St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1484- ما معنى "وكان الشُّرْبُ حَسبَ الأَمْرِ. لم يَكُنْ غَاصِبٌ" (أس 1: 8)؟ وهل يُعقل أن ملكًا عظيمًا مثل أحشويروش يعرض زوجته أمام المدعوين للوليمة ليروا جمالها؟ وكيف تعصى "وشتي" أمر ملك فارس ولا تخشى بطشه (أس 1: 10-12)؟

 

ج: 1- جاء في السفر "وكانَ الشُّرْبُ حَسَبَ الأَمْرِ. لَمْ يَكُنْ غَاصِبٌ، لأَنَّهُ هكذا رَسَمَ المَلِكُ على كُلِّ عظيم في بَيْتِهِ أن يَعْمَلُوا حَسَبَ رضَا كُلِّ واحِدٍ" (أس 1: 8) ففي هذه الوليمة الملكية قُدمت الخمور الملكية بأنواعها المختلفة وبكميات كبيرة جدًا بحسب كرم الملك وغناه، حتى أن أواني الشرب كانت جميعها من ذهب مختلفة الأشكال، وترك الملك الحرية لكل شخص من المدعوين أن يشرب ما يريد بلا حساب، فيقلل منها أو يكثر حسب طاقته وحسب رغبته، وحتى يظل كل شخص محتفظًا بتوازنه في حضرة الملك، فلا يفقد المدعوين وعيهم، ويقول "جويس بولدوين": "بينما يرى كل من "هيرودوت" و"أكسينوفون" أنه كان هناك قانون يقضي بأنه حينما يشرب الملك فعلى الجميع أن يشربوا، لكن يوسيفوس عند روايته للقصة قال أن الملك أعطى أوامره للخدم أن لا يغصبوا أحدًا على الشرب -باستمرار تذويدهم بالخمور كما كانت العادة الفارسية- بل أن يسمحوا لكل واحد أن يستمتع بنفسه كما يتراءى له... لقد كان الملك مسرفًا في تخزين الخمور في سراديب قصيرة وكذلك في الاستعانة بالخدم"(1).

 

2- شرب أحشويروش الخمر بكثرة حتى دارت الخمر برأسه، فعوضًا عن أن يحفظ زوجته من أعين الأشرار أراد أن يكشفها أمام الجميع ليتباهى بجمالها أمام المدعوين، ومما يزيد من بشاعة هذا الأمر أنه لم يكن من عادة النساء حينذاك الاختلاط بالرجال، كما لم يكن من عادة النساء الظهور سافرات أمام الرجال، ولهذا صنعت وشتي وليمة منفردة للنساء (أس 1: 9)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لقد فقد الملك أحشويروش وقاره واتزانه ووعيه، بينما كان يجب عليه أن يحافظ على مهابة ووقار وجلال مركزه كملك عظيم يحكم 127 كورة، ولا سيما أن كلمة الملك نافذة مهما كانت صالحة أو شريرة، فأي قرار يتخذه وهو في هذه الحالة فغالبًا ما يفتقد الدقة والحكمة، ولذلك قال "لموئيل" ملك مسا: "ليسَ لِلمُلُوك يا لَموئِيلُ ليس للْمُلُوك أَنْ يَشْرَبُوا خَمْرًا ولا لِلعُظماء المُسكِرُ. لِئَلاَّ يشرَبُوا ويَنْسوا المَفْرُوض ويُغَيِّروا حُجَّةَ كُلِّ بني المذَلَّة"(أم 31: 4، 5) فالسكير ينطق قلبه بأمور ملتوية (أم 3: 33). ولهذا نطق أحشويروش بأمرٍ ملتويٍ، فأساء إلى نفسه كزوج من المفروض أن يحفظ لزوجته كرامتها، وأساء إلى وشتي إذ وضعها في موقف حرج جدًا، فإما تطيع الملك وتعرض جمالها للحاضرين، وإما تحتفظ بوقارها وحشمتها وتدفع ثمن ذلك مركزها وربما حياتها.

