St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   50-Hayat-El-Touba-Wal-Nakawa
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب حياة التوبة والنقاوة - البابا شنودة الثالث

23- شَتَّان بين دالة وخصومة

 

إن عرفنا مقدار الدالة التي بين الله ومحبيه. تملكتنا الغيرة، ويلتهب قلبنا فنود أن نكون مثلهم. وسنحاول هنا أن نستعرض بعض أمثلة:

قيل عن أبينا إبراهيم إنه خليل الله. ونحن نستشفع به في الصلاة، فنقول لله في صلاة الساعة السادسة "من أجل إبراهيم حبيبك"...

إنه حبيب الله، صديقة، بينه وبين الله دالة...

عندما أراد الله أن يحرق سدوم، قال الرب "هل اخفي عن إبراهيم ما أن فاعله؟!" (تك 18 17). يا للعجب!! إن الله لم يرد أن يحرق سدوم قبل أن يخبر إبراهيم أولًا ويتفاهم معه في الموضوع... ومن يكون إبراهيم هذا يا رب؟ أليس حفنه من تراب ورماد" (تك 18: 27). كلا يجيب الرب -إنه حبيبي وصديقي. لا بُد أن أخبره أولًا وآخذ راية. لا يصح أن يفاجأ بالموضوع كباقي الناس...

ويخبر الله إبراهيم. ويتفاهم معه إبراهيم بدالة "أفتهلك البار مع الأثيم..؟! حاشا لك أن تفعل مثل هذا المر... حاشا لك. أديان الرضى كلها لا يصنع عدلًا..؟! إنه أسلوب قد لا نستطيع أن نكلم به بعض البشر خوفًا منهم، ولكن إبراهيم يكلم به الله بكل جرأة ودالة. ويظل يتفاوض معه: عسي أن يكون خمسون بارًا في المدينة... ربما نقص الخمسون بارًا خمسة... عسى أن يوجد هناك أربعون... ثلاثون... عشرة... ويستجيب الرب ويقول "لا أهلك من أجل عشرة (تك 18: 32).

إنها صداقة مع الله... عجب أن يوجد أناس لهم صداقه مثل هذه مع الله، يتفاهم معهم، ويتفاهمون معه...

St-Takla.org Image: Abraham entertains three strangers, by Gustave Doré. صورة: إبراهيم يستضيف الثلاثة الغرباء، رسم الفنان جوستاف دوريه.

St-Takla.org Image: Abraham entertains three strangers, by Gustave Doré.

صورة: إبراهيم يستضيف الثلاثة الغرباء، رسم الفنان جوستاف دوريه.

* نفس الوضع الذي حدث لإبراهيم مع الله، حدث لموسى أيضًا...

صنع اليهود عجلًا من ذهب وعبدوه، فغضب الرب جدًا من هذه الخيانة التي خانوه بها، بعد سلسلة من المعجزات عملها معهم، وبعد سلسلة من الإحسانات قدمها إليهم. وفكر الله أن يهلك هذا الشعب. ولكنه رأى أن يخبر موسى أولًا وبعد أن شرح الرب لموسى كيف أن هذا الشعب صلب الرقبة قال له "أتركني... لأفنيهم" (خر 32: 10).

ونحن نقف في خشوع أمام كلمة "أتركني"... ما معني هذا الكلام أيها الرب إلهنا القادر على كل شيء... هل أنت محتاج أن يتركك موسى لتفعل؟ هل هو ممسك بك ليمنعك؟ وهل هو يستطيع؟

على أن عجبنا يزداد ليس فقط من كلام الله، بل بالأكثر من رد موسى... فكما قال يعقوب للرب وهو يصارعه "لا أتركك..." (تك 32: 26)، هكذا قال موسى للرب في جرأة ودالة المحبة قال له "أرجع يا رب عن حمو غضبك، واندم على الشر" (خر 32: 12)... كلام جرئ عجيب... من يستطيع أن يقوله للرب، بل من يستطيع أن يقوله لأحد الرؤساء على الأرض..؟! ويعلل موسى احتجاجه: لئلا يقولوا قد أخرجهم بخبث من أرض العبودية، لكي يهلكهم في القفر...

والعجيب أن الله لم يغضب من موسى، بل وافقه... ونفذ له ما يريد... ويقول في ذلك الكتاب "فندم الرب على الشر الذي قال أنه يفعله" (خر 32: 14)... ما هذا يا رب؟ يجيب إنهم أصدقائي، لهم دالة عندي. عجبًا! أي رجل هو موسى هذا؟! بل أية دالة هي هذه بين الله وأحبائه... إن قرأ خاطئ عنها يشعر بحرارة الغيرة تلهب قلبه... ليترك ما هو فيه، ويصير هؤلاء...

