St-Takla.org  >   books  >   fr-athnasius-fahmy  >   passion
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب ذكرى آلامه المقدسة: قصة الحب العجيب، رؤية آبائية - القمص أثناسيوس فهمي جورج

5- عجائب حب الله

 

ما أعجب قدميك التي قبل أن تتسمرا على عود الصليب تقدمت المرأة الخاطئة بقارورة الطيب الكثير الثمن وسكبتها عليهما يا يسوع ومزجتها بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها، لأنها أحبت كثيرا وغفرت أنت لها خطاياها الكثيرة. إن هذا الطيب الذي دهنت به رجليك كان لتكفينك. ما أعجب أن تقدر هذا الطيب يا رب قدر المحبة التي وجدتها تفوق الأرض وما عليها، بينما اعتبرها يهوذا الخائن إتلاف، وكخبير في الأسعار ثمنها بثلاثمائة دينار، لكنك امتدحتها ووزنتها بميزان الحب الصادق ومنحت المكافأة والمجازاة لتلك المرأة، فقد كانت قيمة حياتك عند يهوذا تساوى 30 فضة، أما عند هذه المرأة فقد كانت تساوى كل ما عندها حتى إلى 300 دينار (مر 14: 5).

ما أعجب أن يليق هذا الطيب بموتك حتى أنك قلت "اتركوها أنها ليوم تكفيني قد حفظته" (يو 12: 7). لقد أردت يا رب أن تعلمنا أن المحبة لك لابد أن تكون نشطة وحارة وعملية لكن سرية وصامتة. ما أعجبك يا ملك الآلام البشرية وأنت تقبل هذا الطيب وتمتدحه بينما يهوذا الخائن كان يرى أن الصندوق أولى بثمنه إذ كان يلتقط كل ما يوضع فيه. وما أعجب أن تمنح المرأة ساكبة الطيب التكريم والتذكار الدائم على مدى أجيال الكنيسة حيثما يقرأ إنجيل المرأة صاحبة الطيب. لقد جعلت هذه المرأة أسبوع آلامك أسبوع الطيب الناردين إذ سقيت ودهنت بالطيب جسدك للتكفين (مر 14: 6).

ما أعجب أن يكون هذا الطيب نبوة عملية عن الموت والدفن الذي ستجوزه بإرادتك. وما أعجب أن الكنيسة قد أخذت الطيب والحنوط، الذي وجد في لفائف أكفانك بعد أن تركتها كما هي وقمت، وصنعت بها زيت الميرون، لذا صار هذا التذكار عجيبا ليس للمرأة في حد ذاتها، وإنما التذكار هو لعملها الحسن الذي به كانت أول من اشتركت في تكفين جسدك كأول عمل مهد لصليبك ولقبرك. ويا للعجب فقد تخلد اسمها وعملها في الإنجيل وفي السماء وفي الكنيسة لأنها فعلت بك فعلًا حسنا.

St-Takla.org Image: Spikenard (Nardostachys grandiflora or Nardostachys jatamansi; also called nard, nardin,and muskroot) صورة في موقع الأنبا تكلا: نبات الناردين، ناردين، نردين، سبيكينارد

St-Takla.org Image: Spikenard (Nardostachys grandiflora or Nardostachys jatamansi; also called nard, nardin,and muskroot)

صورة في موقع الأنبا تكلا: نبات الناردين، ناردين، نردين، سبيكينارد

ما أعجب طيبك الذي هو خلاصة روائح وزهور كثيرة والذي انتشر كرائحة زكية مسكوبة على قدميك ملئت الكنيسة كلها وارتفعت إلى السماء عينها، لأن اسمك أيها المصلوب دهن مهراق فاحت رائحة ناردينه حين أهرق دمك وأنت مجتاز المعصرة وحدك لتقدم حياتك مبذولة كقارورة عطرت السماء والأرض.

ما أعجب أن تسقينا دمك وتغذينا جسدك الخاص لتجعل السماء في متناول أيدينا، عندما تثبت فينا ثبوتا متبادلا ونصير ليس فقط ملازمين لك بل متحدتين بك، وهنا نكون مرهبين للشياطين ونخبر بأعمالك العظيمة ونسمع تسابيحك ونشبع من حبك على قدر ما نشتهى، ونبشر بموتك أنت الابن الوحيد ونعترف بقيامتك عندما نقدم الذبيحة غير الدموية في الكنائس وننال الأولوجيات لنتقدس. ويا للعجب لراع عال رعيته بأعضائه الخاصة. إنها قصة الحب العجيب.

