St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   addiction
 
St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   addiction

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الإدمان: أسبابه وآثاره: الدرهم المفقود... من يجده؟ (الجزء الأول) - أ. حلمي القمص يعقوب

2- تمهيد

 

الملاك الصغير:

وبينما يقود سعيد سيارته ويتابع حديثه مع زوجته مارى (الأسماء مستعارة) يبث لها متاعبه والتحديات التي يلقاها، ويرسم لها آماله في مصنع البلاستيك الذي أقامه بجهده وعرقه، بينما الطفل الأكبر سامي الذي لم يتعد السنتين من عمره يستلقي على حجر أمه، وكعادته فإن الابتسامة لم تفارق وجهه سواء كان نائمًا أو يقظًا. فهو الملاك الصغير الذي يسمو فوق المتاعب والتحديات... لا يهتم بالغد ولا باليوم، وبينما يحلو الحديث ويشعر سعيد بعظمة زوجته التي تؤازره بصلواتها وتشدَّ من أزره بكلماتها الحلوة، وإذ بسيارة طائشة تأتي في الاتجاه المضاد وتصطدم سيارتهم فتختل عجلة القيادة من سعيد، ويتحطم الجانب الأيمن من السيارة، وتنطلق روح الزوجة العفيفة إلى عريسها السماوي، بينما يصاب سعيد بإصابات بالغة... أما الملاك الصغير فكأن ملاكًا كبيرًا حمله برفق ووضعه على الكرسي الخلفي، وهو ينظر في ذهول ولا يدرك هول ما يجرى حوله...

 تربى الابن اليتيم سامي في أحضان جدته أم والدته مع شقيقه الأصغر سمعان الذي كان مع جدته وقت الحادث الأليم، وفي سن الرابعة دخل إلى إحدى مدارس الراهبات... أنه الطفل الوسيم الهادئ الذي ما زالت البسمة الحلوة ترتسم على محياه مما جعل الراهبات يجمعن على تسميته بالملاك الصغير.

 أمضى سامي المرحلة الابتدائية والإعدادية بهذه المدرسة، بينما والده يراعيه، ويراعي المصنع الذي بدأ ينمو وينجح، ولم يتزوج أباه ثانية إلاَّ بعد مرور نحو عشر سنوات من وفاة الأم.

 وفي المرحلة الثانوية كان الملاك الصغير في مدرسة خاصة مرموقة، وللآسف الشديد فإن كثيرًا من هذه المدارس الخاصة تنتشر فيها المخدرات بصورة تفوق الوصف، فمنذ أيام أتت إحدى فتيات ثانوي في مدرسة خاصة بحي راقي بالقاهرة تقول لأب اعترافها أن في فصلها الدراسي 12 يتعاطون البانجو وثلاثة يتعاطون الهيروين والفصل لا يتعدى 45 طالب وطالبة أي نسبة 30%... من يصدق هذا!!

St-Takla.org Image: Waiting comic, contemplation, details, used with permission - by Mina Anton صورة في موقع الأنبا تكلا: كارتون قصة قصيرة: انتظار، تأمل، تفاصيل، موضوعة بإذن - رسم الفنان مينا أنطون

St-Takla.org Image: Waiting comic, contemplation, details, used with permission - by Mina Anton

صورة في موقع الأنبا تكلا: كارتون قصة قصيرة: انتظار، تأمل، تفاصيل، موضوعة بإذن - رسم الفنان مينا أنطون

 أدمن سامي الحشيش وهو في الخامسة عشر من عمره ولم يكتفِ بهذا. بل أن أصحاب السوء قادوه أيضًا إلى المسكرات، فكان يسكر معهم في فترات متقطعة، وفي المرة الواحدة كان يشرب نحو 4/1 لتر من الخمور... أنهى سامي المرحلة الثانوية وألتحق بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وازدادت شراهيته للتدخين حتى أنه في سن الثانية والعشرين كان يدخن ما يقرب من علبتين إلى ثلاث علب سجائر يوميًا، ويشرب 8/1 كجم " وايت" (نوع من الخمور) ويتناول الأقراص المهدئة (روهيبنول) رغم أن هذا النوع من الأدوية غير مصرح به طبيًا في مصر، إنما يأتي مهربًا من الخارج وهذا يرفع سعر الشريط (10 أقراص) إلى مائة جنيه، وبعد فترة أخذ يتعاطى "كوداين" شراب و"برونكلاز" (لعلاج الكحة)، وفي سن الخامسة والعشرين أنحط إلى مستوى الماكستون فورت (أمبول 12سم تقسم على ثلاثة أيام) وكان يساعد أبيه في إدارة المصنع الذي يقع في منطقة شعبية، فقاده جيران السوء وألقوا به في هوة الهيروين، وبدأ بتذكرتين هيروين في الأسبوع ثم ازدادت الكمية، وتذكرة الهيروين يصل ثمنها إلى نحو أربعين جنيهًا...

