St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1361- كيف يحكم الله بموت حزقيا الملك (2مل 20: 1) ثم ينسخ كلامه ويحييه لمدة خمسة عشر عامًا (2مل 20: 6)؟ وهل يمكن لقرص التين أن يشفي مرضًا خطيرًا كهذا؟ ومن يقول أن رجوع الظل أصعب من إسراعه (1مل 20: 7-11)؟ أليس كليهما كسر لنواميس الطبيعة؟

 

          يقول " ليوتاكسل": "الذين لا يؤمنون يسخرون من مربَّى التين هذا، ومن الدرجات العشر التي عادت الشمس فيها القهقري، ويقولون: إما أن مرض حزقيا كان مسألة بسيطة لأنه شُفي بقرص تين وحسب، أو أن القوة الإلهيَّة تدخلت وشفت الملك الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الموت، وعندئذ كان قرص التين لا يغني ولا يثمر. أما بخصوص الدرجات الشمسية فقد ترك حزقيا لدى النُقَّاد انطباعًا بأنه أحمق من الطراز الأول عندما قال: أن سير الظل إلى الأمام أيسر من سيره إلى الوراء، ففي الحالتين يقع تجاوز لقوانين الطبيعة واختلال في نظام حركة الكون"(1).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- كان الموت أمرًا بغيضًا في العهد القديم لأنه كان يمثل سجن في ظلمة الجحيم، ولذلك عندما بلغ حزقيا خبر موته بكى بحرقة وصلى بلجاجة، ولو لم يصلي حزقيا ويلتمس من الله أن يطيل أيامه لمات كما أخبره إشعياء: "فِي تِلْكَ الأَيَّامِ مَرِضَ حَزَقِيَّا لِلْمَوْتِ، فَجَاءَ إِلَيْهِ إِشَعْيَا بْنُ آمُوصَ النَّبِيُّ وَقَالَ لَهُ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَوْصِ بَيْتَكَ لأَنَّكَ تَمُوتُ وَلاَ تَعِيشُ" (2مل 20: 1). هذه كانت الرسالة، فماذا كان رد فعل حزقيا..؟ " وَجَّهَ وَجْهَهُ إِلَى الْحَائِطِ وَصَلَّى إِلَى الرَّبِّ قَائِلًا... وَبَكَى حَزَقِيَا بُكاءً عَظِيمًا" (2مل 20: 2، 3) إذًا هنا عنصر جديد دخل في الواقعة وغيَّر مجراها، وهو صلاة حزقيا وتضرعه والالتماس الذي تقدم به لله، وبسبب إيمان حزقيا وصلاته ودموعه استجابت المراحم الإلهيَّة له... أنها طلبة الإيمان التي جاءت باستجابة السماء، وهذا أمر لا يدخل في دائرة الناسخ والمنسوخ الذي لا وجود له في كتابنا المقدَّس، لأن الله العالِم بكل شيء لا يصدر أمرًا ويعود فيلغيه بدون سبب، فعندما أصدر أمرًا بهلاك مدينة نينوى التي صعد شرها إلى عنان السماء، وقعت نينوى في دائرة الغضب الإلهي، ولكن عندما قدمت المدينة توبة عظيمة، من الملك الجالس على العرش إلى أقل إنسان في المدينة، من خلال صوم قوي وصراخ لله، حتى الأطفال عندما جاعت صرخت، والبهائم رفعت صوتها، وهنا تبدَّل حال المدينة وموقعها، فصارت المدينة العاصية المدينة التائبة، وانتقلت من دائرة الغضب الإلهي إلى دائرة الرحمة الإلهيَّة، وعلى الفور صدر العفو الإلهي عنها، وهذا يتمشى تمامًا مع عدل الله ورحمته. أما لو نفذ الله العقوبة رغم تغيُّر حال المدينة لكان هذا ضد العدل الإلهي والرحمة الإلهيَّة... إذًا الذي تغيَّر هو موقف مدينة نينوى وبناء عليه تغيَّر الموقف الإلهي، وبالمثل هنا دخل في الموضوع عنصر جديد وهو صلاة حزقيا ودموعه، والله استجاب طلبته، فالله هو أب يفيض بمشاعر الحب والحنان تجاه الإنسان، أما الناقد فأنه يريد إلهًا مجردًا من المشاعر، ساكنًا لا يتحرك ولا يتأثر، يفتقد مشاعر الحب، وأنه طالما أصدر أمرًا فلابد أن ينفذه دون النظر إلى أية مستجدات. أما الله فهو غير ذلك، ولذلك " لَمْ يَخْرُجْ إِشَعْيَا إِلَى الْمَدِينَةِ الْوُسْطَى حَتَّى كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيْهِ قَائِلًا: ارْجعْ وَقُلْ لِحَزَقِيَّا رَئِيسِ شَعْبِي: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ دَاوُدَ أَبِيكَ: قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ. قَدْ رَأَيْتُ دُمُوعَكَ. هأَنَذَا أَشْفِيكَ. فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ تَصْعَدُ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ. وَأَزِيدُ عَلَى أَيَّامِكَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً، وَأُنْقِذُكَ مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ مَعَ هذِهِ الْمَدِينَةِ، وَأُحَامِي عَنْ هذِهِ الْمَدِينَةِ مِنْ أَجْلِ نَفْسِي، وَمِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي" (2مل 20: 4 - 6).

