St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1271- هل هناك مبالغات في قصة سليمان (1مل 10: 23)؟ وهل هناك خلافات في قصة سليمان كما وردت في الإصحاحات الإحدى عشر الأولى من سفر الملوك، وبين ما جاء عنه في القرآن؟

 

          يقول " دكتور سيد القمني": "أن الدكتور أحمد شلبي يقتبس من موسوعة " ويلز" (معالم تاريخ الإنسانية) ما يدل على ضعف مملكة سليمان {أن قصة مُلك سليمان وحكمته التي أوردها الكتاب المقدَّس، تعرضت لحشو وإضافات على نطاق واسع، على يد كاتب متأخر شغوف بالمبالغات وقد استطاعت هذه الرواية أن تحمل العالم المسيحي، بل والإسلامي، على الاعتقاد بأن الملك سليمان كان من أشد الملوك عظمة وأبَّهة، وقد أسهب سفر الملوك الأول في تصوير مجد سليمان وأبَّهته وفخامته، ولكن الحق أنه إذا قيست منشآت سليمان، بمنشآت تحتمس الثالث أو رمسيس الثاني أو نبوخذ نصر، فإن منشآت سليمان تبدو من التوافه الهينات... وكانت مملكة سليمان رهينة تتجاذبها مصر وفينيقيا، وترجع أهميتها في معظم أمرها إلى ضعف مصر المؤقت... فسليمان وهو في أوج مجده لم يكن إلاَّ ملكًا صغيرًا تابعًا، يحكم مدينة صغيرة، وكانت دولته من الهزال وسرعة الزوال بحيث أنها لم تنقضِ بضعة أعوام على وفاته، حتى استولى شيشنق أول فراعنة الأسرة الثانية والعشرين على أورشليم}.."(1)(5).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- قال الكتاب: "فَتَعَاظَمَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ عَلَى كُلِّ مُلُوكِ الأَرْضِ فِي الْغِنَى وَالْحِكْمَةِ" (1مل 10: 23) وليس في هذا أن نوع من المبالغة، لأن أعظم ملوك الأرض حينذاك كانوا هم ملوك مصر وأشور، وفي عصر سليمان كانت كلٍ من آشور ومصر تمر بمرحلة ضعف، ولذلك تعظَّم الملك سليمان وعُرف في بلاده وخارج بلاده بالحكمة والغنى، وغنى سليمان أمر واضح في الطعام اليومي الذي كان يُقدم في قصره (1مل 4: 22 - 24) وسبق الكتاب وقال: "وَكَانَ سُلَيْمَانُ مُتَسَلِّطًا عَلَى جَمِيعِ الْمَمَالِكِ مِنَ النَّهْرِ إِلَى أَرْضِ فِلِسْطِينَ، وَإِلَى تُخُومِ مِصْرَ... لأَنَّهُ كَانَ مُتَسَلِّطًا عَلَى كُلِّ مَا عَبْرَ النَّهْرِ مِنْ تَفْسَحَ إِلَى غَزَّةَ، عَلَى كُلِّ مُلُوكِ عَبْرِ النَّهْرِ" (1مل 4: 21، 24) وغنى سليمان وعظمته واضح أيضًا من كمية الخيل الذي كان يمتلكه، إذ كان يملك أربعين ألف مزود (1مل 4: 26) كما قال الكتاب عن حكمة سليمان: "وَفَاقَتْ حِكْمَةُ سُلَيْمَانَ حِكْمَةَ جَمِيعِ بَنِي الْمَشْرِقِ وَكُلَّ حِكْمَةِ مِصْر" (1مل 4: 30).

St-Takla.org Image: King Solomon - from The Nuremberg Chronicle, book by Hartmann Schedel, 1493. صورة في موقع الأنبا تكلا: سليمان الملك - من كتاب تاريخ نورنبيرج، بقلم هارتمان شيدل، 1493 م.

St-Takla.org Image: King Solomon - from The Nuremberg Chronicle, book by Hartmann Schedel, 1493.

صورة في موقع الأنبا تكلا: سليمان الملك - من كتاب تاريخ نورنبيرج، بقلم هارتمان شيدل، 1493 م.

