St-Takla.org  >   books  >   fr-athnasius-fahmy  >   st-magdalene
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب مريم المجدلية، قديسة القيامة: رؤية آبائية - القمص أثناسيوس فهمي جورج

12- لا تلمسيني

 

هناك شروحات وتأملات كثيرة علمها الآباء حول هذا القول: قال قال لها يسوع: لا تلمسينى، لان هيئته قد تغيرت وتغيرت وظيفته، وهو في لحظة عبور وليس إقامة (إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم) (يو20: 17).

فلا تزال المجدلية غارقة في الرؤية القديمة ولم تقتبل بعد الرؤية الجديدة، لم تعرف السيد حسبما يريد هو أن يستعلن لها، إنها لازالت تتطلع لسيد الأمس.. ظنته بستاني، وحقيقة هو كذلك، إنه البستاني الحقيقي الذي ارتضى أن يشرب كأس خلاصنا، وهو الذي يزرع ويروى وينمى ويستثمر في بستان النفس حبة الخردل وكل ما يراه مثمرا ُ وإيجابيًا.

قال لها لا تلمسيني، إذ كيف يلمسه البشر وهو بعد في لسماء، مريدًا أن تتلامس معه على المستوى الروحي، لا أن تلمسه بالجسد بل تنتظر الروح القدس الذي سيرسله بعد صعوده الذي به نقدر أن نلمسه، لأنه من الآن سيعرف بالروح (كو5: 16).

St-Takla.org Image: Mary Magdalene meeting the risen Jesus صورة في موقع الأنبا تكلا: القديسة مريم المجلية تقابل المسيح القائم

St-Takla.org Image: Mary Magdalene meeting the risen Jesus

صورة في موقع الأنبا تكلا: القديسة مريم المجلية تقابل المسيح القائم

أراد الرب أن تلمس حضوره بطريقة غير منظورة في الداخل، لا على مستوى المفاهيم الأرضية بحسب الجسد، لكي يرتفع عقلها إلى المعاينة السمائية، فهي لا تزال تبكيه إنسانًا قد مات ورحل ولم يعد موجودًا في القبر بعد لم تعرفه كإله قائم من الأموات، إنها لا تزال تتخيله كما تشاهده بعينيها، لذلك قال لها لا تلمسيني) لأنك تفترضين أنني لست أكثير مما أبدو لك، وتؤمني بي حسب الشكل الجسدي المنظور بواسطة حواس الجسد.

لازالت تبكيه، بينما هو سيلقاها في الجليل، لذلك قال لها (لا تلمسيني) لكي لا تعيق أو تعطل بشرى القيامة للتلاميذ بسبب عاطفتها النسائية، وبسبب نظرتها له كجثمان يمكن أن يسرق، وكجسد يمكن أن يحمل وأن يوضع، لذلك قال لها: (لا تلمسيني)، لأنها بحثت عن الميت بين الأموات لا عن الحي من بين الأموات، بحثت عن العالم لا عن الرب الإله.

(لا تلمسيني) لأنني في نظرك لم أصعد بعد إلى أبى.

لأنني في رأيك لا زلت على الأرض إنساناٌ، لأنني في مفهومك لا أزال أمامك بحسب الجسد، لكن وإن كنت عرفتني إنسانًا بحسب الجسد، إلا إنني إله، أنا في الآب والآب في، أنا والآب واحد.

فإن كنت قد عرفت ذلك وأمنت وانكشف عن عيني قلبك، تستطيعي أن تتلامسي معي على هذا المستوى الروحي واللاهوتي بروح القيامة، ومتى آمنت وعرفت واستعلن لك هذا السر العظيم حينئذ أقول لك!! آمني بما هو روحي وروحاني أي بالإيمان الحي الذي يجعلك تلمسيني عندما أصعد إلى أبى، لأنه طوبى للذين آمنوا ولم يروا.

لقد كان اختفاء السيد المسيح عن المجدلية بعد ظهور القيامة، لأن علاقته بها بعد القيامة لم تعد كما كانت عليه من قبل، فهي في حاجة إلى تغيير وإلى حياة جديدة في المسيح، حتى يلتصق الجديد بالجديد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وهذا هو السبب الذي جعل المجدلية لا تلمسه إلى أن صعد. ويقول القديس يعقوب السروجي: إنها أرادت أن تمسكه وأن تتعلق به، أي أنها تخيلت أنه يمكن لها أن تبقيه على الأرض، لهذا قال لها (لا تلمسيني)، فلا يزال حبها له على المستوى البشرى المحسوس، لذا أراد أن يرفع قلبها إلى السماويات، وأن يمتص حماسها واندفاعها، فليس الوقت وقت إمساك وتعلق وإنما وقت فرح وبشارة.

فالمقصود بعدم اللمس، التدرج بمريم من الشك إلى الإيمان، ومن محاولة البحث عن جسد يسوع الميت إلى الإيمان بالحي من بين الأموات، فمركز الثقل في إثبات القيامة هو الخبرة الروحية التي تتكون عند الشهود، وهي خبرة الرسل والنسوة في اكتشاف القيامة التي لا تنفع فيها الخبرة الحسية واللمس.

لأن القيامة خبرة روحية لا تدخل إلينا عن طريق الحواس، وهذا ما طلبته المجدلية عندما كانت أسيرة المعرفة الحسية الأرضية الخاصة بالترابيين.

وترمز المجدلية إلى كنيسة الأمم التي لم تؤمن بالمسيح، إلا بعد صعوده وجلوسه عن يمين الآب، وهكذا شاء المسيح أن تؤمن به هذه الكنيسة وأن تلمسه روحيًا وتؤمن أنه هو والآب واحد.

لقد قال لها (إني أصعد إلى أبى وأبيكم وإلهي وإلهكم) (يو 17:20) فهو أبيه (بالطبيعة) أنا والآب واحد. وهو أبونا(بالنعمة والتبني) نعمة البنوة. إلهي: لأنه صار إنسان بإرادته واخذ بشريتنا وصار إنسانًا مثلنا بتجسده.

إلهكم: لأننا عبيد اقتنانا لنفسه ونحن خلائقه والمسيح وسيط بيننا وبينه. فلم يقل (أبينا)، لأنه (أبى) بمعنى و(أبوكم) بمعنى آخر، لي بالطبيعة ولكم بالنعمة، (وإلهي وإلهكم) ولم يقل (إلهنا). هنا أيضًا هو (لي) بمعنى و(لكم) بمعنى آخر

وبالاختصار ربما قال لها المسيح (لا تلمسيني) أي لا تؤمني بما يكون في عقلك من أفكار وخيالات، بل ليتجدد إيمانك وينطلق إلى ما هو أعلى، وكيف يمكن أن نفترض أن إيمان المجدلية بالمسيح كان صحيحًا وهي كانت لا تزال تقف عند القبر تبكى، كما لو كانت تطلب جثة؟ بينما هو ليس أقل من الآب بالمرة (مساوي للآب في الجوهر).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/st-magdalene/touch.html

تقصير الرابط:
tak.la/g23qzj7