St-Takla.org  >   books  >   anba-bishoy  >   monastic
 
St-Takla.org  >   books  >   anba-bishoy  >   monastic

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب عظات رهبانية - الأنبا بيشوي

8- العمل في حياة الراهب

 

آدم يعمل في الجنة
أقوال الآباء عن العمل
أهمية العمل للراهب
أنواع العمل
نوعان من العمل في حياة الراهب
العمل ليس هدفًا في حد ذاته بل هو وسيلة نقتنى من خلالها الفضائل

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

آدم يعمل في الجنة

 العمل هو أحد النواميس الطبيعية التي وضعها الله للإنسان. وضع الله آدم في الجنة ليعملها ولم يكن هذا من بعد سقوطه ومعصيته، ولكن كان آدم يحيا في فرح وشركة مع الله ومع ذلك فقد أعطاه العمل كتسلية؛ لأن آدم قد خُلق على صورة الله ومثاله، وقد قال السيد المسيح: "أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ" (يو5 : 17). الله قد خلق العالم في ستة أيام واستراح في اليوم السابع وقدسه.. استراح من عمل الخلق ولكنه استمر يعمل في عنايته وحفظه للخليقة؛ فلا يمكن أن يتوقف الله عن العمل ولكن نوع العمل هو الذي أشار إليه الكتاب المقدس حينما قال: "وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ، وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابِعَ وَقَدَّسَهُ لأَنَّهُ فِيهِ اسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ اللهُ خَالِقًا" (تك2: 2، 3). وهكذا حينما خلق آدم وضع فيه ناموس العمل أي لا يمكن أن نتصوّر آدم مجرد كائن يحيا في الجنة لكي يُمارس حياة البطالة أو الكسل، طبعًا مفهوم أن الجنة كانت مملوءة من كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل والله قد أعطى آدم أن يأكل من جميع شجر الجنة ولم يدعه معوزًا شيئًا من أعمال كرامته؛ لكن بالرغم من هذا كان على آدم أن يعمل الجنة ويحفظها، لأنه كانت هناك شركة بين آدم وبين الطبيعة، كما أن هناك شركة بين آدم وبين الله... ربما أحد أعمال آدم أنه كان يقود بعض أنواع الحيوانات ويرعاهم، كما أنه كان يحفظ الجنة.

 العناية هنا معناها إحساس آدم أنه يعمل أمرًا يعتني فيه بآخر كنوع من عمل الرعاية أيضًا، يرعَى الأشجار ويرعَى الحيوانات... هذه فلسفة كبيرة، لأن البطالة -كما قلت- لا تليق بكائن عاقل. فإلى جانب أن آدم كان يمجّد الله في حياته بشركة الحب بينه وبين الله، فإنه كان يمجّد الله أيضًا بالشركة التي بينه وبين الطبيعة، وكان يمجّد الله في الأمور المرئية مثلما يقول معلمنا بولس الرسول: "لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ" (رو1 :20). فأمور الله غير المنظورة نستطيع أن نراها في أموره المنظورة. وحينما سقط الإنسان كان عليه أن يعمل عملًا شاقًا.. في البداية كان يعمل عملًا حرًا سهلًا، ولكنه حينما سقط قال له الله: "بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا" (تك 3: 19) فابتدأ آدم يشقى ويعمل لكي يعول نفسه، وحينما جاء السيد المسيح آدم الجديد عمل في حياته.. كان يعمل نجارًا وتعب في عمله؛ لكي يؤكد أهمية العمل بالنسبة للإنسان. ربما في سُنَى حياته الأخيرة كان عمله هو الكرازة بالإنجيل ودعوة النفوس للتوبة، وفي هذا أيضًا كان يتعب.. مثلما تعب من السفر وجلس هكذا على البئر وتحدث مع المرأة السامرية وقادها إلى ينابيع الخلاص، وحمل صليبه في طريق الآلام واحتمل الآلام حتى الموت كمذنب واحتمل جلدات الجنود وتعيير اليهود والرومان؛ لكي يهبنا الحياة الأبدية وغفران خطايانا.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أقوال الآباء عن العمل

الآباء القديسون أكّدوا على أهمية العمل في حياة الراهب، الأب بيمن قال [ثلاثة أعمال رأيناها للأب بموا.. صوم إلى المساء كل يوم وصمت دائم وعمل اليدين] فحياة الراهب تقوم على ثلاثة أركان هي القراءة والعمل والصلاة.. جزء من الوقت يقضيه في القراءة؛ لكي يتزود بالمعرفة الروحية ولكي يغذى عقله بسير القديسين وأقوال الله المحيية، وجزء من الوقت يقضيه في الصلاة في شركة حب مع الله، وجزء من الوقت يقضيه في العمل.

