St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1020- كيف يقدم يفتاح الجلعادي ابنته ذبيحة بشرية (قض 11: 30، 31) والله لم يعاقبه على هذا العمل الوحشي؟ بل أكثر من هذا يحتسبه بولس الرسول من أبطال الإيمان (عب 11: 32)؟(1)

 

يقول " دكتور سيد القمني " أن هناك تلبُّس بين يهوه إله إسرائيل مع بعل مولوخ إله الكنعانيين الذي " كان ذا غرام خاص بدماء الصغار وكانت له احتفالات، يأخذ الناس زينتهم فيها، كأنهم في يوم عيد، وكانت دقات الطبول وأصوات المزامير تطغي على صراخ أطفالهم، وهم يحترقون في حجر الإله، وقد حدث في قرطاجنة أثناء حصارها سنة 307 ق.م. أن أُحرِق على مذبح هذا الإله الدموي مائتا غلام من أرقى أسرها، كما كشفت حفائر (كفر الحرة) عن صندوق يضم عظام أطفال، تحت أساس عمود، كضحية تأسيس لبعل مولك، أو الملك... وملاحظتنا عن تلبُّس (يهوه) بالإله (بعل مولك) تبدأ من شغف (يهوه) بدوره بدماء البشر، فهذا الملك (يفتاح) ينذر للرب نذرًا قائلًا {إن دفعت بني عمون ليدي. فالخارج الذي يخرج من أبواب بيتي للقائي عند رجوعي بالسلامة من عند بني عمون يكون للرب وأصعده محرقة... ثم أتي يفتاح إلى بيته... ففعل بها نذره الذي نذر} (قض 11: 30 - 39)"(2).

ويقول " ليوتاكسل": "بعد انقضاء الشهرين جرت مراسم تقديم الذبيحة تحت قيادة يفتاح نفسه، وكان الحزن يعتصر قلب الأب البائس، ولكن كان هناك من يتلمظ لاحسًا أصابعه لذة. إنه يهوه. وقد قال اللاهوتيون بهذا الصدد: أن الله أخذ الفتاة في حضنه. أي مهرج هذا... والسؤال الآن هو: كيف يجرؤ اللاهوتيون على القول، بعد هذه القصة: أن شعب الله المختار لم يعرف الذبائح البشرية؟ إذًا، لم يكن إله اليهود، أي الإله الرسمي للمسيحية، بأفضل من مالوخ، الإله الفينيقي والقرطاجي، لأنه كان مثله، يقبل الذبائح التي من الدم واللحم البشري، ويتلذذ بها غير شاعر بالاشمئزاز الذي يجب أن يثيره هذا الضرب من الذبائح"(3).

ويقول " جوناثان كيرتش": "حتى لو كنا راغبين في لوم يفتاح على حلفائه اليمين القاتل، إن متهورًا أو ماكرًا، فإن سؤالًا حرجًا يبقى ماثلًا أمامنا: لماذا سمح الله ليفتاح أن ينفذ نذره؟ وماذا كان الله يفعل في الوقت الذي كانت فيه ابنة يفتاح ورفيقاتها يبكين بتولتها أثناء فترة الانتظار المعروفة التي منحها لها أبوها قبل التنفيذ؟ أين كان الله حيث شُدَّت على المذبح وحُرقت كتقدمة إلى الرب؟. تقول لنا التوراة أن " روح الله " نزلت فوق يفتاح قبل أن ينطق بالقسم الذي سينتج عنه في النهاية موت ابنته... أن "روح الله" التي سكنت يفتاح كانت شيء أسود ومشوه، وعلى العموم، فإن روح الله، حتى لو لم تلعب أي دور على الإطلاق في أداء يفتاح للقسم، فإن العلي القدير، لم يفعل شيئًا لكي يمنع يفتاح من تنفيذ نذره، بل بقى الله بعيدًا بصورة جلية"(4).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- وُلِد يفتاح من آمة (عبدة) يبدو أنها غريبة عن شعب الله، فلم تعلَّمه أمه الشريعة ولا تاريخ الآباء، ولما مات أبوه طرده أخوته من المنزل وحرموه من ميراث أبيه، فعاش في أرض طوب، فاجتمع حوله رجال يطالبون، فصار رئيسًا لعصابة تزرع الرعب في قلوب الأمناء، وتفرض على الأغنياء إتاوات.

