St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   20-Makalat  >   2-Ahram
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

مقالات البابا شنودة الثالث المنشورة في جريدة الأهرام يوم الأحد 20 مارس 2011

ما هدفك في الحياة؟

 

نلاحظ أن الذين نجحوا في حياتهم, كانت لغالبيتهم أهداف قوية وضعوها أمامهم, واستخدموا كل إمكاناتهم لتحقيقها. ومحبة الهدف والرغبة في تحقيقه, منحتهم حماسًا وقوة ونشاطًا, كما منحهم الهدف تركيزًا في حياتهم وتنظيما لها.

وكانت كل أعمالهم سائرة في طريق هذا الهدف في تجاه واحد بلا انحراف.

وأيضا جعل الهدف لحياتهم قيمة, إذ يشعرون أن هناك شيئا يعيشون من أجله, وأصبحت حياتهم هادفة لها قيمتها, وكل دقيقة من دقائق هذه الحياة صادر لها ثمن, وكلما كان الهدف في الحياة ساميًا وعاليًا, تكون قيمة الحياة أعظم, وتكون الحمية في القلب نارًا متقدة لتحقيقها.

أما الذي يعيش بلا هدف, فإن حياته تكون حملة وثقيلة عليه, بل تكون حياة لا معني لها ولا طعم, ولا اتجاه, ولا ثبات, وقد يدركه الملل والضجر في أحيان كثيرة, ويشعر بأن حياته رخيصة وضائقة وتافهة, يبحث فيها عن وسائل لقتل الوقت! لأن الوقت عنده لم تعد له قيمة ولا رسالة! وكثيرا ما يتساءل بعض هؤلاء: لماذا نحيا! لماذا خلقنا الله؟! ما معني الحياة؟ وما هو غرضها؟! إن أمثال هؤلاء مساكين يعيشون, ولا يعرفون لماذا يعيشون؟! تجرفهم دوامة الحياة دون أن يشعروا, وإن شعروا يسألون: إلي أين؟!

وفيما يحاول البعض أن يجعل له هدفًا ثابتًا في حياته, نري الشيطان يستغل الفرصة, فيجول في الأرض يوزع أهدافًا, وغرضه من ذلك أن يتيه الإنسان عن الهدف الحقيقي من الحياة, ولذلك يجعل أهل العالم يلتهبون في جحيم من الرغبات الزائلة التي يعتبرونها أهدافًا.

St-Takla.org         Image: Aim high, photograph by Tittoo صورة: التطلع لهدف أعلى - صورة فوتوغرافية لتيتتوو

St-Takla.org Image: Aim high, photograph by Tittoo

صورة في موقع الأنبا تكلا: التطلع لهدف أعلى - صورة فوتوغرافية لتيتتوو

ومن بين تلك الأهداف الخاطئة, الشهوة بكل أنواعها سواء شهوة الجسد, أو شهوة المال, أو شهوة السلطة والنفوذ والعلو المستمر, أو شهوة الرئاسة والزعامة, أو شهوة الحسد.

والبعض يتدني إلي أن يصل إلي شهوة اللذة, سواء كانت لذة الحواس, أو لذة الأكل والشراب, أو لذة الراحة والخمول, أو لذة المتعة بمديح الناس أو رضاهم, ونحن لا نسمي كل هذه أهدافًا, إنما هي رغبات وشهوات, وان حسبها البعض أهدافًا, تكون مجرد أهداف عارضة أو مؤقتة أو زائلة أو سطحية لا عمق لها, كما أنها محددة بزمن وليست ثابتة.

علي أن هناك هدفا اشمل يقع فيه غالبية الناس وهو الذات, فكل إنسان ممن يقعون في هذا الخطأ, يريد أن يبني ذاته ويكبرها, ويجعلها محور ومركز كل تفكيرها, يريد أن تكون لها الشهرة والسمعة الطيبة والعلو, ويجب أن يجعلها موضع رضا الكل ومديحهم, وينشغل بذاته حتى يهمل كل شيء في سبيلها, حتى مخافة الله!! فهي تدخل إلي جوار الله في القلب, ثم تتدرج حتى تملك القلب كله, وتبقي وحدها فيه, فيتحول الإنسان إلي عبادة الذات, ويظل كل حين يفكر: ماذا أكون؟ ومتى أكون, وكيف أكون, وكيف أتطور إلي ما هو أكبر وأعظم؟ ومن المؤسف بالأكثر أنه قد ترتبط ذاته بشهوات خاطئة، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.  وبهذا يبتعد عن الله بعدا تدريجيًا أو سريعًا, ويجذب بريق العالم الحاضر وأمجاده, وملاذه ولهوه, وأحلامه وأمانيه, وينشغل بكل هذا حتى ما يتفرغ أبدًا لأبديته! ويبقي مخدرًا بشهوات الدنيا وبعظمة الذات وسعادتها الوهمية وما يفيق من كل ذلك إلا ساعة الموت حينما يترك كل تلك المظاهر والأماني كارها.

