St-Takla.org  >   books  >   fr-antonious-kamal-halim  >   difficult-characters
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب هل تقبلني؟ التعامل مع شخصيات صعبة - القمص أنطونيوس كمال حليم

19- الشخصية الانفعالية(1)

 

التعامل مع هذه الشخصية يسبب إزعاجًا وحيرة وتوترًا.. وإذا كان الإنسان مضطرًا للتعايش معها فإنه يصاب بالإحباط واليأس ويستولى عليه النفور.. فهي صارخة متقلبة بسلوكها الذي يسبب غيظ الآخرين وحيرتهم. وهي لا تبالي بمشاعر الآخرين واحتياجاتهم، وأنها يهمها ذاتها وروحها وتحقيق رغباتها مع تجاهلها للآخرين، بل وإلحاق الضرر بهم من أجل مصلحتها ونزعاتها..

 هي أنانية بلا حدود.. ليس لديها ذرة عطاء للآخرين.. وإذا أعطت فذلك أمر مؤقت مرهون بقضاء مصلحة أو حبًا في الظهور. ولذلك فهي لا بُد أن تعلن عن عطائها حتى وإن كان في ذلك جرح لمن أعطت.. فهي قد تتنكر لصديق محتاج أو فقير مريض في أشد الاحتياج وتضن عليه بالقليل، ولكنها في نفس الوقت تعلن تبرعها بمبلغ كبير في حفل عام لجمعية ترعى الحيوانات من أجل أن يقال عنها أنها محسنة كريمة..

وأنانيتها مرتبطة ببخلها ومرتبطة أيضًا برغبة مطلقة في الاستحواذ على كل شيء..

 وسلوكها في أي مكان وفي أي وقت فج أو حارق أو زاعق أو صارخ.. أي لا بُد أن يلفت النظر.. تلك سمة أساسية أو هي محور كل السمات في هذه الشخصية الغريبة.. فهي لا يمكن أن تتواضع وتتوارى أو تخجل أو تقف في الصف الثاني أو تنكر جهدها أو تقدم غيرها على نفسها أو تصمت أو تتبسط في مظهرها.. لا.. أنها دائمًا تسعى لأن تكون في الصف الأول.. وفي قلب الصف الأول أي في المركز حيث دائرة الضوء.. وأن تلفت كل العيون بمظهرها الصارخ جدًا، فمن المستحيل أن تراها بفستان بسيط وألوان هادئة، ولذا فجنون الموضة هو من أجل إرضاء صاحبات الشخصية الانفعالية.. وهدفها بالطبع هو أن تكون محط كل الأنظار وليس بعضها، والويل لمن يتجاهلها أو يبدى اهتمامًا بغيرها.. أنها تنقلب ضده وتهاجمه وإن أمكن تجرحه.. ولَفْت الأنظار لا يكون بالمظهر فقط وإنما باللسان والصوت وحركات الوجه والضحكات الرنانة والحديث المتواصل الذي لا ينقطع.. ولا بُد بالطبع أن يكون حديثاُ مثيرًا، ولذا فهي تبالع في كل شيء وتحكى عنه بإحساس عميق (زائف) وتأثر بالغ وكأنها تؤدى دورًا على المسرح.. درامية التعبير والسلوك مبدية على السطح كمًا من العواطف البالغة ولا مانع من أن تدمع عيناها تأثرًا..

St-Takla.org Image: Scream Painting by Edward Munch, 1893 صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة صرخة، الفنان إدوارد مونش

St-Takla.org Image: Scream Painting by Edward Munch, 1893

صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة صرخة، الفنان إدوارد مونش

 حماسها لأي شيء جديد لا حدود له.. وسرعان ما يفتر هذا الحماس ويخمد ويتبخر نهائيًا، وربما تتبنى موقفًا مضادًا لنفس الشيء الذي تحمست له في البداية..

