St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1265- هل أعطى سليمان حيرام عشرين مدينة في أرض الجليل (1مل 9: 12) أم أن حيرام هو الذي أعطى سليمان العشرين مدينة (2أي 8: 2)؟ ومن أين أتى سليمان بهذه المدن العشرين؟ وكيف يتنازل عن أرض الآباء والأجداد؟(1)

 

          يقول " زينون كوسيدوفسكي": "استدان سليمان من حيرام مائة وعشرين وحدة ذهبية، ورهن لديه عشرين قرية ومدينة في الجليل. وعندما قَدِمَ ملك صور لرؤية قراه ومدنه في الجليل عرف أنه وقَّع صفقة خاسرة لأن تلك المدن والقرى كانت منهكة بالضرائب وعلى حافة الإفلاس"(2).

          ويقول " ليوتاكسل": "يقينًا أننا لعاجزون تمامًا أن نعرف من أين أتى سليمان بهذه المدن العشرين التي أهداها إلى صديقه حيرام، فالسامرة لم تكن قد أُنشئت بعد، وربما كانت قرية صغيرة، وشكيم وبيت لحم كانت ركامًا ولم يعاد بناؤهما إلاَّ في عهد يربعام. وهذه هي مدن الجليل كلها في ذلك الحين"(3).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- الإنشاءات الضخمة التي قام بها سليمان أرهقت ميزانية الدولة على مدار سنين طويلة، فاستغرقت هذه الإنشاءات عشرين عامًا، وكان الملك حيرام خير سند للملك سليمان في هذا، فهو الذي أمده بأخشاب الأشجار والأحجار والعمال المهرة، وأقرضه قدر ليس بقليل من الذهب " وَكَانَ حِيرَامُ مَلِكُ صُورَ قَدْ سَاعَفَ سُلَيْمَانَ بِخَشَبِ أَرْزٍ وَخَشَبِ سَرْوٍ وَذَهَبٍ، حَسَبَ كُلِّ مَسَرَّتِهِ... وَأَرْسَلَ حِيرَامُ لِلْمَلِكِ مِئَةً وَعِشْرِينَ وَزْنَةَ ذَهَبٍ" (1مل 9: 11، 14) والمائة والعشرون وزنة ذهب تعادل 4320 كجم وكانت هذه الكمية تمثل قرضًا بدون فائدة، ولذلك قدم سليمان لحيرام عشرين مدينة لا ليمتلكها، لأن سليمان لا يُفرّط في أرض أبائه، إنما ليستغلها ويستفيد بالضرائب التي تُفرض على سكانها، وهذه المدن كانت مدنًا زراعية على حدود إسرائيل، وخرج حيرام ليتفقد هذه المدن فلم يُعجب بها، لأنها مدن زراعية وهو لم يُهيأ لمثل هذا النشاط الزراعي، بل كان كل ما يشغله الأعمال التجارية، وكان حيرام يطمع في مدن تجارية على ساحل البحر، ومع ذلك لم يؤدي هذا لنشوب خلاف وصراع وحرب بين حيرام وسليمان، إنما عاتبه بمحبة: "فَخَرَجَ حِيرَامُ مِنْ صُورَ لِيَرَى الْمُدُنَ الَّتِي أَعْطَاهُ إِيَّاهَا سُلَيْمَانُ، فَلَمْ تَحْسُنْ فِي عَيْنَيْهِ. فَقَالَ: مَا هذِهِ الْمُدُنُ الَّتِي أَعْطَيْتَنِي يَا أَخِي؟ وَدَعَاهَا أَرْضَ كَابُولَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ" (1مل 9: 12، 13).

          ويقول " الأرشيدياكون نجيب جرجس": "وهذه المنطقة وإن كانت أرضها خصبة جدًا إلاَّ أنها تناسب شعبًا عمله الأساسي الزراعة مثل شعب إسرائيل، بينما لا تناسب شعبًا يعمل في التجارة مثل الصوريين ولذلك كان حيرام يطمع في بعض المدن الساحلية التي يستفيد منها في أعماله التجارية"(4).

          وقام حيرام ملك صور برد هذه المدن إلى سليمان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فأخذ سليمان هذه المدن وعمل على توطين عدد أكبر من السكان فيها، حتى تكون الضرائب المحصَّلة منها مجدية: "وَبَعْدَ نِهَايَةِ عِشْرِينَ سَنَةً، بَعْدَ أَنْ بَنَى سُلَيْمَانُ بَيْتَ الرَّبِّ وَبَيْتَهُ، بَنَى سُلَيْمَانُ الْمُدُنَ الَّتِي أَعْطَاهَا حُورَامُ لِسُلَيْمَانَ، وَأَسْكَنَ فِيهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ" (2أي 8: 1، 2) وقام سليمان بعد أن انتهى من عبء المباني بتسوية ديونه مع حيرام، سواء عن طريق توريد محاصيل زراعية، ساهم فيها سكان هذه المدن العشرين، أو عن طريق سدادات نقدية بعد عودة حملة أوفير بالذهب (1مل 9: 26 - 28، 10: 11) أو مما وهبته ملكة سبأ له (1مل 10: 2) أو ما نتج من الانتعاش الاقتصادي، فقد أنشأ سليمان معامل تكرير لتنقية المعادن، وحملت سفن سليمان الحديد والنحاس من خلال مواني عصيون جابر وأيلة (1مل 9: 26 - 28، 2 أي 8: 17، 18) واتجهت هذه السفن في رحلات تجارية إلى اليمن والحبشة والشاطئ الإفريقي، واستبدلوها بالذهب والفضة والعاج والقردة مما جلب أرباحًا هائلة، وأيضًا جلب سليمان الخيول من سيلسيا Cilicia التابعة للإمبراطورية الحثية، ومن مصر، واستخدم الآراميين كوسطاء في هذه التجارة (1مل 10: 25 - 29، 2 أي 1: 13 - 17) فراجت هذه التجارة، وأيضًا مما رفع دخل سليمان قوافل الجمال التي حملت التوابل من جنوب العرب حتى سوريا وفينيقية ومصر، وبالإضافة لكل هذا شهرة سليمان وحكمته التي جذبت أنظار الملوك والعظماء فأتوا إليه بهداياهم الثمينة(5).

