St-Takla.org  >   books  >   habib-guirguis  >   consolation
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس

17- عناية الله في نقل الأولاد

 

"اُنْظُرُوا، لاَ تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ فِي السَّمَاوَاتِ كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ... لَيْسَتْ مَشِيئَةً أَمَامَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ هؤُلاَءِ الصِّغَار" (مت18: 10، 14).

"دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ" (مت19: 14).

St-Takla.org Image: Grace - Designed by Michael Ghaly for St-Takla.org. صورة في موقع الأنبا تكلا: كلمة النعمة - تصميم مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org Image: Grace - Designed by Michael Ghaly for St-Takla.org.

صورة في موقع الأنبا تكلا: كلمة النعمة - تصميم مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

الأولاد الصغار ملائكة أطهار يمشون علي الأرض فبطهارتهم وبساطة قلوبهم ومحبتهم العجيبة وخلوهم من الشر والدنس يمثلون الحياة الطاهرة. فهم كأزهار يبهجنا منظرها. ولكن الغاية من الزهرة الثمرة، والأطفال إن بقوا في العالم وكبروا وصاروا شبانًا فرجالًا. فآمل أن يكونوا بركة أو لعنة. أما أن يكونوا صالحين أو أشرار. وعلي كل حال فلابد حينئذ أن يجوزوا أتعاب وجهاد هذه الحياة. ويقفوا أخيرا للدينونة أمام الديان لينال كل واحد منهم بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًّا. ولا يعلم أحد ماذا يكون مستقبل الولد؟ أيكون فرحا لوالديه أو حزنا؟ وهل ينفع العالم أن يضره؟ يكرم أو يهان؟ يسعد أو يشقي؟ وماذا يكون نصيبه في العالم؟ وماذا يصادف من الأتعاب التي تنتظره. والتي لابد من مقاساتها. هذه كلها أمور خفيت وتخفي علي جميع البشر. وإنما الذي نعرفه أن ذلك الولد ومهما كبر، ومهما كانت منزلته ودرجته في العالم ومهما عمل فلا بد أن يموت أخيرا كغيره من بني البشر. لأن قضية الموت محكوم بها علي الجميع. ولا يستثني منها أحد وكل إنسان رهين الموت. ولكن البعض يسألون بجسارة قائلين: ما الحكمة في إيجاد أطفال زمنا قصيرا ثم يموتون؟ لا هم انتفعوا من العالم، ولا العالم انتفع منهم. فإن كنا لا نستطيع أن ندرك مقاصد الله العليا. ولا ما هي أحكامه العالية فوقنا إلا أننا نجيب علي ذلك بأن الله خلقهم لتكميل مقاصده خالق البشر. فلو لم يولدوا لبطل مقصد الله. وعدمهم يجعل عدد المخلوقات المعين ناقصًا. والوجود نعمة كبري خلاف العدم الذي هو لا شيء فقد وجدوا واعتبروا كائنات حية وذرات عاقلة أمام الله. وبقائهم علي الأرض زمنًا قليلًا وفق مقاصد الله العليا. لأنه لم يشأ عدمهم ولا هلاكهم بل خلاصهم. وهو القائل له المجد: "ليست مشيئة أما أبيكم أن يهلك أحد هؤلاء الصغار" و"دعوا الأولاد يأتون إلي ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات" فإن شاء الله أن ينتقل الأطفال والأولاد إليه وهم صغار. فكفي بهذا القول تعزية. وكما أنه يحق لصاحب الكرم أن يقطف ثمر كرمه في أي وقت شاء قبل أوان نضجه ليأكل حصرما، أو يصنعه شرابا أو بعد نضجه ليصنعه خمرا. وكما أنه في يد البستاني أن يجني زهور بستانه ليزين بها بيته أو يتركها لتصير ثمرًا. هكذا الله تعالي له السيادة والسلطان علي خليقته ليتصرف بها كيف شاء وحسبما أراد ولا يوجد من يمنع يده أو يقول له ماذا تفعل؟ فهو يتصرف تصرف البستاني وصاحب الكرم. فينقل بعض أولاده أطفالا وأولادا وشبانا كما يشاء والأولاد وديعة من الله عند الآباء، له أن يستردها متى شاء. لا ملكا خاصا لهم حتى يعارضوا في تسليمها ويتذمروا متى أراد استردادها، لا سيما متى عرفنا أن الله نقل هؤلاء الصغار لا إلي الموت والهلاك. بل لكي يقفوا مع الجمع الكثير الذي لم يستطيع أحد أن يعده من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة الواقفين أمام العرش وأمام الخروف متسربلين بثياب بيض وفي أيديهم سعف النخل وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين: "الْخَلاَصُ لإِلهِنَا الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ" (رؤ7: 9، 10) فلو لم يولدا لما استحقوا أن يحوزوا هذا النصيب، ومتى تأملنا ذلك مجدنا الله وقلنا مع أيوب: "الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا (أي 1: 21) ونبارك تلك اليد الحنونة التي اختطفتهم باكرا قبل أن يتلطخوا بأوزار وأقذار العالم وشروره، وقبل أن يتحملوا بالأتعاب والآلام. وقبل أن يعرفوا الخطية وفساد الطبيعة البشرية.

