St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1241- كيف يتزوج سليمان من ابنة فرعون عدو الله (1مل 3: 1) التي تعبد الأوثان، بالرغم من أن الشريعة قد نهت عن ذلك، أم أن القصة ملفَّقة لأن الكتاب أغفل اسم فرعون هذا؟ وكيف يكون سليمان ملكًا عظيمًا ولا يستطيع الاستيلاء على مدينة جازر؟

 

          يقول " علاء أبو بكر": "هل تتخيل أن يتزوج سليمان نبي الله المُرسَل لهداية قومه ابنة عدو الله..؟ ما الغرض التربوي من هذه الزيجات والتقرب من أعداء الله من المشركين الوثنيين؟"(1).

          ويقول " ليوتاكسل": "ثم تخبرنا التوراة بأن سليمان عقد تحالفًا مع ملك مصر، بل وتزوج ابنته، لكنها لم تذكر لنا اسم ذلك الملك المصري، واكتفت بأن دعته: الفرعون، وهذا يؤكد أن ذلك الزواج كان مجرد حكاية خرافية وحسب"(2).

          ويقول " دكتور سيد القمني": "وحتى تُستَكمل العظمة، كان محتمًا أن يتمم الملك الأبهة بزوجة تليق به، ونسب يضاهيه جاهًا واقتدارًا، ولما لم يكن وقتها من هو أعظم من فراعنة مصر أبهة وجاهًا واقتدارًا، ورغم العداء المرير الذي تقطر مرارته في كل إصحاح من أسفار الكتاب المقدَّس ضد مصر والمصريين فقد صاهر سليمان فرعون مصر وأخذ بنت فرعون (1مل 3).. والأمر إضافة إلى خرافته، فإن فيه نظرًا وملحوظات: الملحوظة الأولى وتتعلق بهذا الجيش العرمرم من المركبات والفرسان (التي يمتلكها سليمان) وهو ما يناله شك كبير، وفي ضوء نص آخر بنفس السفر، يشير إلى استعصاء المدينة الساحلية (جازر) على سليمان، حتى أن صهره الفرعون أرسل بضعة كتائب احتلتها له، ثم أهدتها إياه كعربون صداق لعرس ابنة الفرعون، لكن حتى هذا الزواج بدوره يشوبه شك أكبر، خاصة مع ما نعلمه من وثائق التاريخ عن سنن الفراعين، الذي لم يدرجوا على زواج بناتهم لغير مصريين حتى لو كانوا ملوكًا...

وإذا عزَّ وجود ذكر في داخل الأسرة المالكة، فكان لا بُد للمرَشح للعرش من المرور بطقوس دينية وتطهيرية وارتقائية يطول شرحها، تنتهي أيضًا بشرط زواجه من الأميرة الواثقة، فما بالنا والأمر يتعلق بملك من العبرانيين؟. أولئك الذين كانوا في نظر المصريين الأعتياديين وليس الملوك، وحسب نص الكتاب المقدَّس ذاته، رجسًا ونجسًا يجب على المصري تحاشيه واجتنابه، فلا يساكنه (تك 46) ولا يؤاكله (تك 43). وحتى لو سلمنا بصدق الرواية التوراتية حول الزواج، فإن (ويلز) يُعقّب بالقول {.. إن هذا يدل دلالة واضحة على انحطاط مهابة مصر وتدهورها في هذه الأثناء}"(3)(4).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- تعبير الناقد " فرعون عدو الله " تعبير جانبه الصواب، لأنه من المستحيل أن يناصب الله أحد من البشر العداء، فالله هو محب البشر، وهو الذي يشرق شمسه على الأبرار والأشرار، ويعطي قوتًا للصالحين والطالحين، إنما الله القدوس لا يقبل الشر على الإطلاق، فهو يبغض ظلم فرعون وقسوته وإفتراءه على شعب الله حتى أنه أمر قتل أطفالهم الذكور، وسخَّرهم سخرية مُرة، أما بالنسبة لفرعون فقد منحه الله فرص عديدة لينجو من الهلاك ولكن عناده وكبريائه هما اللذان أوصلانه إلى الهلاك، وما أروع كلمات الله لملاك كنيسة أفسس " عِنْدَكَ هذَا: أَنَّكَ تُبْغِضُ أَعْمَالَ النُّقُولاَوِيِّينَ الَّتِي أُبْغِضُهَا أَنَا أَيْضًا" (رؤ 2: 6) فالله لا يبغض النقولاويين رغم شرورهم ولكن يبغض أعمالهم الشريرة، وهكذا يعلمنا أن نحب الخاطئ ونبغض الخطية.

 

2- ربما كان الغرض الأساسي من زيجات سليمان العديدة، ولاسيما زواجه من ابنة فرعون عقد معاهدات صلح وسلام مع تلك الشعوب المجاورة، وفعلًا صار عصر سليمان عصر سلام، فبزواجه من ابنة فرعون قد أمَّن حدوده الجنوبية، وربما عندما تزوج سليمان من ابنة فرعون قد وضع في نفسه أن يجتذبها للإيمان الحقيقي، وربما آمنت ابنة فرعون ولذلك لا توجد أية آثار للعبادات المصرية القديمة في فلسطين في عهد سليمان، لأن سليمان لم يقم أية مظاهر للآلهة المصرية القديمة.

