St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1398- لماذا أعاب الله على داود قائلًا: "قَدْ سفكْتَ دَمًا كَثِيرًا وَعَمِلتَ حُرُوبًا عَظِيمَةً، فلا تَبْنِي بَيْتًا لاسْمِي لأَنَّكَ سَفكْتَ دِمَاءً كَثِيرَةً عَلَى الأَرْضِ أَمَامِي" (1أي 22: 8)..؟ ألم يكن هذا موافقًا للإرادة الإلهيَّة، بعد أن حكم الله بالقضاء على شعوب كنعان؟

 

ج: 1- الله إله سلام وهدوء، قال عنه الكتاب "إله السلام" (رو 15: 33، 16: 20)... "لأَنَّ اللهَ لَيْسَ إِلهَ تَشْوِيشٍ بَلْ إِلهُ سَلاَمٍ" (1كو 14: 33) وليس معنى أن الله إله سلام ومحبة أنه يقبل الشر أو يهادن الشر أو يتساهل معه، لأن الله قدوس وعادل، ولذلك فهو يرفض تمامًا الشر وشبه الشر، وعندما توغلت شعوب كنعان في الشر، ولم يعد هناك بارقة أمل لعودتها عن شرها، رأى الله كجراح ماهر ضرورة استئصال هذا الورم الخبيث من جسد البشرية، ولم يكن سعيدًا بهذا، ولم يشمت في هؤلاء الأشرار، لأن الإنسان عمل يديه، وجاءت العقوبة والنقمة الإلهيَّة كاستثناء، فليست هي القاعدة العامة، بل أن القاعدة العامة هي أن الله يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون.

 وبما أن إلهنا إله سلام، لذلك كان من الضروري أن يُبنى بيته في سلام بعيدًا عن الحروب وسفك الدماء، لذلك لم يشأ أن يبني داود له بيتًا ويداه مخضبتان بالدماء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وبالرغم من أن حروب داود كانت عظيمة كقول الرب له " وَعَمِلْتَ حُرُوبًا عَظِيمَةً" (1أي 22: 8)، وبالرغم من محبة الله الكبيرة لداود، وشهادته له، ولكن لا أحد ينكر أن يدي داود قد سفكت دماء كثيرة، وبينما استحسن ناثان النبي فكرة داود في بناء بيتًا للرب، لكن كان للرب نظرة أخرى غير نظرة داود وناثان النبيان، وأعطى الله شرف بناء الهيكل لسليمان بن داود الذي قال عنه الله: "هُوَذَا يُولَدُ لَكَ ابْنٌ يَكُونُ صَاحِبَ رَاحَةٍ، وَأُرِيحُهُ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِهِ حَوَالَيْهِ، لأَنَّ اسْمَهُ يَكُونُ سُلَيْمَانَ. فَأَجْعَلُ سَلاَمًا وَسَكِينَةً فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِهِ" (1أي 22: 9).

 وسمح الله أن يشارك داود بشكل كبير في تحضير مواد البناء، بل أن داود هو الذي حدد مكان الهيكل، وهو ذات المكان الذي قدم فيه داود الذبيحة في حقل أرنان اليبوسي، فتوقف الوباء من شعب إسرائيل، "فَقَالَ دَاوُدُ: هذَا هُوَ بَيْتُ الرَّبِّ الإِلهِ، وَهذَا هُوَ مَذْبَحُ الْمُحْرَقَةِ لإِسْرَائِيلَ. وَأَمَرَ دَاوُدُ بِجَمْعِ الأَجْنَبِيِّينَ الَّذِينَ فِي أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، وَأَقَامَ نَحَّاتِينَ لِنَحْتِ حِجَارَةٍ مُرَبَّعَةٍ لِبِنَاءِ بَيْتِ اللهِ. وَهَيَّأَ دَاوُدُ حَدِيدًا كَثِيرًا لِلْمَسَامِيرِ لِمَصَارِيعِ الأَبْوَابِ وَلِلْوُصَلِ، وَنُحَاسًا كَثِيرًا بِلاَ وَزْنٍ، وَخَشَبَ أَرْزٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَدَدٌ... وَقَالَ دَاوُدُ لِسُلَيْمَانَ: يَا ابْنِي، قَدْ كَانَ فِي قَلْبِي أَنْ أَبْنِيَ بَيْتًا لاسْمِ الرَّبِّ إِلهِي. فَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: قَدْ سَفَكْتَ دَمًا كَثِيرًا وَعَمِلْتَ حُرُوبًا عَظِيمَةً, فَلاَ تَبْنِي بَيْتًا لاِسْمِي لأَنَّكَ سَفَكْتَ دِمَاءً كَثِيرَةً على الأرضِ أمامِي" (1أي 22: 1 - 8). لم يتمكن داود من بناء بيت الرب فاهتم جدًا بتقديم ما يستطيعه.

ولذلك:

 أ - وضع ميزانية للهيكل، فاكتنز له مائة ألف وزنة ذهب، ومليون وزنة فضة ونحاسًا وحديدًا بلا وزن وخشبًا وحجارة (1أي 22: 14).

 ب - جهز العمال المهرة من النحاتين والبنائين والنجارين (1أي 22: 15).

 جـ - هيأ قلوب الشعب ورؤساء إسرائيل لبناء الهيكل (1أي 22: 17 - 19).

 د - نظَّم اللاويين في خدمتهم (1أي 23).

