1-2) - صور سفر أستير، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: When Mordecai heard of Haman’s plan to kill the Jews he tore his clothes, put on sackcloth and ashes and went around the city wailing loudly and bitterly. (Esther 4: 1-2) - Esther, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "ولما علم مردخاي كل ما عمل، شق مردخاي ثيابه ولبس مسحا برماد وخرج إلى وسط المدينة وصرخ صرخة عظيمة مرة، وجاء إلى قدام باب الملك، لأنه لا يدخل أحد باب الملك وهو لابس مسحا" (أستير 4: 1-2) - صور سفر أستير، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

2- كانت الملكة تعيش في الجناح الملكي الخاص بها، ولم يكن مسموحًا لأحد من الرجال الدخول إلى هذا الجناح، مثله مثل بيت النساء المسئول عنه خصي من الخصيان مثل "هيجَاي حَارسِ النِّسَاء" (أس 2: 8) و"شَعَشْغَازَ خَصِيِّ المَلِك حارِس السَّرَارِيِّ" (أس 2: 14) وعندما كانت أستير في فترة الإعداد قبل الدخول للملك لم يتمكن مردخاي من لقائها إنما "وكان مُرْدَخَايُ يَتَمَشَّى يومًا فَيَوْمًا أمام دارِ بَيْتِ النِّسَاء لِيَسْتَعْلِمَ عَنْ سَلاَمَةِ أستير وَعَمَّا يُصْنَعُ بِهَا"(أس 2: 11)، وعندما سمع مردخاي بإبادة شعبه شقّ ثيابه ولبس مسحًا برماد وصرخ صرخة مُرّة "وجاء إِلى قُدَّام بَاب المَلِكِ، لأَنَّهُ لا يَدْخُلُ أحَدٌ باب الْمَلِكِ وهو لابِسٌ مِسْحًا" (أس 4: 2)، وعندما وصل الخبر إلى أستير أرسلت ثيابًا لمردخاي لينزع مسحه ويرتديها فرفض، ولم تكن أستير تعرف سبب هذا الحزن والألم الذي ألمَّ بمردخاي" فدَعَتْ أستير هتاخَ، واحدًا من خِصْيَانِ الملِكِ الذي أوقَفَهُ بَيْنَ يَدَيْهَا، وأعطَتْهُ وصِيَّةً إلى مُرْدَخَاي لِتَعلَم ماذا ولماذا" (أس 4: 5).

 

3- طلب مردخاي من أستير أن تدخل للملك وتتضرّع له من أجل استدراك الأمر قبل إبادة جميع اليهود، وعندما أعلمته أستير أن كل من يدخل للملك في عزلته وهو لم يستدعه فإنه يُقتل إلاَّ إذا مدَّ له الملك قضيب الذهب، ويقول "جويس بولدوين": "كان أحشويروش محتاجًا إلى الحماية من أية محاولات تستهدف الاعتداء على حياته، وكذلك لحمايته من الإزعاج المستمر بمشاكل الرعية، وليس معنى ذلك أنه كان يجلس طول الوقت منعزلًا وحده على عرشه البهي... بل إنه كان يقيم حفلات حسب هواه يدعو إليها من يريده شخصيًا، ومع ذلك فإن زوجته نفسها لم يكن لها حق الاقتراب دون إذن مُسبّق"(1).

 

