St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1442- هل كان سفرا عزرا ونحميا سفرًا واحدًا؟ ومن هو كاتبهما؟ ومتى تمت كتابتهما؟ وبأي لغة كُتبا؟

 

ج: أولًا: سفرا عزرا ونحميا: كما كان كل من سفري صموئيل سفرًا واحدًا، وأيضًا سفري الملوك سفرًا واحدًا، وسفري الأخبار سفرًا واحدًا، هكذا كان سفري عزرا ونحميا سفرًا واحدًا، وهذا ما أوضحه التلمود اليهودي في "بابا باترا" Baba Bathra 15 a إذ نسب لعزرا الكاهن كتابة كل من سفري الأخبار، وسفري عزرا ونحميا، وهذا ما أقرَّه أيضًا يوسيفوس المؤرخ اليهودي، وميلتيوس أسقف ساردس. وعندما تمّت الترجمة اليونانية ظل سفرا عزرا ونحميا سفرًا واحدًا، ودُعيا بِاسم "أسدراس ب" (عزدراس ب) ويخص سفر عزرا، و"أسدراس جـ" (عزدراس جـ) ويخص سفر نحميا، وأول من ميَّز بين السفرين هو العلامة أوريجانوس (185 - 253 م) فأطلق عليهما عزرا الأول، وعزرا الثاني. وفي الترجمة اللاتينية (الفولجاتا) التي قام بها القديس جيروم، أطلق على السفر الأول "أسدراس (1)" Esdree I (عزدراس الأول) وأطلق على السفر الثاني "أسدراس (2)" Esdree II (عزدراس الثاني). أما في العهد القديم باللغة العبرية فقد ظل السفران سفرًا واحدًا حتى سنة 1448م، وظهر تقسيم السفر لأول مرة في تلك السنة.

 

St-Takla.org Image: Esdras-Ezra was a Jewish priestly scribe who led about 5000 Israelite exiles living in Babylon to their home city of Jerusalem in 459 BCE. - from Promptuarium Iconum Insigniorum book, 1553. صورة في موقع الأنبا تكلا: عزرا الكاهن ابن سرايا - من كتاب برومبتواريوم أيكونوم إينسينيوروم لصور الشخصيات، 1553 م.

St-Takla.org Image: Esdras-Ezra was a Jewish priestly scribe who led about 5000 Israelite exiles living in Babylon to their home city of Jerusalem in 459 BCE. - from Promptuarium Iconum Insigniorum book, 1553.

صورة في موقع الأنبا تكلا: عزرا الكاهن ابن سرايا - من كتاب برومبتواريوم أيكونوم إينسينيوروم لصور الشخصيات، 1553 م.

ثانيًا: كاتب السفرين: 1- ثار جدل حول عما إذا كان عزرا هو كاتب سفري الأخبار وسفري عزرا ونحميا، واستبعد البعض هذا، فمثلًا في سنة 1977م أصدر "هـ. ج. وليامسون" كتابه "إسرائيل في سفريّ الأخبار" وقال أنه بالرغم من تشابه الأسفار الأربعة مع حقبة ما بعد السبي، لكن هناك اختلافات واضحة بين سفري الأخبار من جهة، وسفري عزرا ونحميا من جهة أخرى، فمثلًا:

أ - الأسماء الواردة في كل منهما مختلفة، فالأسماء المطولة التي تنتهي بحرف الألف ترد 50 مرة في سفري عزرا ونحميا، بينما لا وجود لهذه الأسماء في سفري الأخبار، والأسماء التي تشمل اسم "ياهو" أو "يو" أو "ياه" تجدها بكثرة في سفري الأخبار، بينما تظهر في سفري عزرا ونحميا وهى تنتهي بـ"ياه".

ب - في سفري عزرا ونحميا يظهر مدى ضجر وغضب كل من عزرا ونحميا من الزيجات المختلطة، بينما لا يظهر ذلك في سفري الأخبار، بل أن كاتب سفري الأخبار لا يتعرض لزيجات سليمان العديدة من الأجنبيات.

