St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   50-Hayat-El-Touba-Wal-Nakawa
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث

96- الصلاة طريقة مضمونة لطلب التوبة

 

فالإنسان الذي يعرف الصلاة القوية، لا يعرِف الهزيمة مطلقًا.

والإنسان الذي يُدخل الرب في قتالاته وحروبه، لا يمكن أن ينهزم أبدًا.

صارع إذن مع الله. خذ منه القوة، والسلاح الروحي الذي تحارب به، خذ منه الوعود الإلهية، والقلب الجديد والروح النقية. خذ منه الإرادة والعزيمة. خذ الإيمان الذي تحارب به، والثقة في أنك ستغلب.

ثق أنك إن انتصرت في صلاتك، ستنجح في ميادين القتال كلها. إن نجحت في صراعك مع الله، لن تقدر عليك أيه قوة على الأرض، بل تتمتع بالعبارة الجميلة التي قالها الرب لأرميا الصغير: يحاربونك ولا يقدرون عليك، لأني أنا معك يقول الرب.

أنا معك -يقول الرب- لأنقذك (أر1: 19). وحينئذ "يسقط عن يسارك ألوف، وعن يمينك ربوات. وأما أنت فلا يقتربون إليك.." (مز90).. حقًا إن "الرب يقاتل عنكم، وأنتم تصمتون" (خر14: 14)..

يقاتل عنكم في حروبكم الخارجية. ويقاتل عنكم في حروبكم الداخلية، في القلب والفكر. لذلك في كل حروبك الروحية، ضع أمامك هذه القاعدة إن الحرب للرب. الحرب للرب.. (1صم17: 47).

St-Takla.org           Image: Rembrandt - Jeremiah Lamenting the Destruction of Jerusalem painting - 1630 صورة: لوحة الفنان رامبران (رامبراندت)، ارميا النبي ينوح عى خراب أورشليم، 1630

St-Takla.org Image: Rembrandt - Jeremiah Lamenting the Destruction of Jerusalem painting - 1630

صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة للفنان رامبران (رامبراندت) - إرميا النبي ينوح على خراب أورشليم، 1630

وليس للرب مانع أن يخلص بالكثير وبالقليل" (1صم14: 6).

لذلك لما حارب الشعب عماليق، لم يكن هو الذي يحاربه بل الرب. وهكذا قيل "للرب حرب مع عماليق" (خر17: 16).. كذلك كل الخطايا التي تهزمك، للرب حرب معها. هو الذي يغلبها فيك ولست أنت، لأنه قال "أنا قد غلبت العالم" (يو16: 33).

انتصارك الروحي إذن، هو عن طريق الرب وحده. ولن تصل إلى التوبة، ولن تنتصر على خطية واحدة، إلا عن طريق الرب. فتقول مع داود "قوتي هو الرب وقد صار لي خلاصًا" (مز117). وتقول مع بولس الرسول: "يعظم إنتصارنا بالذي أحبنا" (رو8: 37).

إذن ليس انتصانا بعزيمتنا أو باتكالنا على ذواتنا، إنما بهذا الذي أحبنا، ومن محبته لنا، يقيمنا من سقطتنا بقوته، "ويقودنا في موكب نصرته" (2كو2: 14). إن الله دائمًا-كما يقول الرسول "يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح" (1كو15: 57).

فلا تتحول عنه إذن، مركزًا كل جهودك للتوبة في ذاتك، إنما خذ القوة منه لكي تتوب. واهتف مع معلمنا بولس قائلًا: أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني (في4: 13).

في المسيح إذن، في قوته ومعونته، تستطيع كل شيء. وخارج المسيح لا تستطيع شيئًا. إذن صارع معه أولًا، قبل صراعك مع الخطية، مثلما صارع يعقوب مع الله قبل أن يذهب لمقابلة عيسو. فلما غلب مع الله، أصبح عيسو خفيفًا في حمله.. أتقول ليعقوب اذهب أولًا إلى عيسو. يجيبك: هذا الشخص لا يقدر عليه إلا الله. إذن أنا أذهب إلى الله أولًا، وآخذه معي لمقابلة عيسو.. هكذا تفعل مع الخطية..