وقد كُتب في بستان الرهبان: حضر إلى الأب لوقيوس رهبان من أولئك الذين يدعون مصلين الذين يحبون الصلاة ولا يحبون العمل فسألهم عن عمل أيديهم؛ فقالوا له: نحن لا نهتم بعمل اليدين إنما نهتم بالصلاة الدائمة كقول الرسول، فقال لهم الشيخ: أما تأكلون وتنامون؟ فقالوا: نعم، فقال لهم: فإذا ما جلستم تأكلون وإذا نمتم فَمَنْ يصلي عنكم؟ فتحيروا ولم يجدوا ما يجيبون به، فقال لهم: اغفروا لي فإن عملكم ليس كقولكم لكني أريكم كيف أمارس عمل يديَّ وأصلي دائمًا وذلك بأني أجلس بعون الله وأبل خوصًا وأضفر الضفيرة وأقول: ارحمني يا الله كعظيم رحمتك وككثرة رأفتك امحُ إثمي؛ أفما يعتبر ذلك صلاة؟ قالوا له: نعم، فقال لهم: إذا مكثت هكذا طول النهار أعمل وأصلي فيكون لي عن عمل كل يوم ستة عشر فلسًا فأعطى منها فلسين وآكل بالباقي ويصبح آخذ الفلسين مصليًا عني في وقت أكلي وفي وقت نومي وبنعمة الله تكمل لي الصلاة الدائمة كأمر الرسول. أنتم تقولون إنكم تصلون، لكن وقت الطعام ووقت النوم لا يصلي أحد من أجلكم، إنما أنا أشتغل وأتصدّق من عمل يدي والإنسان المسكين الذي يأخذ هذه الصدقة سيصلي لي أثناء نومي وأكلي.. صلواته هذه ستكون عوضًا عن صلاتي وبهذا أكون قد تممت الصلاة الدائمة بواسطة هذا الإنسان، وفي وقت العمل أيضًا أصلي، وبهذه الطريقة أكون قد صليت أكثر منكم. وإذ أمارس عملي فإني بذلك أقهر شيطان الملل والشهوة لأن الملل يؤدي إلى البطالة والشهوة كائنة في البطالة. الطريقة التي سلمها لنا جماعة الرهبان هي هذه أنه يلزمنا أن نشتغل بأيدينا ونصوم طوال النهار ونقتني صمت اللسان ونبكي على خطايانا.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أهمية العمل للراهب

St-Takla.org Image: Rev. Father Ibrahim El-Anba Paula, a Coptic monk working as a curator of a museum at St. Paul Monastery, Red Sea, Egypt - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org - July 2010. صورة في موقع الأنبا تكلا: قدس أبونا الراهب إبراهيم الأنبا بولا، راهب مسئول عن أحد المتاحف الأثرية بدير الأنبا بولا، البحر الأحمر، مصر - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت - يوليو 2010 م.

St-Takla.org Image: Rev. Father Ibrahim El-Anba Paula، a Coptic monk working as a curator of a museum at St. Paul Monastery، Red Sea، Egypt - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org - July 2010.

صورة في موقع الأنبا تكلا: قدس أبونا الراهب إبراهيم الأنبا بولا، راهب مسئول عن أحد المتاحف الأثرية بدير الأنبا بولا، البحر الأحمر، مصر - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت - يوليو 2010 م.

+ أولًا: العمل يخفف عن الراهب الثقل والملل، فالقديس الأنبا أنطونيوس عندما كان في ملل ظهر له الملاك وهو يشتغل حتى يعلمه وقال له: اعمل مثلي والملل والضجر يذهبان عنك.

 + ثانيًا: العمل يعطي فرصة للراهب أن يأكل من عمل يديه ويعطي صدقةً للآخرين؛ لكي يعمل عمل الرحمة ويشعر أنه تعب في عمل الرحمة هذا. يوجد إنسان يصنع صدقة من صدقة تأتي له، بمعنى شخص يتصدق عليه آخر بخمس خبزات فيتصدق هو بخبزة.. بالفعل يكون قد عمل عمل رحمة إنما هذا على حساب الآخرين فالذي أعطاه هو الذي سيأخذ أجر هذه الرحمة، ولكن الذي يتصدق من عمل يديه يكون إنسانًا مُثمرًا أو منتجًا.