 هـ - قسم العمل بين الكهنة واللاويين (1أي 24).

 و- اهتم بالمغنيين (1أي 25).

 ز - اهتم بالبوابين وسائر العاملين في الهيكل (1أي 26).

 ح - سلم داود سليمان خطة البناء، وإقامة شعائر العبادة (1أي 28: 11 - 13).

 

 2- لا ننسى أن داود سفك دمًا بريئًا ذكيًا، وهو دم القائد الشجاع المخلص الوفي " أوريا الحثي " الذي ترفَّع أن يذهب إلى بيته في وقت تشتعل فيه نيران الحرب، فقد كان في قصر داود ولكن قلبه ومشاعره في أرض المعركة: "فَقَالَ أُورِيَّا لِدَاوُدَ: إِنَّ التَّابُوتَ وَإِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا سَاكِنُونَ فِي الْخِيَامِ، وَسَيِّدِي يُوآبُ وَعَبِيدُ سَيِّدِي نَازِلُونَ عَلَى وَجْهِ الصَّحْرَاءِ، وَأَنَا آتِي إِلَى بَيْتِي لآكُلَ وَأَشْرَبَ وَأَضْطَجعَ مَعَ امْرَأَتِي؟ وَحَيَاتِكَ وَحَيَاةِ نَفْسِكَ، لاَ أَفْعَلُ هذَا الأَمْرَ" (2صم 11: 11). أما داود فقد تبلدت مشاعره لدرجة أنه دفعه للموت وهو بريء للتستر على خطيته مع بثشبع، فمثل هذه الجريمة البشعة وحدها كانت كفيلة أن تمنع داود من بناء بيت الله القدوس. ويقول "القديس جيروم" عن داود: "لأنه كان رجل الدم، ليست الإشارة هنا - كما يظن البعض - إلى حروبه، وإنما إلى جريمته {قتل أوريا} لم يُسمَح له ببناء هيكل الرب"(1).

 

3- ولا ننسى السنة والأربعة أشهر التي أمضاها داود لدى أخيش ملك جت الفلسطيني، وهى من أحلك الفترات في حياة داود، حيث كان مسئولًا عن نحو ستمائة رجل بأسرهم، فكان يقوم بالغزوات مع رجاله ويقتل الرجال والسيدات "وصَعِدَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ وغَزَوْا الْجَشُورِيِّينَ والجَرِزِّيِّينَ والعَمَالِقَةَ... فلَمْ يَسْتَبْقِ دَاوُدُ رَجُلًا ولا امرَأَةً حتَّى يأْتِي إلى جَتٍّ، إذ قال: لئَلاَّ يُخْبِرُوا عنَّا قَائِلِينَ: هكذَا فَعَلَ دَاوُدُ. وهكَذَا عَادَتُهُ كُلَّ أَيَّامِ إِقَامَتِهِ فِي بِلاَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ"(1صم 27: 8 - 11).

 

4- يقول "القس وليم مارش": "سفكت دمًا كثيرًا: لا نستنتج أن داود أخطأ في حروبه لأنها كانت بأمر الرب وكان الرب معه يخلصه حيثما توجه (1أي 18: 13) غير أنه من المحتمل أنه أحيانًا تطرَّف في القساوة (2صم 12: 31) ولكننا نستنتج أن داود النبي انشغل في حروبه الكثيرة فلم تكن له فرصة لبناء الهيكل فكان العمل المطلوب منه من الرب أن يحارب الحروب اللازمة لأجل تثبيت المملكة كما أن العمل الذي دعا الرب سليمان إليه هو بناء الهيكل"(2).

 

5- يقول "القمص تادرس يعقوب" عن رغبة داود في بناء بيت الرب: "ولكن الله منعه لأنه سفك دمًا كثيرًا، وهذا هو الدم الذي سفكه في حروبه، فقد كان رجل حرب منذ حداثته، وقد سفك هذا الدم بعدلٍ وشرفٍ في خدمة إله إسرائيل، ولكن هذا جعله غير لائق لهذه الخدمة، أو بالحري أقل لياقة من آخر لم يُدْعَ لعمل دموي.

 بالرغم من أن داود خاض هذه الحروب دون إرادته ولم يكن المعتدي، فإن الله اعتبره رجل دماء. فالله ضد الحروب ويريد السلام وابنه يسوع المسيح هو ملك السلام، الذي يأتي بالسلام إلى الأرض. الله لم يسمح لداود ببناء الهيكل لأنه رجل حرب، والله أعطى هذا السبب لتنحية داود عن هذا العمل، مُظهرًا كم ثمينة هي حياة البشر لديه... الحرب حتى وإن كان لها ما يُبرّرها أحيانًا وتكون ضرورية، إلاَّ أنها لا تليق بعبادة الله المقدَّسة... الدم في الكتاب المقدَّس أمر مقدَّس، من يسفكه بغضب كما في الحرب، يُحسب أنه أمر غير أخلاقي، فهو غير لائق بعبادة الله الطاهرة"(3). وبالرغم من أن الكنيسة تقر الحرب العادلة دفاعًا عن أرض الوطن، فإنها لا ترشح أحدًا قد سفك دمًا للكهنوت.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) القمص تادرس يعقوب - تفسير سفر أخبار الأيام الأول ص 499.

(2) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ 5 ص 29.

(3) تفسير سفر أخبار الأيام الأول ص 499.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1398.html

تقصير الرابط:
tak.la/z4gtnvd