St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1478- كيف يعتبر سفر أستير مُوحى به من الله ولم يُذكَر فيه اسم الجلالة قط؟

 

يقول "علاء أبو بكر": "من هو النبي الذي أوحى إليه سفر أستير؟".

لا أحد يعلم. فقد ذكر الدكتور القس منيس عبد النور في كتابه شبهات وهمية حول الكتاب المقدَّس ص181: (قال يوسيفوس المؤرخ اليهودي أن الكاتب مُردخاي الذي ربى أستير ابنة عمه، وأنه كتبه ليُحفَظ بين أنبيائه في سجلات مملكة فارس، ولم يُذكر فيه اسم الله لأنه كان يعلم أن الفارسيين سيستبدلون اسم الله بِاسم أصنامهم. واستند بعض مفسري اليهود إلى ما جاء في (أس 9: 20) "وكتب مُردخاي هذه الأمور" وقالوا أن الكاتب هو مُردخاي، الذي صار الرجل الثاني في مملكة الملك أحشويروش، والحقيقة هي أنه لا يمكن أن يجزم أحد بِاسم النبي الذي استخدمه الله ليكتب سفر أستير).

وعندما نُحلّل إيمان الدكتور القس بما قاله من أن هذا السفر لم يُذكر فيه اسم الله لعلم أستير أن الله لم يتعهد بحفظ كتابه، وعلى ذلك فسيقوم الفارسيين بتحريف هذا الكتاب، ووضع أسماء أصنامهم بدلًا من اسم الله، ولا يمكن أن يتم هذا إلاَّ إذا كان قد أُوحيَ إلى أستير أن هذا سوف يكون حال كتاب الرب، أو تصرف أستير من نفسه (يقصد نفسها)، فيكون له (يقصد لها) علم وخبرة بما حدث من قبل لكتب الرب، ولكان هو نفسه (يقصد هي نفسها) من المحرفين!!

وهذا يلفت نظري في هذا الكلام أن هذا الكتاب قد سقط عنه التواتر الذي يثبت صحته، حيث به أسفار مجهولة المصدر، ولا يُعرَف نسبتها حتى الآن بين علماء الكتاب المقدَّس.

وإن هذا النبي المجهول الذي يُغزي إليه كتابة هذا السفر لم يكن أمينًا، لأنه حذف اسم الله من كتاباته، وهذا اعتراف غير مباشر من السيد الدكتور بالتحريف المتعمد. وقد صدق الرب على كلامه، فقد قال وأبقى على اعترافات صريحة بتحريف الكتاب المقدَّس منها:

1- "كيْفَ تَقُولُونَ نَحْنُ حُكَمَاءُ وشَريعَةُ الرَّبِّ معنا؟ حَقًّا إنَّهُ إلى الكَذب حَوَّلها قلَمُ الكَتَبَةِ الكَاذب" (إر 8: 8).

2- "الله أفتَخرُ بكلامِهِ. على الله تَوَكَّلْتُ فلا أخاف. ماذا يَصنَعُهُ بي البَشر؟ اليَوم كُلَّه يُحَرِّفُون كلامي. عليَّ كُلُّ أفكارهم بالشَّرِّ"(مز 56: 4، 5).

3- "هأَنَذَا على الذينَ يَتَنَبَّأُون بأحلام كاذبَةٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، الذين يَقُصُّونَهَا ويُضلُّون شعبي بأكاذِيبِهِمْ ومُفَاخَرَاتِهمْ وأنا لم أُرسلهُمْ ولا أمرْتُهمْ... "(إر 23: 32).

4- "هكذا تَقُولُونَ الرَّجُلُ لصَاحِبِهِ والرَّجُلُ لأخيه: بماذا أَجَابَ الرَّبُّ؟ وماذَا تَكَلَّمَ به الرَّبُّ؟ أمَّا وحيُ الرَّبِّ فَلا تذْكُرُوهُ بعدُ لأَنَّ كَلمَةَ كُلِّ إنسَان تَكُونُ وحْيَه،ُ إذ قد حرَّفْتُمْ كلام الإِله الحيِّ ربِّ الجُنُود إلهنا"(إر 23: 35، 36).

ويقول الدكتور منيس عبد النور تعليقًا على خلو سفر أستير من اسم الله ص 181: (ويكشف السفر كيف أن الله يدير الكون ليحقق مقاصده السامية، وكيف ينفذ البشر إرادته الصالحة إن طوعًا وإن كرهًا).