          لقد تهيأ لداود وسليمان إقامة دولة حقيقية قوية وقد أعانتهما الظروف الدولية على هذا، فعقب موت رمسيس الثالث فرعون مصر تلاشى سلطان مصر على أرض كنعان، واجتاح الدولة المصرية مرحلة ضعف حتى أنها فقدت سيطرتها خارج الأراضي المصرية، وأيضًا تغلث فلاسر الأول (1112 - 1074 ق.م.) ملك آشور الذي نشر سلطانه خارج البلاد وحقق انتصارات على الحثيين والبابليين، بعد موته مباشرة تدهورت الإمبراطورية الآشورية، وبذلك لم يكن هناك مقاوم رئيسي لداود وسليمان لا من مصر ولا من آشور، وسنحت الفرصة لإقامة مملكة إسرائيل الموحدة، ولكن بعد موت سليمان بدأت مصر تنشط مع قيام الأسرة (22) تحت حكم شيشق (أو شيشنق) سنة 946 ق.م. فاستطاع أن يفرض سيطرته على رحبعام بن سليمان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وبعد هذا نشطت الإمبراطورية الآشورية في عهد نيري الثاني (909 - 886 ق.م.) ومنذ عهد آشور ناصربال الثاني (883 - 859 ق.م.) استخدم ملوك آشور الأساليب الوحشية، فقيل عن آشور ناصربال: "كانت سياسته أن يحرق البلاد بمجرد استيلاءه عليها، وكان يعذب الأسرى الذكور بقطع أياديهم وأذانهم وقلع عيونهم، ثم كانوا يُوضعون أكوامًا أكوامًا، ويُتركون في الشمس للذباب بجراحهم حتى يموتون. أما أطفالهم -الأولاد والبنات- فكانوا يُحرقون أحياء. أما الرؤساء فكانوا يُحملون إلى آشور ويُسلخ جلودهم أمام الملك ليتمتع برؤية عذابهم!!"(2)(3).

 

2- ما جاء في موسوعة "ويلز" أن قصة سليمان امتلأت حشوًا على يد كاتب متأخر شغوف بالمبالغات فنحن لا نؤمن بهذا، لأننا نوقن أن كل ما جاء في الكتاب المقدَّس هو صادق وأمين، مُوحى به من الروح القدس، يخلو تمامًا من المبالغات والخرافات والأكاذيب، فإن كلمة الله هي روح وحياة، وهي حيَّة وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين، والدليل على أن قصة سليمان ليست وليدة خيال كاتب مُغرم بالمبالغات، أن القصص الخيالية تصنع من بطل القصة أسطورة، فلا تذكر إلاَّ أمجاده وعظائمه وتتغاضى تمامًا عن ضعفاته وأخطاءه. أما الكتاب المقدَّس فلم يجد حرجًا -بعد أن ذكر أن الله وهب سليمان حكمة لم يهبها لأحد قط- أن يذكر ضعفاته، بل ذكر أن نسائه أملنَ قلبه نحو عبادة الأوثان، مما تسبب في زوال المجد من مملكة إسرائيل وتعرضها للانشقاق في عصر رحبعام بن سليمان... لقد شق الله مملكة إسرائيل بعد أن كان هناك وعدًا إلهيًّا بأنها تثبت إلى الأبد، وذلك بسبب خطية سليمان.

 

3- هناك بعض الخلافات بين قصة سليمان في سفر الملوك وبين قصته في القرآن فمثلًا:

أ  - جاءت قصة سليمان في سفر الملوك كاملة مترابطة زمنيًا من البداية للنهاية، أما قصة سليمان في القرآن فقد جاءت كأخبار متناثرة في نحو سبع سور وهي البقرة (2)، والنساء (4)، والأنعام (6)، والأنبياء (21)، والنمل (27)، وسبأ (34) وصَ (31).

ب- ورد في القرآن أمورًا عن سليمان لم يأتِ لها ذكر في الكتاب المقدَّس مثل:

(1) حديث النمل الذي سمعه سليمان " قالت نملة يا أيها النمل أدخلوا مسكنكم لئلا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون. فتبسم ضاحكًا من قولها" (النمل 27: 18، 19).

(2) تهديد سليمان للهدهد لأنه غاب عن مجلسه، وحديث الهدهد معه: "وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين. لأعذبنه عذابًا شديدًا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين. فمكث غير بعيد فقال أحطتُ بما لم يُحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين.." (النمل 27: 20 - 22) وأرسل سليمان كتاب لأهل سبأ مع الهدهد: "أذهب بكتابي هذا فالقهِ إليهم ثم تولَ عنهم فانظر ماذا يرجعون" (النمل 27: 28).

(3) حديث سليمان مع العفريت إذ طلب سليمان عرش مملكة سبأ فأحضره له في الحال: "قال عفريت من الجن أنا آتيك به. قبل أن تقوم من مقامك وأني عليه لقوى أمين... آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرًا عنده قال هذا من فضل ربي" (النمل 27: 39، 40).