 عواطفها لأي إنسان تتعرف عليه فياضة جياشة.. وتعيش قصة حب تهتز لها الأفئدة.. وتتهور وتندفع وتصرخ وتعادى من أجل حبها.. ولكنها مثل تأثير الخمر في العقول.. تحدث نشوة ثم تتبخر وتخلف الضجر والصداع.. هكذا ينقلب حبها إلى إحساس بالملل والفتور والإعياء واللامبالاة وكأنه لم يعبر بقلبها شيء..

.. وتصادق بنفس الطريقة.. حماس وارتباط وهيام والتصاق.. ثم لا شيء..

ولذا لا حبيب لها.. ولا صديق لها.. ولا صديقة لها.. حتى أقرب الناس إليها يبتعدون عنها.. يتحاشونها.. لأنها متقلبة لا أمان لها ولا يمكن الاعتماد عليها ولا يمكن الوثوق بها.. غير ملتزمة.. غير مهتمة.. غير مخلصة.. وأيضًا غير صادقة.. فهي تكذب وتكذب.. فالكذب سمة من أهم سماتها.. والنميمة كذبًا أو صدقًا من أهم صفاتها.. فحديثها عن الآخرين دائمًا ليس به خير، فهي تلوك سيرة الناس وتفتش عيوبهم وتتحدث عن نقائصهم وتشيع عنهم الأخبار السيئة والتي تضر بسمعتهم ولا تبالي إذا تسبب ذلك في الأضرار بصديق أو قريب وتستمتع بالفضائح وخرائب البيوت وتتلذذ بالضيق الذي ينزل بالناس.. حتى يبدو وكأن روح الشر تسيطر بشدة على هذه الشخصية.. وسعيها من أجل جذب الأنظار وشد الانتباه وتعليق القلوب يصل إلى حد أنها تحاول أن تثير الآخرين بأنثوتها أو (رجولته) والإيقاع بهم في حبائلها وتحريك شهيتهم الجنسية.. وتلمح باهتمام خاص ورغبة في علاقة خاصة، وقد تظهر حبًا وهيامًا ولوعة.. ويقع المسكين في حبائلها.. ويتصور أنه هو المحظوظ المختص بحبها واهتمامها.. ويفعل أي شيء من أجل إرضائها.. يبذل الغالي والنفيس.. وحين يقترب أكثر وأكثر، وحين يسقط داخل دائرة سيطرتها ينقلب الحال، ويعانى من صدها وهجرها وإهمالها وبرودها ويحترق بنار تجاهلها..

والغريب في الأمر أنه مع هذا السلوك الجنسي الفاضح المبالغ فيه فإنها تعانى من البرود الجنسي.. فهي لا تستجيب أثناء العلاقة الجنسية ولا تستمتع بها وربما تنفر منها.. حتى إذا بالغت في العلاقة الجنسية فهذا ليس عن رغبة وإنما لتثبت لنفسها إنها مرغوبة جنسيًا ولتثبت للطرف الآخر أنها شهية جنسيًا.. الشخصية الانفعالية لديها عقد ومشاكل جنسية.. أنها غير واثقة من قدراتها كأنثى، ولهذا فهي تغير إلى حد الموت من أي أنثى أخرى ويحترق قلبها إذا استطاعت أنثر أخرى أن تسلبها اهتمام رجل..

وإذا انكشفت حماقاتها أو إذا تعرضت لضغوط وهجوم أو إذا أهملها وتجاهلها من حولها، فإنها تهدد بالانتحار.. والتهديد بالانتحار هو لعبتها المفضلة ووسيلتها في استمرار تحكمها بالآخرين وسيطرتها عليهم وهي لعبة مكشوفة لمن يعرفونها عن قرب لأنها تكررها في كل مناسبة وتقدم عليها، فعلًا ولكن بوسائل لا تفضي إلى موت حقيقي ولا بُد من القيام بمظاهرة مسرحية قبل محاولة الانتحار فتصرخ وتجرى ناحية الشباك أو تندفع محاولة إشعال النار في نفسها أو تحدث جروحًا برسغها أو تكتب خطابًا تضعه في مكان ظاهر وقبل المحاولة بوقت كاف أو تبتلع بضعة أقراص من الأسبرين أو الفيتامينات.. أي لا بُد أن تقول لمن حولها أنها ستنتحر.. وتضع شروطًا لكي تقلع عن المحاولة.. أي هي تساوم.. وهذا أمر مؤلم ومزعج لمن حولها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. أمر يضعهم في صراع بين ضيقهم منها وحرصهم عليها إذا كانت ابنتهم أو شقيقتهم..

