St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1376- ما الدّاعي لسلاسل الأنساب التي شملت تسعة أصحاحات، وظهر فيها تفاوتًا في بعض الأسماء بينها وبين ما جاء في بقية الأسفار؟ وهل هذا يعني أن الكاتب اعتمد على مصادر مختلفة؟

 

ج: 1- هناك عدّة سلاسل أنساب في الكتاب، وكل سلسلة جاءت متوافقة مع الهدف الذي كُتبت من أجله، وقد يتم أحيانًا إغفال بعض الأسماء بهدف ربط شخص معين بسلف معين، مثلما نُسِب يهوشافاط إلى داود أبيه بالرغم من أن بينهما عدة أجيال: " وكَانَ الرَّبُّ مَعَ يَهُوشَافَاطَ لأَنَّهُ سَارَ في طُرُقِ دَاوُدَ أَبِيهِ الأُولَى" (2أي 17: 3) وفي سلسلة الأنساب التي أوردها متى الإنجيلي ضبط عدد الأجيال من إبراهيم لداود بأربعة عشر جيلًا، وكذلك بين داود وسبي بابل، وأيضًا بين سبي بابل ومجيء السيد المسيح، وفي سبيل الوصول إلى ذلك أغفل بعض الأسماء لشخصيات أقل أهمية.

 

St-Takla.org Image: Family tree of Abraham - from The Nuremberg Chronicle, book by Hartmann Schedel, 1493. صورة في موقع الأنبا تكلا: شجرة عائلة إبراهيم - من كتاب تاريخ نورنبيرج، بقلم هارتمان شيدل، 1493 م.

St-Takla.org Image: Family tree of Abraham - from The Nuremberg Chronicle, book by Hartmann Schedel, 1493.

صورة في موقع الأنبا تكلا: شجرة عائلة إبراهيم - من كتاب تاريخ نورنبيرج، بقلم هارتمان شيدل، 1493 م.

2- سلسلة الأنساب التي أوردها كاتب سفر الأخبار وتشمل تسعة إصحاحات هي جزء أصيل من السفر، وتتناسب تمامًا مع الهدف الذي سعى إليه الكاتب، وهو ربط العائدين من السبي بماضيهم وأمجادهم القديمة المتمثلة بالهيكل وداود الملك العظيم، ويقول "الخوري بولس الفغالي": "فأساس لوائح الأنساب، ليس في تثبيت سلسلة من الأسماء، بالطريقة العلمية التي نعرفها اليوم، في السجلات الرسمية، بل تُبرز هوية شعب الله، عبر الزمان، أي منذ آدم إلى داود، وعبر المكان، أي عبر الأسباط الاثني عشر. فهناك علاقات تبين أن الكاتب أدرك تدريجيًا هدفه النهائي وإن كان على حساب بعض التنسيق والتنظيم... ومهما يكن من أمر، فلا نستطيع أن نفصل الأنساب عن جسم السفر الأول من أخبار الأيام"(1).

 

3- في سلسلة الأنساب هذه لم يذكر الكاتب شيئًا عن نسل أبناء آدم غير نسل شيث: "آدم، شِيتُ، أَنُوشُ" (1أي 1: 1) فهو يريد أن يصل سريعًا إلى شعب الله، وهذا ما دعاه لاختصار الحديث جدًا عن نسل يافث وحام ابني نوح، وركّز على سام ونسله ليصل إلى إبراهيم، فقال: "سَامُ، أَرْفَكْشَادُ، شَالَحُ، عَابِرُ، فَالَجُ رَعُو، سَرُوجُ، نَاحُورُ، تَارَحُ، أَبْرَامُ، وَهُوَ إِبْراهِيمُ" (1أي 1: 24 - 27). ثم ذكر لمحة سريعة عن نسل إسماعيل وكذلك قطورة، وركز على إسحق ونسله من خلال يعقوب، مع الإشارة الحقيقية لنسل عيسو، مشيرًا إلى ملوك أدوم (1أي 1: 43 - 53) وكأنه خرج عن الخط الذي رسمه لنفسه، وهو التركيز على شعب الله، ولكن كان هدفه من ذكر ملوك أدوم أن يشعر بني إسرائيل أنهم لا يعيشون في هذا العالم بمفردهم، بل أن النظام الملكي عُرف في أدوم قبل أن يُعرف عندهم، وجاء كل هذا في الإصحاح الأول.