          ويقول " هـ. ل. اليسون": "يبدو أن العشرين مدينة التي أعطاها سليمان للملك حيرام كانت بمثابة ضمانة للقرض البالغ مئة وعشرين وزنة ذهب (ع 14) ولما جرى دفع القرض المذكور ورُدَّت (وأعيدت) هذه المدن إلى الملك سليمان كما يُشار إلى ذلك في الفقرة المماثلة في (2أي 8: 2) والتي تسجل نهاية الإجراء فقط " ودعاها أرض كابول " ربما كان معنى اللفظ "كابول" أي " لا قيمة لها " أما  السبعينية فتترجمها " أرض الحدود".."(6).

 

2- يقول " القمص تادرس يعقوب": "يبدو أن سليمان قدم هذه المدن لحيرام لا لتصير مِلكًا له تُضم إلى مملكته دائمًا، وإنما لكي يستغلها كيفما يريد حتى يتم تسديد أجرة العمال... ويرى يوسيفوس المؤرخ اليهودي أنها دُعيت كابول وهي كلمة فينيقية تعني " غير مُسِرة " فيما بعد أخذها سليمان من حيرام مقابل عطايا معينة، ربما قدم له محاصيل زراعية أكثر. أصلح سليمان هذه المدن وجعلها سكنًا للإسرائيليين.

     يتساءل البعض: لماذا لم يُسر حيرام بالعشرين مدينة؟ هل كانت المدن بلا قيمة قدمها سليمان لحيرام وهو يعلم أنها غير نافعة له، أم كان حيرام مستغلًا يريد نوال أكبر مكسب؟

     يجيب بعض الدارسين بأنه لم تكن هذه المدن بلا قيمة، ولم يكن حيرام مستغلًا، فالمنطقة دون شك لها قيمتها كأراضٍ زراعية. أما رجال حيرام فكانوا تجارًا لا خبرة لهم بالزراعة، ولا يريدون الدخول في هذا المجال. ما يُسرَ حيرام وشعبه هو أن يفتح لهم مجال أوسع للعمل التجاري لا الزراعي. فالشعب الذي له أسطول بحري وعلاقات تجارية دولية يتعجب كيف يمكن للإنسان أن يُسر بالعمل الزراعي كسكان كابول؟ ومن الجانب الآخر الذين يهتمون بالعمل الزراعي لا يجدون مسرتهم في التجارة البحرية حيث البحر العنيف والمشاكل التي تواجه البحارة! لقد وهب الله لكل إنسان كما لكل شعب ما يمكن أن يبهجه ويسره"(7).

 

3- لم تكن هذه المدن العشرين موضع الحديث مدنًا كبيرة مثل أورشليم ودمشق وصور وصيدا وأريحا، إنما كانت مدنًا بسيطة أطلق عليها الناس مدنًا وهي أقرب للقرى منها للمدن، وعندما جاء في سفر يشوع (يش 12: 9 - 24) أن يشوع قتل 31 ملكًا فنحن نتفهم أنه لم يكن هؤلاء ملوكًا كملوك مصر وآشور وآرام، إنما هم أمراء لمدن وقد دعاهم الناس حينذاك ملوكًا لأنهم يملكون ويتحكمون كلٍ في منطقته، فمساحة أرض الموعد غرب الأردن لا تتعدى مساحتها نحو 240 × 80 كم فمن المستحيل أن يعيش عليها 31 مملكة، هكذا كان شأن هذه المدن العشرين فأنها كانت مدن صغيرة من جهة المساحة وقليلة من جهة عدد السكان، ومثال على هذا نحن ندعو مرسى مطروح مدينة والإسكندرية أيضًا مدينة، ولكن شتان بين هذه وتلك من جهة المساحة ومن جهة عدد السكان ومن جهة الإنشاءات... إلخ. فمرسى مطروح تمثل جزء من حي من أحياء الإسكندرية (نحو ثمانية أحياء).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) البهريز جـ 1 س 431.

(2) ترجمة د. محمد مخلوف - الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 270.

(3) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 382.

(4) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر الملوك الأول ص 125.

(5) راجع د. صموئيل شولتز - العهد القديم يتكلم ص 21.

(6) مركز المطبوعات المسيحية - تفسير الكتاب المقدَّس جـ 2 ص 192.

(7) تفسير سفر الملوك الأول ص 218، 219.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1265.html

تقصير الرابط:
tak.la/5z6jjtx