ج - في سفري عزرا ونحميا تظهر الآثار الخطيرة من جراء الغرباء الذين أسكنهم ملوك آشور في إسرائيل مثل "سنبلط"، ولا نجد أثر لهذا في سفري الأخبار.

د - جاء ترتيب أخبار الأيام تاليًا لسفري عزرا ونحميا، والمبرّر المقنع لهذا أن سفري الأخبار كتبا بعد سفري عزرا ونحميا، أما الذين يقولون أن سفري الأخبار لم يدرجا ضمن الأسفار القانونية في البداية لتشابهما مع ما جاء في سفري صموئيل وسفري الملوك، فيبدو أن هذا سبب غير مقنع، لأن هناك أمورًا تشابهت أكثر من هذا مثل تطابق الأصحاح التاسع عشر من سفر الملوك الثاني مع الأصحاح السابع والثلاثين من سفر إشعياء، وكليهما ورد في الأسفار المقدَّسة، وأيضًا الأصحاح الحادي والثلاثين من سفر صموئيل تكرر في الأصحاح العاشر من سفر أخبار الأيام الأول.

ولكن علماء الكتاب المقدَّس أكدوا أن الذي كتب سفري عزرا ونحميا هو عزرا الكاهن الذي كتب سفري أخبار الأيام، وقيل أنه بدأ بكتابة هذا السفر في بابل وأكمله في أورشليم، وهناك أدلّة قوية على أن كاتب سفري عزرا ونحميا هو عزرا الكاهن، نذكر منها الآتي:

أ - ما انتهى به سفر أخبار الأيام الثاني (2أي 36: 22، 23) بدأ به في سفر عزرا بنفس النص (عز 1: 1 - 3) مما يؤكد أن الكاتب واحد.

ب - استخدم الكاتب أسلوب المتكلِّم في عدة مواضع بالسفر (عز 7: 27 - 9: 15) كما أشار السفر إلى أن عزرا كاتب ماهر في شريعة الرب (عز 7: 6، 11، 12، 21، نح 8: 2، 13).

ج - هناك سمات مشتركة بين سفري عزرا ونحميا، وسفري أخبار الأيام مثل الاهتمام بسلاسل الأنساب (عز 2، 8: 1 - 20، 10: 18 - 43) و(1أي 1 - 9، 24 - 27)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. كما اهتم كاتب سفري عزرا ونحميا بالطقوس الدينية مثل حفظ الأعياد (عز 3: 4، 6، 19، 21) والاهتمام بخدمة اللاويين (عز 2: 40، 8: 15 - 19، 9: 1، 10: 5)، وأوضح أن يد الله هي التي تصنع التاريخ (عز 8: 22).

د - هناك بعض الكلمات في أصلها العبري نجدها في هذه الأسفار الأربعة، مثل مغن أو مغنون، وحارس أو حراس، وخدام الهيكل.

2- قال البعض أن سفر نحميا قد كتبه نحميا، معتمدين على بعض الحجج، مثل:

أ- شهادة السفر نفسه "كَلاَم نَحَمْيَا بنِ حَكَلْيَا" (نح 1: 1).

ب - استخدم الكاتب ضمير المتكلم كثيرًا، فمثلًا يقول: "كُنْتُ فِي شُوشَنَ الْقَصْرِ... فَلَمَّا سَمِعْتُ هذَا الْكَلاَمَ جَلَسْتُ وَبَكَيْتُ وَنُحْتُ أَيَّامًا، وَصُمْتُ وَصَلَّيْتُ" (نح 1: 1 - 4) وهكذا في أجزاء كثيرة من السفر.

ج - يتحدّث نحميا عن أمور حدثت معه شخصيًا.

ولهذا فإن الاحتمال الأرجح أن نحميا كتب السفر بمعاونة عزرا، وجاء في "التفسير التطبيقي": "كُتب جزء كبير من السفر بلغة المتكلم دلالة على أن نحميا هو الكاتب، والأرجح أن نحميا كتب السفر بمعاونة عزرا"(1).

