St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

141- هل حقًا امتزج فكر "لاهوت التحرير" بالفكر الماركسي؟

 

ج: نعم، وبكل تأكيد، فلاهوت التحرير نشأ في السبعينيات من القرن العشرين عندما كانت الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية على أشدها، وكانت هناك محاولات سوفيتية لاختراق أمريكا اللاتينية لمجاورتها للولايات المتحدة الأمريكية، ويقول " يوسف رامز".. " عندما عرفت لاهوت التحرير عرفته يتبع المنهج الماركسي في التحليل الاجتماعي، وإن كانت الماركسية هي أحد أسمى المبادئ التي عرفتها البشرية"(1).

ويقول د. ميلاد حنا " فتوطَّدت علاقتي باليسوعيّين ورأيت فيهم حلمي القديم، وهو {الاشتراكية} من منطلق إنساني ترتكز فيه على قواعد {المحبة المسيحية} وعندما ازداد اقترابي، عرفت أنهم قد درسوا {الماركسية} ربما بعمق وفهم أكثر مما درستها، خصوصًا عندما اطَّلعت من خلالهم على {لاهوت التحرير}"(2).

St-Takla.org Image: Karl Marx, German political economist (May 5, 1818 – March 14, 1883), 1866, by The Fort. The London photographic comp. Margate. صورة في موقع الأنبا تكلا: كارل ماركس الاقتصادي والسياسي الألماني (5 مايو 1818 - 14 مارس 1883)، الصورة سنة 1866، تصوير الحصن، مجموعة مصوري لندن في مارجيت.

St-Takla.org Image: Karl Marx, German political economist (May 5, 1818 – March 14, 1883), 1866, by The Fort. The London photographic comp. Margate.

صورة في موقع الأنبا تكلا: كارل ماركس الاقتصادي والسياسي الألماني (5 مايو 1818 - 14 مارس 1883)، الصورة سنة 1866، تصوير الحصن، مجموعة مصوري لندن في مارجيت.

ويقول د. يسري مصطفى " لا يمكن تجاهل أثر الفكر الماركسي على لاهوت التحرير. وهنا أتحدث عن الفكر الماركسي ليس كعقيدة فكرية وإنما كممارسة اجتماعية"(3).

كما يقول " إيريل كيرنز".. " دأب أصحاب هذا التوجه إلى تبني النظرية الماركسية في تفسيرها، والخلاص الذي تقدمه مثل هذه الاتجاهات اللاهوتية الحديثة هو في صورة التحرُّر الاجتماعي والاقتصادي والسياسي من كل أشكال الظلم والاستغلال. ويرون أنه كما حدث عند خروج شعب إسرائيل من مصر، فإن الإعلان الإلهي كان يتعامل مع الظلم التاريخي الذي وقع عليهم، ويبرز الجهود البشرية للتحرُّر من هذا الظلم والتي يقودها إنسان يتمثل بالمحرّر الأعظم وهو المسيح، وليس كلمة الله المعلنة. وبالنسبة لهم فإن الإنجيل الأبدي لا تتم صياغته المعاصرة بمجرد ربطه بالثقافة السائدة ولكنهم يرون أنه يجب فصله تمامًا عن الوحي الإلهي، إلاَّ أن معظم هذه المحاولات التي تسعى إلى إنهاء الظلم وإلى إقامة وبناء ملكوت الله في مجتمع جديد يولد بعد تحرره، انتهى أمرها بالتزاوج مع الماركسية وتسييس المسيحية في مواقف تاريخية"(4).

كما إن هناك عدة نقاط مشتركة بين الماركسية ولاهوت التحرير، فمثلًا الماركسية دعت طبقة العمال (البروليتاريا) لتحرير نفسها بنفسها، ودعى أصحاب لاهوت التحرير الفقراء تحرير أنفسهم بأنفسهم ولو بالثورة، فيقول القس الدكتور صموئيل حبيب " كانت دعوة " باولو فراري " Pawlo Frerie الزعيم الكاثوليكي البرازيلي هي إلى الثورة، فإن تغيير البناء السياسي والاقتصادي Structures يتطلب في نظرة ثورات تعيد حقوق المطحونين إليهم، وقد دعا كارل ماركس إلى مثل هذه النظرية (نونيه ص 47) إذ رأى أن ثورة البروليتاريا، ثورة يقودها العمال، ولكن متى أمسكوا الحكم، عادوا بنظام مشابه وأساليب القمع والبطش والظلم"(5).

