St-Takla.org  >   books  >   habib-guirguis  >   consolation
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس

18- أمثلة معزية

 

 من قصص اليهود الواردة في كتبهم أنه كان للحاخام ما ير ولدان بارعان في الجمال والعلوم والشريعة فماتا في يوم واحد أثناء غيابه فحملتهما أمهما إلى حجرتها ووضعتهما على السرير. فلما عاد زوجها سألها عن ولديه فقدمت له كأسا فشكر الله وشرب ثم سأل أين ولدى قالت إنهما ليسا بعيدين. ثم وضعت أمامه طعاما فصلى وشكر ثم تناول منه حاجته: وحينئذ قالت له أتسمح لي يا سيدي العزيز أن أسألك سؤالا واحدا. قال قولي ما بدا لك أيتها العزيزة. فقالت منذ بضعة أيام أودع عندي إنسان شيئا من الجواهر ثم حضر الآن يطلبها منى فهل ينبغي أن أردها له؟ قال: ما كنت أظنك تسألين سؤالا كهذا. ألم تعلمي أنه يجب رد الوديعة إلى أصحابها وإعطاء كل ما له. قالت نعم إنما ظننت الأفضل أن لا أعيدها قبل أن أسالك. ثم دعته إلى المخدع الذي فيه جثتا الولدين وأزاحت الغطاء الأبيض عنهما. فصرخ بلوعة وحزن شديد وأخذ يندب ولديه. أما هي فقد التفتت إلى غير الجهة وبكت بمرارة ثم أمسكت بيدي زوجها قائلة: ألم تقل لي انه ينبغي رد الوديعة إلى صاحبها وإعطاء كل حقه. فالرب أعطى والرب اخذ فليكن اسم الرب مباركًا. فقال نعم ليكن اسمه القدوس مباركا من الآن والى الأبد.

 روى الكتاب عن الملك والنبي داود أن الرب ضرب ولده الذي ولدته امرأة أوريا فسأل داود الله من أجل الصبي وصام واضطجع على الأرض. وقام شيوخ بيته عليه ليقيموه عن الأرض فلم يشأ ولم يأكل معهم خبزا وكان في اليوم السابع أن الولد مات فخاف عبيد داود أن يخبروه أن الولد قد مات. لأنهم قالوا هوذا لما كان الولد حيا كلمناه فلم يسمع لصوتنا. فكيف نقول له قد مات الولد. يعمل أشر. ورأى داود عبيده يتناجون ففطن داود أن الولد قد مات فقال داود لعبيده: هل مات الولد؟ فقالوا مات. فماذا فعل داود؟ قام عن الأرض واغتسل وادهن وبدل ثيابه ودخل بيت الرب وسجد. ثم جاء إلى بيته وطلب فوضعوا له خبزًا فأكل. فاندهش عبيده وسألوه ما هذا الأمر الذي فعلت! لما كان الولد حيا صمت وبكيت ولما مات الولد قمت وأكلت خبزا! فقال لما كان الولد حيا صمت وبكيت لأني قلت من يعلم ربما يرحمني الرب ويحيا الولد. والآن قد مات. فلماذا أصوم؟ هل أقدر أن أرده بعد؟ أنا أذهب إليه أما هو فلا يرجع إلى (2 صم 12: 15 -23).

St-Takla.org Image: Coptic icon of David the prophet and king. صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة قبطية تصور داود النبي والملك.

St-Takla.org Image: Coptic icon of David the prophet and king.

صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة قبطية تصور داود النبي والملك.

فالولد وديعة استردها الرب لا يمكن للدموع ولا للأحزان أن ترجعه. هل تقدر أن ترده بعد؟ لو أن الدموع تقدر أن ترده لبكى الوالدون ليلًا ونهارًا بل الحياة كلها. وأجروا من عيونهم أنهارا ولكن ذلك لا فائدة منه. وليس من الحكمة أن يهلك العاقل قواه عبثا. وما أحسن التعزية بتسليم الإرادة للمشيئة الإلهية التي قضت بذلك ولا مرد لقضائها. فخير لنا أن نتعزى بأن الولد في السماء.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 وفي القصة الآتية تعزية كبرى فيما نحن بصدده:

 مات لبستاني ولد عزيز كلن يحبه جدا. فأبى أن يتعزى وصرف أيامه في الحزن والتذمر على العناية الإلهية، ففي أحد الأيام رأى وردة جميلة أحسن من كل الزهور التي في بستانه فأخذ في الاعتناء بها ليقدمها أخيرا ً لسيده وجاء مرة ليفتقدها فلم يجدها فاستشاط غضبا واحتدم غيظا ظانا أن أحد الخدام سرقها. واجتهد ليفحص أين هي؟ وبينما كان يبحث عنها رآها في مخدع سيده وعلم أنه هو الذي قطفها لاستحسانه إياها. فتحول غيظه سرورًا وسكن باله إذ رأى أن سيده قد سر بمرآها واستحسنها فقطفها. أما السيد فقال له: قد سرك إني قطفت تلك الوردة وزينت بها منزلي فلماذا لا يسرك أن أباك السماوي شاء بحكمته أن يقطف ولدك وهو صغير وينقله من تربة الأرض، عالم الخطية والإثم، إلى دار السرور في جنة الخلد والنعيم حيث يكون هناك مع الملائكة الأطهار فتعزى الرجل تعزية كبرى وسلم نفسه لمشيئة الله.

 فيا أيها الوالدون لا تتذمروا على عناية الله لأنكم لا تعرفون أحكامه ولا ما هي مقاصده فربما كان في نقله أحد أولادكم خير لكم ولأودكم.