 تدهورت الحالة الدراسية، وتدهورت الحالة الصحية أكثر فأكثر وصاحب هذا التدهور انحرافات أخطر وأشر وهي الانحرافات الجنسية بدافع من أصدقاء السوء، وقد غذَّت هذه النيران المشتعلة أموال المصنع التي كانت تحت تصرفه يأخذ منها ما يشاء بدون حساب ولا رقيب، وأباه يظن أن تأخره في الدراسة بسبب انشغاله معه في إدارة المصنع... ما الداعي لشهادة الليسانس التي لن يعمل بها..؟! أليس أمامه الغد المشرق في ذاك المصنع المضيء؟!

 وظل سامي يتعاطى الهيروين لمدة عام، وكان قد وصل إلى السنة النهائية من الدراسة، وفي شهر أكتوبر سنة 1999 توجه إلى أحد مراكز علاج الإدمان وله من العمر 27 عامًا، ولكنه لم يكن جديًّا في قرار العلاج... إنها مجرد رغبة في التوقف... حجز في إحدى المستشفيات لعلاج أعراض الانسحاب، وخرج ليتردد على مركز العلاج لمدة شهرين...

 ثم مات والده وأصبح هو المسئول الأول والأخير عن المصنع وأراد أن يثبت نفسه، ولكن المشكلة أن الأموال التي في يده بلا ضابط جرَّته ثانية إلى الإدمان. فأنقطع عن الحضور للمركز وبعد مرور نحو خمسة أشهر أتصل أهله بمركز العلاج وأخبروا الطبيب المعالج أن سامي قد تعاطى جرعة زائدة من الهيروين فأصيب بهبوط حاد، والآن ليس لديه خيار غير العلاج أو الموت...

 حضر سامي برفقة بعض أقربائه مساء السبت إلى مركز العلاج وجلس مع الطبيب المعالج... لقد تغير كثيرًا فإنه يعاني من الهزال، وصار وجهه شاحبًا، ونقص وزنه بدرجة كبيرة، ولكنه مازال حلو الحديث صاحب شخصية جذابة ومحبوب جدًا... وتم الاتفاق على بدء العلاج فورًا، فقال أنه سيذهب غدًا الأحد إلى الكنيسة، وسيزور قبر والدته، ويتجه إلى المستشفى لبدء علاج أعراض الانسحاب، وأفصح للطبيب عن أماله، وأعلن عن رغبته في الزواج من إنسانة يحبها، وأنه سيأخذ معه إلى المستشفى بعض كتبه وأيضًا الكمبيوتر حتى لا يشعر بالملل، وسيكون جادًا في العلاج.

 وأنصرف سامي من مركز العلاج وهو يصافح الطبيب المعالج بحرارة شديدة، ولا سيما أن هذا الطبيب ما هو إلاَّ كتلة مشتعلة من الحب، وبهذا الحب يعالج مرضاه من المدمنين ويحقق نتائج باهرة.

 خرج سامي مع أقربائه ثم استأذن منهم ليُحصّل بعض الديون من بعض العملاء، وتركه الأقارب وحصَّل ماله، وقال في نفسه لتكن اليوم جرعة الوداع الأخيرة من الهيروين اللعين، فاشتراه وذهب إلى صالة بلياردو ودخل إلى دورة المياه، وتعاطى جرعة الهيروين الأخيرة، وهو لا يتوقع ولا يتصوَّر على الإطلاق ما سيحدث... لقد أصيب بهبوط حاد في الدورة الدموية ولم يجد من يسعفه كما حدث بالأمس القريب، وقبل إغلاق الصالة الساعة الثالثة صباحًا وجدوا بابًا مغلقًا من أبواب دورات المياه، فأدركوا أن خلفه مأساة، فكسروا الباب ليجدوا الملاك الصغير ساقطًا على الأرض وقد فارق الحياة.