 أما من بداية الأصحاح الثاني وحتى منتصف الأصحاح الرابع فيتحدّث الكاتب باستفاضة عن سلسلة أنساب سبط يهوذا (1أي 2: 4 - 23) فقد كان من أهداف الكاتب التركيز على مملكة داود وسليمان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ثم ذكر الكاتب في النصف الثاني من الأصحاح الرابع سلسلة أنساب سبط شمعون وانتصاراتهم على العمالقة (1أي 4: 39 - 43)، ويذكر الكاتب في الأصحاح الخامس سلسلة أنساب سبطي رأُوبين وجاد ونصف سبط منسى (1أي 5) الذين سكنوا شرق الأردن، بالرغم من أنه وقت كتابة السفر لم يكن لبني إسرائيل أي سلطة على منطقة شرق الأردن، ولا على المملكة الشمالية، لأن كليهما سبق سبيه بيد ملوك أشور، ولكن كان هدف الكاتب أن يقدّم صورة بديعة مثالية لشعب الله الذي امتلك الأرض، ويفرد الكاتب الأصحاح السادس لسلسلة أنساب لاوي، فالكهنوت موضع اهتمام الكاتب، ويتحدّث الكاتب خلال الأصحاح السابع عن أنساب يساكر، وبنيامين، ونفتالي، ومنسى، وأفرايم، وأشير، وفي الأصحاح الثامن يركّز الكاتب على نسل بنيامين الذي جاء منه شاول الملك، وفي أرضه تقع جبعون المرتفعة العظمى وكذلك مدينة أورشليم عاصمة مملكة يهوذا، ويختم الكاتب سلسلة الأنساب في الإصحاح التاسع بالحديث عن أنساب الكهنة واللاويين ووظائفهم.

 

4- سلسلة الأنساب هذه كانت هامة جدًا وضرورية... لماذا؟:

أ - ليعرف العائدون من السبي أسلافهم، وموقفهم وموقعهم، إلى أي سبط ينتمون، وأين يسكنون.

ب - لتحديد الكهنة واللاويين، حتى أن الذين لم يستطيعوا أن يُثبِتوا نسبهم رفضوا من الكهنوت "هؤُلاء فَتَّشُوا على كتَابَةِ أنسَابِهِمْ فَلَم تُوجَدْ، فَرُذِلُوا من الكَهَنُوت" (عز 2: 62).

جـ - حملت سلسلة الأنساب في طياتها تاريخ شعب الله، فعندما نذكر اسمًا معينًا مثل آدم أو إبراهيم أو داود تتداعى لأذهاننا الأحداث المتعلّقة بتلك الشخصية.

 

5- هناك بعض الاختلافات في الأسماء بين سلسلة الأنساب هذه وما ورد في الأسفار الأخرى، وكثير من هذه الاختلافات يرجع إلى تغيُّر اللهجة بعد العودة من السبي، كما أن بعض الأشخاص كانوا يحملون أكثر من اسم، مثل بنيامين وابن أوني، ورعوئيل ويثرون، وجدعون ويربعل، وسليمان ويديديا... إلخ. وأحيانًا الكاتب كان يذكر اسم الجد الأكبر أو رئيس العشيرة، بل أحيانًا يذكر محل الميلاد. ولذلك فالذين طعنوا في مصداقية سفر الأخبار، وقالوا أنه سفر مُلفَّق وقد زُيّف عن عمد لصالح العائدين من السبي، ويجب غربلته كغربلة القمح من كمية كبيرة من التبن، مثل هؤلاء جانبهم الصواب، لأنه من جانب أن ما جاء في سفر الأخبار يتفق تمامًا مع ما جاء في بقيّة الأسفار المقدَّسة، ومن جانب آخَر أن الأسفار المقدَّسة تُدعِّم ما جاء في سفر الأخبار، بالإضافة إلى ذلك فإن النُقَّاد الذين شكَّكوا في المصداقية التاريخية لسفر الأخبار، شكَّكوا أيضًا في المصداقية التاريخية لبقية الأسفار المقدَّسة.

 

6- يرى البعض أن سلسلة الأنساب مُملة في قراءتها، ولكن لا يجب أن نرفضها بهذه الحجة، فإن سلسلة الأنساب هذه تدخل ضمن دائرة الوحي الإلهي، ويتخللها تعاليم روحية رائعة مثل "صلاة يعبيص": "وَدَعَا يَعْبِيصُ إِلهَ إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: لَيْتَكَ تُبَارِكُنِي، وَتُوَسِّعُ تُخُومِي، وَتَكُونُ يَدُكَ مَعِي، وَتَحْفَظُنِي مِنَ الشَّرِّ حَتَّى لاَ يُتْعِبُنِي. فَآتَاهُ اللهُ بِمَا سَأَلَ" (1أي 4: 10). ويقول: "هنري ل. روسييه": "هل نستخلص من كل هذا أن النص في أخبار الأيام هو تجميع بشري مُحوَّر وأن لا قيمة تاريخية له؟ فهذا ما يؤكد عليه النُقَّاد، ولكن شكرًا لله، ذاك أن منطقهم دائمًا الذي يقاومون به كلمة الله خاطئ تمامًا، ولا يوجد مسيحي مستنير ينكر أن الأنساب في أخبار الأيام مكوَّنة من أجزاء جمعت في وسط تشويش عام، ومع ذلك فهي وثائق يضع الله عليها ختم مصادقته، ولذلك فمن الصحيح أن عددًا من النصوص في هذه الأنساب لها أصل قديم جدًا،ولا تذكر في أسفار العهد القديم الأخرى"(2).