ما أعجب تذكار فصحك الإلهي يا رب فهو ليس مجرد أكل وشرب خمر بل تذكار ذبح حقيقي: كسر جسدك وسفك دمك. والمأكول والمشروب هو جسدك أيها الحمل الإلهي الذي قدمته فصحا للعالم ودمك المسفوك لخلاص الإنسان، فالتذكار حقيقي من جسد ودم حقيقي، والوليمة هي وليمة الملكوت لا بالمثال ولكن بالحقيقة.

ما أعجب إنكار بطرس بينما أنت أكدت له مسبقا أنه سينكرك ثلاث مرات قبل أن يصيح الديك، وبعد أن أنكرك اقتربت إليه بمراحمك في صمت وسرية لتلمس قلبه وذكرته بالماضي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ما أعجب أن تلتفت وتنظر إليه لتفتقده بنعمتك الداخلية، إذ أنه كان في عوز لأن تذكره، لأن نظرتك إليه كانت عوض صوتك حتى يمتلئ مخافة ثم يبكى بكاء مرا. فما أحوجنا أن نرتمي في حضنك لأنك عارف بضعفنا، فلا نثق بذواتنا بل في نعمتك القادرة أن تقيمنا من الضعف، فليتنا لا نفتخر بأنفسنا بل بالحري نفتخر بعطاياك من بطرس الذي أنكر الواحد الذي أحبه ثم أحب الواحد الذي أنكره.

ما أعجب أن تحذر بطرس من نتيجة تجربة الشيطان له، ثم بعد أن أنكرك ثلاث مرات أعطيته كلمات التعزية ليعود ويقوم، ليس هذا فقط بل ويسند إخوته أيضًا (لو 22: 31).

ما أعجب أن تكون قد جِئت فصحًا عن العالم، بينما رؤساء الكهنة والكتبة كانوا يطلبون أن يمسكوك بمكر ويقتلونك في عيد الفصح، وهم بهذا ذبحوا الفصح الحقيقي في العيد ولم يتعرفوا عليك ولا فهموا الذبائح الرمزية التي كانت بين أيديهم بكل أسرارها.

ما أعجب حملك للصليب إذ أنه الموازى في أعمال النبوة لحمل اسحق حطب المحرقة، فأنت الخروف حمل الله الذي للمحرقة (تك 22) وأنت الذي قال عنك إبراهيم: "الله يرى له الخروف للمحرقة". فبعد 42 قرنًا من إبراهيم جاء ملء الزمان وتجسدت مولودا من امرأة تحت الناموس لتفدينا وننال بذبيحتك الكفارية نعمة التبني، فمن الضغطة والدينونة أخذت، وقطعت من أرض الأحياء وضربت من أجل ذنب شعبك وجعلوا مع الأشرار قبرك ومع غنى عند موتك.

ما أعجب أن اسحق في استعداده للموت حمل صليب الإنجيل قبل مجيء الإنجيل. وما أعجب أن تكون الحمل الحقيقي الذي قدمك الآب ليس فدية عن اسحق وحده بل عن العالم كله.

ما أعجب أن توثق بين الأشواك بقرون كما علقت على الخشبة. وما أعجب أن يكون حمل اسحق لخشب الحرقة إشارة ورمزًا لك، هذا السر الذي سبق فأعلنه الأنبياء، فكما قدم إبراهيم ابنه الوحيد، هكذا ذبيحتك هي ذبيحة الآب الذي قدمك أنت ابنه فدية عنا. إنها ذبيحتك التي اشتمها الآب رائحة سرور. فذبح اسحق كان إشارة إلى هرق دمك على الصليب عن خلاص العالم، وكما حمل اسحق حطب المحرقة كذلك حملت أنت خشبة الصليب وكما رجع اسحق حيا من الأموات، هكذا أيضًا قمت حيا من الأموات وظهرت لتلاميذك القديسين.

ما أعجب أن يسكب الرب ماء في مغسل ثم يغسل أرجل تلاميذه وهو الذي سيبذل دمه ويسيل على الأرض ليغسل به أوساخ خطايانا. وما أعجب أن يأتزر الرب بمنشفة ويغسل الأقدام ويمسحها ليس فقط لمن سوف يتألم بالموت من أجلهم، بل وحتى لمن هو مزمع أن يسلمه للموت. وما أشد العجب في احتمال الرب للشر الذي أتى عليه، حتى في مشهد الخيانة ذاتها!! ولم يقل له "أيها الخائن والرديء، أهذا جزاء ما صنعته من رحمة؟" بل إنه بدلا من أن يغضب عليه قال له ببساطة "يا يهوذا..". مبارك أنت يا رب لأنك علمتنا المثل في احتمال الشر وأظهرته لنا في شخصك.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/passion/love.html

تقصير الرابط:
tak.la/cya72q6