ويقول "القمص تادرس يعقوب": "حسب التقليد اليهودي الأسفار الأربعة: أخبار الأيام الأول والثاني وعزرا ونحميا في النص العبري سفرًا واحدًا كتبه عزرا الكاتب... وقد اعتمد على مستندات وأخبار الملوك والممالك المعاصرة له، هذا بجانب اقتباسه مذكرات نحميا الشخصية، حيث يكتب بصيغة المتكلم المفرد... يرى البعض أن جزءًا كبيرًا من السفر (نحميا) كُتب بلغة المتكلم دلالة على أن نحميا هو الكاتب، والأرجح أن نحميا كتب السفر بمعاونة عزرا"(2).

3- عزرا الكاهن والكاتب: اسم "عزرا " اسم عبري معناه "الله عوني" أو "الله راحتي"، وعزرا كاهن "كَاتِبٌ مَاهِرٌ فِي شَرِيعَةِ الرَّبُّ" (عز 7: 6) وُلِد في أرض السبي، وهو من نسل حلقيا الكاهن الذي عثر على سفر شريعة موسى أيام يوشيا الملك الصالح (2أي 34: 14) وبسبب بُعده عن أورشليم لم يتمكّن من مزاولة عمله الكهنوتي، ولكنه كرّس كل جهده ووقته لحفظ الشريعة، ونسخها، وتعليمها للشعب، فلم تقوى جبال الجليد المحيطة به في أرض السبي أن تطفئ جذوة الحياة الروحية المتوهجة. فكان نورًا في ظلمة السبي، وشاهدًا قويًا لإلهه، حتى أن الملك أحبه ووثق فيه، وسمح له بالعودة إلى وطنه على رأس الفوج الثاني سنة 458 ق. م.، وكان لعزرا الإيمان القوي حتى أنه لم يطلب من الملك جنودًا لحراسة العائدين في رحلتهم إلى أورشليم، وفي تواضعه كان ينسب كل نجاح لإلهه قائلًا: "مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ آبَائِنَا الَّذِي جَعَلَ مِثْلَ هذَا فِي قَلْبِ الْمَلِكِ"(عز 7: 27). وعندما وصل إلى أورشليم قام بإصلاحات دينية واجتماعيه "لأَنَّ عَزْرَا هَيَّأَ قَلْبَهُ لِطَلَبِ شَرِيعَةِ الرَّبِّ وَالْعَمَلِ بِهَا وَلِيُعَلِّمَ إِسْرَائِيلَ فَرِيضَةً وَقَضَاءً" (عز 7: 10) وحقَّق أحكام الشريعة إذ فضَّ الزيجات الغريبة، وعندما جاء نحميا إلى أورشليم تعاون معه، وقد بذل عزرا جهدًا كبيرًا في تجميع الأسفار المقدَّسة، وأحبه الشعب جدًا فدعوه بموسى الجديد، بل اعتبروه أنه هو المؤسّس الحقيقي لليهودية، وأنه هو الذي أسَّس مجمع السنهدريم، ومات في أورشليم وهو شيخ كبير.

ويقول "القمص تادرس يعقوب" عن عزرا الكاهن إنه: "دُعيَ بالكاتب لأنه كان موظفًا في البلاط الفارسي ومستشارًا للإمبراطور أرتحشستا الفارسي في الشئون اليهودية للطائفة المقيمة ما بين النهرين. لكن الملك تأثر جدًا به، إذ لمس من حياته أنه ليس كبقية الكتبة الذين في بلاطه الملكي، إنما يحمل مسحة سماوية فريدة. لهذا كان يُلقّبه: "كَاتِبِ شَرِيعَةِ إِلهِ السَّمَاءِ الْكَامِلِ" (عز 7: 12، راجع عز 7: 21). وجاء في كتابات الملك عن إله إسرائيل أنه "إِلهِ السَّمَاءِ" (عز 7: 23). كان عزرا غيورًا حتى حسبه اليهود زعيمًا في مقام موسى النبي، مؤسّسًا للنظم اليهودية المتأخرة (القرن 5 ق. م)"(3).