فكل من الماركسية ولاهوت التحرير أباح العنف في سبيل التوصل إلى تحرير الإنسان، فيقول القس صموئيل حبيب " غير أن هناك الكثير من الأصوات المعارضة ارتفعت في الكنيسة الكاثوليكية احتجاجًا على تأثر الفكر اللاهوتي التحريري بأفكار ماركس، حيث أن كلا من الماركسية ولاهوت التحرير يأخذان بالاتجاه العملي بجانب النظري، وأيضًا مساندته للحركات الثورية، وانتقاده لمؤسسات الكنيسة التقليدية حتى إن الفاتيكان أعرب عن تحذيره من هذه الأفكار في عام 1984م"(6)(7).

ويقول د. حسن حنفي " فنشأ لاهوت التحرير كأيديولوجية ثورية تحررية شعبية للجماهير تربط بين الدين والثورة، والإيمان والعدالة، والله والشعب، والعقائد والمطالب الاجتماعية، والوحي من ناحية والحرية والإخاء والمساواة من ناحية أخرى. لاهوت التحرير إذًا هو أيديولوجية ثورية شعبية"(8).

ويقارن د. حسن حنفي بين حركة التحرير في مصر والوطن العربي، وبين حركات التحرير في كوبا وفيتنام فيقول " الشعب مطحون يرزح تحت الفقر والقهر والتسلط، فقامت الثورات العربية كما قامت الثورة الكوبية والثورة الفيتنامية باسم الحركات الوطنية والتي كان الماركسيون أحد عناصرها مع مصر الفتاة والوفد والإخوان... ونشأ لاهوت التحرير عند الأفغاني من قبل في صياغات بسيطة {الإسلام في مواجهة الاستعمار في الخارج والقهر في الداخل} مستعينًا بأقوال السابقين مثل {عجبت لرجل لا يجد قوت يومه ولا يخرج للناس شاهرًا سيفه} أو بقوله هو {عجبت لك أيها الفلاح تشق الأرض بفأسك ولا تشق قلب ظالمك}.. من تلاميذه مثل عبد الله النديم وإسحق أديب من يستأنف الإسلام الثورة أو الدين الوطن. وقوى ذلك كتابات سيد قطب الأول صاحب {العدالة الاجتماعية في الإسلام}، {معركة الإسلام الرأسمالية}، {السلام العالمي والإسلام} قبل أن يُعذَب في السجون ويكتب {معالم في الطريق} وهي أيضًا صرخة برئ لمقاومة الظلم والطغيان، واستأنف {اليسار الإسلامي} لاهوت التحرير على مستوى الثقافة الشعبية من أجل تحويله إلى تيار شعبي يقلل المسافة بين الدين والثورة، بين التقليدية والتقدمية، بين الإخوان والشيوعيين"(9).

ومن قادة لاهوت التحرير " كاميليو توريس " Camillo Torrez الذي وُلِد في أسرة أرستقراطية، وصار راهبًا. ثم ترك الرهبنة وأنشأ " جبهة الشعب المتحدة " سنة 1965م وصار مقاتلًا في حرب العصابات في أكتوبر 1965م، وقُتل في 15 نوفمبر 1966م أثناء معركة عسكرية مع الجيش الكولومبي، فتحوَّل إلى رمز للثورة ضد الظلم لدى رجال الدين في أمريكا اللاتينية.

ومن الملاحظ أيضًا أن كل من الماركسية ولاهوت التحرير يُعمّم نظرية الصراع الطبقي، فيقسّم لاهوت التحرير المجتمع إلى غني وفقير، إقطاعي وعامل، رجل وامرأة، أبيض وأسود، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. بينما الحقيقة اللاهوتية أن الجميع متساوون أمام الله الذي يهتم بالكل، ويفترض لاهوت التحرير أن كل الأغنياء يظلمون الفقراء، ويتجاهل الأغنياء الذين يهتمون بالفقراء ويدافعون عنهم، ويفترض أصحاب هذا الفكر أن المجتمع لا بُد أن يعيش في صراع دائم بين الأغنياء والفقراء، وكأن التاريخ لا يخلو قط من هذا الصراع الطبقي، فمن الإعتراضات التي يذكرها د. حسن حنفي " يقول لاهوت التحرير بالصراع الطبقي ولا يمنع من ممارسة أنواع العنف المختلفة بما في ذلك الصراع المسلح كما فعل " كاميو توريز"، فالإيمان فعل وقول، ممارسة وإيمان، وحمل البندقية لا يقل أهمية عن حمل الصليب، يدفع المؤمنين إلى نيل الشهادة في سبيل الحق تأسيًا بصلب المسيح ولكن بفعل إيجابي"(10) وأغفلوا إمكانية عيش الطبقات المختلفة في حب وسلام، فيقول الأب " بدور أروبيه " أن التحليل الاجتماعي الماركسي... يحمل بين طياته، بشكل جوهري، نظرية جذرية تدعو إلى الصراع الطبقي وإلى الخصومة، لا بل يمكن القول أنه تحليل اجتماعي عناصره هي الصراعات الطبقية، وبالرغم من ذلك، فحتى لو سلَّمنا بكل واقعية بوجود الصراعات الطبقية والعداوة... فليس هناك إطلاقًا ما يثبت أنه يمكن اختصار كل التاريخ البشري - سواء في الماضي أم في الحاضر - في الصراعات عامة، أو حتى في الصراعات الطبقية بالمعنى المعروف والمحدَّد بهذا المصطلح. فلا يمكن فهم الواقع الاجتماعي في ضوء جدلية السيد والعبد فقط، بل كانت في الماضي ومازالت في الحاضر تصورات أخرى، كالعهد - السلام - الحب، في تاريخ الإنسان، كما أن هناك قوى أخرى عميقة تعمل في التاريخ"(11).