 

3- معنى "وشتي" بالفارسية القديمة "محبوبة" وبالفارسية الجديدة "جميلة" أو "بديعة" و"وشتي" في الغالب ليست اسمًا بل لقبًا، وقد فضّلت وشتي في شجاعة نادرة أن تحفظ كرامتها ووقارها مهما كان الثمن الذي ستدفعه سواء خلعها من مركزها أو قتلها، فقد جاء طلب الملك مخالفًا للأعراف والتقاليد مهينًا له ولزوجته، ولذلك عندما عصت وشتي أمر الملك، فأنها في الحقيقة أرادت أن تحفظ ليس كرامتها فقط، بل وكرامة زوجها أيضًا، لأن كرامة الزوجة من كرامة الزوج، ويشبّه "هربرت لوكير" هذا الطلب الملكي من ظهور وشتي في حفلة الرجال بدخول امرأة عارية تمامًا إلى حفل الرجال(2).

 فموقف الملكة وشتي هو في الحقيقة موقف مُشرّف جدًا، فقد مثَّلت وشتي الفضيلة في أعظم صورها، والشجاعة في اسمي معانيها، واحترام النفس مهما كان الثمن، ولذلك لم ترضِ وشتي غرور الملك هو وأصحابه السكارى، بل رفضت أن تكون سلعة تُعرض أمام المدعوين، وبعد أن عاد الملك إلى رشده وقد خلع وشتي عن أن تكون ملكة وزوجة له، وبعد عودته من حرب اليونان منهزمًا، استبد به الحنين لمحبوبته وشتي "بعد هذه الأُمُورِ لَمَّا خَمِدَ غَضَبُ الْمَلِكِ أَحَشْوِيرُوشَ، ذَكَرَ وَشْتِي وما عَمِلَتْهُ وما حُتِمَ به عَلَيْهَا"(أس 2: 1)، ولكن لأن أوامر ملوك فارس لا تنسخ لذلك استحال عليه أن يرجعها ثانية إلى مكانتها الأولى.

 

4- يقول المتنيح "القمص يوحنا حنين": "وشتي الشخصية المتألقة في سفر أستير. استطاعت أن تضحي في شجاعة بمركزها كملكة عندما رفضت طلب زوجها المخمور أن تعرض وجهها الجميل أمام العيون الشهوانية للسكارى في حفل الملك أحشويورش. لقد فضّلت وشتي الطرد والانصراف من القصر من أن تعرض نفسها في حفل الخمر، حتى لو أمر الملك... أراد (الملك) أن يُظهر للضيوف أعز ما يملك وهى زوجته وشتي التي كانت أجمل سيدة في المملكة... كان طلب أحشويروش الملك امتهانًا لكرامة سيدة شرقية، لذلك لم تستجب وشتي لطلب زوجها، لأنها لم تكن خليعة ولا تافهة... إنها تعلم أن التقليد الفارسي ينص أن الملكة تعتزل الحفلات التي تقدم فيها الخمور بحرية، وكانت وشتي سيدة فاضلة وتعلم أن زوجها هو وحده المصرح له أن يتطلع إلى جمالها وحسن منظرها، وأن التقليد الملكي الفارسي يمنع ظهورها أمام الضيوف وهم مخمورون، وأن كرامتها ستُهان بظهورها بالملابس الملكية أمام الكبار والصغار الموجودين في شوشن القصر، لذلك أبت أن تطيع أمر الملك وتحضر الحفل على يد الخصيان. لقد احترمت نفسها وحفظت كرامتها كملكة عندما رفضت طلب أحشويروش... وشتي خلعت تاج المُلك ولم تخلع تاج فخر الأنوثة، اختارت العزل أفضل من المهانة. لقد أماتت شهوة المجد الملوكي واحتفظت بكرامتها، ورفضت الأمر الذي يجرح مشاعرها"(1).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) الشخصيات النسائية في الكتاب المقدَّس ص 364 - 366.

(2) راجع نساء الكتاب المقدَّس ص 213.

(3) التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - أستير ص 61.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1484.html

تقصير الرابط:
tak.la/qnwc49k