 

2- لو كانت أوامر الله نافذة، فلماذا الدعاء والتوسل لله بالصلاة..؟! ولماذا الدعاء من أجل شفاء المرضى؟! ولماذا قال الله " اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ" (مت 7: 7)؟. إن الوحي في هذه القصة يعلمنا عظمة وقوة واستجابة الصلاة، وإن الله بسابق علمه يعلم رد فعل حزقيا عند سماعه خبر موته، ومدى تأثره وصلاته ودموعه وتضرعاته، وأنه سيستجيب له ويطيل عمره، وقد قصد الله أن تجري الأحداث هكذا ليُعلّم شعبه مدى قوة وفاعلية الصلاة التي تُحرِك اليد التي تُحرِك العالم كله، وتهب حياة للمحكوم عليه بالموت.

     ويقول " القمص تادرس يعقوب": "ربما يتساءل البعض: هل يُغيّر الله قراره الخاص بتحديد حياة حزقيا الملك وإعلانه له على لسان إشعياء النبي؟ ما أعلنه الله لإشعياء على لسان النبي لم يكن قرارًا إلهيًّا، إنما هو إعلان عما كان يلزم أن يتم حسب قوانين الطبيعة التي وضعها الله والتي من حق الله أن يُغيّرها إن أراد. أما أن يمتد عمر حزقيا الملك فقد كان معروفًا لدى الله، ولم يعلنه إلاَّ كثمرة لتواضع الملك وصراخه لله، فالله لا يُغيّر إرادته، إنما قدَّم للملك ما هو فائق للقوانين الطبيعية، فبحسب المرض المُصاب به كان سيموت، لكن الله الذي سمح له بالمرض وهبه الشفاء"(2).

 