بكل أتضاع قلب، قل أنا أضعف من هذه الحرب.

"أنا أضعف من أن أقاتل أصغرهم" كما قال القديس الأنبا أنطونيوس. وإن قال باراق قائد الجيش: إنه لن يذهب إلى الحرب ما لم تذهب معه دبورة النبية (قض4: 8).. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). فأنت أيضًا لن تقوى على الخطية بمفردك ما لم يحارب الله معك. قل من أنا حتى أقف أمام الشياطين وحدي؟! أنا لست كفؤًا لهذا القتال. وأنت يا رب نصرتي. تعال واغلب العالم في قلبي كما غلبته من قبل..

أنت تعرف يا رب كل شيء. تعرف ضعفي وهزيمتي.

تعرف أني لا أملك إرادة ولا قوة ولا عزيمة. بل أحيانًا لا أملك مجرد الرغبة في التوبة. ولا أعرف أن أحارب، ولا أصمد على تجارب العدو. وباختصار لست أعرف كيف أتوب. وإن عرفت لا أقوى. وإن قويت مرة أنهزم مرات.

انتشلني كشعلة من النار مثل يهوشع (زك3: 2).

هذا الذي من أجل توبته، وقف ملاك الرب ضد الشيطان الذي يقاومه، وقال له: لينتهرك الرب يا شيطان، لينتهرك الرب. أليس هذا شعلة منتشلة من النار..؟ وانتشله الملاك من النار، وألبسه ثيابًا مزخرفة (زك3: 1- 5).

إن الله يحب هذا الصراع معه. والذين صارعوا معه، في الصلاة والطلبة، أخذوا منه قوة.. ولكن.. قد يقول إنسان: صليت كثيرًا ولم أتب.

لا يا أخي، فكل صلاة توافق مشيئة الله لا بُد تستجاب. والصلاة من أجل التوبة توافق مشيئة الله، ولكن:

1- ربما تكون فعلًا قد صليت. ولكن ليست الصلاة الخارجة من عمق القلب، التي تصارع مع الله برغبة صادقة في هذه التوبة، وبدالة الابن عند أبيه..

2- أو ربما تكون قد صليت، ولم تثبت في صلاتك. إنما قلت كلامًا، ومللت بسرعة! ولم تكن لك طول الأناة في الصلاة.. الصلاة التي تطلب، وتنتظر الرب في إيمان. الصلاة التي تتميز بالجهاد والإصرار واللجاجة والإلحاح.. مثلما طلب إيليا من الرب. وكرر الصلاة مرات، حتى نال الاستجابة في سابع مرة (1مل18: 44). وانظر إلى يعقوب إنه صارع الرب "حتى طلوع الفجر" (تك32: 24). أي طول الليل ولم يمل..

3- أو ربما صلاتك في غير إيمان، وفي غير انسحاق قلب.

4- أو ربما الاستجابة السريعة ليست في صالحك، كما قال القديس باسيليوس.

أحيانًا يتأخر الله علينا في استجابة الطلبة، لكي نعرف قيمتها. لأن الأشياء التي ننالها بسهولة، قد نفقدها بسهولة.

فيشاء الله أن تذل بالخطية بعض الوقت، حتى تعرف قيمة الخروج منها. وإذا أنعم عليك بالتوبة تشعر بفرح أعظم، وتحرص عليها بكل قوتك، لأنك لم تحصل عليها إلا بكل صعوبة وبعد وقت.. وحينئذ تكون في توبتك أكثر تدقيقًا، وأكثر حرصًا وخوفًا من السقوط..

5- أو ربما تأخير التوبة، سببه أن الله يريد أن يعرف مدى جديتك في طلب التوبة، ومدى ثباتك في الطلبة.

6- وقد يكون تأخير الاستجابة بسببك.. فأنت الذي لا تريد.. حقًا تطلب بفمك، أما قلبك فلا يريد. وأنت الذي تضع معطلات للتوبة. ويناسبك قول الكتاب "إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم" (عب3: 7).

لذلك لا تطلب المعونة، بينما تنام وتتراخى.

