St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   tradition
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب التقليد والأرثوذكسية - القمص تادرس يعقوب ملطي

3- التقليد في العصر الرسولي

 

في عصر الرسل ظهرت أسفار العهد الجديد لكنها لم تكن بعد قد قننت كنسيًا. وكان التقليد في هذا الحين هو المصدر الوحيد للإيمان المسيحي والتعاليم المسيحية والعبادة.

ويمكننا أن نلخص الدور الذي قام به التقليد في ذلك الوقت في حياة الكنيسة، في النقاط التالية:

1- إذ ظهرت الكنيسة إلى الوجود استخدمت أسفار العهد القديم، وعلى مسئولية السيد المسيح ورسله تقبل المسيحيون هذه الأسفار من اليهود، وتطلعوا إليها بكونها حكمة الله الموحى بها التي لها سلطانها. حسبت الكنيسة نفسها وارثة لكنيسة اليهود في تقليدها القديم هذا، أي وارثة للأسفار المقدسة.

St-Takla.org Image: The ascension of the Holy Spirit on the Twelve disciples (Pentecost Day) صورة في موقع الأنبا تكلا: حلول الروح القدس على التلاميذ الاثني عشر يوم الخمسين

St-Takla.org Image: The ascension of the Holy Spirit on the Twelve disciples (Pentecost Day)

صورة في موقع الأنبا تكلا: حلول الروح القدس على التلاميذ الاثني عشر يوم الخمسين

وجدير بالذكر أن الكنيسة الأولي كانت تقرأ الأسفار المقدسة بعين مستنيرة بكشف مسيحي خاص، إذ قبلت النبوات المذكورة في هذه الأسفار، واستخدمتها بتفسير معين[3] لم يكن قد عرفه اليهود بعد. هذا التفسير تسلمته الكنيسة من الرسل، ولدينا من التأكد أنه مُسَلَّم من ربنا نفسه.

2- مع إن كتب العهد الجديد لم تقنن كنسيًا، حتى منتصف القرن الثاني، لكن الآباء تقبلوها ككلمة الله الموحي بها، واقتطفوا منها في كتاباتهم.

3- خلال التقليد أدرك آباء الكنيسة وحدة الأسفار المقدسة، أقصد الوحدة بين العهدين القديم والجديد، بكونهما كلمة الله الواحدة، حتى قبلما تقنن أسفار العهد الجديد كنسيًا.

4- أعلن الرسل أن التقليد الذي تسلموه خلال تلمذتهم ليسوع المسيح هو أحد مصادر سلطانهم الرسولي، فقد كرزوا كشهود عيان لأحداث حياة السيد المسيح وأعماله الخلاصية.

فالقديس يوحنا يقول: "الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه، ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة..." (1يو 1:1). وفي إنجيله يقول: "الذي عاين شهد وشهادته حق، وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم" (يو 35:19).

وأشار القديس لوقا إلى أن أحدث السيد المسيح قد "سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة" (لو2:1).

وإذ أراد الأحد عشر تلميذًا أن يقيموا من يحتل مركز يهوذا أصروا على أن يختاروا واحدًا من "الرجال الذين اجتمعوا معنا كل الزمان الذي فيه دخل إلينا الرب يسوع وخرج منذ معمودية يوحنا إلى أرتفع فيه عنا ليصير "واحد" شاهدًا معنا بقيامته" (أع 22،21:1).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

هكذا بدأ التقليد الرسولي بشهود عيان لأحداث حياة الرب، لكن "شهادة العيان" لم تكن وحدها كافية أن تقيم هذا التقليد، بل بالحري تأسس بالروح القدس الذي يقود حياة الكنيسة ويهبها الاتحاد مع الله في المسيح يسوع، يقول الرسول "نحن شهود بهذه الأشياء والروح القدس".

الرسول بولس وهو متهم بتسليم "تقليد المسيح" للكنيسة، لم يكن شاهد عيان لهذه الأحداث، لكنه تقبل الرسولية بدعوة خاصة، بالروح القدس تقبل التقليد الكنسي كأنه مسلم له من الله مباشرة، إذ يؤكد قائلًا "بولس رسول لا من الناس ولا بإنسان بل بيسوع المسيح والله الآب..." (غلا1:1). كما يقول: "لأني تسلمت من (apo) الرب ما سلمتكم أيضًا (1كو 23:11). ويلاحظ استخدام حرف الجر اليوناني (apo) في العبارة "من الرب" يشير إلى نقل الخبر خلال وسيط أو أكثر، كما أن المقطع "para" في كلمة "تسلمت paralambano "، تؤكد مثل هذه الوساطة[4].

5- التقليد الذي تسلمه الرسل من السيد المسيح وأودع لدى الكنيسة، في جوهره هو "الحياة الجديدة التي لنا في المسيح بالروح القدس"، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. بهذا فأن التقليد الرسولي ليس بالوديعة الجامدة، إنما يحمل في داخله استمرار البنطيقستي في الكنيسة ككل وفي حياة كل عضو حي من أعضائها. بالتقليد الكنسي ليس فقط الجماعة المسيحية ككل تمارس هذه الحياة، وإنما يتقبل كل عضو علاقة شخصية مع الله في الروح دون اعتزاله الكنيسة الجامعة.

خلال هذه النظرة نتطلع أيضًا إلى تقليدنا في جوهره كعطية روحية، لا تقدم من إنسان لآخر، بل لها فاعليتها في حياة من يقدم التقليد ومن يتسلمه. وكما كتب القديس بولس إلى أهل رومية "لأني مشتاق أن أراكم لكي أمنحكم هبة روحية لثباتكم، أي لنتعزى بينكم بالإيمان الذي فينا جميعًا، إيمانكم وإيماني" (رو 12،11:1). وفي هذا أيضًا يقول القديس أغسطينوس "من أجلكم أنا أسقف، ومعكم أنا مسيحي[5]". وكأنه يشعر في أعماقه أنه معين من قبل الله لكي يودع شعبه التقليد المسيحي، وفي نفس الوقت يمارس هذا التقليد معهم كواحد منهم.

6- خضع الرسول لبعض التقليدات اليهودية في العبادة والطقوس التي كانت تتفق مع إيمانهم، وذلك بعد إعطائها مسحة مسيحية، الأمر الذي نعود إليه فيما بعد إن شاء الرب.

7- بالتقليد ركزت الكنيسة على الولاء للأساقفة إذ تطلعت إليهم كخلفاء للرسل، معينين كمسئولين عن الحفاظ على نقاوة التعليم.

في اختصار نستطيع القول بأن الكنيسة في عصر الرسل قد قبلت التقليد الحي، به قبلت أسفار العهد القديم، وأدركت نبواته، واكتشفت رموزه وعلاماته، وتعرفت على وحدته مع الشهادة الرسولية، كما تقبلت شهادة الرسل العيانية، وأعلنت سلطان خلفائهم في الحفاظ على الإيمان المسيحي ومارست العبادة الحقة لله.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[3] J. Kelly: History of the Early Christian Doctrines, N.Y 1960, p32.

[4] F.F.Bruce, p33

[5] J. P. Mackey: Tradition & Change in the Church, Irland 1968, p. 20.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/tradition/apostolic.html

تقصير الرابط:
tak.la/va3cwff