* مثال آخر نقرأه عن موسى:

يقول الكتاب أنه كان على الجبل مع الرب "أربعين نهارًا وأربعين ليلة" (خر 34: 28)، هل تظنون أن كتابة الوصايا العشر على اللوحين كانت تستغرق كل هذه المدة من الله؟! هل تحتاج كتابتها إلى يوم من الله، إلى ساعة أو دقائق، أو لحظة..؟!

إنما الله قد استبقَى موسى أربعين يومًا على الجبل، لأنه صديقة وحبيبه وكليمه... الله يفرح بوجود موسى معه لأنه ابنه... وموسى يفرح بالوجود في حضرة الرب يتمتع به...

وإلا قولوا لي أية مهمة كانت تقتضي الأربعين يومًا... كل الوصايا التي أخذها موسى من الله لا تستغرق أكثر من يوم واحد. أما الباقي، فهو فترة دالة وصداقة ومحبة...

إن الله له أصدقاء وأحباء، قال لهم علانية "لا أعود أسميكم عبيدًا بل أحباء" (يو 15: 15). قيل إنه "كان يحب مرثا وأختها ولعازر (يو 11: 5؟). وعندما بكى على لعازر، قال الناس "انظروا كيف كان يحبه" (يو 11: 36). والقديس يوحنا الإنجيلي قيل عنه مرارًا "التلميذ الذي كان يسوع يحبه".

* إن الله له أحباء، لهم دالة كبيرة عنده وفي أيديهم يضع مفاتيح السماء... يستطيعون أن يفتحوا السماء ويغلقوها كما يشاءون...

كلمة عجيبة نسمعها من إيليا النبي الذي قال "لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي" (1 مل 17: 1)... عبارة (إلا عند قولي) عبارة عجيبة وقوية. فلم يقل إيليا "عندما يشاء الله" أو "عندما يأذن الله"، بل قال في ثقة وحزم "إلا عند قولي"... وفعلًا أغلقت السماء حسب قوله، وظلت مغلقة ثلاث سنين وستة أشهر... وكان جوع وتعب لكل الناس... ولكن ظلت السماء مغلقه تنتظر قول إيليا... وعندما تكلم مرة أخرى، أمطرت السماء...

مفاتيح السماء هذه التي في أيدي القديسين، تكلم عنها الشيخ الروحاني في حديث عن صلاتهم ومفعولها، فقال عنهم إنهم يكونون "ليس كَمَنْ يصلي، وإنما كمن يتقبل الصلاة، كابن اؤتمن على خزائن أبيه، يفتحها ويعطي منها للناس..."

نسمع مثل هذا عن القديس المتنيح الأنبا ابرآم أسقف الفيوم، يأتيه إنسان في مشكله فيقول له "روح يا بني هاتلاقيها اتحلت". تأتيه امرأة تطلب نسلًا، فيقول لها "ماتزعليش السنة الجاية يكون عندك ابن.."، يقول هذا حتى بدون صلاة، ويحدث ما يقول عنه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). إنها بركات يوزعها على الناس، وهبات أخذها من الآب السماوي يعطيها بحنان لطالبيها... ألا تملكنا الغيرة عندما نسمع عن أمثال هؤلاء ومكانتهم عند الله...

St-Takla.org Image: Elijah warned the King, ‘As the Lord God of Israel lives, whom I serve, there will be no dew or rain in the next few years until I say so.’ (1 Kings 17: 1) - "Ravens fed Elijah" images set (1 Kings 17:1-9): image (4) - 1 Kings, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "وقال إيليا التشبي من مستوطني جلعاد لأخآب: «حي هو الرب إله إسرائيل الذي وقفت أمامه، إنه لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي»" (الملوك الأول 17: 1) - مجموعة "الغربان تطعم إيليا" (ملوك الأول 17: 1-9) - صورة (4) - صور سفر الملوك الأول، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: Elijah warned the King, ‘As the Lord God of Israel lives, whom I serve, there will be no dew or rain in the next few years until I say so.’ (1 Kings 17: 1) - "Ravens fed Elijah" images set (1 Kings 17:1-9): image (4) - 1 Kings, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "وقال إيليا التشبي من مستوطني جلعاد لأخآب: «حي هو الرب إله إسرائيل الذي وقفت أمامه، إنه لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي»" (الملوك الأول 17: 1) - مجموعة "الغربان تطعم إيليا" (ملوك الأول 17: 1-9) - صورة (4) - صور سفر الملوك الأول، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

* وأحباء الله هؤلاء، لا يكتفي بمنحهم هذه الهبات، إنما أيضًا يدافع عنهم، ولا يقبل فيهم كلمة سوء...

