St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   holy-spirit
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي

17- الروح القدس والتبكيت على الخطيئة

 

محتويات

3- الروح القدس والتبكيت على الخطيئة:

 

الروح القدس والتبكيت

الروح القدس الذي يجد له فينا مسكنًا في سرّ التثبيت، يقوم بعمل التبكيت المستمر على كل خطيئة نرتكبها. إنه الروح القدس الذي لا يطيق النجاسة والشر، فيدفعنا دومًا لحياة التوبة المستمرة عن كل ضعف فينا، فلا نفقد ملكوت الله المُعد لنا، وكأنه يقوم بتجديد عمل المعمودية فينا بغير توقف.

الروح القدس يفضح خطايانا أمام بصيرتنا الداخلية، فنكتشف حاجتنا للغفران المستمر، ولكن عمله هذا يقوم بالقدر الذي به نحتمل أن نرى ضعفنا فلا يكشف إلا في الحدود التي فيها لا نسقط في اليأس، خاصة وأنه وهو يعلن ضعفاتنا يعلن أيضًا أسرار الخلاص المفرحة ليعطي للنفس رجاءً وفرحًا وتعزية وسلامًا في أدق لحظات التوبة، وسط التنهدات المرة والدموع المنهمرة.

والروح القدس لا يقف في عمله هذا عند حدود الكشف والتبكيت، لكنه أيضًا يقوم بدور إيجابي في توبتنا المستمرة بالتشفعات الإلهية التي يصنعها عنا لدى الآب في استحقاقات دم الابن، كقول الرسول: "وكذلك الروح أيضًا يعين ضعفاتنا، لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجلهِ كما ينبغي، ولكن الروح نفسهُ يشفع فينا بأَنَّاتٍ لا يُنطَق بها" (رو 8: 26).

* "باراكليت" تعني معزيًا أو محاميًا.

لقد دعي محاميًا أو شفيعًا، لأنه يتوسط لدى الآب من أجل الخطاة، بينما أولئك الذين يملأهم يحثهم على الصلاة من أجل أنفسهم.

وقد دُعي الروح ذاته "المعزي"، لأنه يُنهض رجاء الغفران في أولئك الذين يحزنون على خطاياهم التي يرتكبونها [232].

القديس غريغوريوس

* تحتاج النفس إلى السراج الإلهي، وهو الروح القدس، الذي ينير البيت المظلم، وإلى شمس البرّ الساطعة التي تضيء وتشرق في القلب، وتحتاج إلى الأسلحة التي تغلب بها في المعركة (يو 16: 33؛ إش 63: 1-6؛ رو 3: 21؛ 12: 2).

St-Takla.org         Image: A girl crying, tears if remorse and repentance صورة: فتاة تبكي.. دموع الندم و التوبة

St-Takla.org Image: A girl crying, tears if remorse and repentance

صورة في موقع الأنبا تكلا: فتاة تبكي.. دموع الندم و التوبة

وهذا هو معنى الأرملة التي أضاعت الدرهم فأنارت السراج أولًا (لو 15: 8)، ثم كنست البيت. وهكذا إذ كنست البيت والسراج مضيء وجدت الدرهم بعد أن كان مدفونًا في التراب والوسخ، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. هكذا النفس أيضًا لا تستطيع أن تجد أفكارها وتميزها، لكنها متى أضاءت السراج الإلهي فإنه ينير البيت المظلم، وحينئذ تنظر أفكارها كيف كانت مدفونة في دنس الخطيئة ووحلها، ثم تشرق الشمس فترى النفس هلاكها، وتبدأ في استرداد أفكارها المشتتة والمختلطة بالوسخ والدنس، لأن النفس أضاعت صورتها حين خالفت الوصية (تك 1: 26، أف 4: 24، كو 3: 10) [233].

القديس مقاريوس الكبير

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الروح القدس وأعمال التوبة

التوبة هي حياة عملية يمارسها الإنسان كقول القديس يوحنا المعمدان: "فاصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة" (مت 3: 8). هذه الأعمال ليس من عملنا البشري لكنها هي عطية الروح القدس، الذي يسند الإنسان المجاهد في حربه ضد شهوات الجسد وخطايا النفس. والعجيب أن القديس أنبا أنطونيوس أب جميع الرهبان في أول رسالة له يوجه أنظارنا إلى عمل الروح القدس الذي يرشد العقل والقلب، ويقود الإنسان إلى حياة التوبة العملية، فيقدس جسده بكل أعضائه وطاقاته الداخلية ليهبه نوعًا من الروحانية، على مثال الجسد الذي ننعم به في الحياة الأبدية.

الروح القدس هو الذي يقود الإنسان المجاهد في أصوامه وصلواته وأسهاره، فيهبه عذوبة في توبته، ويدخل به إلى تطهير نفسه وجسده معًا.

* الآن فيما يخص الذين دخلوا بكل قلوبهم واقتنوا في نفوسهم بغضة لكل شهوات الجسد، وبشجاعة يقاومون كل الحروب التي تثور عليهم حتى يغلبوا، وأعتقد أنه قبل كل شيء الروح هو الذي يوجه إليهم الدعوة، ويجعل الجهاد خفيفًا عليهم، وأعمال التوبة عذبة، ويعلمهم كيف ينبغي أن يتوبوا بالجسد وبالنفس حتى يبلغ بهما إلى التحول الكامل إلى الله خالقهم، ويهبهم أعمالًا بها يغصبون نفسهم ويقمعون جسدهم،حتى يتطهرا كلاهما ويدخلا معًا إلى ميراثهم...