 + ثالثًا: العمل أيضًا يمنع الشرور التي تتولَّد من البطالة في حياة الإنسان مثلما قال الأب لوقيوس [الشهوة كائنة في البطالة] أحيانًا البطالة تساعد على خمول الجسد ولهذا قال القديس موسى الأسود: [أهم أسلحة الفضائل هي إتعاب الجسد بمعرفة فالكسل والتواني يولدان المحاربات] وقال أيضًا [اتعب جسدك لئلا تخزَى في قيامة الصديقين] و[لا تحب الراحة ما دمت في هذه الدنيا].

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أنواع العمل:-

يوجد نوعان من العمل في حياة الراهب:

نوع مقترن بالصخب والضجيج ونوع آخر مقترن بالهدوء، النوع الأول من الممكن أن يفسد حياة الراهب والثاني من الممكن أن يبني حياته مثلما شرحنا.

النوع المقترن بالصخب والضجيج هو الذي يكون العمل فيه هدفًا في حد ذاته، من أجل المجد الباطل أو الكبرياء أو من أجل الطمع.. مثل مَن يريد أن ينتج إنتاجًا كثيرًا حتى يكون غنيًا أو لكي يُمدَح من الناس؛ في هذه الحالة يسبب سجسًا أو قلقًا في وسط الرهبان عكس ما هو مطلوب أن يعمل الراهب في هدوء.. يعمل لكي يمجد الله، مثلما قال القديس الأنبا أنطونيوس: [اشتغل بكل قوتك ليتمجد أبوك الذي في السموات] وليس لكي يعطي مجدًا لذاته. الراهب إذا كان يعمل في هدوء فإنه يستفيد روحيًا من العمل.

يقول القديس مار أفرآم السرياني [فاتحة العجرفة هي عدم مشاركة الراهب الإخوة في العمل حسب قدرته، وإذا ما جئنا إلى العمل فلا نكثر الكلام... بل ليكن اهتمامنا وتفكيرنا في الهدف الذي من أجله خرجنا إلى الرهبنة] إذن لا بُد أن يكون العمل من أجل هدف أسمَى ليس هو العمل في ذاته ولكن من أجل الحياة مع الله. أحيانًا تجد الإنسان الذي يعمل يغتاظ من الذي لا يعمل، مثل هذا يلزمه أن يتعلم من سير الآباء كيف كانوا يقدمون قدوة في العمل تدفع الآخرين لأن يعملوا مثلهم.

سكن شيخ مع إخوة واعتاد أن يقول لهم عن العمل دُفعةً واحدةً فإذا لم يفعلوه قام هو وعمله بدون غيظ، "بدون غيظ" كلمة هامة جدًا، الأب أو الشيخ الذي كان في وسطهم كان يقول لهم اعملوا كذا؛ فإذا لم يعملوه يقوم هو في وداعة وفي هدوء ويعمل هذا العمل؛ فيخجلون عندما يرونه يعمله بنفسه ويسرعون بمشاركته فيه؛ إنما لو قام بغيظ يعمله فهذا ينشئ نوعًا من السجس في وسطهم ولن يستفيدوا من القدوة التي قام بها.

وسُئل أيضًا أحد الآباء [أي شيء يلزم لمن يريد الخلاص؟ وإذ كان الأب ملازمًا للعمل لا يرفع رأسه عنه فأجاب : هذا هو ما تراه] أي اعمل مثلما ترى وهذا سيساعدك على خلاص نفسك.

سأل أحد الشيوخ الأنبا بيمن قائلًا: ماذا أعمل يا أبت مع ابني إسحق الذي يسمع لي بسرور؟.. يقول له لدىّ تلميذ اسمه إسحق يحب أن يسمع كلامي عندما أكلمه وأعطى له نصائح روحية وتعليمات وإرشادات ويكون سعيدًا جدًا، فقال له أنبا بيمن [إن كنت ترغب أن تكون ذا منفعة له أعطِه مثالًا عن طريق الأفعال وليس عن طريق الأقوال؛ لئلا بملاحظته الأقوال فقط يكون عديم النفع إما إذا أعطيته مثالًا عن طريق الأعمال فستمكث طويلًا معه وسينتفع] مشكلتنا في هذا الجيل هي كثرة المعرفة وسماع الأقوال، بينما آبائنا القديسين كانت أفعالهم أكثر من أقوالهم أو أقوالهم أقل من أفعالهم؛ فكانوا يعلمون تلاميذهم الفضيلة بالمَثَل العملي وكان التلميذ يسكن مع مُعلمه ويتدرب على جميع الفضائل تلقائيًا بدون بذل جهد عقلي لكي يعرف كيف يكون إتقان الفضيلة.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