     وعندما نهت الشريعة عن الزواج من الأمم التي تسكن أرض كنعان كان القصد أن لا يملنَ شعب الله لعبادة الأوثان " اِحْتَرِزْ مِنْ أَنْ تَقْطَعَ عَهْدًا مَعَ سُكَّانِ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ آتٍ إِلَيْهَا لِئَلاَّ يَصِيرُوا فَخًّا فِي وَسَطِكَ. وَتَأْخُذُ مِنْ بَنَاتِهِمْ لِبَنِيكَ، فَتَزْنِي بَنَاتُهُمْ وَرَاءَ آلِهَتِهِنَّ، وَيَجْعَلْنَ بَنِيكَ يَزْنُونَ وَرَاءَ آلِهَتِهِنَّ" (خر 34: 12، 16) ولم يكن النهي بصفة مطلقة، وقد تزوج يوسف قبل الشريعة من "أسنات" ابنة فوطي فارع، وتزوج موسى بصفورة المديانية، وبعد ذلك تزوج من المرأة الكوشية (في حالة أن المرأة الكوشية غير صفورة) وعندما تكلما مريم وهرون على موسى لم يكن ذلك بسبب جنسية زوجته أنما بسبب تسلطها، وتزوج سلمون براحاب بعد إيمانها بإله إسرائيل، وأيضًا تزوج بوعز براعوث الموآبية، وسمح الله لرجال إسرائيل بالزواج من الأسيرات من الأمم.

     ويقول " القمص تادرس يعقوب": "لم يضيع سليمان وقته في إقامة تحالف مع مصر أخطر قوة عسكرية في ذلك الحين، لكنه استطاع أن يحقق ذلك بزواجه بابنة فرعون التي يبدو أنها قبلت عبادة الله الحيّ، وقد رحبت مصر بذلك، حيث شعرت بتزايد قوة إسرائيل، فكان من الجانب السياسي هذا الزواج يعطي استقرارًا للمملكتين. يرى البعض أن سليمان قد أخطأ... غير أنه لم يكن الزواج بمصرية أمرًا يخالف الشريعة التي تمنع الزواج من الكنعانيات (خر 34: 16، تث 7: 3) بينما يسمح بزواج الأسيرة في الحرب (تث 21: 10 إلخ.)"(5).

 

3- إغفال اسم فرعون لا يعني على الإطلاق أن القصة مفبركة وملفَّقة، وأنها خرافية عارية من  الصحة، مع ملاحظة أن القرآن سلك نفس المسلك، فقد ورد في القرآن اسم فرعون 74 مرة يحكي خلالها أحداث عديدة خلال 26 سورة، ولم يُذكر مرة واحدة اسم فرعون، فهل هذا يعني أن كل هذه الأحداث غير حقيقية؟

 

4- تعبير الدكتور سيد القمني: "ورغم العداء المرير الذي تقطر مرارته في كل إصحاح من أسفار الكتاب المقدَّس ضد مصر والمصريين " تعبير جانبه الصواب، لأن اسم "مصر" لم يرد في كل إصحاح من إصحاحات الكتاب المقدَّس، وإن قال الناقد أنه يقصد جميع الإصحاحات التي جاء فيها ذكر مصر أو المصريين، باعتبار أن إسقاط الشيء المعلوم جائز، نقول له لقد جاء اسم مصر في العهد القديم نحو 670 مرة، وفي العهد الجديد 27 مرة، وإن كان هناك آيات قليلة تدين شر مصر وعباداتها الوثنية، فإن هناك آيات عديدة تمدح المصريين، وعلى رأس هذه الآيات " مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ" (أش 19: 25) فقد نسب الله شعب مصر لنفسه " شَعْبِي " وأسبغ عليه البركة، وقد تحقق هذا بقبول المصريين الإيمان المسيحي، وتحقَّقت نبوءات إشعياء النبي في معرفة المصريين للرب: "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ، وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخْمِهَا... يُعْرَفُ الرَّبُّ فِي مِصْرَ، وَيَعْرِفُ الْمِصْرِيُّونَ الرَّبَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً، وَيَنْذُرُونَ لِلرَّبِّ نَذْرًا وَيُوفُونَ بِهِ" (أش 19: 19، 21) ولم يقم السيد المسيح له المجد بأي زيارة لأي دولة أخرى خارج فلسطين باستثناء مصر، التي تباركت بمجيء العائلة المقدسة التي طافت في أرجائها وباركت أراضيها ونيلها وشعبها، على مدار عدة سنوات.