ومعنى هذا أن الإنسان مسيَّر وليس مخيَّر، وعلى ذلك فإن آدم وحواء بريئان من الخطية الأزلية، ويكون تضحية الرب بابنه من الأعمال الإرهابية التي يجب أن تُحذف من الكتاب لسذاجتها وعدم موضوعيتها، وعلى ذلك فإن يعقوب قد أخطأ خطأ كبيرًا في حق كل البشرية. حيث آتته فرصة كبيرة لقتل هذا الإله الإرهابي بعد أن ضربه، وضيَّع هذه الفرصة وتركه يصعد مرة أخرى إلى عرشه (تك 32: 22 - 30) وعلى ذلك يكون حساب الرب لنا في الآخرة من الظلم البين لأن البشر لم ينفذوا إلاَّ إرادته، وأن كل شر يحدث في العالم فهو من أعمال الرب. وعلى ذلك فإن كل الملايين الذين ماتوا في الحروب فهو كان بإرادة الرب!! فهل مازلتم تطلقون على الرب أنه إله المحبة"(1).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: دعنا يا صديقي نجيب أولًا على محور السؤال الأساسي وهو: لماذا لم يذكر الكاتب اسم الجلالة في السفر؟ ثم نفند ثانيًا ما جاء به الناقد من نقد كتابي.

 

أولًا: لماذا لم يذكر الكاتب اسم الجلالة في السفر؟

1- كان وقت السبي البابلي بالنسبة لأهل يهوذا وقت جفاف روحي، فتعرّضوا للضعف الروحي الشديد وكادوا يفقدون هويتهم، ولم يعودوا يذكرون اسم الله، فالذين كانت لديهم بقية من الغيرة المقدَّسة قد عادوا إلى أورشليم في الفوج الأول بقيادة زرُبَّابل، أما الذين ظلوا في أرض السبي فارتبطوا بهذه الأرض الغريبة التي تاجروا فيها وربحوا وبنوا بيوتًا وغرسوا بساتين وقد ضعف حنينهم لأورشليم مدينة الله العلي.

St-Takla.org Image: A law was made and read aloud throughout the land that all wives must honour and obey their husbands. (Esther 1: 21-22) - Esther, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "فحسن الكلام في أعين الملك والرؤساء، وعمل الملك حسب قول مموكان. وأرسل كتبا إلى كل بلدان الملك، إلى كل بلاد حسب كتابتها، وإلى كل شعب حسب لسانه، ليكون كل رجل متسلطا في بيته، ويتكلم بذلك بلسان شعبه" (أستير 1: 21-22) - صور سفر أستير، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: A law was made and read aloud throughout the land that all wives must honour and obey their husbands. (Esther 1: 21-22) - Esther, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "فحسن الكلام في أعين الملك والرؤساء، وعمل الملك حسب قول مموكان. وأرسل كتبا إلى كل بلدان الملك، إلى كل بلاد حسب كتابتها، وإلى كل شعب حسب لسانه، ليكون كل رجل متسلطا في بيته، ويتكلم بذلك بلسان شعبه" (أستير 1: 21-22) - صور سفر أستير، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

2- أراد الكاتب أن يوجّه هذا السفر ليس لليهود فقط بل لملوك وعظماء فارس أيضًا، حتى لا يفكر أحد ثانية في إبادة اليهود، ولذلك حرص على أن يخلو سفره من اسم الجلالة، حتى يقبله الجميع يهود وغير يهود، ولئلا يتجرأ أحد ويضع اسم آلهة فارس عوضًا عن اسم الإله الحقيقي إله إسرائيل. وربما تحاشى الكاتب ذكر اسم الله، لأن هناك دماء كثيرة سُفكت في هذا السفر، فلئلا يربط الأمميون بين هذه المجازر وبين اسم الله، لذلك فضل أن لا يذكر اسم الله على الإطلاق، ويقول "القس أنجيلوس المقاري" عن الكاتب: "ربما هو لم يذكر اسم الله في هذا العالم لكي لا يربط الأمم بين ما حدث من مجازر وقتل، وبين اسم الله فيُعثروا ويظنوا أن الله وراء هذا الانتقام وسفك الدم. ومن هذا المنطق أيضًا لم يذكر شيء عن أورشليم والهيكل وما شابه من طقوس حتى لا يتم الربط بينها وبين هذا القتل وكأنه بأسلوب آخَر يقول إن كان هذا قد حدث فأنا أتحمله مع أستير... أما بقية اليهود ومعهم إله اليهود فلا تقحموهم في الأمر"(2).