العمل ليس هدفًا في حد ذاته بل هو وسيلة نقتنى من خلالها الفضائل

الآباء القديسون كانوا يقتنون فضائل روحية عن طريق العمل، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. بمعنى أنهم كانوا يعتبرون مثلًا أن العمل هو دليل على محبة الآخرين، والعمل أحيانًا يكون وسيلة لاقتناء فضيلة الاحتمال أو الصبر.

 قرأنا عن أحد القديسين أنه كان يسكن بجوار راهب شرير لص فكان يسرق الزنابيل التي يعملها بيديه لذلك كان القديس يُتعب نفسه ويشتغل أكثر حتى يعوّض الزنابيل المسروقة، ثم في وقت نياحة الراهب الشيخ القديس جاء هذا الأخ مع الرهبان لكي يحضر وقت نياحته فأمسك الشيخ بأيدي الأخ اللص ولبث يقبّلها فخجل الأخ جدًا وهو يعلم نفسه أنه لص وقال: العفو يا أبي لماذا تقبل يدي؟ قال له [إني أشكر هاتين اليدين اللتين بهما أدخل ملكوت السماوات]. كان يقصد أن يقول له أنت كنت تسرق الأشياء التي أعملها بهاتين اليدين، وأنا أتعب أكثر لكي أحتمل وأصبر وأتعب من أجل العوض، هذا طبعًا كان سبب إكليل كبير في ملكوت السموات لهذا الراهب الشيخ. الراهب اللص شعر بتوبيخ شديد وندم على كل ما عمله وأعلن توبته أمام هذا الأب القديس قبل انتقاله، فكان هذا العمل وهو في ظاهره عملًا فقط إنما في جوهره سببًا نال بواسطته هذا القديس أكاليل في السماء، والراهب اللص تاب عن خطيته.

كان الرهبان يعتبرون أن العمل هو وسيلة لاقتناء فضائل روحية وليس وسيلة للتعايش فقط، فكما كانوا يعملون عمل الرحمة بأيديهم، كانوا أيضًا عن طريق العمل يقتنون فضائل الصبر والاحتمال ويطردون الملل والضجر والكسل والتواني ويتعبون الجسد، مثلما كان القديس الأنبا موسى الأسود والقديس أبو مقار يُتعبان جسديهما لدرجة أنهما أحيانًا كانا يقومان بأعمال شاقة مثل نقل الماء مسافة أميال طويلة في جرة ويحملها ويمشي بها عدة أميال في الصحراء، وعملية المشي في الرمال متعبة وربما كانا يقضيان طوال الليل في نقل الماء...كان يوجد أمام مغارة أو قلاية كل راهب جرة عليها غطاء وهي محفورة في الحجر المحيط بالمغارة نفسها أي أمام المغارة توجد مصطبتان واحدة منهما محفور فيها تجويف يمتلئ ماءً ويُغطَى بلوح خشبي فكان القديس موسى الأسود يسير ليملأ الماء ويضعه للآباء الرهبان لكي يأخذ بركة صلواتهم. هؤلاء الآباء أحيانًا لم يكونوا يعرفون مَن الذي يعمل هذه الأعمال؛ حتى يهرب من المجد الباطل، لكن على الأقل يأخذ بركة صلوات هؤلاء القديسين فإنهم سيقولون: الله يعوض الذي عمل وتعب وأحضر.

قيل عن الأنبا بموا إنه عندما حضرته الوفاة سأله الآباء قائلين: قل لنا كلمة فقال: [إني منذ دخولي هذه البرية وبنائي القلاية وسكناي فيها ما انقضى عليَّ يومًا واحدًا بدون عمل، ولا أتذكر إني أكلت خبزًا من إنسان وإلى هذه الساعة ما ندمت على لفظ واحد لفظته وها أنا منطلق إلى الرب وكأني ما بدأت بشيء يرضيه بعد] قال عن فضائل روحية مارسها مثل: إنه ما قال أبدًا لفظًا لإنسان وندم عليه من وقت دخوله للرهبنة، أي أنه سلك في المزمور الذي يقول "قُلْتُ أَتَحَفَّظُ لِسَبِيلِي مِنَ الْخَطَأ بِلِسَانِي" (مز 39: 1). إنما لم يذكر من الأمور الروحية كثيرًا وقال "إني لم أقضى يومًا واحدًا بدون عمل ولا أتذكر إني أكلت خبزًا من إنسان"... وفي النهاية قال "أنا منطلق إلى الرب وكأني ما بدأت بشيء يُرضيه بعد". هذه هي فضيلة الانسحاق والاتضاع.