3- " فَقَالَ إِشَعْيَا: خُذُوا قُرْصَ تِينٍ. فَأَخَذُوهَا وَوَضَعُوهَا عَلَى الدَّبْلِ فَبَرِئَ" (2مل 20: 7) وليس لقرص التين قوة في ذاته على شفاء مرضًا كمرض حزقيا، ولكنها القوة الإلهيَّة العاملة في الأشياء البسيطة، وهناك مثل رائع يقول: "تستطيع أن تشتري الدواء ولكنك لا تستطيع أن تشتري الشفاء". وبالرغم من أن الدواء كان بسيطًا للغاية فإن حزقيا قبله بإيمان فنال الشفاء، ولو رفض حزقيا هذا الدواء ما كان ينال الشفاء... لقد أعطى الله مياه الأردن البسيطة قوة لشفاء نعمان السرياني من برصه، ومياه بركة سلوام إمكانية لإعادة النظر للمولود أعمى، وظل بطرس قوة لشفاء الأمراض وإخراج الأرواح الشريرة: "حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا يَحْمِلُونَ الْمَرْضَى خَارِجًا فِي الشَّوَارِعِ وَيَضَعُونَهُمْ عَلَى فُرُشٍ وَأَسِرَّةٍ، حَتَّى إِذَا جَاءَ بُطْرُسُ يُخَيِّمُ وَلَوْ ظِلُّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ" (أع 5: 15) كما أن منادل ومآزر بولس كان لها نفس القوة: "حَتَّى كَانَ يُؤْتَى عَنْ جَسَدِهِ بِمَنَادِيلَ أَوْ مَآزِرَ إِلَى الْمَرْضَى، فَتَزُولُ عَنْهُمُ الأَمْرَاضُ، وَتَخْرُجُ الأَرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ" (أع 19: 12). أما " ليوتاكسل " فأنه لم يكف عن السخرية من قرص التين هذا، فيقول: "وفي أحد الأيام أراد منسى أن يعرف ما إذا كان لدى إشعياء قرص آخر من التين لحاجته الشخصية أم لا، فأمر بشطره نصفين، فأخذوا النبي التاعس ونشروه كأي لوح خشب عادي، ولم يسرع لمساعدته لا رافائيل ولا أي ملاك آخر، فهل كان يهوه مستغرقًا في عمل آخر أكثر أهمية"(3). وهل تصوَّر ليوتاكسل أن إشعياء النبي أخرج قرص التين الأول من جوفه، حتى يبحث منسى عن قرص آخر في جوف إشعياء..؟! قرص التين الأول لم يقدمه إشعياء بل قال لحاشية الملك " خُذُوا قُرْصَ تِينٍ " أي أحضروا قرص تين، ومنسى لم يكن مريضًا ولا محتاجًا لقرص آخر... ولكن هذه هي تصوَّرات النُقَّاد المريضة.

     لقد سمح الله باستشهاد إشعياء النبي لكيما يختم كرازته التي بدأها بالفم بكرازة الدم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وكرازة الدم أقوى وأبقى كثيرًا من كرازة الفم. أنها شهادة قوية لذاك النبي الإنجيلي الذي تمسك بالمبدأ حتى لو كانت العاقبة النشر بالمنشار وهو في جوف الشجرة... لقد شاء الله بحكمته أن يطيل عمر حزقيا خمسة عشر عامًا، كما سمح بحكمته أيضًا أن يختم إشعياء حياته بالاستشهاد بهذه الطريقة البشعة. كما أن تصوُّر ليوتاكسل بأن الله كان منشغلًا تارة، ويحتاج للراحة تارة أخرى، فتجري الأحداث بعيدة عنه ولا يدري بها، فأنها تصوُّروات تنطبق على الإنسان، وهي بعيدة تمامًا عن الله الحاضر في كل مكان وزمان، الحاضر في الخليقة يدبر أمورها وشئونها، ومن المستحيل أن يحدث شيئًا بدون إرادته أو بدون سماحه وأذنه... لقد أعطى حزقيا عمرًا جديدًا فقدم حزقيا تسبحته الرائعة (أش 38: 10 - 19).

 

4- نعم سواء تقدم الظل أو تأخر، فكليهما أمر معجزي عجيب، يترتب على تغير حركة دوران الأرض حول نفسها، والله هو خالق الطبيعة وواضع نواميسها والمتحكم فيها، فيوقف الأرض عن الدوران نحو يوم كامل استجابة لصلاة يشوع بن نون، ويقيم من المياه سورًا لكيما يعبر شعبه البحر الأحمر، ويأمر بطرس أن يمشي على المياه. وقد تصوَّر حزقيا الملك في بساطته أن رجوع الظل للخلف فهو أقوى وأوضح، فالتقدم للأمام يشبه إنسانًا يسير بخطى منتظمة، ثم فجأة أسرع في خطاه، فهذا الأمر غير ملفت للنظر مثل إنسان يسير بخطىً ثابتة للأمام ثم فجأة يرجع للخلف، فالأرض لم تتوقف فحسب عن الدوران، بل غيرت اتجاه الدوران للخلف، وقد تكلم حزقيا في بساطة بعيدًا عن التعليل العلمي الذي لم يكن معروفًا حينذاك، بل كان الاعتقاد السائد أن الأرض هي مركز المجموعة الشمسية والشمس تدور حولها. أما ليوتاكسل فأنه يسير على خطى فولتير الذي يسخر من بساطة حزقيا، ويتطاول ليوتاكسل على ذاك الرجل الصالح، الذي استطاع بإيمانه أن ينتزع عمرًا جديدًا، فيصفه بأنه " أحمق من الطراز الأول " وأخذ يحكم على إنسان عاش منذ أكثر من ألفي وخمسائة عام بمفاهيم العصر الحالي.