وهناك نوع من الناس تتحول كل أهدافه لكي تتركز في غيره أو فيما هم حوله من الناس, بأن يقول هدفي هو نجاح فريق وتفوقه, أو أن كان فنانًا يقول أن هدفي هو أن أقدم رواية بغرض الحث علي فضيلة معينة أو مهاجمة إحدى الرذائل.

والبعض يقول أن هدفي هو الإصلاح بصفة عامة, وهذا الإصلاح أركز فيه كل مشاعري وجهدي ووقتي, ومثل هذا الشخص دائما يعمل من اجل إصلاح غيره, دون أن يفكر في إصلاح نفسه, ومن اجل الإصلاح تصير حياته سلسلة من المحاربات والاصطدامات, وفي طريق الإصلاح يشتم ويلعن ويشهر بغيره, وتكون لذته في نشر الفضائح وجميع الأخبار المسيئة إلي غيره, بل قد يقول أحيانا: إن هدفي الأكبر هو أن أحطم فلانًا, أو أن أحطم الهيئة الفلانية!!

والإصلاح أمر مهم للمجتمع, ولكن في كل ما ذكرناه عن ذلك يكون الخطأ في الوسيلة ذاتها إذا انحرفت, لان هناك من يعمل في إصلاح المجتمع أو الأفراد بطريقة سليمة وبلسان عفيف, لا يخطأ فيه إلي أحد.

وأنت يا أخي القارئ العزيز: لتكن أهدافك روحية, ووسائلك في تحقيق الأهداف روحية أيضًا, فمن جهة الذات مثلا, يمكن أن تهتم بذاتك اهتمامًا روحيًا, وتحاول أن تكون هذه الذات ساعية بكل الجهد أن تصل إلي نقاوة القلب, ونقاوة الفكر, ونقاوة الحواس, بل عليك بالأكثر أن تبذل ذاتك من أجل الله ومن أجل الآخرين, وحينئذ تجد ذاتك في عمق الوجود الحقيقي, تجدها في القداسة وفي البر وفي الكمال النسبي.

بعد كل ما قلناه من مقدمات, نقول إن الهدف الحقيقي من الحياة, هو إعدادها للأبدية السعيدة, فحياتنا علي الأرض -إذا قيست بالأبدية- تعتبر لاشيء, فعلي الإنسان إذن أن يعمل لآخرته, وكما قال السيد المسيح له المجد: "مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟" (إنجيل متى 16: 26؛ إنجيل مرقس 8: 36؛ إنجيل لوقا 9: 25). ولابد أن يأتي وقت نقف فيه أمام الله جل جلاله, لكي نجيب عن هذا السؤال المهم ما الذي حققناه طوال حياتنا علي الأرض؟ وهنا تجدر بنا أن نتذكر قول داود النبي للرب في احد مزاميره: "مَعَكَ لاَ أُرِيدُ شَيْئًا فِي الأَرْضِ" (سفر المزامير 73: 25), وقوله أيضًا: "جَعَلْتُ الرَّبَّ أَمَامِي فِي كُلِّ حِينٍ" (سفر المزامير 16: 8). فإن كانت علاقتنا مع الله هي أهم شيء في الحياة, فلا يليق بنا أن نشوِّه هذه العلاقة بأخطاء تبعدنا عن الله, سواء كانت أهدافًا زائلة أو خاطئة, أو كانت وسائل خاطئة لتحقيق تلك الأهداف.

اهتم إذن يا أخي الكريم في هدف حياتك, ولا تقول في فِكرك: إنني أفكر في يومي هذا فقط, أما عن الحياة كلها فلم أفكر في هدفها بعد!


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/20-Makalat/2-Ahram/CopticPope-Articles-240-Your-Aim-in-Life.html

تقصير الرابط:
tak.la/5wrh223