St-Takla.org  >   articles  >   fr-botros-elbaramosy  >   a
 

مكتبة المقالات المسيحية | مقالات قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

مقالات الراهب القمص بطرس البراموسي - تاريخ المقال: 23 فبراير 2015

56- الخفاء

 

St-Takla.org Image: The prayer in secret صورة في موقع الأنبا تكلا: الصلاة في الخفاء

St-Takla.org Image: The prayer in secret

صورة في موقع الأنبا تكلا: الصلاة في الخفاء

الخفاء لا يعني أن يحيا الإنسان مُتَخَفِّيًا عن أعْيُن الناس، أو يكون هارِبًا من مواجهتهم..  فقد يوجد بعض الأشخاص يسلكون بهذا السلوك الذميم، وذلك لعدم مقدرتهم على مواجهة الحقيقة، أو لأنهم قد يكونون غير صُرحاء في كلامهم أو غير صادقين معهم أو فيما يتفوَّهون به، ولذلك لا يستطيعون مواجهة الآخرين.  وقد ينطبق عليهم القول "اَلْحَكِيمُ عَيْنَاهُ فِي رَأْسِهِ، أَمَّا الْجَاهِلُ فَيَسْلُكُ فِي الظَّلاَمِ" (سفر الجامعة 2: 14).  هو يسلك في الظلام لأنه لا يستطيع أن يواجِه النور، فالسيد المسيح قال لنا: "النُّورُ مَعَكُمْ زَمَانًا قَلِيلًا بَعْدُ، فَسِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ لِئَلاَّ يُدْرِكَكُمُ الظَّلاَمُ" (إنجيل يوحنا 12: 35)، وهو هنا له كل المجد يريد أن نسير في طريقه، لأنه هو "الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ" (إنجيل يوحنا 14: 6).

من هنا نصل إلى مفهوم إيجابي روحي وكِتابي للخفاء، فالسيد المسيح أراد أن يُصَحِّح لنا بعض المفاهيم لئلا تختلط الأمور الروحية بالعالمية، ويصبح الفِكر العالمي قد سيطَرَ علينا.  فمَنْ هم يحيون حسب مظاهر العالم، تراهم يهتمون بالشكل وليس بالجوهر..  يهتمون بمديح الناس لهم أكثر من علاقتهم القلبية بالله..  يسعون نحو المظهرية والمُراءاة أمام الجميع..  لا يريدون أن يحيوا حياة الخفاء في التدبير الروحي..  أعيُنهم مفتوحة على غيرهم، ويفتِعلون كل ما يصنعونه من خير من أجل مديح الآخرين.  ولذلك تَحَدَّث السيد المسيح معنا عن الخفاء في المُمَارَسات الروحية عندما تكلَّم عن الصَّدَقة؛ فقد يفعلها البعض من أجل إرضاء أنفُسَهم، أو من أجل إرضاء ضميرهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.  ولكنهم لا ينظرون إلى الله الذي يرى في الخفاء.  وهنا يأتي قول للقديسة سارة تقول فيه: "جَيِّد أن تصنع الصدقة من أجل إرضاء الناس، فسوف يأتي وقت تصنعها من أجل إرضاء الله".  فنجد مُخَلِّصنا الصّاَلِح يوجِّه نظرنا إلى فِعل الخفاء بقوله: "اِحْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا صَدَقَتَكُمْ قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَنْظُرُوكُمْ.." (إنجيل متى 6: 1)؛ فعمل الرحمة في الخفاء له أجر سمائي، أما العمل الظاهري المكشوف للجميع يستَجْلِب مديح الآخرين، وبذلك نأخذ أجرنا في الأرض ولا نجد لها أي أجر في السماء.  ولنلاحِظ أن عمل الرحمة المكشوف للجميع ليس له أجر سمائي فقط، ولكنه قد يحمِل نوعًا من المَذَلَّة للمُحتاج عندما نعطيه ما يحتاجه أمام الجميع.  فقد يكون عزيز النَّفْس وأنتَ تجرحه وتكشِفهُ أمام الآخرين أنه يأخذ منك أي نوع من المُساعدة.

والسؤال الذي يطرح نفسه أمام الجميع: ماذا نفعل مع مَنْ يطلبون المُساعدات في الشوارِع، وداخل أسوار الكنائس، و..؟  والإجابة بسهولة جدًا أنه إذا أتْعَبَك ضميرَك لِتَتميم وصية "كُلُّ مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ" (إنجيل لوقا 6: 30؛ إنجيل متى 5: 42)، فأعطه الشيء القليل، ولكن ليكن عمل الرحمة الذي تقدمه لأي أحد في الخفاء بينك وبينه.  وإذا لم تقدر على ذلك، اترك هذا العمل للكنيسة لتضع فيها مساعداتك، وهي تقوم بهذا الدور..

* وليس الخفاء في أعمال الرحمة فقط، ولكن أصبح من الضروري إخفاء أي مُمَارَسة روحية..  أنتَ صائِم مثل كل المسيحيين الصائمين، ولكن ليس مطلوب منك أن تَتَصَرَّف أي تَصَرُّف يظهر صومك للآخرين..  وليس مطلوبًا منك أن تكشف للجميع متى تأكل، وماذا تأكل، وعن أي الأنواع من المأكولات والمشروبات تمتَنِع..  وهكذا يحافِظ الإنسان على تدبيره الداخلي في الصوم..  وليس العيب أن الكل يعرف أنك صائِم، ولكن ما هو مرفوض أن تكشف للناس طريقة صومَك أمام الجميع..  هكذا الصلاة: إذا سُئِلت إذا كنت أصلي، سَأُجيب "نعم"، ولكن ليس المطلوب أن أقول للجميع ماذا أُصَلِّي، وكيف، ومتى، وماذا أُخاطِب الله في الصلاة..  هذه عِلاقة خَفِيَّة بين الإنسان والله..

ليتنا نَحْتَرِس أيها الأحِباء في إخفاء مُمارَستنا الروحية عن أعْيُن الآخرين.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/secretly.html

تقصير الرابط:
tak.la/prcy6k2