وهي حادة المزاج.. تنفجر غضبًا لأسباب وهمية وبلا معقولية.. وتتفوه بأقذع الألفاظ وتندفع في معاداتها وعنادها.. تصرخ وتشد شعرها وتمزق ملابسها وتقذف بأي شيء ثمين أمامها وتحطمه.. وطلباتها لا تنتهي ولا شيء يرضيها..

 وقابليتها للإيحاء سريعة وشديدة.. من السهل الإيحاء لها بشيء.. ولكن هذا التأثير مؤقت وسرعان ما يزول.. وشخصياتها قابلة للتفكك.. ومن السهل أن تصاب بأعراض جسدية تحت تأثير الإيحاء.. ومن فرط حبها لذاتها فإنها تصاب بأعراض فعلًا كالصداع والآلام..

 ومع الضغط الاجتماعي الشديد وتضييق الخناق عليها فإنها تصاب بالتفكك الكامل وتنتابها أعراض مرض الهستيريا.. فتصاب بالإغماء أو التشنج أو فقدان مؤقت لأحد الحواس، كالسمع أو البصر أو تصاب بشلل مؤقت في أحد أطرافها أو قد تفقد النطق.. وكلها أعراض مؤقتة سرعان ما تزول تحت تأثير الإيحاء أيضًا..

 والأعراض الهستيريا المرضية التي تصيب الشخصية الانفعالية قد تأتى في صورة درامية مثيرة كفقدان الذاكرة أو الشرود بعيدًا بلا هدف وبتوجيه من العقل الباطن أو المشي والكلام أثناء النوم.. أو في صورة أكثر طرافة وإثارة وغرابة كأن تتحول إلى شخصية أخرى وتتقمصها، وهذه الشخصية الأخرى قد تتكلم بلغة مختلفة غريبة وتأتى سلوكًا غريبًا ويتطوع بعض المشعوذين أو المدعين الجهلاء ويقولون أن بها مسًا من الجن أو أن الجن قد لبسها وأن من يتحدث بلسانها هو الجن وبالتالي لا بُد من إجراءات لصرفه من جسدها..

 وطبعًا هي -المريضة- تسعد بهذا التفسير لأنه يعطيها أهمية ومكانة ويعطى حالتها خصوصية وغيبية فتحظى باهتمام خاص تستطيع من خلاله فرض إرادتها وسيرتها وتحقيق رغباتها أو التنفيس عن صراعاتها ورغباتها اللاشعورية..

 والشخصية الانفعالية غير مريض الهستيريا.. فالشخصية لا علاج لها.. أما المريض فيجب الاهتمام به طبيبًا نفسيًا.. المرض صراع في العقل الباطن يجب الوصول إليه ومعرفته وحله.. أما الشخصية فهي سمات أو أسلوب حياة وطريقة للتفاعل والتعامل والتفاهم والاتصال..

 جمال خارجي وقبح داخلي.. عاطفة على السطح، وخواء بالداخل.. حماس بالظاهر وفتور بالباطن.. جنس طاغ بالعيون وموت بالأحشاء.. مودة بادية وغدر مختبئ.. شخصية صعبة لكل من يقترب منها..

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) كتب د. عادل صادق مدرس بطب عين شمس.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-antonious-kamal-halim/difficult-characters/emotional-personality.html

تقصير الرابط:
tak.la/3xty7t6