* أولًا يتطهر الجسد بالصوم الكثير، والسهر والصلوات، بالخدمة التي بها يقمع الإنسان جسده ويقطع من نفسه كل شهوات الجسد، ويصبح روح التوبة هو مرشده في هذه الأمور، ويختبرها بواسطته لئلا يجعله العدو يرتد إلى ورائه. عندئذ يبدأ الروح الذي يرشده أن يفتح عينيْ نفسه ويهبها التوبة حتى تتطهر. ويبدأ العقل أيضًا في التمييز بين الجسد والنفس، وذلك عندما يبدأ يتعلم من الروح كيف نطهرهما كليهما بالتوبة. وإذ يتعلم العقل من الروح يصير مرشدًا لنا في كل أعمال الجسد والنفس ويعرفنا كيف نطهرهما...

هذه الأمور قلتها لكم يا أحبائي لكي تعلموا كيف ينبغي على الإنسان أن يتوب بالجسد والنفس وأن يطهرهما كليهما. فإذا ما غلب العقل في هذا الجهاد حينئذ يصلي بالروح (القدس)، ويبدأ يطرد من الجسد أوجاع النفس التي تأتي عليه من إرادتها الخاصة، حينئذ يصير للروح شركة محبة مع العقل، لكونه يحفظ الوصايا التي علمه إيّاها الروح.

الروح يعلم العقل كيف يشفي جراحات النفس، وكيف ينزع عنها (الأوجاع) واحدة فالأخرى، تلك التي امتزجت بأعضاء الجسد، وأيضًا الأوجاع الأخرى الخارجة عن الجسد التي امتزجت بالإرادة.

فيضع الروح للعينين قانونًا، لكي تنظرا باستقامة ونقاوة ولكي لا يكون فيهما أي غش.

وبعد ذلك يضع الروح للأذنين قانونًا، كيف ينبغي أن يسمعا بسلام، ولا تظمآن أو تشتاقا لسماع الكلام الرديء (النميمة) والسيرة الرديئة وإنما تبتهجان لسماع الأمور الصالحة...

ثم أن الروح يُعلم اللسان النقاوة، إذا كان اللسان مريضًا بمرضٍ خطيرٍ، فإن المرض الذي أصاب النفس يُعبَّر عنه بواسطة اللسان الذي استخدمته النفس وسيلتها...

بعد هذا يشفي الروح حركات اليدين التي كانتا تتحرك بطريقة مخلّة تابعة لإرادة العقل. أما الآن فإن الروح يُعلِّم العقل كيف يطهرهما، لكي ما يعمل ويشتغل بهما في عمل الرحمة وفي الصلاة، وبذلك تتم الكلمة التي قيلت عنهما: "ليكن رفع يديَّ كذبيحةٍ مسائَّية" (مز 141: 2)، وفي موضع آخر: "أما يد المجتهدين فتُغني" (أم 10: 4).

وبعد ذلك يطهر الروح البطن في أكلها وشربها، لأنه طالما تسلطت عليها شهوات النفس لم تعد تشبع من نهمها إلى الطعام والشراب... ومن هنا أقامت الشياطين حربها على النفس... فالذين يطلبون الطهارة في هذا الأمر، يصنع لهم الروح قوانين للتطهير، وهي الأكل باعتدال على قدر حاجة الجسد، وبدون تلذذ شهواني، وبهذا يتم قول بولس: "فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئًا فافعلوا كلَّ شيءٍ لمجد الله" (1 كو 10: 31).

وبالنسبة لأفكار الشهوة التي تتحرك أسفل البطن، فالروح يعلم العقل كيف يميز بين الحركات الثلاثة التي تكلمنا عنها [234]، ويثابر على تطهيرها بمعونة الروح الذي يقويه، حتى تنطفئ كل الحركات بقوة الروح الذي يحفظ كل الجسد في سلام، ويقطع منه كل الأوجاع.

وبعد كل هذا يعطي الروح للقدمين طهارتهما، لأنهما قبلًا لم تكن خطواتهما مستقيمة بحسب إرادة الله، أما الآن إذ اتحد العقل بالروح خاضعًا لسلطانه يحقق طهارتهما، لكي تتحركا وفقًا لإرادته وتخدما في الأعمال الصالحة.

هكذا إذ يتغير الجسد كله ويتجدد ويصير تحت سلطان الروح، أعتقد أنه عندما يتطهر الجسد كله ويأخذ ملء الروح، يكون قد نال شيئًا من الجسد الروحي العتيد أن يكون في قيامة الأبرار [235].

القديس أنبا أنطونيوس

* يتم الشفاء (الروحي) بالطبيعة السماوية الإلهية وبموهبة الروح القدس، فبفضل هذا الدواء فقط يعود الإنسان إلى الصحة والحياة إذ يتطهر قلبه بالروح القدس [236].

القديس مقاريوس الكبير

_____

الحواشي والمراجع:

[232] للمؤلف: الحب الإلهي، ص 815.

[233] عظة 4 3:11،4.

[234] تحدث القديس عن حركات الجسد (الشهوة) أنها تثور إما كحركة طبيعية مخلوقة، أو تثور بسبب النهم (لو 21، 34)، أو يثيرها الشيطان كحرب ليفقد الإنسان طهارته.

[235] الرسالة الأولى.

[236] عظة 7:20.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/holy-spirit/blame.html

تقصير الرابط:
tak.la/v52vjg6