كما يقول الأب وليم سيدهم " هناك أشكال أصلية للاهوت التحرير، كما إن هناك أشكالًا أخرى تثير مشاكل لدى اللاهوتيّين والرعاة يمكن تلخيصها فيما يلي:

أ - تحويل الكنيسة إلى علامة للالتزام الثوري (المقصود هو الوقوف في وجه النظم الرأسمالية المستبدة) واعتبار هذا الالتزام معيارًا لمدى أصالتها المسيحية.

ب- قبول بعض لاهوتيي التحرير للتحليل الماركسي الشامل مع التمييز المشبوه بين " المنهجية " من ناحية و" المضمون الأيديولوجي " من ناحية أخرى.

ج- تبني لاهوت التحرير رؤية ثنائية للمجتمع تقوم بين المسيحيين الرأسماليين والمسيحيين المقهورين، مع افتراض الصراع بينهما بدون أي إمكانية للمصالحة، وهذا يتناقض مع المبادئ المسيحية.

د - قراءة الوحي من منطلق سياسي، وهذه القراءة تعتبر الحركات الثورية المُحرّك الأول لتاريخ الخلاص، وممهدة لمجيء ملكوت الله، ويمكن أن تجد الكنيسة وحدتها وشمولها بانضمامها إلى الطبقة العمالية التي فيها وحدها يكمن معنى التاريخ.

هـ- ليس أمام علم اللاهوت إلاَّ أن يختار طبقة العمال ويتحوَّل إلى أداة إستراتيجية وتكتيكية للثورة"(12).

ويعتبر لاهوت التحرير دعوة لتسييس الدين، ودعوة للإنسان ليكون ثوريًا في مواجهة الواقع، ودعوة للكنيسة لتكون ثورية في مواجهة الظلم، فمن الاعتراضات التي يذكرها د. حسن حنفي " لاهوت التحرير تسييس للدين، وخلط بين ملكوت السموات وملكوت الأرض مع إن السيد المسيح فصل بينهما {أعط ما لقيصر لقيصر ما لله لله} وهو تفسير غير صحيح للدين، فالوحي نظام حياة للإنسان في الداخل والخارج، للجماعة في علاقتها ونظمها. غرضه تحقيق السعادة في الدنيا قبل نيلها في الآخرة. وقد كانت دعوة لكل النظم التسلطية الفصل بين الدين والسياسة حتى لا يتحوَّل الدين إلى ثورة ضد الطغيان"(13).

وتغافل أصحاب هذا الفكر أن التفاوت الطبقي قد ينتج من استخدام التكنولوجيا، وجاء في وثيقة " الحرية المسيحية والتحرير".. " تتجسد قوة المعرفة العلمية المحرّرة في الإنجازات التكنولوجية الكبيرة. فمن يملك التكنولوجيا يملك السلطة على الأرض والبشر... فكيف يمكن منع القوة التكنولوجية من أن تصبح قوة لمجموعات بشرية أو لشعوب بأكملها"(14).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) جريدة التجمع في 23/9/2003م.

(2) الأب وليم سيدهم - لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية ص 10.

(3) الأب وليم سيدهم - لاهوت التحرير - رؤية عربية إسلامية مسيحية ص 131.

(4) ترجمة عاطف برنابا - المسيحية عبر العصور ص 533، 534.

(5) لاهوت التحرُّر ص 39.

(6) عن موسوعة Britannica.

(7) المرجع قبل السابق ص 21.

(8) الأب وليم سيدهم - لاهوت التحرير - رؤية عربية إسلامية مسيحية ص 62.

(9) المرجع السابق ص 63.

(10) الأب وليم سيدهم - لاهوت التحرير - رؤية عربية إسلامية مسيحية ص 73.

(11) الأب وليم سيدهم - لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية ص 137، 138.

(12) المرجع السابق ص 61، 62.

(13) الأب وليم سيدهم - لاهوت التحرير - رؤية عربية إسلامية مسيحية ص 73، 74.

(14) الأب وليم سيدهم - لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية ص 147.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/141.html

تقصير الرابط:
tak.la/9xwqt9w