مثال ذلك: موسى النبي... تزوج امرأة كوشية، وكان يبدو أن هذا ضد الشريعة، لن الرب قد منع الزواج بالنساء الغريبات. وفعلًا تضايق بسبب هذا الزواج هرون أخو موسى ومريم أخته، وتكلما عليه... فصمت موسى، لأنه كان حليمًا جدًا. ولكن الرب لم يصمت. ولم يقبل أن يقول أن يقول أحد كلمة رديئة عن حبيبه موسى حتى لو كان القائل هو هرون رئيس الكهنة ومريم النبية أخت موسى وهرون...

فاستحضر الله هؤلاء الثلاثة، ووبخ مريم وهرون توبيخًا شديدًا وقال لهما "إن كان منكم نبي للرب، فبالرؤيا استعلن له وفي الحلم أكلمه. وأما عبدي موسى فليس هكذا، بل هو أمين في كل بيتي. فمًا إلى فم وعيانًا أتكلم معه... فلماذا لا تخشيان أن تتكلما على عبدي موسى؟" (عد 12: 1-8)، وضرب الله مريم بالبرص، فإذا هي برصاء كالثلج... فأخرجوها خارج المحلة سبعة أيام...

ما هذا يا رب الذي تفعله؟! يقول:

إنه موسى عبدي حبيبي الذي ائتمنه على كل بيتي، وأكلمه فمًا فلم...

كيف أسمح لهؤلاء أن يهينوه وأنا صامت؟! لابد أن ينالوا عقوبة لكي يوقروه، وكل من يسمع يوقره أيضًا... لعل مثل هذا يفهم من قول الله لأبينا إبراهيم "وأبارك مباركيك، ولا عنك العنه" (تك 12: 3)...

إنها كرامة عجيبة يعطيها الله لأحبائه. ليس فقط أن يكونوا مباركين، بل أكثر من هذا أن يكونوا هم أنفسهم بركة (تك 12: 2)... كما كان إيليا بركه في بيت الأرملة، وكما كان يوسف بركة في بيت فوطيفار وفي أرض مصر، وكما كان إليشع بركة في بيت الشونمية...

* ومن الكرامة العجيبة التي يعطيها الله لأولاده، والمعجزات التي يجربها على أيديهم...

معجزات كان يمكن أن يعملها الله بنفسه ولكنه يعهد بها إلى أحبائه، ليكرمهم في أعين الناس... إنسان مريض مثلًا يصلي إلى الله أن يشفيه. فبدلًا من ان يشفيه الله بنفسه، يرسل إليه الله أحد القديسين فيشفيه... يرسل سيدتنا العذراء أو مارجرجس أو القديسة دميانة. ويمجد الناس العذراء ومارجرجس والقديسة دميانة... ويفرح الرب... وينشد في آذان هؤلاء القديسين: من يكرمكم يكرمني... أنا أكرم الذين يكرمونني...

ونسأل الرب: إلى أي حد تكرمهم؟ فيقول:

يجلسون على اثني عشر كرسيًا حولي، ويدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر (مت 19: 28)... نقول له يا رب كيف يجلسون معك في مجدك، أنت الذي تقف أمامك الملائكة ورؤساء الملائكة؟ يقول "أنا أكرم الذين يكرمونني". ونسأله: كيف يجلس هؤلاء يا رب على كراسي القضاء في يوم الدينونة، بينما أنت الديان وحدك، ديان الأرض كلها، الذي تدين الأحياء الأموات، وقد دفعت إليك كل الدينونة من الآب (يو 5: 22)؟ يجيب أن لذتي في بني البشر... إنني أحبهم وسأكرمهم أكثر...

إن كنت أنا ديان الأرض كلها، فسيدينون الأرض...

وإن كنت أنا ملك الملوك، فهم سيملكون معي...

وان كنت سأجيء في مجدي على السحاب، فسيأتون على السحاب معي...

سيكونون في كل حين معي، حيث أكون أنا يكونون هو أيضًا...

الله يكرم كل هؤلاء، بمحبته لهم وبسكناه معهم، وبدفاعه عنهم، وبإعطائهم مفاتيح السماء والأرض وبإعلان كرامتهم للناس حتى يكرموهم أيضًا، وبالدالة التي يعطيهم إياها حتى يكلموه من جهة أحكامه...

هذه فكرة مُوجَزَة عن الدَّالة التي يجدها الأبرار عند الله، وللكرامة التي يمنحها لهم...

وعلى الجانب الآخر نجد الخطية عكس هذا،

الخطية هي: حِرمان من الله،

وحرمان من الملائكة،

وحرمان من مجمع القديسين.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/50-Hayat-El-Touba-Wal-Nakawa/Life-of-Repentance-and-Purity-023-Difference.html

تقصير الرابط:
tak.la/87h2vzf