3- قَبِلَ اليهود السفر وأقرُّوا قانونيته، وفي مجمع جامينا 90 م. أُحتسب ضمن الأسفار القانونية بلا عائق، وقبلت الكنيسة السفر كسفر قانوني مُوحى به من الله، وبالرغم من أن اسم الله لم يُذكَر في السفر مباشرة، ولكن السفر قدم صورة رائعة عن رعاية الله لشعبه، فيد الله واضحة تمامًا في مجرى الأحداث، فهو الذي أعطى نعمة لفتاة يهودية غريبة يتيمة الوالدين لكي تصبح ملكة، وهو الذي وفَّق مردخاي لاكتشاف مؤامرة الخصيين لاغتيال الملك، وعندما صام الشعب وصرخوا... لمن؟ بلا شك لإلههم الذي استجاب لهم سريعًا، وهو الذي سمح أن يتعرض الملك للأرق ليكتشف أنه لم يكافئ مردخاي الذي أنقذ حياته، فكرَّمه تكريمًا كبيرًا وهو الذي حوَّل قلب الملك تجاه أستير التي حملت رأسها على كفها ودخلت إليه في وقت محظور على أي أحد الاقتراب منه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. كما أن قول مردخاي لأستير: "إن سَكَتِّ سُكُوتًا في هذا الوقْت يَكُونُ الفَرَجُ والنَّجاة لِليَهُود من مكَانٍ آخَرَ"(أس 4: 14) وهنا معنى خفي لله، لأن عبارة "مَكَانٍ آخَرَ" في الأصل العبري تحمل ضمنًا معنى "إن أُغلقت الأبواب فسوف يفعل الله"، وقال "متى هنري": "إن لم يكن اسم الله مكتوبًا هناك فإن إصبعه هناك". والحقيقة أن كل من يقرأ السفر يزداد إيمانًا بالله الذي يرعى شعبه، حتى وإن ظلوا في أرض السبي ولم يعودوا إلى أورشليم فهو أمين من جهتهم.

4- جاء اسم الله في تتمة السفر: "وقال مَرْدَخَايُ إنَّ هذا كُلَّهُ إنَّما كان من قِبَلِ الله" (أس 10: 4)، وفي صلاة مردخاي: "فَأَمَّا مردَخَايُ فَتَضَرَّعَ إلى الرَّبِّ مُتذَكِّرًا جَمِيعَ أَعمَاله. وقال اللَّهُمَّ أيُّها الرَّبُّ المَلِكُ القَادِرُ على الكُلِّ إذ كُلُّ شَيءٍ في طَاعَتِكَ، وليس من يُقَاوم مَشيئَتَكَ... أنت صنَعْتَ السماء والأرض وكلَّ ما تَحتَ السموات. أنْت ربُّ الجَمِيعِ وليس مَنْ يُقَاوِمُ عزَّتَك"(أس 13: 8 - 11)، وفي صلاة أستير: "لا تُسلِّمْ أيُّها الرَّبُّ صَولَجَانَك إلى من ليسُوا بشيءٍ لئَلاَّ يضْحكُوا من هلاكنَا... اُذكُرنا يا رب واستَعلن لنا في وقت ضَنكنَا وهبنِي ثِقَةً أَيُّهَا الرَّبُّ مَلِكُ الآلِهَةِ وَمَلِكُ كُلِّ قُدْرَةٍ" (أس 14: 11، 12)، وقبل دخول أستير إلى الملك: "دعتْ مُدَبِّرَ ومُخَلِّص الجَمِيعِ الله.." (أس 15: 5).

 

ثانيًا: تفنيد أقوال الناقد:

1- الذي قال: "إن الفارسيين سيستبدلون اسم الله بِاسم أصنامهم" هو يوسيفوس المؤرخ اليهودي، وهذا هو استنتاجه، وليس هذا فكر الوحي الإلهي. إذًا قول الناقد: "لا يمكن أن يتم هذا إلاَّ إذا كان قد أوحي إلى أستير أن هذا سوف يكون حال كتاب الرب" قول خاطئ، وذلك لعدة أسباب:

أ - لم يكن هناك وحي لأستير الملكة أخبرها بأن هذا سوف يكون حال كتاب الرب.

ب - إن الكاتب بحسب مفهوم يوسيفوس هو مردخاي وليست أستير.

ج - خلط الناقد الحابل بالنابل، حتى أنه تحدث عن أستير بصيغة المذكر، وهذا يعكس سطحية التفكير إلى حد كبير... فإنسان لا يعرف إن كانت أستير أنثى أم ذكرًا هل نثق في أقواله؟!

