St-Takla.org  >   books  >   fr-athnasius-fahmy  >   st-bolikarbos
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب القديس بوليكاربوس الشهيد أسقف سميرنا - القمص أثناسيوس فهمي جورج

8- القديس بوليكاربوس الشهيد (إستشهاده)

 

احتمل مسيحيو سميرنا الكثير من أجل الإيمان، وصب مرقس أوريليوس جامات غضبه على المسيحيين... وتقدم لنا رسالة كنيسة سميرنا (عام 156 م) إلى المسيحيين في فيلوميليون Philomelion بفريچيا العظمى تفصيلًا عن استشهاد القديس بوليكارب الذي حدث بعد فترة قصيرة من عودته من روما، وتعتبر هذه الرسالة أقدم وثيقة عن استشهاد شخص وأول عمل من "أعمال الشهداء Acta Matyrum" التي تقدم تقارير شهود العيان والسير القصصية للأدب الاستشهادي المسيحي.

وتعد سيرة استشهاد بوليكاربوس أقدم وثيقة كنسية سجلت لنا التعليم الرسولي بأن الشهيد مدعو لأن يتمثل بآلام المسيح وموته بالحق والفعل وأنه مدعو للشهادة بالكلام والأقوال وللاستشهاد حتى الدم.

تقدم الوثيقة أقدم شهادة على الإهتمام بأجساد الشهداء والاحتفال بأعيادهم وتذكاراتهم، كما وسجل كاتب الوثيقة الصلاة التي قدمها الشهيد بوليكاربوس ساعة استشهاده والتي لا تختلف عن مفردات رسالته إلى فيلبي، لذا جاءت شهادة حية عن الثالوث القدوس، وعن العزاء والخلاص وعمل الروح القدس ووحدة الكنيسة.

وهنا نرى أن بوليكاربوس في ساعة استشهاده الأخيرة، وقد امتد إيمانه ليشمل الثالوث وفداء المسيح رئيس الكهنة الذي بدونه لا قيمة للذبيحة الحية التي تقدم.

وتطلع الشهيد بوليكاربوس إلى شركة السمائيين وعشرة الشهداء والقديسين وإلى دوام الشركة مع هؤلاء، لحياة الأبد للنفس والجسد... يا لها من قوة تسلح بها شهيدنا الأمين بوليكاربوس، حتى أنه واجه النار الآكلة وهو يتحدث عن قيامة الجسد.

St-Takla.org Image: Saint Polycarp Bishop of Smyrna, Bolikarbos صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس بوليكاربوس، بوليكارب أسقف سميرنا

كتبت وثيقة استشهاد القديس بعد استشهاده بفترة وجيزة، وتسجلت بها وقائع شهادته بعد وقت قصير جدًا لأن الكاتب قد تذكر الساعة واليوم والسنة والأحداث والكلمات والوصف.

وأشارت الوثيقة إلى مشاعر وكلمات القديس بوليكاربوس وكيف أنه تطلع للاستشهاد كهبة إلهية، وكيف شكر الله عليه بفرح، مثبتًا شكره بكلمة آمين.

ومن أهم الملاحظات التي ركز عليها علم الباترولوچي أن هذه الوثيقة قدمت انطباعًا رائعًا عن سمو شخصية بوليكاربوس الشهيد، ودللت على الاضطهاد الذي ساد في عهد مرقس أوريليوس... وشرحت طريقة القبض على الأسقف، وكيف أن الجنود تعجبوا من هيبته ووداعته وعذوبته، حتى أن أحدهم قال: "لماذا هذا التكالب في طلب موت هذا الشيخ الوقور؟"...

ونأتي إلى مقولة القديس الذهبية التي قالها عندما طلب منه أن يلعن المسيح، "لقد مضت ستة وثمانون عامًا أخدم فيها المسيح، وشرًا لم يفعل معي قط، بل اقتبل منه كل يوم نعمًا جديدة، فكيف أجدف على مالكي الذي يخلصني؟".

وحينما هددوه بالحرق والطرح للوحوش، قال: "إني لا أخاف النار التي تحرق الجسد، بل تلك النار الدائمة التي تحرق النفس وأما ما توعدتني به من أنك تطرحني للوحوش المفترسة، فهذا أيضًا لا أبالي به، احضر الوحوش، وأضرم النار، فها أنا مستعد للحريق والافتراس".

وحينما حاول الجند تسميره على خشبة حتى لا يتحرك من شدة عذابات النار، قال لهم: "اتركوني هكذا، فان ذاك الذي وهبني قوة لكي احتمل شدة حريق النار، هو نفسه سيجعلني ألبث فيها بهدوء دون حاجة إلى مساميركم".

أوثقوا يديه وراء ظهره وحملوه واضعين إياه على الحطب كما لو كان ذبيحة على مذبح، أما هو فصلى للرب، شاكرًا إياه أنه سمح له أن يموت شهيدًا، وأن يشركه في شرب كأس آلام الابن الوحيد.

وأوردت هذه الوثيقة أول شهادة عن تقدير الكنيسة لرفات الشهداء، إذ جاء فيها: "أخذنا بعد ذلك رفاته الباقية الثمينة أكثر من الحجارة الكريمة، الأسمى من الذهب، وأودعناها في مكان لائق. ليسمح الرب لنا - قدر المستطاع - أن نجتمع بالفرح والحبور لنحتفل باستشهاده - يوم ميلاده!".

تتحدث الوثيقة عن تكريم الشهداء: "نسجد له لأنه ابن الله، ونحب الشهداء لأنهم تلاميذ الرب يقتدون به، يستحقون ذلك من أجل محبتهم الفائقة لملكهم ومعلمهم". وقد حسب المؤمنون أن عيد استشهاد بوليكاربوس عيد الكنيسة وعيد للشهداء.

تضمنت الرسالة الشكر الليتورچي الذي قدمه الشهيد بوليكاربوس ساعة استشهاده وتضمنت تمجيده الذكصولوجي للثالوث القدوس وتضمنت أيضًا جامعية الكنيسة وأرثوذكسية إيمانها، وميزت الرسالة الواردة بالوثيقة بين الجسد الكنيسة الجامعة تحت قيادة قادتها الأرثوذكسيين وبين الجامعات المنشقة تحت قيادة الهراطقة.

كشفت الوثيقة الخاصة باستشهاد بوليكاربوس كيف أنه كان رجل صلاة وعبادة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. حتى أنه صلى قبيل استشهاده مدركًا أن الصلاة مصدر قوته، وكيف أنه رجل الكنيسة الواحدة في جوهرها وحياتها وإيمانها في كل مكان، الذي بقلب منفعل بالمحبة الإلهية المكتملة بالإتحاد مع كل جسد المسيح، تطلع إلى الرب الذي حل فيه بالحقيقة بكيفية تفوق كل تعبير، وصار له جوهرة فائقة لا يمكن أن يعادلها شيء ما في الوجود، وكل شيء نفاية بالمقابلة معه، فصار هو ذبيحة على مذبح الرب محرقة وقربانًا.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/st-bolikarbos/martyrdom.html

تقصير الرابط:
tak.la/yrm4tjm