 لكن فلنحذر من أن يتحول العمل إلى هدف يبعدنا عن حياتنا الروحية. يقول القديس نيلس: [يجب أن تكون أعمال يديك إلهية لا أرضية، ولتكن أثمارها مشاعة بينك وبين المساكين] لذلك أحيانًا يتبارك الناس حينما يقتنون شيئًا من عمل الرهبان، ويوجد أناس يأخذون خبزًا من الأديرة لأن الرهبان أثناء خبزهم للخبز يُصَلّون عليه المزامير... لتكن أعمال يديك إلهية لا أرضية.

وسأل أخ الأب بيمن قائلًا: قل لي كلمة؛ فأجابه قائلًا: [واظب على عمل يديك ما استطعت وذلك لتعمل منه صدقة؛ لأنه مكتوب إن الرحمة تطهر الخطايا، واجعل لك عمل اليدين مثل قانون محدد وليس من أجل الطمع فلا تبطل بسببه الأعمال الروحية] بمعنى أن العمل لا يبطل العمل الروحي والحياة الروحية...

أحيانًا ينسى الراهب نفسه في وسط العمل لدرجة أنه لا يعمل عملًا روحيًا، لذلك قال بعض القديسين [إذا باشرت عملًا في قلايتك وحانت ساعة صلاتك فلا تقل أفرغ من هذا القليل الذي بيدي وبعد ذلك أقوم بل بادر للوقت وأوفى الصلاة لله في وقتها في كل حين؛ لئلا تعتاد نفسك تدريجيًا إهمال الصلاة] أحيانًا يكون الراهب منهمكًا في إنهاء عمل ما ثم يحين وقت صلاته؛ فلا ينبغي أن يقول عندما انتهى من هذا العمل القليل أقوم لأصلي، فالآباء ينصحوننا بأن نترك العمل ونبدأ في الصلاة، وبعد الصلاة ستكون لدينا همَّة ونشاط نستطيع بهما إنجاز العمل المطلوب وأكثر منه، إنما لو استمر الراهب في العمل وأجّل الصلاة ستعتاد نفسه إهمال الصلاة وربما بعد ذلك يُصاب بكسل في صلاته وفي عمله أيضًا.

 أحيانًا تضغط ظروف ما على الراهب فتجبره بأن يركز في العمل اليدوي أكثر من العمل الروحي... يا ليت هذا العمل يوزّع على كثيرين ليخف العبء ولا يكون الشخص مثقّلًا وتضيع قوانينه الروحية، والباقون لا يشاركونه.

قال أحد الآباء [اهتم بعمل يديك ومارسه إن أمكنك ليلًا ونهارًا لكي لا تثقل على أحد وحتى يكون لك ما تعطي المساكين حسبما يأمر به الرسول ولكيما تصرع شيطان الضجر وتُزيل من نفسك بقية الشهوات؛ لأن شيطان الضجر منكب على البطالة وهو في الشهوات كامن]. أحيانًا يعيش الإنسان في العالم والمحاربات بالنسبة له تكون خفيفة، ثم يذهب للرهبنة ويجلس عاطلًا {لا شغلة ولا مشغلة} فيجد أن المحاربات قد تكاثرت عليه، أما الراهب المشغول باستمرار ويعمل عملًا مستمرًا فمن الممكن أن تخف عليه المحاربات؛ لأن ما كان يبعد المحاربات عنه في العالم هو كثرة الأعمال والأشغال ولكن وجوده في الوحدة أو في السكون هو الذي زاد عليه هذه المحاربات... ولذلك فإلى جانب القراءة والصلاة يوجد العمل الذي يكمّل الجوانب التي تعين النفس وتعين الإنسان على جهاده الروحي.

 

لإلهنا المجد الدائم إلى الأبد

 آمين.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/anba-bishoy/monastic/work.html

تقصير الرابط:
tak.la/sr8m7j2