St-Takla.org  >   books  >   fr-sarafim-elbaramousy  >   light
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتاب قبطي | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

رواية ليكن نور - الراهب سارافيم البرموسي

8- الفصل السابع: الكنيسة

 

تدثّر كليمندس بالعباءة والملفحة، والتفت إلى إليوس معتذرًا أنّ عليه الذهاب الآن ليجتمع مع الإخوة. طلب منه إليوس مرافقته، فوافق على ذلك.

لم تكن تلك هي المرّة الأولى التي يُلقَى فيها القبض على مسيحيين بسبب شكايات الوثنيين، فلقد اعتاد مسيحيّو الإسكندريّة على هذا الأمر.

وَضْعُ المسيحيين في المدينة لم يكن بالجيّد، فلقد كان يُنظَر للمسيحيّة على أنّها في صدام مع الإمبراطوريّة ولعل ذلك بسبب رفض المسيحيين التهادن مع الإمبراطوريّة في عبادة الإمبراطور وتقديم البخور له، الأمر الذي كان بمثابة رفض للسيادة الإمبراطوريّة على رعايا البلاد.

في الطريق قال إليوس لكليمندس إنّ هذا ليس طريق الوالي، فأجابه بل هو الطريق إلى الوالي.. ولكن الوالي الحقيقي؛ مَنْ بيده أمور الحياة كلّها.

كانت وِجْهَة كليمندس، الكنيسة، وحالما وصل إلى هناك، كان العشرات من الإخوة مجتمعين. دخلوا إلى صحن الكنيسة واصطفّوا في هدوءٍ في مواجهة المذبح، نحو الشرق، وساد صمتٌ.

لم يكن إليوس يفهم ما الذي يجري. فمَنْ الذي جمع هؤلاء؟ ولماذا يجتمعون ههنا الآن؟ ولماذا لا يذهبون إلى دار الولاية ليُقدِّموا شكواهم إلى الوالي؟ أسئلةٌ خرجت من عُشِّ عقله فلم تجد لها إجابة فعادت إلى الداخل من جديد.

وقف الكاهن مقابلهم وقد علا رأسه وشِاحًا بُنيًّا، وهو يقول:

لقد قال الربّ: إنّ العالم سيضطهدكم لأنّه قد اضطهدني أولًا.. سيقوم أمامكم ملوكٌ وولاةٌ لإرهابكم لترك اسمي.. سيقتادونكم إلى السجون وستلقون الإهانة والذُلّ والهوان من أجل محبّتي.. سيعذّبونكم ويضربونكم بقسوةٍ بلا شفقةٍ، حتّى النساء والشيوخ والأطفال، من أجلي.. سيقدّمونكم للمُحاكمات المُلفّقة وسيقتلونكم من أجلي..

نعم يا أخوتي لقد سبق الربّ فأنبأنا بضيقاتِ العالم الحاضر، ولكن كما قال القديس بولس العظيم: إنّ خفّة ضيقتنا الأرضيّة تُنشِئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجدٍ أبديٍّ.. إنّه المجد الأبدي الذي ننتظره ونشتاق إليه ونترك كلّ شيءٍ.. كلّ شيءٍ.. سعيًا إليه.

مائدةُ الحَمَل مُعدّة لمَنْ يصبرون إلى المُنتهَى.. هناك الخلاص الأبدي والفرح الذي لا يُنطق به ومجيد..

لقد امتحن الربُّ إيماننا اليوم في أخواتنا ميلانيه وإيلارية وماريا، اللواتي كرّسن حياتهن لعون الفقراء والمساكين والمرضَى والمُتألّمين دون أجرٍ، ولكن طُهر الفتيات لم يحتمله سلطان الظلمة، فأوغروا صدر الوالي من جهتهن، وهن الآن في السجنِ.. في القيود.. من أجل الربّ.

إنّ الحبَّ يُختبر في تلك اللّحظات؛ مَنْ كان يُحبّ من كلّ القلب، يجتاز محنة الإيمان، ومَنْ كانت محبّته ناقصة دعونا نُصلّي من أجله ليتشدّد إيمانه..