وعندما قام بني عمون الذين سبق الإسرائيليون بطردهم من أراضيهم بنهب جلعاد، بل عبروا الأردن إلى الجهة الغربية، ونهبوا أرض يهوذا وبنيامين وأفرايم، وضايقوا بني إسرائيل فالتجأوا إلى يفتاح الذي وافق على تخليصهم من بني عمون مقابل أن يصير زعيمًا وقاضيًا طوال حياته، وصلى يفتاح لإلهه ليهبه النصرة ونذر نذرًا بحسب مفهومه أن أول إنسان يقابله بعد العودة من الحرب، يقدمه ذبيحة وقربانًا لله، وبعدما انتصر يفتاح وعاد إلى وطنه يزهو في نصره " وإذ بإ بنته خارجة للقائه بدفوف ورقص. وهي وحيدة. لم يكن له ابن ولا ابنة غيرها. وكان لما رآها أنه مزَّق ثيابه وقال آه يا ابنتي قد أحزنتني حزنًا وصرت بين مكدري لأني قد فتحت فمي إلى الرب ولا يمكنني الرجوع (قض 11: 34، 35).

لقد تأثر يفتاح بالعادات الوثنية التي أباحت الذبائح البشرية، ولذلك جاء نذره موافقًا لهذه العادات الوثنية، فهي فكرة وثنية طائشة تعكس البيئة التي عاش فيها يفتاح في أرض طوب، ولكنه أحس بالخسارة الفادحة عندما أصاب هذا النذر ابنته، وكان أمامه الفرصة ليتراجع عن رأيه، ولكنه خشى أن يُغضِب إلهه، فارتكب الخطأ الثاني وهو تقديم ابنته ذبيحة، وهو يظن أنه بهذا يرضي إلهه الذي منحه النصرة على بني عمون.

 

2- حملت هذه الجريمة عقوبتها في أحشائها، حيث فقد يفتاح ابنته، كما فقد كل أمل في أن يكون له نسل، وهذا ما دعاه إلى أن يئن ويمزق ثيابه تعبيرًا عن تمزق أحشائه " آه يا أبنتي قد أحزنتني حزنًا وصرتِ بين مكدري" (قض 11: 35).

وليس حقيقة أن يفتاح كان يضمر التضحية بابنته كرشوة ليهوه ليمنحه النصرة كقول أحد النُقَّاد بأنها " رشوة تحت المنضدة " وأن يهوه كان راغبًا في هذا النذر ليشبع شهيته الخاصة في استشهاد ابنة يفتاح(7) وذلك لأن يفتاح كان يحب ابنته الوحيدة جدًا، ولم يكن لديه أي استعداد للتضحية بها، لأنه فيما هو يضحي بها، فأنه يضحي بنسله القادم، وفي تلك الأيام كانوا يهتمون بالنسل جدًا، وأيضًا من حزن يفتاح الشديد على ابنته يتضح أنه لم يقدمها رشوة من تحت المنضدة ليهوه، ويهوه لا يقبل على الإطلاق لا الذبائح البشرية، ولا الرشاوي، فالذي نهى شعبه عن قبول الرشوة لا يمكن أن يقبل هو رشوة دموية ولا غير دموية.

وليس حقيقة قول الناقد بأن يهوه غضب من يفتاح لأنه نذر أن يقدم أول من يلاقيه ذبيحة، فقال يهوه: لعله يلاقيه أولًا كلبًا، فكيف يقدم لي الكلب ذبيحة(6) لأن التاريخ لم يذكر قط أن بني إسرائيل قدموا ذبائح من الكلاب، وأيضًا هل سمع الناقد يهوه وهو يقول " لعل لاقاه كلبًا، فهل سيقدم لي كلبًا؟! "..؟! إنها تخيلات مريضة وافتراضات لا تنطبق على الواقع.

 

3- تعودنا في الكتاب المقدَّس أنه يذكر الحقائق كما هي بلا مواربة ولا تغطية ولا تجميل للصورة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فذكر لنا جميعًا الحقائق بحلوها ومرها، وذكر تلك الخطية الشنيعة التي ارتكبها يفتاح في نذره، وفي تتميمه لهذا النذر. وعندما مدح الكتاب يفتاح على لسان بولس الرسول قائلًا " وماذا أقول أيضًا لأنه يعوزني الوقت إن أخذت عن جدعون وباراق وشمشون ويفتاح" (عب 11: 32) فإنما مدحه ليس لأنه قدم ابنه ذبيحة، إنما لأنه خلص شعب الله من عبودية بني عمون، ولهذا أكمل بولس الرسول قائلًا " الذين بالإيمان قهروا ممالك" (عب 11: 33) ولا بُد أن يفتاح قدم توبة قوية، وتوبته قُبلت، ولذلك جاء ذكره في العهد الجديد كبطل من أبطال الإيمان.