     ويقول " المطران يوسف الدبس " عن سخرية فولتير: "نُسلّم له بأن حزقيا لم يكن فلكيًا بل تكلَّم كعامة أهل أيامه الذين ألفوا أن يروا الظل يتقدم دائمًا ولم يرجع قط، وكذلك نُسلّم له بأن رجوع الظل إلى الوراء ينافي سنن الطبيعة لكننا لا ننسبه إليها، بل إلى قدرة بارئ الطبيعة وهو على كل شيء قدير، ولو كان هذا الرجوع ممكنًا بقوة الطبيعة لما أثبت لحزقيا شيئًا ولا كانت الآية آية، وجميع المؤمنين بالله يعتقدون أنه قدير على صنع الآيات، وخرق شرائع الطبيعة وأن كل ما شاء صنع ولا تعوذه الوسائل لإرجاع الظل عشر درجات"(4).

     وجاء في " دائرة المعارف الكتابية": "إن رجوع الظل عشر درجات كعلامة من الرب على أن حزقيا سيُشفى من مرضه، يعتبر واحدة من الحالات المذهلة التي سجلتها الأسفار المقدَّسة... إن أول وأهم نقطة يجب ملاحظتها هي أن هذه العلامة -رجوع الظل- لم تكن ظاهرة فلكية عادية، كما لم تكن نتيجة لقوانين فلكية طبيعية لم تكن معروفة آنذاك، بل كانت علامة خاصة بذلك المكان بعينه، وبذلك الوقت ذاته، وإلاَّ لما كنا نقرأ عن "رُؤَسَاءِ بَابِلَ الَّذِينَ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ (إلى حزقيا) لِيَسْأَلُوا عَنِ الأُعْجُوبَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الأَرْضِ" (2أي 32: 31). ومن ثم فمن المستحيل أن نقبل الزعم القائل بأن مزولة آحاز (أو مقياس درجات الظل) كانت مركبة بطريقة خاطئة تعكس حركة الظل في أوقات معينة، لأن خطأ التركيب كان لا بُد أن يؤدي إلى تكرار نفس الظاهرة كلما عادت الشمس إلى نفس الموقع بالنسبة للمزولة. لكن القصة تقول لنا أن هذا الأمر لم يحدث نتيجة لقانون من قوانين الطبيعة المعروفة أو غير المعروفة، حيث أن حزقيا كانت له حرية الاختيار، بكامل إرادته الشخصية الحرة، في أن يسير الظل عشر درجات إلى الأمام أو يرجع إلى الخلف - عكس الاتجاه الطبيعي - وليس في قوانين الطبيعة حلول بديلة - " فإن توفرت مجموعة من الظروف بنفس التفاصيل، فلابد أن تؤدي -بكل دقة- إلى نفس النتائج "فلا يمكن لنفس القانون أن يؤدي إلى نتيجة وعكسها، لذلك كانت حركة الظل على ساعة آحاز -المزولة- معجزة بأدق معاني الكلمة. ولا يمكن تفسيرها على أساس عمل أي قانون من القوانين الفلكية، المعروفة أو غير المعروفة"(5).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 460، 461.

(2) تفسير سفر الملوك الثاني ص 469.

(3) هل التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 461.

(4) تاريخ الشعوب المشرقية في الدين والسياسة والاجتماع جـ 2 ص 414.

(5) دائرة المعارف الكتابية جـ 3 ص 428.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1361.html

تقصير الرابط:
tak.la/hbjf42s