 

5- لم يسبق أن دخل جيش سليمان في حرب ضد مدينة جازر، واستعصت عليه المدينة، ولم يقف جيش سليمان على أبواب جازر ولم يقوى على اقتحامها، ولكن الذي حدث أنه جرت العادة أن يهب فرعون مصر هبةً لصهره، وكان الأولى به أن يهبه هدية من ممتلكاته، ولكنه اقتحم مدينة جازر وأباد سكانها وأحرقها بالنار ومنحها هبة سليمان الذي أعاد بنائها (1مل 9: 16، 17) ويبدو أن سكان جازر من الكنعانيين قد أساءوا إلى فرعون مصر، وحاولوا الاعتداء على بعض مستعمراته في آسيا، فاغتاظ منهم وهجم على المدينة فقتل سكانها وأحرقها بالنار وأعطاها لسليمان كمهر لابنته، وتقديرًا من سليمان لفرعون بنى لابنته قصرًا خاص بها في أورشليم " وَعَمِلَ بَيْتًا لابْنَةِ فِرْعَوْنَ" (1مل 7: 8) وأيضًا (1مل 9: 4) وجاء في " الكتاب المقدَّس الدراسي": "يبدو أنه من المحتمل أن فرعون الذي تحالف معه سليمان كان سي آمون Siamun أحد آخر ملوك الأسرة المصرية المالكة الحادية والعشرين، وهذا التحالف يؤكد على الاعتراف المصري بتزايد أهمية وقوة ومملكة بني إسرائيل يشير إلى (1مل 9: 16) إلى أن فرعون أعطى مدينة جازر الكنعانية هدية لابنته عند زواجها بسليمان. كانت جازر واقعة بالقرب من نقطة التقاء طريقين مهمين من طرق التجارة أولهما، كان يقع غرب جازر، ويمتد من مصر إلى الشمال، وكان يمثل أهمية كبيرة للمصالح التجارية المصرية. والثاني كان يقع شمال جازر، ويمتد من أورشليم إلى البحر المتوسط وبالتحديد إلى ميناء يافا وكان مهمًا لسليمان كخطٍ للإمدادات التي كانت تصل لمشروعاته الإنشائية. وقد مكن هذا الزواج والتحالف كلًا من سليمان وفرعون مصر من تحقيق العديد من الأهداف السياسية والاقتصادية المهمة. ولا يُعرف بالتحديد تاريخ لعقد هذه التحالف، ولكن يبدو أنه حدث في السنة الثالثة أو الرابعة من حكم سليمان (أنظر 1مل 2: 39). بدأ سليمان في بناء الهيكل في السنة الرابعة من مُلكه (1مل 6: 1) وكانت السيطرة على جازر أمرًا مهمًا بالنسبة له لكي يتمكن من البدء في إتمام هذا المشروع"(6).

 

6- كان المصريون ينظرون للشعوب الأخرى مثل العبرانيين رعاة المواشي وغيرهم على أنهم غير طاهرين فلا يأكلون معهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. " لأن المصريين لا يقدرون أن يأكلوا طعامًا مع العبرانيين لأنه رجس للمصريين" (تك 46: 34) وكانت هذه العادات سائدة أيام يوسف الصديق، ولكن بعد مرور نحو سبعمائة عام أو أكثر قد تكون هذه العادات خفت وطأتها، ولاسيما بالنسبة للمعاملات مع الملوك الأجانب، فلنا أن نتصور أن بعض الملوك كانوا يزورون فرعون مصر ويأكلون معه، ولاسيما لو كان ملك في قوة وقدرة وحكمة سليمان. وفرعون الذي زوج ابنته لسليمان هو أحد ملوك الأسرة الحادية والعشرين، لأن "شيشق" فرعون مصر الذي هاجم رحبعام وسلب كنوزه كان أول ملوك الأسرة الثانية والعشرين، وفي الأسرة الحادية والعشرين كان هناك تنازعًا شديدًا على المُلك في مصر، فاحتاج ملوكها إلى التحالف مع الملوك الأجانب، ولذلك سرَّ هذا الفرعون بزواج ابنته من ملك قوي حكيم ذاعت شهرته، كما سرَّ بنو إسرائيل لأن هذه الزيجة ستكسر نير الدولة المصرية عنهم، ولم يكن هذا أمرًا فريدًا، فقد سبق أن آخر ملوك الأسرة العشرين قد تزوج بأميرة أشورية، كما تزوج رعمسيس الكبير من امرأة حثية، كما هو واضح من الآثار المصرية القديمة.

     ويقول " الخوري بولس الفغالي": "وكان اتفاق بين سليمان ومصر الضعيفة (حينذاك) مع السلالة الحادية والعشرين، ترسَّخ بواسطة زواج كان مهره جازر (1مل 9: 16). لقد تزوج سليمان ابنة الفرعون سيامون... وقد كان للملكة الآتية من مصر قصر خاص بها (1مل 9: 24)"(7).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ1 س 424 ص 304.

(2) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 373.

(3) Wells, Otline of History P. 236.

(4) الأسطورة والتراث ص 262، 263.

(5) تفسير سفر الملوك الأول ص 92، 93.

(6) الكتاب المقدَّس الدراسي ص 779.

(7) المدخل إلى الكتاب المقدَّس جـ 1 ص 324.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1241.html

تقصير الرابط:
tak.la/ppm4t92