فعمل الله من أجلك، ليس تشجيعًا لك على التهاون والكسل، اتكالًا على عمل الله! الله يريدك أن تعمل معه. هو يعمل لتوبتك، وأنت تشترك معه. هو يقدم لك المعونة، وأنت لا تضع المعطلات بإرادتك، ولا تترك أبوابك مفتوحة للخطية.. وباختصار أدخل بكل إمكانياتك- مهما كانت ضئيلة- في شركة مع الروح القدس (2كو13: 14).

قدم رغبتك أولًا، وقد استسلامك لعمل الله فيك. وقدم ما تستطيعه من عمل.

ومع ذلك لا تتضايق. لقد خلص الله كثيرين لا قدرة لهم على عمل شيء..

هناك أشخاص لم يعملوا شيئًا: نازفة الدم مست هدب ثوبه في إيمان. وصاحب اليد اليابسة، قال له الرب مد يدك فمدها. والمولود أعمى طلب إليه أن يغتسل في بركة سلوام فذهب واغتسل (يو9: 7).

ولكن غير هؤلاء من لم يستطيعوا أن يعملوا شيئًا، مثل المفلوج الذي دلوه من السقف (مر2: 4). ومثل الجريح الذي حمله السامري الصالح، وكان ملقى على الطريق ما بين حي وميت (لو10: 30). ومثل مريض بيت حسدا، الذي استمر ثماني وثلاثين سنة عاجزًا عن الوصول إلى الشفاء (يو5:5). وكذلك كل أصحاب العاهات المستعصية..

ماذا فعل هؤلاء، من أمثال المفلوج وأشباهه؟ لا شيء.

وبالمثل كل الموتى الذين أقامهم السيد المسيح..

أكان باستطاعة الميت أن يفعل شيئًا، ليتخلص من الموت؟! كلا. بلا شك. والخاطئ يعتبر ميتًا.. ميتًا بالخطية (أف2: 5). له سم أنه حي، وهو ميت (رؤ3: 1). إن كان لا يستطيع شيئًا، فالمسيح قادر أن يقيمه.

لذلك لا تيأس ولا تقلق. إن كل هذه الأمثلة في رموزها تعطينا فكرة عن أن: الله يبحث عن خلاص الخطاة، الذين يقدرون والذين لا يقدرون.

الذي يقدر كالابن الضال، الذي يستطيع أن يرجع إلى بيت أبيه. والذي لا يقدر مثل الخروف الضال والدرهم المفقود. وقد ورد ذكر الثلاثة في أصحاح واحد (لو15). وللرب في غير القادرين شرط واحد، وهو أنهم لا يقاومون عمله لخلاصهم..

ومن أمثلة الذين لا يقدرون "العاقر التي لم تلد" (أش5: 1). وكانت رمزًا للنفس العقيمة التي لا تعطي ثمرًا للروح. وقد جعلها الله مخصبة أكثر من ذات البنين..

بل هناك أشخاص خلصهم الله دون أن يطلبوا..

مثال لوط الذي قبل الرب شفاعة إبراهيم فيه، فأخرجه من سدوم، بينما لوط نفسه لم يطلب.. ولما أخبره الملاكان بأن سدوم ستحترق كان متباطئًا في الخروج. ويقول الكتاب في ذلك "كان الملاكان يعجلان لوطًا.. ولما توانى، أمسك الرجلان بيده وبيد امرأته وبيد ابنتيه، لشفقة الرب عليه، وأخرجاه ووضعاه خارج المدينة" (تك19: 15، 16).

إن عبارة "لشفقة الرب عليه" عبارة معزيه ولا شك.

الله الذي أشفق على كل هؤلاء، هو أيضًا فليشفق عليك، وليمنحك التوبة من عنده، ويقودك إليها، وينزع منك قلب الحجر ويعطيك قلبًا جديدًا (حز36: 26).

مبارك هو الرب في كل أعماله محبته، وفي سعيه لخلاص الكل..


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/50-Hayat-El-Touba-Wal-Nakawa/Life-of-Repentance-and-Purity-096-Pray.html

تقصير الرابط:
tak.la/74wknz7