وكان مردخاي يثق أن الله لن يترك شعبه، لذلك قال لأستير: "إِنْ سَكَتِّ سُكُوتًا في هذا الوَقْتِ يَكُونُ الفَرَج والنَّجاة لليَهُودِ من مكَانٍ آخَرَ، وأَمَّا أَنْت وبَيتُ أبيكِ فَتَبِيدُونَ. ومن يعلَمُ إن كُنْتِ لوقْتٍ مثل هذا وصَلْتِ إلى المُلْكِ؟ فَقَالَت أستير أن يُجَاوَبَ مُردَخَايُ: اذهَبِ اجْمَعْ جَمِيعَ اليَهُود المَوْجُودِينَ في شُوشَنَ وصُومُوا مِنْ جهَتِي ولا تَأْكُلُوا ولا تَشْرَبُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ليْلًا ونَهَارا. وأنا أَيْضًا وجَوارِيَّ نَصُومُ كذلك. وهكذا أَدخُلُ إلى المَلِكِ خِلاَفَ السُّنَّة. فإِذا هَلَكْتُ هَلَكْتُ" (أس 4: 14 - 16) ومن الطبيعي أن هذا الصوم وتلك الصلاة موجهان لله، ولكن الكاتب الذي وضع في نفسه أن لا يذكر اسم الجلالة، ولا إلى ما يشير إليه بقدر المستطاع، لم يذكر هنا الصلاة التي رفعها شعب الله، وبينما كانت العادة هو صوم يوم واحد انقطاعي في العام، وهو يوم الكفارة العظيم، فبسبب عظم المأزق طلبت أستير من شعبها أن يصوم صومًا انقطاعيًا لا يأكلون ولا يشربون ثلاثة أيام مستمرة. لقد كان على أستير أن تخاطر بحياتها وتدخل إلى الملك، وفعلًا قبلت هذا التحدي، وهى تعلم تمامًا أن أوامر ملوك فارس لا رجعة فيها، لأن شريعة مادي وفارس لا تُنسخ، وهذا ما يقول به المنطق البشري، أمّا الله فله منطق آخر، فهو إله المستحيلات، وكان هذا بالحقيقة إيمان مردخاي وأستير، ولذلك صامت مع جواريها، ودعت الشعب كله للصوم، لكيما بهذا الصوم تطرح قضيتها أمام عدالة السماء، وهى تثق أن " قَلْبُ المَلِكِ في يد الرَّبِّ كَجَدَاول ميَاهٍ، حَيثُمَا شاء يُمِيلُهُ" (أم 21: 1).

ويقول "القمص تادرس يعقوب": "أحبت أستير شعبها، فقدَّمت حياتها للموت من أجلهم... عرّضت حياتها للهلاك بإيمان... عرفت أن الخلاص من الله فلجأت إلى الصوم والصلاة... كان لزامًا أن تدخل أستير إلى الملك، لكنها أرادت أن تدخل إلى قلبه بالله الذي وحده في يده قلب الملك (أم 21: 1) فلجأت إليه بالصوم والصلاة حتى يغير طبيعته الحجرية، ويفتح البوابة لها، فتدخل مع الرب نفسه ليخلصها مع شعبها. وفي هذا يقول "القديس أمبروسيوس": {أستير بأصوامها حرّكت الملك المتعجرف}. كما يقول "القديس أكليمنضس الروماني": {إذ كانت أستير كاملة في الإيمان عرّضت نفسها لخطر ليس بأقل (من يهوديت)، لكي تنقذ أسباط إسرائيل الاثنى عشر من هلاك أكيد. فقد توسّلت بالصوم والاتضاع إلى الله الأبدي الذي يرى كل شيء، وهو إذ رأى اتضاع روحها خلص الشعب الذي من أجله عرَّضت نفسها للموت}... وانطلقت بشجاعة للعمل قائلة: "فإذا هَلَكْتُ، هَلَكْتُ"، ليس عدم إيمان بخلاص الله، وإنما بحب مستعدة أن تهلك ليحيا الشعب، وتموت هي من أجل إخوتها، وكما يقول "القديس أمبروسيوس": {لماذا عرّضت أستير حياتها للموت ولم تخف غضب الملك المتوحش؟ أليس لكي تخلّص شعبها من الموت؟ الأمر اللائق المملوء فضيلة}... ويقول "القديس يوحنا الذهبي الفم": {أنقذت أستير كل شعب اليهود عندما أوشك على الهلاك التام باستخدامها هذه الوسيلة (الصلاة)... لقد سألت الله الرحوم أن يذهب معها إلى الملك، وقدَّمت له صلواتها، إذ قالت: "القِ في فمي كلامًا مقبولًا... ". في صلاتها كشفت أستير عن حياتها الداخلية، فقد عاشت كملكة عظيمة صاحبة مجد وكرامة، أما قلبها فكان بسيطًا للغاية لم يدخله شيء من كرامة هذا العالم وملذاته"(2).

