St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   purity
 
St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   purity

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الطهارة: أحاديث، أسئلة وإجابات - القمص تادرس يعقوب ملطي

9- الطهارة والإنسان الداخلي

 

"لا تكن زينتكن الزينة الخارجية،

من ضفر الشعر والتحلي بالذهب ولبس الثياب،

بل إنسان القلب الخفي،

في العديمة الفساد،

زينة الروح الوديع الهادئ،

الذي هو قدام الله كثير الثمن"

(1 بط 3: 3، 4).

 

تحدثنا في الموضوع السابق عن معنى الطهارة من وجهة نظرنا كأولاد لله.

هنا يتحدث القديس بطرس إلى النساء (الزوجات)، بكونهن عادة يعطين اهتمامًا لجمالهن أكثر من الرجال. يليق بنا عندما نتحدث عن الطهارة ألا نقف عند حدود الامتناع عن التصرفات الشهوانية أو حتى الأفكار الدنسة، فإن الطهارة أمر يمس كياننا الداخلي (إنسان القلب الخفي)، وقد تحدث عنه القديس بطرس الرسول. الطهارة تعنى أننا مشغولون لا بزينتنا الخارجية بل بحياتنا الداخلية.

مشكلة الإنسان أنه غالبًا ما يتطلع إلى الحياة الداخلية بكونها أمرًا خياليًا بعيدًا عن الواقع العملي، فهو يريد الأمور الخارجية التي يتحسسها ويراها.

St-Takla.org Image: Jesus the Alpha and Omega, ancient icon, fresco صورة في موقع الأنبا تكلا: المسيح الألف والياء، أيقونة فريسكو حائطي أثري

St-Takla.org Image: Jesus the Alpha and Omega, ancient icon, fresco.

صورة في موقع الأنبا تكلا: المسيح الألف والياء، أيقونة فريسكو حائطي أثري.

على أي الأحوال الإنسان ليس جسدًا مجردًا، بل جسد ونفس، ولا يمكن الفصل بينهما إلا بالموت. وحتى بعد الموت يتحدا معًا ليُكافئا معًا أو يسقطا في العقوبة معًا. لهذا يلزمنا أن نحرص على اقتناء قلب طاهر وأن نهتم بإنساننا الداخلي.

من ينشغل بالإنسان الخارجي، بسهولة يكون غير طاهر، لأنه يهتم بما هو زمني ومؤقت. أما من يركز أنظاره على الإنسان الداخلي فبسهولة يحيا في طهارة.

باهتمامنا بالإنسان الداخلي، ندرك أننا خليقة قابلة للموت، لكن نفوسنا خالدة! وكما يرى كثير من آباء الكنيسة أنه يوجد ثلاثة أنواع من الموت:

1- موت عن الخطية.

2- موت عن الله.

3- موت الجسد.

لا تموت النفس كالجسد، بل تحيا إلى الأبد، إما في حياة أبدية أو عقاب أبدي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لكنها تهلك أبديًا متى اعتزلت عن الله نفسه مصدر حياتها. لهذا إن كنا نكرم أنفسنا (our souls) ونقدرها نستطيع بسهولة أن نتخلى عن الشهوات الجسدية، إذ ندرك كم هي ثمينة!

يقول ربنا يسوع المسيح: "ملكوت الله داخلكم" (لو 21:17). كان اليهود يتطلعون إلى ملكوت أرضي، بينما أقام مسيحنا ملكوته في قلوبنا. لهذا إن أردت الطهارة تتطلع إلى إنسانك الداخلي واحرص على خلاص نفسك.

عندما انشغل القديسان مكسيموس ودوماديوس ابنا الإمبراطور فالنتينوس بالإنسان الداخلي تركا مركزهما العظيم ليعيشا في كهف وسط البرية بمصر. فإن سألهما أحد عن الحياة التي تركاها وراءهما في قصر أبيهما لأجابا: "إننا أسعد خليقة الله في كل المسكونة".

عندما تتطلع في أعماق قلبك، واضعًا حياتك بين يدَّي الله، متجاوبًا مع عمل الروح القدس في داخلك تصير أسعد إنسانٍ في العالم! إن صار هذا هو حالك لن تهزمك شهوات أو يغلبك دنس ما، بل تصير طاهرًا في كل جوانب حياتك، تشعر بشبع روحي داخلي!

أقدم لك مثالًا: لو أن إنسانًا في طريقه إلى مناقشة رسالة الدكتوراة علانية أمام الأساتذة والطلبة والأصدقاء، سبَّه سائق سيارة، هل تظن انه ينشغل بهذا السب؟ حتمًا لا، فإنه لا يبالى بتصرف السائق، لأن كل فكره وأحاسيسه وكل طاقاته ممتصة في مناقشة الرسالة، مترقبًا نواله درجة الدكتوراة بمرتبة الشرف. هكذا كابن لله، إن سبَّك أحد، تقول في داخلك: "وقتي أثمن من أن ينشغل بهذا الأمر!" ما دمت منشغلًا بملكوت الله الذي في داخلي.

إذ يريدنا القديس بولس أن ننشغل بالملكوت الداخلي، يطلب منا ألا ندخل في المناقشات الغبية المضيعة للوقت، وألا نتكلم باطلًا (أف 29:4؛ 2 تي 23:2).

الإنسان الذي ينشغل بالتفاهات كأن يرد الشر بالشر لن يدرك قيمة حياته الداخلية، كم هي ثمينة! لهذا يقدم لنا القديس بطرس الرسول مفتاح الطهارة: "إنسان القلب الخفي!" (1 بط 4:3).

التأمل المستمر في مجد إنساننا الداخلي يعيننا ليس فقط على التمتع بالطهارة في معناها الضيق، أقصد الامتناع عن الشهوات الجسدية، وإنما أيضًا في معناها الواسع، أي النقاوة من كل الخطايا. اضرب لذلك مثلًا: المؤمن الذي يهتم بمجده الداخلي يبغض أن يكون مرائيًا أو بوجهين، قائلًا في نفسه: "إني لا أخاف المجتمع، ولا حتى من ضميري، بل أخشى ما يحطم ملكوت الله المُقام في قلبي! كيف يمكنني أن أخدع الغير بكلمات عذبة وأنا أيقونة السماء عينها؟!"

متى كانت مواطنتك في السماء تصير كل مشاكلك الزمنية تافهة، إذ تشعر أن قلبك مرفوع في السماء. هذا هو مفتاح نقاوتنا، أن نرفع قلوبنا إلى السماء. وكما يقول القديس أغسطينوس إنه إذ ترفع قلبك إلى السماء ترتفع بعد ذلك كل أعضاء جسدك معه. هكذا فعل القديس أنطونيوس الذي ترك كل شيء واهتم بملكوت الله فيه، فاستطاع بحياته الطاهرة أن يجتذب هراطقة إلى الكنيسة، إذ شاهدوا فيه اهتمامًا بحياته الداخلية.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/purity/inside.html

تقصير الرابط:
tak.la/9j369fv