St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   20-Makalat  >   2-Ahram
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

مقالات البابا شنودة الثالث المنشورة في جريدة الأهرام يوم الأحد الموافق 4 سبتمبر 2011

الفرح‏:‏ أصله وأنواعه

 

يسرني أن أهنيء أخوتي المسلمين في أرجاء العالم كله بعيد الفطر المبارك‏,‏ كما أهنيء أيضا زملائي أعضاء أسرة تحرير جريدة الأهرام الغراء‏,‏ راجيًا للكل من الله ملء الفرح والبهجة‏. ‏وبهذه المناسبة أود أن أحدثكم في هذا المقال عن الفرح, وتاريخه مع البشر, وأنواعه ومجالاته..

الفرح هو العطية التي منحها الله للبشرية منذ البدء. فقد خلق الله الإنسان الأول, ووضعه في جنة, أعني جنة عدن. بكل ما في الجنة من أزهار وثمار وأشجار, ومن طيور مغردة, ومن مناظر مبهجة. وأيضا ما فيها من هدوء وسلام. وهكذا عاش أبوانا الأولان (آدم وحواء) في حياة من الفرح والسعادة, قبل السقوط, لم تكن كلمة الضيقة أو كلمة الحزن معروفة إطلاقا في الجنة في ذلك الزمان.

وكما منح الله الفرح للبشرية منذ خلقها, كذلك وعدها بالفرح العظيم في العالم الآخر, بعد الموت والقيامة, هذا المسمي بالنعيم الأبدي. وما يقول عنه الكتاب المقدس: "مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 2: 9). أي فرح أعظم من هذا الذي أعده الله للبشر في الأبدية؟! إنه فرح لا تستطيع اللغة أن تعبر عنه بألفاظها المحدودة...

وكما أراد الله الفرح للبشر منذ البداية, وفي النهاية, كذلك جعل لهم في حياتهم الأرضية أعيادًا يفرحون فيها ويبتهجون... ونحن نضيف إلي كل ذلك أعيادًا من عندنا ومناسبات للفرح.

St-Takla.org Image: Life with God, freedom in Christianity, resurrection, hope, eternity صورة في موقع الأنبا تكلا: لي الحياة هي المسيح، الحرية في المسيحية، القيامة، الأمل، الأبدية

St-Takla.org Image: Life with God, freedom in Christianity, resurrection, hope, eternity

صورة في موقع الأنبا تكلا: لي الحياة هي المسيح، الحرية في المسيحية، القيامة، الأمل، الأبدية

لعل في مقدمتها أعيادنا الوطنية: من تذكار ثورات, وتذكار حروب انتصرنا فيها. وأيضا أعياد لأبطال وشهداء لا يمكننا أن ننساهم, ولذلك أقمنا لبعضهم تماثيل لتخليد أسمائهم. وفي خلال تلك الأعياد الوطنية, ننشد أناشيد مفرحة, وما أكثر هذه المناسبات الوطنية في بلادنا المحبوبة.

بالإضافة إلي هذا لدينا أعياد أخري لعديد من الشخصيات الدينية: مثال ذلك أعياد للسيد البدوي, وللسيدين الحسن والحسين عند المسلمين, وأعياد أخري للسيدة العذراء, ومارجرجس عند الأقباط, وأعياد أخري لكبار من الأولياء والأبرار والقديسين, وكلها أيام فرح وبهجة فيها أناشيد دينية, وحفلات..

والفرح في كل تلك المناسبات هو فرح طاهر له قدسيته. ولا يمكن أن تكون فيه أخطاء, كما كان ينسب إلي بعض الموالد قديمًا, وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي عن زجاجة الخمر:

رمضان ولّي هاتها يا ساقي        مشتاقة تسعي إلي مشتاق

نقول هذا, لأنه لا يجوز أن الفضائل التي اقتناها الصائم أثناء الصوم, من بر, ومن ضبط للنفس, يفقدها حينما يفطر, حينما ينغمس البعض في حياة اللهو والعبث!!

إن الأطفال يفرحون يوم العيد بالملابس الجديدة, أو بالمفرقعات الصغيرة من البمب والصواريخ, وأيضا بالعرائس وفوانيس رمضان, وما إلي ذلك... أما الكبار فلهم أفراح أخري... صدقوني إن أعمق ما يفرح به الكبير هو حياة التوبة, والتخلص من العادات الخاطئة... مثال ذلك شخص كان يدمن التدخين, ثم استطاع أخيرًا أن يتخلص من سيطرة السيجارة عليه... أي فرح حقيقي يكون لمثل هذا الشخص!!

وبالمثل يكون الفرح بكل ما ينتصر عليه الإنسان من أي شهوة خاطئة. كما قال ذلك الأديب الحكيم: "افرحوا لا لشهوة نلتموها, بل لشهوة أذللتموها"...

حقا إن الله رقيب علي أفراحنا؟ يري كل ما يحدث فيها, ويحكم عليها, بالبر أو بالإثم.. ولعل من أبشع أنواع الفرح, هو الفرح بالشماتة, وهلاك الغير. وفي ذلك قال سليمان الحكيم: لا تفرح بسقطة عدوك, ولا يبتهج قلبك إذا عثر، ونص الآية هو: "لاَ تَفْرَحْ بِسُقُوطِ عَدُوِّكَ، وَلاَ يَبْتَهِجْ قَلْبُكَ إِذَا عَثَرَ" (سفر الأمثال 24: 17)... لئلا يغضب الله منك. إذن لا يليق بك أن تفرح إذا وقع خصمك في ضيقة أو في مشكلة...

بالإضافة إلي كل ما قلناه, نقول إن لكل شخص أفراحه الخاصة; كأن يفرح مثلا في عيد ميلاده, أو في عيد زواجه, أو في ميلاد أبنائه... كما يفرح أيضا بالتوظف وبالترقي إلي درجة أعلي... وكل هذا فرح طبيعي...

ومن الأمور التي تجلب الفرح أيضا النجاح والتفوق.

علي أن من الفضائل المتعلقة بالفرح: المشاركة فيه, أي أن نشارك الناس في أفراحهم, ونفرح معهم في فرحهم، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.  فالإنسان لا يعيش بمفرده في جزيرة نائية لا يتصل فيها بأحد. بل هو يعيش في مجتمع يرتبط فيه الكل بمشاعر واحدة، "فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 15). فإن كنت يا أخي لا تستطيع أن تشارك الغير فعليًا, بزيارة لهم في أفراحهم, فعلي الأقل بمكالمة تليفونية, أو برقية, أو بباقة ورد..

بقي أن أقول لك إن أسمي درجة من الفرح, هي الفرح براحة الضمير. وقد تفرح أنت بما يسعدك, ولكن أعظم من هذا بلا شك, أن تفرح بإسعاد الآخرين, أن تفرح برسم ابتسامة علي وجه شخص, أو إدخال البهجة في قلب إنسان...

لذلك كما تفرح في يوم العيد, ليتك تجعل غيرك يفرح معك أيضًا, وبخاصة ما يدخل الفرح إلي قلوب المحتاجين والفقراء والمعوزين واليتامى, والذين ليس لهم أحد يذكرهم.

فليكن كل هؤلاء في ذاكرتك وفي قلبك, وفي أهم الواجب عليك من عمل الخير في يوم العيد...


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/20-Makalat/2-Ahram/CopticPope-Articles-264-Happiness.html

تقصير الرابط:
tak.la/7ac4rn4