2- قول الناقد: "إن هذا الكتاب قد سقط عنه التواتر الذي يثبت صحته، حيث به أسفار مجهولة المصدر" قول جانبه الصواب لسببين:

أ - بينما يناقش الناقد موضوع كاتب سفر أستير، يطعن في الكتاب المقدَّس ككل مدعيًّا أنه سقط عنه التواتر، وهذا مجافٍ للحقيقة تمامًا، فالأسفار المقدَّسة قد حُدّدت بدقة سواء عن طريق علماء اليهود أو الكنيسة، ولم يُقبل سفر ما إلاَّ بعد التأكد تمامًا من قانونيته، أي أنه سفر مُوحى به من الله، وبالتالي فهو معصوم من أي خطأ أو شائبة، ولذلك هناك أسفار عديدة رُفِضت ودُعيت بأسفار أبوكريفا أي المنحولة أو المزورة، ومن اليوم الذي قبِل فيه اليهود الأسفار المقدَّسة ثم الكنيسة، فقد حافظ هذا وذاك على هذه الأسفار الخالدة أكثر من حفاظهم على أولادهم، وقال القرآن: "الذين أتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" (البقرة 146)... "قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل"(المائدة 68).

ب - يقول الناقد أن الكتاب: "به أسفار مجهولة المصدر، ولا يُعرف نسبتها حتى الآن بين علماء الكتاب المقدَّس"، ولم يذكر أن اليهود عندما قبلوا أسفار العهد القديم في حينها كان معلومًا لديهم كتبة هذه الأسفار، فالمعايير الخمسة التي أُحتسب على أساسها السفر قانونيًا من عدمه، هي معرفة الكاتب، وأنه رجل الله، وإن هذا السفر خالٍ تمامًا من أية أخطاء أو أكاذيب أو تناقضات، وأنه يحمل كلمة الله الفعَّالة التي تؤثر في النفس البشرية، وقبول المعاصرين للكاتب للسفر الذي كتبه.

3- قول الناقد: "وإن هذا النبي المجهول الذي يُعزى إليه كتابة هذا السفر لم يكن أمينًا، لأنه حذف اسم الله من كتابه، وهذا اعتراف غير مباشر من السيد الدكتور (منيس عبد النور) بالتحريف المتعمد"، وهذا أيضًا قول غير حقيقي لسببين:

أ - لأن الكاتب من الأصل لم يذكر اسم الجلالة في كتابه، أي أن السفر لم يكن مكتوبًا فيه اسم الله ثم قام الكاتب أو غيره بحذفه، فهذا قول غير منطقي وغير معقول على الإطلاق، وليّ للحقيقة.

ب - لا تعترف اليهودية ولا المسيحية بالوحي الميكانيكي الإملائي، فلم يقف ملاكًا ليملي الكاتب السفر كلمة كلمة وعبارة عبارة، فسجل الكاتب ما يروق له ولم يسجل ما لم يرق له، وبذلك صار هناك تحريف متعمد من الكاتب. إنما كان الوحي الإلهي يرافق الكاتب منذ اللحظة الأولى التي يكتب فيها كلمة الله، يرشده وينير ذهنه، ويعصمه من الخطأ تمامًا، ويعرّفه ما غمض عليه، ويضع على فمه النبوات التي ربما لا يثبر أغوارها، ويساعده على انتقاء الألفاظ. وفي كل هذا يترك له حرية التعبير عن كلمات الله بأسلوبه الخاص، فمعنى الوحي الإلهي أن كلمات الله قد عبرت بالذهن البشري فاكتسبت لغة وثقافة وأسلوب الكاتب.

4- قول الناقد أن الرب أبقى على اعترافات صريحة بتحريف الكتاب من خلال عدة آيات وهى (مز 56: 4، 5، إر 23: 32، إر 23: 35: 36) فقد سبق توضيح المغزى الحقيقي لهذه الآيات فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ 5 س 314.

5- قال "الدكتور القس منيس عبد النور": "ويكشف السفر كيف أن الله يدير الكون ليحقق مقاصده السامية، وكيف ينفذ البشر إرادته الصالحة إن طوعًا أو كرهًا" وعلّق الناقد على هذا قائلًا: "ومعنى هذا أن الإنسان مسيَّر وليس مخيَّر، وعلى ذلك فإن آدم وحواء بريئان من الخطية الأزلية، ويكون تضحية الرب بابنه من الأعمال الإرهابية التي يجب أن تُحذف من الكتاب لسذاجتها وعدم موضوعيتها... وعلى ذلك يكون حساب الرب لنا في الآخرة من الظلم البين لأن البشر لم ينفذوا إلاَّ إرادته، وإن كل شر يحدث في العالم فهو من أعمال الرب".