إنّنا نجتمع الآن لأنّ ألمَ أي عضو في جسد المسيح يطولنا جميًعا. إنْ ضُربت ميلانيه تأوّهنا نحن، وإنْ توجّعت إيلارية بكينا نحن، وإنْ جُرِحَت ماريا طُعنّا نحن..

لن نلتجِئ إلى والٍ ولا إلى أحد الأشراف ليُطلق سراح فتيات المسيح.. سنلتجِئ للقادرِ على كلّ شيءٍ.. مَنْ بيده الأرض ومَنْ عليها.. مَنْ يقيس الجبال بكفّه.. مَنْ يمتلك سلطان الحياة والموت. إنْ كانت إرادته الألم سنجثو شاكرين طالبين المعونة، وإنْ كانت إرادته النجاة سنجثو شاكرين أيضًا فرحين في الرجاء..

كانت كلماتُ الكاهن تخرج وتستدرّ معها دمعات على وجنات بعض الفتيات والسيّدات المسيحيّات.. بدا الكلُّ صامتًا.. شعرت بالألمِ يلفّني وكأنّ الفتيات هم أبولّلونيا أختي. كان الغضب يعتصرني وهممت أكثر من مرّةٍ أنْ أصرخَ فيهم بضرورة الثورة على الوالي والتظاهر أمام داره ولكنّني كنت أنظر إلى الوجوه فأراها تحمل سِرًّا.. كنت ألمح فيها مرارة الألمِ وفي المقابل طمأنينة الرجاء.. دموع الأسَى خارجة من مُقلة الانتصار.. قهر الظلم وغلبة الإيمان..

وبدأت الصلاة..

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: A large upper part of a marble statue representing the god Serapis, which was the official god of Alexandria during the Greek-Roman age. I was one of the Alexandrian holy Trinity (Serapis, Isis and Harpocrates). The head is separated from the body, with holes in the shoulders for arms - Date: Hellenistic (photo 4) - Alexandria National Museum, Egypt (Greco-Roman Monuments) - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, November 13, 2019. صورة في موقع الأنبا تكلا: الجزء العلوي من تمثال رخامي ضخم يصور الإله سيرابيس، المعبود الرسمي لمدينة الإسكندرية طوال العصرين اليوناني والروماني، وكان أحد أعضاء الثالوث السكندري المقدس: سيرابيس، إيزيس، حربوقراط. الرأس منفصلة عن جسم التمثال، ويوجد على جانبيّ الكتفين ثقوب لتثبيت الذراعين، العصر: هلنستي (صورة 4) - من صور متحف الإسكندرية القومي، مصر (قسم الآثار اليونانية الرومانية) - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 13 نوفمبر 2019 م.

St-Takla.org Image: A large upper part of a marble statue representing the god Serapis, which was the official god of Alexandria during the Greek-Roman age. I was one of the Alexandrian holy Trinity (Serapis, Isis and Harpocrates). The head is separated from the body, with holes in the shoulders for arms - Date: Hellenistic (photo 4) - Alexandria National Museum, Egypt (Greco-Roman Monuments) - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, November 13, 2019.

صورة في موقع الأنبا تكلا: الجزء العلوي من تمثال رخامي ضخم يصور الإله سيرابيس، المعبود الرسمي لمدينة الإسكندرية طوال العصرين اليوناني والروماني، وكان أحد أعضاء الثالوث السكندري المقدس: سيرابيس، إيزيس، حربوقراط. الرأس منفصلة عن جسم التمثال، ويوجد على جانبيّ الكتفين ثقوب لتثبيت الذراعين، العصر: هلنستي (صورة 4) - من صور متحف الإسكندرية القومي، مصر (قسم الآثار اليونانية الرومانية) - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 13 نوفمبر 2019 م.

الموتُ للمسيحيّات.. الموتُ لأتباع المصلوب..