 

7- يقول البعض أنه يجب رفض سلسلة الأنساب لأنها تعبر عن مجهود بشري محض، وأن بعضها مبتور وغير كامل، وكثيرًا ما ينتقل الكاتب من قائمة إلى أخرى بدون مبرر... والحقيقة أن الكاتب كان أمينًا للغاية وبذل مجهودًا كبيرًا في تسجيل سلسلة الأنساب هذه، فقد اختار بأمانة مُطلقة وبإرشاد الروح القدس ما يأخذه مما هو متاح لديه، وإن كانت سلاسل الأنساب هذه هي مجهود بشري مخلص، إلاَّ أن الروح القدس رأى تسجيلها حتى لو كانت بعض هذه القوائم غير كامل، ولو أن السلسلة مزيفة لخرجت للوجود بطريقة متقنة جدًا.

 وجاء في "دائرة المعارف الكتابية": "هناك عدة ثغرات أو فجوات في القوائم، فبينما نقرأ أسماء إحدى المجموعات، إذ بنا نكتشف فجأة أننا أمام أسماء من مجموعة أخرى، دون أدنى تنبيه إلى هذا الانتقال... وأقرب تفسير لهذه الظواهر هو افتراض أن الكاتب لديه الكثير من الجذاذات المكتوبة، ربما على ألواح فخارية أو على ورق البردي أو غيرهما، وكانت الكتابة مبتورة فنقلها كما هي، بقدر ما سمحت له إمكاناته. ولو أن كاتبًا حديثًا قام بمثل هذا العمل، لأشار إلى الثغرات بوضع نقط أو أشرط مكان الفجوات، إلاَّ أن الناسخ القديم قام بكل بساطة بنقل الجذاذات الواحدة تلو الأخرى دون استخدام مثل هذه العلامات. وقد يختلف العلماء فيما بينهم بخصوص العدد من الفجوات المفترضة في "أخبار الأيام" إلاَّ أنهم يتفقون على الكثير منها"(3).

 وربما يتساءل أحد: ما هو دور الوحي الإلهي في إدراج هذه القوائم من الأنساب؟ نقول: أن الوحي الإلهي قام بانتقاء هذه القوائم من كم هائل كان متوفرًا لدى الكاتب (أو الكُتَّاب)، ويقول "القس صموئيل مشرقي" عن هؤلاء الكُتَّاب: "إنهم مثل كل المؤرخين يجمعون المواد من البحث المضني ويستخدمون كتبًا كثيرة بعضها ذُكرت أسماؤها... وأما مكان الوحي بعدئذ فهو الانتقاء من المواد التي أمام أولئك المؤرخين بإرشاد الروح القدس لهم، فيختارون منها ما يريده الوحي، ويقومون بترتيبه تحت إشرافه حتى يمكن متابعة يد الله الخفية في أدوار التاريخ"(4).

 وجاء في "دائرة المعارف الكتابية": "أن الكاتب قد استخدم تلك المواد بالحالة التي وجدها عليها، وهذا الافتراض لا يحط من قيمة الوحي للكاتب، فقد رأى الله من المناسب أن يتضمن الكتاب المقدَّس هذه الأمور... وليس ثمة من يعتقد أن الرجل الذي وضع - بإرشاد روح الله - سلاسل الأنساب في صيغتها النهائية الحالية قد تسلمها كإعلانات معجزية، ولكنه حصل عليها كنتاج لمجهودات بُذلت في البحث والدراسة منه وممن سبقوه من الباحثين، فإذا راعى الفطنة والأمانة في اختيار مواده وتسجيلها، فأنه يكون جديرًا بالثقة"(5).

 وجاء في مقدمة الطبعة الكاثوليكية للكتاب المقدَّس: "لم يحرّر الكاتب في الواقع رواية استوحاها من معرفته لتاريخ شعبه القديم، بل نقل عددًا من الوثائق التي بين يديه، وصنَّفها أحيانًا مع ترتيب يوافق ما يهدف إليه مؤَلفه، ونقَّحها استنادًا إلى وثائق أخرى أطلع عليها، وبحسب نظرته إلى التاريخ ومعناه. وقد اهتم بذكر مراجعه -وهذا أمر نادر في أيامه- وأطلعنا على أخبار ثمينة"(6).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) التاريخ الكهنوتي - أسفار الأخبار الأول والثاني وعزرا ونحميا والمكابيين الأول والثاني ص 38.

(2) تأملات في أخبار الأيام الأول ص 28.

(3) دائرة المعارف الكتابية جـ 3 ص 226، 227.

(4) مصادر الكتاب المقدَّس ص 89.

(5) دائرة المعارف الكتابية جـ 3 ص 230.

(6) الكتاب المقدَّس - الطبعة الكاثوليكية - العهد القديم - إصدار دار المشرق بيروت ص 728.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1376.html

تقصير الرابط:
tak.la/6g9hdxz