وهنا نلاحظ أن الناقد تغافل الآتي:

أ - إن الإنسان مُخيَّر في أمور ومُسيَّر في أمور أخرى، فهو مُسيَّر ولا يد له في الأرض التي وُلِد فيها والأسرة التي انحدر منها، وجنسه سواء ذكرًا أو أنثى، وهيئته ولون بشرته، وطوله أو قصره، واللحظة التي يغادر فيها هذا العالم، بينما هو حر مُخيَّر في تصرفاته وسلوكه وأقواله وأفكاره، وهذه الحرية الشخصية التي منحها الله للإنسان هي أغلى شيء في الوجود، حتى أن أحد الأدباء قال: "لو إنك فقدت كل شيء ماعدا الحرية، فأنت لا تزال غنيًا!" وهب الله الإنسان الحرية الشخصية ومنحه العقل ليميز ويزن الأمور في ضوء الوصية الإلهية، وبإرادته الحرة يختار أي طريق يسلك... طريق الملكوت أم طريق آخر. ولأن الإنسان حرّ لذلك أعطاه الله الوصية، ووضع له الدينونة فيكافأ الإنسان أو يجازى بحسب أعماله، يوم أن نقف جميعًا أمام الديان العادل.

ب - إن إرادة الله نافذة سواء أراد الإنسان أم أبى، ليس بمعنى أن الله يدفع الإنسان نحو الخطأ، ولكن بمعنى أن الله بعد أن يطيل أناته على الخاطئ المعاند يحجب عنه نعمته، فيسقط في أحابيل الشيطان، وبذلك يكون الإنسان المُصر على شره هو الذي سلَّم نفسه للشر.

ج - إن الناقد يهاجم نظرية القدرية التي يؤمن بها، حيث يؤمن أن كل ما يحدث في حياة الإنسان من خير أو شر هو قضاء وقدر، حتى أن المجرم الذي يقتل أبيه يقول هذا قضائي وقدري وهذه إرادة الله، ولو لم تكن إرادة الله ما ارتكبت هذا الجرم، فأنه مُقدَّر لي أن أقتل أبي، ومُقدَّر لأبي أن تنتهي حياته بيدي، وبذلك يُحمّل الشرير مسئولية ارتكابه الشر لله، وحاشا لله هذا... فأين حرية الإرادة التي وهبها الله للإنسان..؟! كان لآدم وحواء الحرية الكاملة في طاعة الله أو عصيانه "ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكُلا من حيث شئتما" (الأعراف 19)، وعندما أخطأ آدم وحواء تحملا عقوبة خطيتهما. ثم لماذا استخدم الناقد اسم "حواء" مع أنه لم يرد في القرآن قط، إنما دعاها "زوج آدم"... "وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكُلا منها رغدًا" (البقرة 35). وأيضًا قول الناقد "الخطية الأزلية" خطأ شنيع، لأن معنى الأزلي أي ما ليس له بداية، ولا أزلي إلاَّ الله وحده، فكيف يساوي الناقد بين الله والخطية في الأزلية؟!

د - قول الناقد عن عمل الفداء الإلهي أنه عمل إرهابي، لا يتسع المجال هنا للرد عليه، ولكن يمكن للقارئ الرجوع إلى كتابنا: أسئلة حول الصليب، والذي تناولنا فيه هذه القضية بالتفصيل في نحو خمسمائة صفحة.

1- قال الناقد: "فإن يعقوب قد اخطأ خطئًا كبيرًا في حق كل البشرية، حيث آتته فرصة كبيرة لقتل هذا الإله الإرهابي بعد أن ضربه، وضيع هذه الفرصة وتركه يصعد مرة أخرى إلى عرشه" وهو يقصد بهذا مصارعة يعقوب مع الله، وقد سبق تناول هذا الموضوع بالتفصيل وأوضحنا أن هذا كان هدفه رفع الروح المعنوية المتدنية ليعقوب، ولكن يعقوب أدرك أنه أمام الله فلم يتركه حتى باركه، ويُرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ 5 س 517.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 1 س364 ص 247 - 249.

(2) شرح وتفسير سفر أستير ص 20.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1478.html

تقصير الرابط:
tak.la/979qdak