تلك كانت صيحات الذين تجمهروا حول دار الولاية، وعيونهم تقذف حممًا من الغضب وكأنّهم جوارحٌ تلتمس فريستها لتنهشها نهشًا. كانت المدينة تمور من الهياج وكأنّها تحوّلت إلى ساحةِ وغيٍ أُشهرت فيها سيوف الكلم لدفع سيف الوالي لإراقة الدماء.

لم يكن تجمهر مئات الوثنيّين شيئًا عفويًّا في الإسكندريّة، إذ كان كهنة سيرابيس ومسؤولي الجمنزيوم والعديد من قادة الموسيون ضالعين في الأمر. كانت المسيحيّة تُشكِّل تحديًّا مباشرًا لهم -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى- فالكهنة كانوا ممّن يرون أنْ المسيحيّة تُقوِّض دعائم الإيمان الوثني باختزال الآلهة إلى إله، وبرفضِ قبول آلهة مصر وروما والإغريق. وكان مسؤولي الجمنزيوم يتمّنون اختفاء المسيحيّين الذين يُناهضون إقامة الألعاب القتاليّة الدمويّة في ساحات ومسارح المدينة، إذ قد أطلق المسيحيّون عليها: موضع الوباء ومجلس الطاعون.

الموتُ للمسيحيّات.. الموتُ لأتباع المصلوب..

كان الوالي يسمع تلك الهتافات المزمجرة، ويُدرك تمام الإدراك أنّ أصابع المعبد والموسيون والجمنزيوم خلفها. جَمَعَ الوالي مستشاريه وجلسوا يتباحثون:

قال الوالي: إنّ المدينة ثائرة على المسيحيّات، وعلينا أنْ نتّخذ قرارًا بهذا الشأن.

أجابه أحد شيوخ المجلس: لا تنس أنّ عليك كسب ود كهنة سيرابيس، فهم يملكون الكلمة العُليا عند الشعب والموسيون.

ضرب الوالي بيده على مسند عرشه وهو يقوم قائلًا: أعلم ذلك.. ولكن إلى متى سيحكُم الكهنة المدينة؟

قال أحد الضبّاط المنوط بهم حماية المعبد: إنّ سيرابيس لا يهدأ إلاّ بإراقة دماء المخالفين، وكذا أتباعه.. أنت تعلم هذا..

قال آخر: ولكن الفتيات لم يفعلن شيئًا هذه المرّة، وإنْ مددنا أيدينا لمعاقبتهن سيبدو وكأنّنا نُنفِّذ مُخطّط كاهن المعبد، ولا نعلم ردّة فعل المسيحيّين..

أجاب الوالي: لا تقلق منهم فهم لا يفعلون شيئًا.

فبادره بالسؤال: ولكن إلى متى؟؟

ردّ الوالي: ليس هذا ما يقلقني..

قام أحد مستشاريه مُتّجهًا نحوه قائلًا: ما الذي يدور برأسك؟

أجاب الوالي: إنّ وفدًا من عند الإمبراطور سيأتي في غضون أيام، ولا أريده أنْ يرى المدينة هائجة.

طمأنه ضابط المعبد قائلًا: إنّ لك العديد من الأصدقاء في روما، وهم قادرون على تجميل الوضع أمام الإمبراطور إنْ لزم الأمر.

رفع الوالي يدهُ اليمنى نافيًا بها كلام الضابط وهو يقول: لا، ليس تلك المرّة، فالإمبراطور ليس مُهيّأً لسماع قلاقل في الإسكندريّة.

سأله أحد الشيوخ الجالسين وقد مال بجسدِه نحوه: وما الذي تنوي فعله؟

قال الوالي: لا أدري..

قال آخر: يجب أنْ نُقدِّم كبشَ فداءٍ عن المدينة..

أتقصد المسيحيّات.. سأله الوالي وهو ينظر إلى عينيه..

- نعم..

نظر الوالي من شرفة القصر إلى الساحة المائجة بالاضطراب، وزمزم بشفتيه قائلًا:

سأحاول البحث عن مخرجٍ آخر..


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-sarafim-elbaramousy/light/church.html

تقصير الرابط:
tak.la/gdxdg86