 وفي نفس اليوم... يوم الأحد ذهب سامي إلى الكنيسة، ولكنه لم يذهب بإرادته سيرًا على الأقدام... بل محمولًا في نعشه على الأكتاف، وكم كانت الأحزان والدموع والتنهدات والصراخ ولا سيما من الجدة والأقرباء بل من جميع الحاضرين... زار سامي قبر والدته غير أن زيارته لم تنته بعد، لأنه رقد بجوارها بعد أن فقد كل شيء، وكم كانت تعليقات الطبيب المعالج الذي حضر الجنازة مؤثرة جدًا تستدر الدمع من العيون القاسية حيث قال لي " لم أكن أتصوَّر هذه النهاية السريعة الفجائية... إنسان أتكلم معه وبعد ساعات قليلة لا نجده بيننا... ألا يجب أن نحيا حياة الاستعداد للرحيل؟! ففي أي لحظة يستدعينا الملك السمائي... أعط حساب وكالتك، وربما تأتي النهاية في وقت لا يتوقعه أحد قط... سامي فقيد الشباب كان لديه كل إمكانات النجاح... الأموال الكثيرة والمصنع الناجح والشخصية الحلوة الجذابة والسن الصغير... كل هذا ضاع بسبب الإدمان... ألا يعلمنا هذا البعد عن كل شر وشبه شر؟! يا ليتنا نكن حيث مائدة المسيح وليس حيث مائدة الشيطان، لأنه أي خلطة للظلمة مع النور وللمسيح مع بليعال!! هذه نهاية مائدة الشيطان".

 صديقي القارئ... هذا هو الإدمان. بل هذا هو جانب واحد من جوانب الإدمان... الإدمان شر على المدمن وعلى الأسرة وعلى المجتمع، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى... أرجوك أن لا تلقِ الكتاب جانبًا وتقول "هو أحنا ناقصين هم... مالنا ووجع القلب وهذا الواقع المرير؟!! " كلاَّ حبيبي أن الإدمان أصبح قريبًا جدًا جدًا منا إن لم يكن بيتنا فهو في بيت قريب لنا، وقد يكون المدمن صديقًا عزيزًا أو جارًا حبيبًا... وإن كنا لمسنا من هذه القصة أثر الإدمان على المدمن، ففي طي صفحات الكتاب سنرى كثيرًا من القصص التي تحكي لنا عن أثر الإدمان على نفوس بريئة لا ذنب لها... لذلك أدعوك يا صديقي أن تستمر في قراءة الكتاب وتتذوق معي كأس الألم التي تذوقتها.

وقد تقول لي: ولماذا كل هذا يا هذا؟ هل أنت غاوي النكد والنواح على رأس الميت؟!

أقول لك: تمهل... ربما جرعة الألم هذه تكون نافعة لنا. تقول لي: كيف؟ أقول لك: ربما الله يستخدمك لإنقاذ نفسًاً أو نفوسًا من موت محقق وخراب شامل... ربما بإهداء كتابًاً مثل هذا إلى نفس على حافة الهاوية... ربما بالصلاة من أجل نفوس تحتاج إلى صلوات حارة لينقذها الله، ربما يستخدمك الله للبحث عن الدرهم المفقود، فتجده وتنتشله من تراب الموت فيقيمه الله إلى جدَّة الحياة على يدك، وكم تكون سعادتك وفرحتك حينذاك... حقًا عندئذ ستدرك معنى المر الذي يتحول إلى حلو، والألم الذي يتحول إلى فرح وسرور، والدموع التي تتحول إلى الابتسامة اللطيفة.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

دعنا يا صديقي نبحث في هذا الجزء الأول(1) النقاط الآتية:

أولًا: أسباب الإدمان.

ثانيًا: حجم مشكلة الإدمان.

ثالثًا: تأثير الإدمان على المدمن وعلى الآخرين.

رابعًا: فكرة عن المواد المخدرة التي تسبب الإدمان.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) الجزء الثاني يشمل:

أولًا: مراحل الإدمان

ثانيًا: طرق الوقاية من الإدمان

ثالثًا: طرق علاج الإدمان

رابعًا: الشق القانوني للإدمان


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/addiction/preface.html

تقصير الرابط:
tak.la/c2nkfd8