 كم من الناس كادوا أن يموتوا لمرض أولادهم وبذلوا ما في وسعهم لنجاتهم وعاشوا، ولكن عيشه السوء والشر. وكانوا ضربة لأنفسهم ولوالديهم ولوطنهم للعالم، ولم عرف والدوهم مستقبلهم لتمنوا أن تقطع الأحزان أفئدتهم وتمزق الأوجاع نياط قلوبهم على أن يروهم على تلك الحال التعيسة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقد ألجأت التجارب أحد الصالحين أن يقول: خير لك أن تبكى على عشرة أولاد موتى من أن تبكى على ولد حي. تذكر حزن داود الذي أذاب فؤاده بأن طلب ابنه أبشالوم يهلكه (2 صم 17) ولا شك أن محبة الوالدين لأولادهم تحملهم على أن ينكروا أن يكون أحدهم كابشالوم لأن محبتهم لهم تظهرهم أبرار في أعينهم، حتى في مستقبلهم الذي لا يعرفه إلا الله. ولكن الذي يعرف الخفايا، والمكشوف أمامه كل شيء، والمطلع على الخفيات والمستقبل هو الله الذي وحده يجب أن نسلم نفوسنا لمشيئته الصالحة ونخضع لإرادة أحكامه العادلة.

 لقد روى أن طيب الذكر المرحوم إبراهيم الجوهري كان رجلا تقيا صالحا وكان من عادته سنويًا أن يرسل الزاد والمؤونة لجميع أديرة الرهبان. كان لهذا الرجل ابن وحيد اختطفته يد المنون فحزن حزنا شديدا، وأفرطت زوجته أيضا في حزنها وألبست كل شيء في بيتها علامات الحداد وفي تلك السنة امتنعا أن يقدما عادتهما السنوية للأديرة قائلين أننا قضينا حياتنا كلها في خدمة الله ورجاله وكنائسه. وهذا الولد الوحيد لا يرضى الله أن يتركه لنا لنتعزى به! ويكون ذكرا لنا في هذه الدنيا! ففي ليلة ما رأت زوجته في حلم القديسين الأنبا أنطونيوس والأنبا بولا وقالا لها ما بالك هكذا حزينة تعترضين على أحكام الله؟ ألم تعلمي أن الله لفرط حبه لك ولزوجك وانه مكافأة لكما على أعمالكما الطيبة نقل ولدكما إليه؟ وان هذا الوالد لو عاش لفسد وهلك واسقط اسمكما من الدنيا. فذكر الله لكما حسناتكما وأمات هذا الولد ليخلصه. وبذلك منحكما مكافأة عظمى بينما أنتما تظنان أنه تعالى أساء إليكما. فاستيقظت تلك المرأة الصالحة وتعزت عزاء وافرا. وأبدلت ثيابها السوداء بثياب بيضاء. ولما استيقظ زوجها رأى كل شيء في حالته الأصلية، وعلامات السرور بادية على وجهها. فسألها ما الخبر؟ فقصت عليه حلمها. فتعزى هو أيضا وشكر الله على أعمال عنايته العجيبة. فعلينا أن لا نتذمر على قضاء الله لأننا لا نعرف مشيئته. على ما نراه محزنا لنا ربما كان علامة محبة الله لنا ونحن لا ندرى.

 قال الأسقف فنيلون "في الحياة الأخرى نرى ونفهم عظائم وجود الله وعجائبه. ونسر بما أحزننا به على الأرض. ويلاه إننا في ظلامنا الحبالى لا نقدر أن نرى خيرنا من شرنا. ولو سمح الله لنا بكل مشتهياتنا لأدت بنا إلى كل الويل. ولهذا ينقذنا بقطع القيود والربط التي تربطنا بهذه الديار فنكتئب لأننا لا نتذكر أن الله يحبنا أكثر مما نحب أنفسنا. ونبكى لأنه يأخذ من نحب من منازل التجارب والآثام. يأخذ من يدنا كأس السم الزعاف فنبكي كولد أخذت منه أمه السكين اللامعة لئلا يثخن نفسه بالجراح. أتدرى أيها المصاب يا من لأجل تلك النازلة قد تذمرت على العناية الإلهية أن ذلك الموت الذي تظنه قبل وقته هو الدليل الأعظم على رحمة الله ومحبته لك! ولعل موت ذلك المحبوب لديك كان فداء من شر مصيبة أو ذنب عظيم سيرتكبه فيجعل خلاصه عرضه للإخطار فأخذ الله من معرض التجارب أمنا لذلك الخلاص.

 نعم أن كأس الفراق أمر الكؤوس ولكن أباك الرحيم لا يحزن خليقته عبثا فلا يجرح إلا لبرء أمراض النفوس فلنتيقن ذلك زمن المصيبة ولنقل مع أيوب "أنه وان قتلني هو متكلي. رحمته هنا عمادي وفي النهاية ثوابي" هذا ما يجب على المسيحي الخاضع لمشيئة الله أن يردده في زمن امتحانه ويقول من قلبه: "لتكن مشيئتك" وهذا ما سلكه فنيلون صاحب القول السابق ذكره إذ وقف أما نعش أعز أحبائه الذي ود لو مات عنه قائلًا: "قضى واضطجع على سرير الفناء فهلكت واضطجعت معه كل سعادتي الأرضية ولكن لو أمكن رده إلى الحياة برد غرس من فردوس سعادتي العالمية ما عاندت المشيئة الإلهية برده، لو كانت قيمة ثمر ذلك الغرس تعادل سعادة عشرة آلاف عالم" فطوبى لمن يسلم أمره لإرادة سيده ويعيش أمنا تحت ظل عنايته الرؤوفة فان في ذلك كل العزاء والاطمئنان.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/habib-guirguis/consolation/examples.html

تقصير الرابط:
tak.la/8fdmgm5