 

4- أ - رغم أن الملك قال لأستير: "مَا هُوَ سُؤلُكِ فَيُعطَى لكِ؟ وما هي طِلبَتُكِ؟ إلى نِصْفِ الْمَمْلَكَةِ تُقْضَى" (أس 5: 6) إلاَّ أن أستير لم ترد أن الملك يشعر بأنها تضغط عليه وتستغل حبه لها، بل أرادت أن تتأكد من محبته لها، وأيضًا أن تؤكد حبها له، ولو رفض الملك دعوتها للوليمة، فبلا شك سيرفض شفاعتها في شعبها، أما إذا كان الملك يُقدّر حبها فإنه سيلبي دعوتها مرتين وسيظل يذكر طلبتها ويستجيب لها، وهذا ما حدث بالفعل، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. كما أنه خلال هذه الفترة لم تكف أستير عن التضرُّع والانسكاب أمام الله.

ب - أرادت أستير اختيار الوقت المناسب لعرض طلبتها أمام الملك، وتضمن أن يكون الملك في مزاج حسن، ولا سيما أن طلبتها هذه ضد هامان الذي يتمتع بمحبة وثقة لدى الملك، بل هو بمثابة الأب الروحي للملك. كما أن طلبة أستير ستحتاج لتراجع الملك عن قرارٍ سبق أن أصدره، أو على الأقل التحايل عليه وإبطال فاعليته.

جـ - لم تكن الخطة الإلهيَّة قد اُكتملت بعد، فلا بد أن هامان يصنع الصليب الذي يريد أن يرفع عليه مردخاي، فيُصلب هو عليه، ولا بد للملك أن يكتشف أمانة مردخاي ويكرّمه، ويأتي هذا التكريم بيد هامان حتى يكون مرارة نفس له قبل موته كما مرَّر حياة جميع اليهود، ويقول "القمص تادرس يعقوب": "لا نعرف لماذا أجّلت أستير طلبتها في وقت وعدها فيه الملك أن يهبها حتى إلى نصف المملكة، هل شعرت بشيء من الخوف فأرادت أن تستجمع شجاعتها بالصلاة طوال اليوم، أو لعلها بحكمتها لم ترد أن تتعجّل الطلب حتى لا يشعر الملك أنها قد ضغطت عليه واستغلت حبه لها؟! إنما نعرف تفسيرًا أهم أنه كان يجب أن تؤجل الحديث إلى غد حتى يمتلئ كأس شر هامان ويصنع الصليب لمردخاي (ع 14) حتى يُصلَب هو عليه. يد الله قد دفعتها للتأجيل حتى تتحقق خطة الله الخلاصية في أروع صورها، يتمجد مردخاي بمذلة هامان حيث كان ينادي قدامه في ساحة المدينة "هكذَا يُصْنَعُ للرَّجُلِ الذي يُسَرُّ المَلِكُ بأن يُكْرِمَهُ" (أس 6: 11). ويُعد هامان الخشبة لنفسه. كان تأجيل الطلب على ما يبدو بإعلان إلهي إن لم يكن بصورة ملموسة فبعمل الله في قلبها وعلى لسانها كما طلبت هي أن يعطيها كلام حكمة... وخلال هذا التأجيل أسرع الله بتمجيد مردخاي بعد أن نزع الله النوم من عيني الملك
(ص 6) وأسرع
هامان إلى إشعال النار لحرق نفسه"(3).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - أستير ص 85.

(2) تفسير سفر أستير ص 33 - 35.

(3) تفسير سفر أستير ص 39.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1490.html

تقصير الرابط:
tak.la/vqz5kcy