 

ثالثًا: زمن كتابة السفرين: كتب عزرا السفرين بعد عودته إلى أورشليم سنة 458 ق. م.، ولكن البعض قال أن السفرين كُتبا في العصر اليوناني سنة 331 ق. م. بدليل ما جاء في سفر نحميا "كانَ هؤُلاَءِ فِي أَيَّامِ يُويَاقِيمَ بْنِ يَشُوعَ بْنِ يُوصَادَاقَ، وَفِي أَيَّامِ نَحَمْيَا الْوَالِي، وَعَزْرَا الْكَاهِنِ الْكَاتِبِ" (نح 12: 26) فقالوا معنى قوله " فِي أَيَّامِ نَحَمْيَا الْوَالِي وَعَزْرَا الْكَاهِنِ الْكَاتِبِ" أي أن السفرين كُتبا بعد عبور ذلك العصر الذي عاش فيه نحميا وعزرا، كما أنه جاء ذكر اسم يدُّوع في سفر نحميا "ويُويَادَاعُ وَلَدَ يُونَاثَانَ وَيُونَاثَانُ وَلَدَ يَدُّوعَ"(نح 12: 11) وهو من أنساب عظماء الكهنة وقال عنه يوسيفوس المؤرخ أنه عاش في عهد الإسكندر الأكبر نحو سنة 330 ق. م. ولكن من الممكن أن يكون "يدُّوع" خليفة يوناثان جاء بعده بجيلين وليس ابنه مباشرة، بل هو حفيده أو ابن حفيده. كما أن عزرا لم يحيا حتى هذا الزمن. إذًا الاعتراف بأن عزرا هو كاتب السفرين فهذا يعني أن السفرين كُتبا في القرن الخامس قبل الميلاد في عصر نحميا، ويؤيد هذا اللغة الأرامية التي اُستخدمت في كتابة السفرين، فهي لغة ذلك العصر.

وجاء في "دائرة المعارف الكتابية": "بينما يرى الكثيرون عن العلماء أن كاتب أسفار الأخبار وعزرا ونحميا هو عزرا نفسه، فإن البعض يرجعون بهذه الأسفار إلى أواخر القرن الرابع قبل الميلاد (حوالي 330 ق. م)، ولكن التشابه اللغوي الواضح مع لغة القرن الخامس الأرامية (قبل الميلاد) كما نجدها في برديات المجمع اليهودي في "جزيرة الفنتين" (في صعيد مصر) يؤيد كتابتها في زمن عزرا في منتصف القرن الخامس ق. م"(4). كما أن التقليد اليهودي أكد على أن كاتب السفرين هو عزرا الكاهن.

 

رابعًا: لغة السفرين: كُتب سفرا عزرا ونحميا باللغة العبرية المتأخرة، وجاءت بعض الأجزاء باللغة الأرامية (عز 4: 8 إلى 6: 18، 7: 12 - 26) لأن هذه الأجزاء تمثل وثائق رسمية ورسائل دبلوماسية خاصة بالدولة، اُستخدمت في كتابتها اللغة الرسمية المستخدمة حينذاك، وهى اللغة الأرامية التي كانت مستخدمة في المكاتبات بين فارس وفلسطين، ويقول "القس وليم مارش": "ولغة هذا السفر الأرامية (من 4: 8 إلى 6: 18، 7: 12 - 26) لأن في هذه الآيات خلاصة أوراق قانونية مختصة بالحكومة لأن اللغة الأرامية كانت لغة المفاوضات السياسية بين مملكة فارس وعبر النهر أي ما كان إلى جهة الغرب من نهر الفرات. وباقي السفر كُتب باللغة العبرانية"(5).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) التفسير التطبيقي ص 1016.

(2) تفسير سفر نحميا ص 9.

(3) تفسير سفر عزرا ص 17.

(4) دائرة المعارف الكتابية جـ 5 ص 252.

(5) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ5 ص 81.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1442.html

تقصير الرابط:
tak.la/4d9sthh