(4) مجيء ملكة سبأ إلى سليمان ودخولها الصرح والكشف عن ساقيها وإسلامها " فلما جاءت قيل أهكذا عرشكِ قالت كأنه هو... قيل لها أدخلي الصرح فلما رأته حسبته لُجَّة وكشفت عن ساقيها قال أنه صرح مُمرد من قوارير قالت ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين" (النمل 27: 42 - 44).

(5) تسخير الريح لسليمان: "فسخرنا له الريح تجري بأمره رُخَاءً حيث أصاب" (سورة صَ 38: 36).. " ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر" (سبأ 34: 12).

(6) كان لسليمان جنود من الجن والإنس والطير: "وحُشِر لسليمان جنوده من الجن والأنس والطير" (النمل 27: 17).. " ومن الجن من يعمل بين يديه بأذن ربه" (سبأ 34: 12).

(7) جاء في سورة البقرة في قصة سليمان أن الشياطين يعلمون الناس السحر، كما أن الملاكين هاروت وماروت قد ضلا، فجاء في السورة: "يُعلمون الناس السحر وما أُنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يُعلّمان من أحدٍ حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحدٍ إلاَّ بأذن الله ويتعلَّمون ما يضرهم وما ينفعهم.." (البقرة 2: 102) وقال المفسرون أن الله أنزل الملاكين هاروت وماروت وهما من أصلح الملائكة إلى الأرض ووضع فيهما الشهوة، فكانا يحكمان بين الناس بالحق في النهار ويصعدان للسماء بالليل، حتى جائتهما امرأة جميلة من فارس ففتنا بها وحكما لها، بل عبدا الصنم حبًا فيها، وعندما رغبا في الصعود للسماء لم تطاوعهما أجنحتهما، فتوجها للنبي أدريس ليشفع فخيّرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا وهما للآن معلقان من شعورهما في بابل حتى قيام الساعة.

(8) عندما مات سليمان لم يعلم أحد بموته من الأنس والجن، حتى أكلت دابة الأرض العصاة التي يتوكأ عليها فخر ساقطًا على الأرض فعرفوا بموته: "فلما قضينا عليه الموت ما دلَّهم على موته إلاَّ دابة الأرض تأكل منسَأته فلما خرَّ تبينت الجن" (سبأ 34: 14).

جـ- نسب القرآن بعض الأخطاء لسليمان لم يأتِ لها ذكر في الكتاب المقدَّس مثل:

(1) محبة سليمان للخيل شغلته عن عبادة ربه: "إذ عُرض عليه بالعشىَ الصافنات الجياد. فقال إني أحببت حُب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب. ردوها عليَّ فطفق مسحًا بالسوق والأعناق" (سورة صَ 38: 31 - 33) فواضح أن محبة الخيل شغلته عن العبادة، حتى قال بعض المفسرين أنه ذبحها ليتخلص منها.

(2) قتل ملك صور والزواج بابنته والاستعانة بالشياطين في تصوير صورة المقتول " ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه. جسدًا ثم أناب. قال ربّ أغفر لي وهب لي مُلكًا لا ينبغي لأحد من بعدي أنك أنت الوهاب" (سورة صَ 38: 34، 35) وذكر وهب بن منيه بما معناه أن سليمان قتل ملك صيدون وتزوج بابنته جرادة وكانت رائعة الجمال، فأحبها سليمان حبًا جمًا، ولكنها لم تكف عن البكاء وزرف الدمع على أبيها، وحاول سليمان تعزيتها بقوله أن الله أبدلك به بمُلكًا أعظم من مُلكه وسلطانًا أعظم من سلطانه، ومع ذلك لم تكف عن البكاء، وطلبت من زوجها سليمان أن يأمر الشياطين حتى يصوروا لها صورة أبيها فتتعزى بها، وفعل سليمان هكذا، فألبسته ثيابًا مثل ثياب أبيها، وأخذت تسجد له وتعبده لمدة 40 صباحًا، ثم عاتب "آصف بن برخيا" سليمان على عمله هذا: "فقال آصف أن غير الله يُعبَد في دارك منذ أربعين صباحًا في هوى امرأة، ثم رجع سليمان إلى داره فكسر ذلك الصنم وعاقب تلك المرأة وولائدها ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحده وأمر برماد فُرِش له وجلس عليه... يبكي ويدعو يستغفر"(4).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) مقارنة الأديان 1- اليهودية ص 78، 79.

(2) Hall, the ancient History of the Near East.

(3) أورد هـ-ـ ل. اليسون - مركز المطبوعات المسيحية - تفسير الكتاب المقدَّس جـ 2 ص 263.

(4) الهداية جـ 1 ص 44.

(5) الأسطورة والتراث ص 259 - 261.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1271.html

تقصير الرابط:
tak.la/f8rfs3x