 

4- ردًا على " ليوتاكسل " نقول أن الله لم يأمر قط بتقديم ذبائح بشرية، بل نهى عنها تمامًا، وجاء الحكم حاسمًا بقتل كل من يفعل هذا " لا تعطِ من زرعك للإجازة لمولك لئلا تدنس اسم إلهك. أنا الرب" (لا 18: 21) أي لا تقدم أطفالك ذبائح بشرية كما كان يفعل بنو عمون، وقال أيضًا " كل إنسان من بني إسرائيل ومن الغرباء النازلين في إسرائيل أعطى من زرعه لمولك فإنه يُقتل. يرجمه شعب الأرض بالحجارة. وأجعل أنا وجهي ضد ذلك الإنسان وأقطعه من شعبه لأنه أعطى من زرعه لمولك لكي ينجس مقدسي ويدنس اسمي القدوس" (لا 20: 2، 3).

وحذر الله شعبه من ارتكاب هذه الحماقة لئلا يكون مصيره مثل مصير الشعوب الوثنية، فقال " متى دخلت الأرض التي يعطيك الرب إلهك لا تتعلم أن تفعل مثل رجس أولئك الأمم. لا يوجد فيك من يجيز ابنه أو ابنته في النار" (تث 18: 9، 10).. " لا تعمل هكذا للرب إلهك لأنهم قد عملوا لآلهتهم كل رجس لدى الرب مما يكرهه إذ أحرقوا حتى بنيهم وبناتهم بالنار لآلهتهم" (تث 12: 31).

وقد ندَّد المُرنّم بمثل هؤلاء الذين قدموا أبناءهم ذبائح قائلًا " وذبحوا بنيهم وبناتهم للأوثان. وأحرقوا دمًا زكيًّا دم بنيهم وبناتهم الذين ذبحوهم لأصنام كنعان وتدَّنست الأرض بالدماء" (مز 106: 37، 38). كما ندَّد بهم الوحي الإلهي على لسان أرميا النبي قائلًا " وبنو مرتفعات تُوفة التي في وادي ابن هنوم ليحرقوا بنيهم وبناتهم بالنار الذي لم آمر به ولا صعد على قلبي" (أر 7: 31).. " وبنوا مرتفعات للبعل ليحرقوا أولادهم بالنار" (أر 19: 5) وأيضًا ندَّد بهم الوحي الإلهي على لسان حزقيال النبي قائلًا " أخذتِ بنيكِ وبناتكِ الذين ولدتهم لي وذبحتهم لي طعامًا... إنكِ ذبحتِ بنيَّ وجعلتِهم يجوزون في النار لها" (حز 16: 20، 21).

 

5- ردًا على "جوناثان كيرتش" نقول:

أ - أن الله يحترم الحرية الشخصية للإنسان، وعندما يصرُّ إنسان على ارتكاب الشر فإن الله يحذره عن طريق الوصية، ولكنه لا يمنعه بالقوة من ارتكاب ما نوى من شر، فإن الإنسان حصل على حرية الإرادة مع المسئولية، فالإنسان حر في تصرفه، وعليه أن يتحمل مسئولية هذا التصرف إن كان خيرًا أو شرًا، وبناء على تصرفات الإنسان وسلوكه ستكون الدينونة في اليوم الأخير.

ويقول " القمص تادرس يعقوب": "ويرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن الله لم يوقف تقديم هذه الذبيحة كما فعل في ذبح إسحق، بالرغم من عدم قبوله الذبائح البشرية، وذلك لكي تكون درسًا للبشرية، فلا يتسرع أحد بتقديم نذر بقسم لئلا يفقدون أولادهم إذ يقول {بسماحة تحقيق مثل هذا النذر وضع الله نهاية لتكرار مثل هذا في المستقبل}.. وأخيرًا يعلل القديس يوحنا الذهبي الفم سر نحيب العذارى بقوله {بهذا يجعلن الرجال أكثر حكمة في المستقبل، فيدركون أن ما حدث لم يكن متفقًا مع فكر الله}"(5).

ب - حلَّ روح الله على يفتاح لكيما يهبه النصرة على بني عمون، وليس لعصمته من أي خطأ محتمل. وأيضًا نقول أن "روح الله" أقنوم إلهي، نتحدث عنه بصيغة المذكر وليس المؤنث كما فعل جوناثان كيرتش فيراه شيئًا أسود ومشوه!!! ولا تعليق إلاَّ بقولنا: أنه حقًا صوت الشيطان الذي يريد أن يسقط شكله الذي تشوه بالخطية على روح الله القدوس.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) البهريز جـ 1 س 297، س 378، س 383، جـ 4 س 513.

(2) قصة الخلق أو منابع سفر التكوين ص 167، 168.

(3) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 234.

(4) حكايا محرَّمة في التوراة ص 238، 239.

(5) تفسير سفر القضاة ص 107، 108.

(6) راجع حكايا محرَّمة في التوراة ص 246.

(7) راجع جوناثان كيرتش. حكايا محرَّمة في التوراة ص 328.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1020.html

تقصير الرابط:
tak.la/sd4a872