وندرك كيف أن الله أنقذهم من الأخطار التي كانت تنتظرهم، وأورثهم كمال الفرح في ملكوته. فهم أغراس نقلهم من عالم الفساد وغرسهم في فردوسه السماوي.

إذا طلب ملك أحد الأولاد لينظمه في سلك عائلته الكريمة ليربيه ويؤهله للميراث الملكي. فمن يستطيع أن يمنع ولده هذه المنحة؟ ومن لا يرضي له هذا النصيب السامي؟ أما كنا نحسب ذلك رفعة كبري لنا ولأولادنا؟ فلماذا نتذمر اذًا علي عناية الله التي شاءت أن تأخذ ذلك الولد ليحصل علي نعمة ونصيب أفضل من أي نصيب ملكي علي الأرض. أما هي نعمة كبري أن الله اختار هذا الولد وأحبه ونقله إليه ليقف مع الملائكة أمامه تعالي، ولماذا نأسف علي هذا النصيب الصالح الذي حازه ولدنا؟ لاشك أن حزننا ما هو إلا نوع من محبتنا لذواتنا، فإننا بذلك نفضل خيرنا وسرورنا بمرآه وتمتعنا به أمام أعيننا علي حصوله علي ذلك النصيب السعيد المجيد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ليتنا نصمت ونضع أيدينا علي أفواهنا أمام كل ما يعمله الله متذكرين قول السيد لبطرس: "لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ" (يو13: 7) ونبارك الله ونقول:"صَمَتُّ. لاَ أَفْتَحُ فَمِي، لأَنَّكَ أَنْتَ فَعَلْتَ" (مز39: 19) "هُوَ الرَّبُّ. مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ يَعْمَلُ" (1صم3: 18) "لتكن مشيئتك" (مت6: 10) "لتكن لا إرادتي بل إرادتك" (لو22: 42).

أذكر أنك مرارًا أدبت أولادك لا حقدًا ولا غضبا ًبل قصد نفعهم وخيرهم. وما حملك علي ذلك إلا محبتك لهم، قال الرسول بولس "كَانَ لَنَا آبَاءُ أَجْسَادِنَا مُؤَدِّبِينَ، وَكُنَّا نَهَابُهُمْ. أَفَلاَ نَخْضَعُ بِالأَوْلَى جِدًّا لأَبِي الأَرْوَاحِ، فَنَحْيَا؟ لأَنَّ أُولئِكَ أَدَّبُونَا أَيَّامًا قَلِيلَةً حَسَبَ اسْتِحْسَانِهِمْ، وَأَمَّا هذَا فَلأَجْلِ الْمَنْفَعَةِ، لِكَيْ نَشْتَرِكَ فِي قَدَاسَتِهِ" (عب12: 9، 10) فإذا أدبنا الآب السماوي بأن أخذ ولدنا وأبعده عنا فهو تعالي قد أحبه وأحبنا، وهو أعطي فلاسمه الشكر، وأخذ فيحق له الشكر أيضًا. فإن كنت باركته وشكرته عندما أرسل الولد إلي عالم الأحزان. أفلا يستحق الشكر والتمجيد علي نقله إياه منه إلي عالم المجد. فإن محبة الله في أخذه أعظم بكثير من محبته في أعطائه. فله الشكر علي كل حال وفي كل حال ومن أجل كل حال.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/habib-guirguis/consolation/kids.html

تقصير الرابط:
tak.la/zpmcx8c